ضابط العيد وبيان الأصل فيه
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن مصلحة تعظيم
الأعياد التي شرعها الله تقتضي منع إحداث أعياد أخرى
والعيد في لغة العرب: الوقت الذي يَعُودُ فيه الفَرَح
والحزن.
واشتقاقُه من عاد يَعُود،
كأنَّهم عادُوا إليه. ويمكن أن يقال لأنَّه يعود كلَّ عامٍ.
وعَن ابْن الْأَعرَابِي: سُمِّي
العِيد عِيداً؛ لِأَنَّهُ يعود كل سنة بفرح مجدَّد. [انظر معجم مقاييس اللغة (4/ 183) و تهذيب اللغة (3/ 85) ولسان العرب
(4/ 3159)]
وأما العيد في الشرع فهو
اسم لزمن معظم أو مكان معظم يجتمع الناس فيه ويعود بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو
الشهر، أو نحو ذلك.
فالعيد: يجمع أمورا:
يوم عائد .
اجتماع فيه.
أعمال تتبع ذلك: من العبادات.
انظر اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب
الجحيم (1/ 496)
والأصل في الأعياد
التوقيف؛ لأنها من جملة الشرع, بمعنى: أن إحداثها وإنشاءها يجب أن يكون من الله, ففي
سنن أبي
داود والنسائي من
حديث أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي
كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، قَالَ: " كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ
تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا:
يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى.
فلو كان إحداث العيد من
مقتضى العادات لما منع النبي صلى الله عليه وسلم أهل المدينة من اللعب في اليومين
اللذين كان أهل الجاهلية قد اتخذوهما للعب واللهو.
وهذا ما فهمه أهل القرون
الثلاثة؛ فقد تركوا إحداث الأعياد؛ مما يدل على أنهم جعلوها من جنس الشرع لا من
مقتضى العادات المحضة.
وقد فسر ابن عباس المنسك
بالعيد؛ مما يدل على أنه من جنس الشرع, ففي تفسير الطبري (18/ 679) عن ابن عباس، قوله:
(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) يقول: عيدا.
فال ابن تيمية في اقتضاء الصراط
المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 528): (...أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك،
التي قال الله سبحانه {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا
مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67] (5) كالقبلة والصلاة والصيام)
ولما كان العيد من الشرع خص
الله هذه الأمة بعيدين, ولم يبح لها أعياد من سبقهم ولو كان من مقتضى عاداتهم لا
دينهم.
كما أن تخصيص لعب الجواري
بالدف والغناء في العيد الشرعي في قوله «دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا،
وإن هذا عيدنا» يدل على منعه فيما يحدثه المسلمون من أعياد؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم علل ترخيصه للجاريتين الغناء بأنه عيد المسلمين؛ مما يدل
على أن العيد شرعي وصف لجواز غناء الجاريتين, فالرخصة معللة بالعيد الشرعي لا مطلق
العيد.
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة
أصحاب الجحيم (1/ 503): (فلو كانت الرخصة معلقة باسم (عيد) لكان الأعم مستقلا
بالحكم، فيكون الأخص عدم التأثير، فلما علل بالأخص علم أن الحكم لا يثبت بالوصف
الأعم، وهو مسمى: عيد، فلا يجوز لنا أن نفعل في كل عيد للناس من اللعب ما نفعل في
عيد المسلمين)
فإذ تبين لنا أن حقيقة
العيد تعظيم لزمن أو مكان, وأن الأعياد من جملة الشرع ظهر لنا أن كل زمن عظم أو كل
مكان عظم وعاد بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع ولم يدل عليه الشرع فهو عيد بدعي
ولو تعلق بالعادات دون العبادات
ذلك أن تعظيم زمن أو مكان
لم يعظمه الشرع تعد على حق الشارع في
التشريع وفيه مضاهاة لما شرعه الله من
أعياد.
أضف إلى ذلك أنه لما كان
الأصل في الأعياد التوقيف كان كل عيد لم يشرعه الله محدثا محرما.
والخلاصة: أن مناط منع
إحداث الأعياد:
1-أنه تعظيم زمن لذات الزمن
وهذا من التشريع.
2-فيه مضاهاة للعيد الذي
شرعه الله.
3-أن العيد من الشرع,
والشرع لا يتجاوز فيه النص.
وعليه فكل زمن عظم وصار
مقصودا وتكرر واجتمع الناس فيه وعملت فيه أعمال سواء كانت من جنس العبادات أو من
جنس المعاملات فهو عيد محدث, كالاحتفال بالمولد أو باليوم الوطني أو بعيد الميلاد
ونحو ذلك.
ولا ينظر لكون العيد دينيا
أو عاديا, فالعيد قد يكون اسمًا لنفس المكان، ولنفس الزمان، ولنفس الاجتماع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق