فقه علي رضي الله عنه في المصالحة ومراعاة حال الضرورة
والاستفادة منه في بلدنا ليبيا
إن فقه الضرورة فقه عظيم
يلجأ إليه المجتهد عند تحقق دواعيه وتوفر أسبابه, ومن الغلط البين إغفال هذا الفقه
وتناسيه؛ مما يؤدي إلى فتن عظيمة ومفاسد كبيرة.
فعند وجود العجز, أو ترتب
مفاسد كبيرة على جلب مصلحة يأتي فقه الضرورات, ومنه ما حصل في زمن علي لما قتل
عثمان رضي الله عنهم وإنما سميتها مصالحة من باب التجوز.
وتقرير هذا الفقه المقاصدي من الخليفة الراشد
علي رضي الله عنه على النحو الآتي:
لما قُتل عثمان رضي الله
عنه من قِبَل من خرج عليه من غوغاء الناس وسفهائهم, وتنادى الناس بمبايعة علي رضي
الله عنه, حصل خلاف في التعجيل بالقصاص من قتلة عثمان أو تأخير ذلك.
فاقتضى فقه علي رضي الله
عنه التأخير؛ إذ كان جماعة منهم في جيشه, ولم يستقر له أمر الخلافة على كماله
وتمامه.
فبنى علي رضي الله عنه اجتهاده
على ما تدعو إليه الشريعة من فقه المآلات والموازنة بين المصالح والمفاسد, وعدم
الاعتناء بجلب المصلحة إذا كان جلبها يفضي إلى مفسدة أكبر وفتنة أشد, وراعى أيضا حال
الضرورة, فهو لم يكن متمكنا من القصاص منهم
إلا بما فيه مفسدة أكبر؛ لأنهم كانوا أصحاب شوكة ولهم قبائل تغضب لهم, فأخذ بأدنى
المفسدتين, قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/ 407): (...بل لم يكن علي مع تفرق
الناس عليه متمكنا من قتل قتلة عثمان إلا بفتنة تزيد الأمر شرا وبلاء، ودفع أفسد الفاسدين
بالتزام أدناهما أولى من العكس؛ لأنهم كانوا عسكرا، وكان لهم قبائل تغضب لهم)
وقال محب الدين الخطيب في
تعليقه على العواصم من القواصم لابن العربي (ص: 165): (ليس في أهل السنة رجل واحد يتهم
عليا بقتل عثمان، لا في زماننا ولا في زمانه. وقد مضى الكلام على ذلك في هذا الكتاب.
وكل ما في الأمر وجود قتلة عثمان مع علي، وموقف علي منهم، وعذره بينه وبين الله في
موقفه هذا. فنحن جميعا على رأي القعقاع بن عمرو بأن موقف علي موقف ضرورة).
وهذا الفقه مع أن معاوية
رضي الله عنه كان معارضا له, فقد طالب عليا بدم قتلة عثمان إلا أنه لما تولى
الخلافة رجع إليه, قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/ 407): (ومما يبين ذلك
أن معاوية قد أجمع الناس عليه بعد موت علي، وصار أميرا على جميع المسلمين، ومع هذا
فلم يقتل قتلة عثمان الذين كانوا قد بقوا.
بل روي عنه أنه [لما قدم
المدينة حاجا فسمع الصوت في دار عثمان:
" يا أمير المؤمنين اه، يا أمير المؤمنين اه "
، فقال: ما هذا؟ قالوا:
بنت عثمان تندب عثمان. فصرف الناس، ثم ذهب إليها فقال: يا ابنة عم إن الناس قد
بذلوا لنا الطاعة على كره، وبذلنا لهم حلما على غيظ، فإن رددنا حلمنا ردوا طاعتهم؛
ولأن تكوني بنت أمير المؤمنين خير من أن تكوني واحدة من عرض الناس، فلا أسمعنك بعد
اليوم ذكرت عثمان).
الخلاصة المتعلقة
بالمصالحة في ليبيا:
يجب مراعاة حال الضرورة في
بلادنا ليبيا, والنظر إلى مسألة المصالحة نظرا مقاصديا مع عدم إغفال الحقوق عند
قيام الدولة وقوتها, وتفعيل القضاء, فالحقوق تؤخر إلى أن ينتفي العجز وتقوم الدولة
وتتحقق المصلحة بلا مفسدة أرجح.
كتبه: أحمد محمد الصادق
النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق