ما مقصد الشارع من النهي عن إفراد يوم الجمعة بصيام؟ وهل يتناول النهي يوم عرفة إذا جاء يوم الجمعة؟
إن البحث عن مقصد الشارع أمر في غاية الأهمية؛ لما يترتب عليه من أحكام شرعية، فالحكم الشرعي يتغير بتغير مناطاته..
وبيان ذلك أن الحكم المطلق لإفراد يوم الجمعة بصيام: التحريم -على الصحيح-؛ لأن الأصل في النهي التحريم، ولحديثِ جُوَيْرِيَةَ بنتِ الحارث رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ: «أَصُمْتِ أَمْسِ؟»، قَالَتْ: «لَا»، قَالَ: «تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟» قَالَتْ: «لَا»، قَالَ: «فَأَفْطِرِي"
وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين
قال ابن حزم في المحلى:(ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن قيس بن السكن قال : مر ناس من أصحاب ابن مسعود بأبي ذر يوم جمعة وهم صيام فقال : عزمت عليكم لما أفطرتم فإنه يوم عيد - قيس بن السكن أدرك أبا ذر وجالسه . وعن علي بن أبي طالب أنه نهى عن تعمد صيام يوم الجمعة . ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور عن مجاهد عن أبي هريرة قال : لا تصم يوم الجمعة إلا أن تصوم قبله أو بعده . وهو قول إبراهيم النخعي ; ومجاهد ، والشعبي ، وابن سيرين وغيرهم ، وذكره إبراهيم عمن لقي ، وإنما لقي أصحاب ابن مسعود )
ثم قال:(وما نعلم لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم مخالفا أصلا في النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام)
وهناك اقول أخرى في المسألة، وليس المقصود هنا بيانها...
ويخرج من النهي ما لو قرن بيوم آخر فصام يوما قبله أو يوما بعده أو وافق عادة...
لكن ما مقصود الشارع من هذا النهي مع أن يوم الجمعة يوم عظمه الله؟
والجواب -والله أعلم- أن مقصوده سبحانه بيان أن تخصيص التشريع لا يكون إلا لله سبحانه
وقد جاء التصريح في رواية مسلم بأن النهي يعود إلى التخصيص لا إلى مطلق الصوم
فإطلاق حديث أبي هريرة في الصحيحين ( لايصوم أحدكم يوم الجمعة) مقيد برواية مسلم ( ولا تخصوا يوم الجمعة)
فليس لأحد أن يخص يوما بعبادة أو عمل أو أكل لذات اليوم ولو كان اليوم عظيما، فهذا من خصائص الله في التشريع
فتعظيم الزمن لا يكون إلا لله ولو حدث فيه أمر عظيم، وكذا تخصيص عمل فيه لأجل الزمن ولو كان مباحا فهذا لا يجوز؛ لأنه من خصائص الله سبحانه ...
لأجل هذا نهى الشارع عن إفراد يوم الجمعة بصيام
ففي رواية لمسلم : ( وَلَا تَخُصُّوا يَوْم الْجُمُعَة بِصِيَامٍ مِنْ بَيْن الْأَيَّام , إِلَّا أَنْ يَكُون فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ ) .
فهذا الاستثناء لما خرج عن المعنى المقصود بالنهي أجازه النبي صلى الله عليه وسلم
وإنما نُص على يوم الجمعة؛ لأنه يوم عظمه الله فيكون أدعى لتخصيصه بأعمال لم يات فيها دليل خاص.
وغير الجمعة من الأيام من باب أولى ؛ لأنه لم يأت فيها تعظيم لها.
وعلى هذا خُرج تحريم الأعياد المحدثة وما يحدث فيها من أعمال.
فإذا كان هذا هو المقصود من النهي كان من خصه بصيام لأجل معنى آخر لم يحرم ولم يتناوله النهي
فمن خصه -مثلا- بصيام لأجل أنه عرفة أو عاشوراء لم يحرم عليه ولم يتناوله النهي
فهنا حكم خاص رتب على مناط خاص فاختلف عن الحكم العام؛ لاختلاف المناطات.
وأنبه هنا إلى أن من جوز إفراد يوم الجمعة بصيام من الأئمة إنما جوزه؛ لورود دليل -عنده- على الجواز أخرجه عن تخصيص التشريع.
والخلاصة يجوز إفراد يوم الجمعة بصيام إذا كان يوم عرفة.
كتله د. أحمد محمد الصادق النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق