حكم نبش القبور لاستخراج السحر
هذه المسألة كثر حولها
الجدل في بلدنا, وتكتنفها عدة أصول؛ مما قوى الخلاف فيها, بعيدا عن سوء الظن.
فالأصل أن المؤمن محترم في
حياته وبعد مماته, فلا يجوز لأحد أن يقدم على نبش قبره مادام الميت فيه إلا أن
تكون هناك ضرورة تتعارض بسببها مصلحة الحي الضرورية مع مصلحة الميت, فهنا تقدم
المصلحة الضرورية للحي؛ لقوتها ورجحانها.
ولهذا استثنى الفقهاء صورا
تتحقق فيها الضرورة.
وقد أخرج مالك عن عبد الرحمن
بن أبي صعصعة، أنه بلغه «أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين
كانا قد حفر السيل قبرهما، وكان قبرهما مما يلي السيل، وكانا في قبر واحد وهما ممن
استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس،
وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه، فدفن وهو كذلك. فأميطت يده عن جرحه، ثم أرسلت
فرجعت كما كانت، وكان بين أحد، وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة»
قال ابن عبد البر في الاستذكار
(5/ 156): (وفيه لا بأس باستخراج الموتى من قبورهم إن وجد إلى ذلك ضرورة فأريد به الخير
وأن ذلك ليس في باب شيء من نبش)
وضابط الضرورة: ما يحصل
بعدمها موت أو مرض يهلك به الإنسان أو يقارب الهلاك.
والضرورة تقدر بقدرها, فلا
يتوسع في ارتكاب محرم الأصل.
وإذا نظرنا إلى أثر السحر
على الإنسان وجدنا أنه قد تحقق فيه وصف الضرورة فهو قد يقتل الإنسان أو يقارب على
هلاكه, خصوصا مع انتشاره في بلدنا وفشوه, وما سببه من انتحار ونحوه.
ولا ننظر إلى تعينه طريقا
للشفاء أو لا مادام قد بلغ حد الضرورة وكثر انتشاره وعظم إهلاكه.
وقد جاء في مواهب الجليل في
شرح مختصر خليل (1/ 304): (قال البرزلي وسئل ابن زيادة - رحمه الله تعالى - عمن أوصى
أن يجعل في أكفانه ختمة قرآن أو جزء منه أو جزء من أحاديث نبوية أو أدعية حسنة هل تنفذ
وصيته أم لا؟ وإذا لم تنفذ وقد عمل ذلك فهل ينبش ويخرج أم لا؟ فأجاب: لا أرى تنفيذ
وصيته وتجل أسماء الله تعالى عن الصديد والنجاسة فإن فات فأمر الأدعية خفيف والختمة
يجب أن تنبش وتخرج إذا طمع في المنفعة بها وأمن من كشف جسد الميت ومضرته والاطلاع على
عورته).
وجوز فقهاء الشافعية النبش
فيما هو أدنى من الضرورة, كما لو دفن من غير غسل, فالظاهر عندهم أنه ينبش القبر ويغسل, وكما لو دفن في أرض
مغصوبة وترك المالك إخراجه فإن حق الحي أولى بالمراعاة. الوسيط في المذهب (2/ 390)
وجاء في المغني لابن قدامة
الحنبلي (2/ 414): ( وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخرج قال أحمد : إذا نسي الحفار
مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها وقال في الشيء يسقط في القبر مثل الفأس والدراهم
: ينبش قال : إذا كان له قيمة يعني ينبش قيل : فإن أعطاه أولياء الميت ؟ قال : إن أعطوه
حقه أي شيء يريد وقد روي أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر النبي صلى الله عليه
و سلم ثم قال : خاتمي ففتح موضع منه فأخذ المغيرة خاتمه فكان يقول : أنا أقربكم عهدا
برسول الله صلى الله عليه و سلم)
فإذا جاز في هذا ففي الضرورة من باب أولى.
لكن يجب عدم الإقدام على
نبش القبر الذي الأصل فيه التحريم إلا إذا تُيقن أن فيه سحرا, فلا نقدم على مفسدة
النبش المعلومة لتحقيق مصلحة مظنونة أو متوهمة.
كتبه: د. أحمد محمد الصادق
النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق