الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد, فإن من
مناط البدعة تخصيص التشريع, وهو الذي لا يعقل معناه, وإنما كان
مناط الابتداع؛ لأنه من خصائص الشارع في التشريع, والأصل فيه الوقوف على ما حده
الشارع.
وليس كل تخصيص هو من تخصيص التشريع, وإنما للتخصيص
صور منها ما يكون بدعة ومنها ما لا يكون بدعة, وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
الصورة الأولى:
تخصيص عبادة كصلاة أو ذكر في زمن مخصوص أو مكان مخصوص لذات الزمن والمكان,
بأن يكون المكان أو الزمان مقصودا لذاتيهما, ولأجلهما وقع التخصيص, كما لو أن
إنسانا عظم جبل حراء فخصص فيه صلاة ركعتين, فكان الباعث على الصلاة تعظيمه المكان,
أو أن إنسانا عظم شهر رمضان فخصه بتدريس الناس فكان الباعث على التدريس تعظيم
الزمن, فهذا هو تخصيص التشريع الذي هو مناط البدعة.
الصورة الثانية: تخصيص عبادة في زمن أو مكان لمعنى
مناسب من غير أن يمنع منه دليل خاص, كما لو كان يوم الأربعاء يوم راحة لزيد فكان
الأنسب له أن يخصه بصيام فخصه, أو خص رمضان بالتدريس قبل صلاة التراويح؛ لاجتماع
الناس وتفرغهم للسماع وكون قلوبهم مهيأة, ونحو ذلك, فلا يكون التخصيص هنا مناطا
للبدعة.
فيجب أن يكون الزمان والمكان ليسا مقصودين؛ حتى
يخرج التقييد عن حد الابتداع؛ لأن التقييد في التشريع المبتدع لابد أن يكون لذات
الزمان والمكان, لا لمعنى مناسب, ككونه أنسب له, بقيد ألا يعتقد أن فيه فضلا خاصا,ولا استحباب ذلك الشيء المخصوص؛ لأن الحكم باستحبابه على
تلك الهيئة الخاصة: يحتاج دليلا شرعيا عليه، بخلاف ما إذا فعل بناء على أنه من
جملة الخيرات التي لا تختص بذلك الوقت، ولا بتلك الهيئة, ولا بذلك العدد.
ويدل عليه: ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رجلا كان يقرأ قل هو الله
أحد في صلاته فقال النبي صلى الله عليه وسلم سلوه لم يفعل ذلك فقال لأنها صفة
الرحمن فأنا أحبها فقال أخبروه أن الله يحبه.
فلم ينكر عليه مداومته
عليها؛ لأن مداومته كانت لمعنى مناسب, وهو كونه يحبها, من غير أن يعتقد فيها فضلا
خاصا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق