أيها أفضل صلاة قيام رمضان في المسجد أو صلاتها في البيت؟
بادئ ذي بدء: صلاة القيام في
المسجد في شهر رمضان سنة على الكفاية, لا ينبغي تعطيل المساجد عن القيام, قال الليث
بن سعد: لو أن الناس قاموا في رمضان لأنفسهم ولأهليهم كلهم حتى يترك المسجد لا يقوم
فيه أحد لكان ينبغي أن يخرجوا من بيوتهم إلى المسجد حتى يقوموا فيه؛ لأن قيام الناس
في شهر رمضان من الأمر الذي لا ينبغي تركه, وهو مما بين عمر بن الخطاب للمسلمين وجمعهم
عليه. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (8/ 117)
وذكر الطحاوي أنه فرض
كفاية, وحكى عليه الإجماع, قال: (وقد أجمعوا على أنه لا يجوز تعطيل المساجد عن قيام رمضان، فصار هذا القيام واجبًا على
الكفاية, فمن فعله كان أفضل ممن انفرد كالفروض التي على الكفاية ) شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 120)
فيكون القيام في المسجد
لمن تتوقف عليه الصلاة في المسجد أفضل من الصلاة منفردا في البيت؛ تحقيقا لحديث :
(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ...).
فهذه الصورة ينبغي أن تخرج
من محل النزاع.
وأما في غير تعطل المساجد,
فقد ذهب مالك والشافعي إلى أن صلاة
المنفرد في بيته في رمضان أفضل.
واحتجوا بـ: صلاة النبي
صلى الله عليه وسلم في بيته منفردا.
و بما
أخرجه مسلمٌ في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: احتجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفه أو حصير، فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي فيها، قال: فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاته، قال: ثم جاؤوا ليلةً
فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، قال: فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم
وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبًا، فقال لهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ((ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيُكتَب عليكم، فعليكم
بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)).
فأمر بالصلاة في البيوت مع
فضل الصلاة في المسجد النبوي, وعلل ذلك بأنها خير.
وذهب جمهور العلماء كـ الليث بن سعد وعبد الله بن المبارك وإسحاق وأحمد
وغيرهم إلى أن الجماعة في المسجد أفضل
قال النووي في المجموع شرح
المهذب (4/ 31) عن صلاة التراويح: (وتجوز منفردا وجماعة وأيهما أفضل فيه وجهان مشهوران
كما ذكر المصنف وحكاهما جماعة قولين, الصحيح باتفاق الأصحاب أن الجماعة أفضل وهو المنصوص
في البويطي وبه قال أكثر أصحابنا المتقدمين)
وقال في المجموع شرح المهذب
(4/ 35): (قد ذكرنا أن الصحيح عندنا أن فعل التراويح في جماعة أفضل من الانفراد وبه
قال جماهير العلماء حتى أن علي بن موسى القمي ادعى فيه الإجماع)
واحتجوا بـ:
1-حديث: (من قام مع الإمام
حتى ينصرف كتب له قيام ليلة). رواه الخمسة وصححه الترمذي .
2-إجماع الصحابة على فعلها
جماعة.
قالوا: ولأنها من الشعائر
الظاهرة فأشبهت صلاة العيد.
والأقرب: أن الأفضل من حيث
الإطلاق صلاة التراويح جماعة في المسجد وذلك لأمور:
1-إدراك الفضل الوارد في حديث:
(من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة).
2-تحقيق مقصد جمع الكلمة
والاجتماع على إمام واحد.
3-مشروعية الجماعة لصلاة
التراويح.
وأما في حق المعين من
الناس فالأفضل يتفاوت من شخص إلى شخص بحسب ما يقترن به من صفات مرجحة, كأن يكون
الأنشط في حقه والأجمع لقلبه أن يصليها في البيت, فتكون صلاته في البيت أفضل له, ونحو
ذلك
بقي أن نجيب على حديث: ((ما
زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيُكتَب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير
صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)).
فالظاهر منه أن النبي صلى
الله عليه وسلم خشي أن تفرض عليهم فأرشدهم إلى الصلاة في البيت, وبين لهم فضيلة
الصلاة في البيت, فالأمر بالصلاة في البيوت وتعليله مبني على ما خشي منه النبي صلى
الله عليه وسلم, ولذا لما انتفى المانع لم
يصل الصحابة -أو كثير منهم- صلاة التراويح إلا جماعة.
ثم هو محمول على النافلة
التي لم تشرع لها الجماعة, وأما صلاة التراويح فتشرع لها الجماعة بإجماع الصحابة,
فتخرج من عموم الحديث.
والخلاصة: أن الأفضل في
عهده صلى الله عليه وسلم أن تصلى صلاة التراويح في البيت؛ لوجود المانع, وعدم مشروعية
الجماعة لها في جميع ليالي رمضان, فتدخل في عموم:(( فإن
خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)).
وأما بعد انتفاء المانع,
وشرعية الجماعة لها فالأفضل أن تصلى جماعة؛ إدراكا للفضل الوارد وتحقيقا لسنة عمر
رضي الله عنه واستبشار الصحابة بذلك, وقياسا على صلاة العيد وغيرها مما تشرع لها
الجماعة.
وأما قو ل عمر رضي الله
عنه في البخاري: (والتي ينامون عنها أفضل) فليس فيه ترجيح الانفراد ولا ترجيح فعلها في البيت,
وإنما فيه ترجيح قيام آخر الليل على قيام أوله, كما صرح به الراوي بقوله: يريد آخر
الليل. انظر: طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 96)
كتبه: أحمد محمد الصادق
النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق