أهل
الحديث: الطائفة الناجية
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة
علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة
والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد؛ فإن من إقامة الله الحجة على خلقه أن أحالهم إلى طائفة
عرفت الحق واختصت به, فجعل إصابة الحق من هداية الله لها وتوفيقه إياها, ومن حكمته
سبحانه أنه لم يجعله لآحادها وإنما جعله للطائفة, وأصل ذلك قوله تعالى: [والسابقون الأولون من
المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان]
وأهل
الحديث, هم: المتبعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره, فهم أعلم الناس بأقواله وأحواله, وأعظم معرفة بمعاني حديثه
واتباعا لها.
ولذا فإنهم فلا ينصبون مسألة ويجعلونها من أصول دينهم إلا إذا ثبتت ثبوتا
قطعيا أنها فيما جاء به الرسول, فهم أعلم الأمة وأخصها بعلم الرسول صلى الله عليه وسلم, وأعلم الناس
بالسابقين وأتبعهم لهم.
وهم الذين أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما جاء عن معاوية - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "
لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر
الله وهم ظاهرون على الناس" رواه البخاري ومسلم
قال علي بن المديني (234 هـ): ( إن المقصود
بالطائفة: أهل الحديث الذين يتعاهدون مذاهب الرسول صلى الله عليه وسلم ويذبون عن
العلم، لولاهم لم تجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي شيئًا
من السنن)
وقال الإمام أحمد (241هـ) لما سئل عن الجماعة:
"إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟)-
فصل, أهل الحديث مذهبهم حق
لا باطل فيه؛ وذلك أنه لما كانت نصوص الكتاب والسنة منها ما هو نص في الدلالة
ومنها ما هو ظاهر في الدلالة ومنها ما هو مجمل لم تقم الحجة على الخلق فيما كان
ظاهرا ومجملا إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ما دلت عليه النصوص
بيانا شافيا, وقد قال تعالى: [لتبين للناس ما أنزل إليهم] ، ففصل لهم النصوص تفصيلا
يزول معه الاشتباه والاشتراك والإجمال المنافي لفهم المراد بالخطاب الذي انقطع به
العذر، وإذا كان المخاطبون لم يفهموا معنى كلامه لم يكن قد بلغهم بلاغا مبينا.
وإذا علم أن الصحابة أخذوا
عن الرسول لفظ القرآن ومعناه, بل أخذوا عنه المعاني وعبروا عنها بألفاظ مختلفة؛
مما يدل على فهمهم الدلالة على وجهها؛ حتى عبروا عنها بألفاظ أخرى, فلا يحتاج مع
بيانهم إلى لغة أحد.
نعم, قد يختلفون في
المعاني كاختلافهم في نقل الألفاظ, وإنما الكلام هنا فيما لم يختلفوا فيه أو لم
ينقل فيه خلاف, وما اختلفوا فيه على معنيين فلا يجوز إحداث معنى ثالث.
فحصل للصحابة ما لم يحصل
لغيرهم من رؤية الحال التي نزل عليها الخطاب, والعلم بالمراد, ومشاهدة التنزيل,
فليس من سمع ورأى وعلم حال المتكلم كمن كان غائبا عنه، وإذا كان هذا هو حال
الصحابة كان من اعتنى بنقل مذهبهم هم أولى الناس بالحق بل الحق لا يتجاوز مذهبهم.
وهذه الدلالة تلقاها
الصحابة عن التابعين, وتلقاها تابعو التابعين عن التابعين, واعتنى بنقلها أهل
الحديث نقلا بالسند, وحكاية الأقوال.
فلهذه الخصائص التي تميز
بها أهل الحديث عن غيرهم كان مذهبهم حقا لا مرية فيه, وما وجد من حق في الطوائف
الأخرى فلموافقتهم الحق الذي عند أهل الحديث, ولا تمتدح طائفة إلا بالحق الذي
عندهم الموافق لما عليه أهل الحديث.
فمذهب أهل الحديث قائم على
نقل معاني نصوص الكتاب والسنة ومراد الشارع ممن أخذها مباشرة أو بواسطة عن المبلغ
عن الله.
ومذهب غيرهم قائم على
العدول عن المعاني المنقولة عن الصحابة, وهو من تحريف الكلم عن مواضعه الذي ذم
الله به اليهود في قوله: [أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه]
ولازم مذهبهم أن الصحابة كانوا أميين معرضين عن المعاني,
فلا يعلمون إلا الألفاظ, وهذا أمر لا يليق بالصحابة وقد ذم الله المعرض عن الكلام
في معنى النصوص فقال: [ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني] فكيف يليق بمسلم يصحح مذهبا من لازمه الذي لا ينفك عنه
جَعْلُ الصحابة كالأميين المعرضين عن تفهم معنى النصوص وتعقلها وتدبرها؟!
ومذهب أهل الحديث قائم على
العلم الضروري القائم على تواتر النصوص تواترا معنويا, فإن تواتر النصوص على معنى
واحد يوجب علما ضروريا بهذا المعنى أعظم من العلم بجود حاتم وشجاعة عنترة, وهذا
يعلمه أهل الحديث؛ لعلمهم بالأحاديث وطرقها ونقلتها, وهذا ما لا يوجد عند غيرهم,
فتجد عند غيرهم قلة معرفة بطرق الأحاديث, وعدم خبرة بالنقلة, وعدم اعتناء بالرواية,
ولهذا لم ينسبوا إلى الحديث.
ومن هنا تجد أن أهل الحديث
يقطعون بما تضمنته النصوص, ويقطعون بأن من كذب بمعنى النصوص فهو ضال.
ومذهب أهل الحديث ينشأ عنه
الثبات والاستقرار, فتجد أهل الحديث ثابتين مستقرين لا ينتقلون من قول إلى قول
مناقض للأول, ولا يرجعون عن اعتقادهم, بخلاف ما عليه غيرهم.
لذا كان مذهبهم حقا لا
يتطرق إليه الخطأ بوجه من الوجوه.
خاتمة, لا يصح ربط مذهب
أهل الحديث بمذهب فقهي معين, كأن يقال هو مذهب الحنابلة أو مذهب المالكية؛ إذ إن
ربطه بمذهب يضعف مذهب أهل الحديث المبني على التواتر والإجماع القطعي, ويجعله
مذهبا سائغ الاتباع لا واجب الاتباع, وهذا ما يدندن حوله البعض, وغفلوا أنه مذهب
واجب الاتباع, قد أخذ قوته من قوة مصدره, فهو يعتمد على النقل المتواتر عن الصحابة
والتابعين, ويتعلق بمنهج الاستدلال وأصول الدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق