صلاة الجمعة في البيوت التي لا يتحقق فيها مقصود الجمعة
د.
أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة
علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من
لا نبي بعده
أما بعد؛ فإن
مقصود الشارع من إقامة صلاة الجمعة: اجتماع أهل البلدة في المكان الذي يحقق هذا
الاجتماع؛ ليقع المقصود الأعظم وهو: الاجتماع على الحق والتآلف.
ولهذا اشترط الأئمة شروطا تعود إلى اعتبار المكان
المحقق لاجتماع أهل البلدة بغض النظر عن صحة الاشتراط أو عدمه, كاشتراط إذن الإمام
وعدد مخصوص تنعقد بهم الجمعة ومسجد جامع إلى غير ذلك.
ولما كان هذا المقصود معتبرا نجد أن الأئمة إذا
تخلفوا عن الصلاة؛ لعذر لا يتحقق لهم معه مقصدالجمعة: صلوا في بيوتهم ظهرا وإن
كانوا جماعة, ففي مصنف ابن أبي شيبة عن موسى بن مسلم، قال: «شهدت إبراهيم التيمي،
وإبراهيم النخعي وزرا، وسلمة بن كهيل، فذكر زر والتيمي في يوم جمعة، ثم صلوا
الجمعة أربعا في مكانهم وكانوا خائفين»
وعن جميل بن عبيد الطائي،
قال: «رأيت إياس بن معاوية، وهو يومئذ قاضي البصرة، جاء إلى الجمعة، وفاتته فتقدم
فصلى بنا الظهر أربع ركعات»
فالذي يمنع من انعقادها في
البيوت الخاصة: فعل السلف الذين كانوا يصلونها ظهرا في بيوتهم وإقرار بعض الصحابة
ولا مخالف لهم, كما تقدم.
ومما يؤكد أن الجمعة لا
تكون في البيوت التي لا يتحقق فيها مقصود الجمعة أن الله أمر بالسعي إليها ونهى عن
البيع بعد النداء إليها؛ مما يدل على أنها لا تكون في البيوت الخاصة, قال تعالى:
[يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا
البيع]
وأما البيوت التي يتحقق
معها مقصد الاجتماع فلا بأس بصلاة الجمعة فيها في غير الضرر العام؛ لما رواه عبد
الرزاق عن نافع قال كان ابن عمر يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب
عليهم.
ولا يصح تجويزها في البيوت
الخاصة احتجاجا على جواز انعقاد الجماعة في البيوت؛ للفروق المؤثرة بين الجمعة
والجماعة, فالجمعة خصت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من
الاجتماع والعدد المخصوص واشتراط الإقامة، والاستيطان، والجهر بالقراءة, كما ذكر
ذلك ابن القيم في الزاد.
وتجويز صلاة الجمعة في البيوت
يذهب مقصد صلاة الجمعة, فتتعدد الجمع بتعدد البيوت, ولا يتحقق مقصد الاجتماع, وهو
مخالف لما عليه عمل الصحابة.
ومن قال من الفقهاء بجواز
صلاة الجمعة في غير المسجد لم يقصد البيوت التي لا يتحقق معها مقصد الجمعة, وإنما
أراد الأمكنة التي يتحقق فيها مقصود الجمعة من الاجتماع, ولهذا اشترطوا شروطا
مؤداها الاجتماع في المكان المحقق للمقصود.
بقي أن نجيب على من جوز
انعقادها بثلاثة كأبي العباس ابن تيمية رحمه الله حيث قال في المستدرك: (وتنعقد
الجمعة بثلاثة، واحد يخطب، واثنان يستمعان، وهو إحدى الروايات عن أحمد، وقول طائفة
من العلماء، وقد يقال بوجوبها على الأربعين لأنه لم يثبت وجوبها على من دونهم، وتصح
ممن دونهم، لأنه انتقال إلى أعلى الفرضين كالمريض، بخلاف المسافر فإن فرضه ركعتان)
فهو يرى صحتها بالثلاثة لا وجوبها.
والأقرب في هذا أنه لو لم
يكن في البلد إلا ثلاثة, أو قصروا فلم يأت للموضع الذي تقام فيه الصلاة إلا ثلاثة
فيصح وتنعقد, ولا يشترط الأربعون ولا الاثنا عشر.
وأنبه هنا أنه باتفاق أن
المرأة لا تنعقد بها الجمعة؛ لأنها ليست من أهلها.
إذا تقرر هذا فإنها تصلى
ظهرا في البيت إذا كان التخلف لعذر.
وفي نازلة وباء فايؤوس
كورونا يتعين صلاتها ظهرا في البيت؛ لما تقدم, ولا يصح استحداث جماعات لها؛ لكونها
سببا لانتشار الفايروس كما قرر الأطباء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق