الخلاف بين الشريعة والدساتير
الوضعية في أصل باب الإمامة
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد
لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فإن الناطر في النصوص الواردة في الإمامة
الكبرى يجد أنها تواترت تواترا معنويا على أمر وهو: أن فساد نزع اليد من الطاعة
أعظم وأرجح, فليس في عزل الحاكم المسلم أو في الخروج عليه أو عدم السمع والطاعة
مصلحة راجحة.
ولذا أمرت بالصبر, وسؤال الله حق الرعية إلى غير ذلك.
وإذا كان أعظم وأرجح بدلالة النصوص, فلا يحق لأحد أن يُسوِّغ
بحجة وجود المصلحة الراجحة, أو احتمالية المصلحة الراجحة.
قال ابن تيمية: (فإن الحاكم إذا ولاه ذو الشوكة لا يمكن عزله
إلا بفتنة، ومتى كان السعي في عزله مفسدة أعظم من مفسدة بقائه، لم يجز الإتيان بأعظم
الفسادين لدفع أدناهما، وكذلك الإمام الأعظم.
ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج
على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل
بظلمهم بدون قتال ولا فتنة, فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما, ولعله لا يكاد
يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته). منهاج السنة النبوية
(3/ 391)
فهذا الباب لم تلتفت الشريعة فيه إلا على المفسدة
الراجحة, ولم تعتبر المصلحة؛ لكونها مرجوحة على كل حال, أو في الأغلب.
ومن هنا يظهر خطأ من يعلق هذا الباب على المصالح
والمفاسد, فإن هذا مخالفا للدلالة القطعية للنصوص؛ إذ إنها لم تعلق الحكم إلا على
المفسدة الراجحة.
فهكذا بنت الشريعة هذا الباب, وسدت كل ذريعة تؤدي إلى
الفوضى العامة, وانتهاك الضرورات الخمس.
بينما نجد الدساتير القائمة على الفكر والتي هي من وضع
البشر لم تعتمد أصل الشريعة في بناء باب الإمامة على درء المفسدة الراجحة, فجوزت
التعاقد على أداء الحقوق, وأن للأمة برشيدها وسفيهها حق اختيار الإمام وأن لهم
عزله وفسخ إمامته إذا قصر في حقوقه.
ولذا كان الرضا والتوافق على ما نصت عليه الدساتير مخالفا
للشريعة, ويقود إلى الفتنة.
هذا بالنظر إلى أصل الباب, فكيف إذا كان النظر خاصا
جزئيا؟
وفي الصحيحين عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال
لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها.
قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: " تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله
الذي لكم»
قال ابن تيمية تعليقا على هذا الحديث:( فقد أخبر النبي - صلى الله
عليه وسلم - أن الأمراء يظلمون ويفعلون أمورا منكرة، ومع هذا فأمرنا أن نؤتيهم الحق
الذي لهم، ونسأل الله الحق الذي لنا، ولم يأذن في أخذ الحق بالقتال ولم يرخص في ترك
الحق الذي لهم). منهاج السنة النبوية (3/ 392).
فتبين لنا أن ما قامت عليه الدساتير مخالف لما راعته
الشريعة والتفتت إليه, فكيف
يقال: إن القوانين الوضعية في هذا الباب لم تخالف أصلا شرعيا؟!!
أو يقال: ما قامت عليه القوانين الوضعية يحقق مصالح
عامة؟!!
والحق أنه لا يمكن حفظ الدين والضرورات إلا بمراعاة أصل
الشريعة في باب الإمامة, وكان أحظ الناس بهذا هم أهل الحديث.
أكتفي بهذا, والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق