فوائد مستنبطة
من قوله تعالى:
[وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من
الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل]
الفائدة الأولى:
قوله: [وكلوا واشربوا] أمرٌ بالأكل
والشرب, والأصل في الأمر أنه للوجوب, لكنه صُرف هنا إلى الإباحة؛ لأنه
أمرٌ بعد الحظر, فرجع إلى ما كان عليه قبل الحظر.
وقد كان الرجل إذا نام حرم عليه الأكل والشرب؛
فنُسخ بهذه الآية.
وهذا
من أمثلة: مقصد التيسير ورفع الحرج.
وإباحة
الأكل والشرب هي من جهة الآحاد لا من جهة الجنس, فآحادهما مباح وجنسهما واجب؛ لقيام
حفظ النفس به.
الفائدة الثانية:
قوله:
[وكلوا
واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود] فيه تعليق الأمر بغاية, وهي:
أن يتبين الخيط الأبيض – وهو بياض النهار- من الخيط
الأسود – وهو سواد الليل-, وهذا
يفيد منع الحكم – إباحة الأكل والشرب- بعد الغاية.
وهذه
الغاية لم يسبقها لفظ عام؛ لأن الصيام شرعا يكون في النهار, فتكون مؤكدة للعموم
ومحققة له, فيستغرق إباحة الأكل والشرب كل الوقت, ومنه الوقت الملاصق للغاية التي
هي التبين من طلوع الفجر.
وعليه:
فلا يجب إمساك شيء من الليل.
وبهذه
الغاية عُلم انتهاء وقت الفطر منطوقا, ويفهم منها تحديد بداية الصوم, فالصوم يبدأ
من طلوع الفجر.
ولا تدخل الغاية هنا في المغيَّا, فليس طلوع
الفجر محل الأكل والشرب, وليس لمن تبين له أن يأكل ويشرب, بل يجب عليه أن يمسك.
وفيه
إشارة إلى جواز تأخير السحور إلى طلوع الفجر, فإذا طلع الفجر وجب الإمساك.
والفائدة
الأصولية هنا:
أن الغاية إما أن يسبقها لفظ عام أو لا, فإن سبقها لفظ عام فإنها تكون مخصِّصة,
وإن لم يسبقها فإنها تكون مؤكدة للعموم وأنه غير مخصَّص.
الفائدة الثالثة:
قوله:
[وكلوا
واشربوا]: فيه
إباحة كل ما صدق عليه الأكل والشرب مما هو مباح قبل طلوع الفجر, وبمفهوم المخالفة:
منع كل ما صدق عليه الأكل والشرب, كإبر التغذية, ونحوها.
فدلت الآية بمفهوم المخالفة – مفهوم الغاية- على
منع الأكل والشرب إذا تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
وهل
هو مطلق الأكل والشرب أو الذي يراد منه التغذية؟ فيه خلاف.
الفائدة الرابعة:
قوله: [وكلوا واشربوا] يدخل فيه الرجال
والنساء؛ لأنه إذا اجتمع النساء والرجال غُلِّب الرجال.
الفائدة الخامسة:
قوله: [وكلوا واشربوا] فيه: حذف
المتعلَّق, وهو: يدل على عموم الأكل والشرب.
الفائدة السادسة:
قوله:
[حتى
يتبين]: فيه
أنه لابد من التحقق من طلوع الفجر, ولذا جاء بصيغة التفعل.
ويحصل
التبين بأول الصبح الصادق.
والطريق
إليه إما بالمشاهدة, أو بالخبر, أو بالتقويم.
واختُلف
هل الإمساك إلى التبين نفسه أو إلى الشيء المتبين؟
الفائدة السابعة:
قوله:
[حتى
يتبين]: فيه
جواز الأكل والشرب حتى التبين, وهذا يدل على جواز الأكل والشرب عند الشك؛ لعدم
تحقق التبين, فلو شك هل طلع الفجر أو لا؟ فله أن يأكل ويشرب.
وإذا
ظن أن الفجر لم يطلع فأكل أو شرب ثم بان له أنه طلع, فلا قضاء عليه؛ لأنه فعل ما
أذن له الشارع.
ثم
إن الأصل بقاء الليل.
الفائدة الثامنة:
قوله: [من الفجر]: فيه بيانٌ لما
قد يُشكِل على بعضهم من ذكر الخيط الأبيض والأسود.
وليس هو من باب المجمل.
الفائدة التاسعة:
قوله:
[ثم
أتموا الصيام إلى الليل] فيه الأمر بإتمام الصيام إلى الليل, والأصل في الأمر
أنه للوجوب.
والمراد
بالليل هنا: غروب الشمس.
وارتفاع
وجوب الصوم إذا أقبل الليل ليس من باب النسخ, وإنما هو بيان.
الفائدة العاشرة:
قوله:
[ثم
أتموا الصيام إلى الليل] الأمر بالإتمام يدخل فيه كل مخاطب بصوم الفرض في وقته,
فيجب عليه أن يتم الصوم إلى الليل.
الفائدة الحادية عشرة:
قوله:
[إلى
الليل]
من شرط المغيَّا – وهو الإتمام هنا- إثباته قبل الغاية واستمراره إلى أن
يصل إلى الغاية -وهي الليل هنا-.
ويشكل: هل يوصف الصوم
بأنه تامٌّ قبل غروب الشمس, ويتكرر إلى الغروب؟ وهل الليل يكون غاية لتمام الصوم؟
والجواب: أنه ليس المراد
بالإتمام هنا من جهة الوقت؛ لعدم التعرض له, وإنما من جهة أخرى, كاجتناب ما يفسده أو
ينقصه, والإتيان بسننه, ونحو ذلك.
الفائدة الثانية عشرة:
قوله:
[إلى
الليل]
فيه تحديد وقت نهاية الصوم بالمنطوق, ويفهم منه بداية الفطر.
الفائدة الثالثة عشرة:
قوله:
[إلى
الليل]
فيه: أن الإفطار محله الليل, فإن ما قبل "إلى" مخالف لما بعدها في الحكم,
فقبل "إلى"
هو
إتمام الصيام, وما بعدها هو الإفطار.
والإفطار
يكون بمباشرة ما كان ممنوعا في الصوم.
الفائدة الرابعة عشرة:
قوله:
[إلى
الليل]
فيه: التعجيل بالفطر؛ لأن "إلى" للغاية يكتفى فيها بأولها من غير استيعاب.
الفائدة الخامسة عشرة:
قوله:
[ثم
أتموا الصيام إلى الليل] فيه كراهة الوصال؛ لأنه جعل غاية وجوب الإتمام: الليل.
والمتأمل يقف على فوائد كثيرة.
والله أعلم
كتبه
د. أحمد محمد الصادق
النجار
4-9-1437هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق