حكم
أخذ المضحي من شعر رأسه وبشرته
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فإن الناظر
في نصوص هذه المسألة يجد أن أصلها نصان ظاهرها التعارض, وهما: حديث أم سلمة عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - «إذا أراد أحدكم أن يضحي ودخل العشر فلا يأخذ من
شعره ولا من بشرته شيئا» مع حديث عائشة: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - ثم يبعث به وهو مقيم لا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم»
ففي حديث أم سلمة النهي عن
الأخذ من الشعر والبشرة لمن أراد أن يضحي, وأما حديث عائشة فيه بيان عدم تحريم ما
يحرم على الحاج على من يرسل هديه وهو لا يريد الحج, فهنا تعارض أمره وفعله صلى
الله عليه وسلم.
ووجه من جعلهما متعارضين
مع أن الأول في الأضحية والثاني في الهدي هو: طرد العلة, فإن العلة: حصول المغفرة
والتطهير لجميع أجزائه فيبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار وقيل للتشبيه بالمحرمين
وضُعِّف, والعلة إذا لم تطرد مع مساويها فهذا يدل على فسادها.
لكن الأقرب هو إعمال
النصيين؛ لأن قياس أحد النصين على الآخر ينقضه النص الآخر.
وإعمال النصين إما بـ:
1-حمل حديث عائشة في
اجتناب المحرم على النساء, فلا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم في النساء, لا
في الأخذ من الشعر والبشرة, ويؤيد هذا ما جاء في في
البخاري (5566) أيضًا عن الشعبي عن مسروق: أنه أتى عائشة، فقال لها: يا أم
المؤمنين، إن رجلًا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر، فيوصي أن تُقلَّد
بدنته، فلا يزال من ذلك اليوم محرمًا حتى يحل الناس، قال: فسمعت تصفيقها من وراء
الحجاب، فقالت: «لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبعث هديه
إلى الكعبة، فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله، حتى يرجع الناس». وروى مسلم
(1321) عن القاسم، عن أم المؤمنين، قالت: «أنا فتلت تلك القلائد من عِهنٍ كان
عندنا، فأصبح فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالًا، يأتي ما يأتي الحلال من
أهله، أو يأتي ما يأتي الرجل من أهله»
2-حمل حديث عائشة على من
يرسل هديا, وحمل حديث أم سلمة على المضحي, قال أحمد ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديث
أم سلمة وحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث الهدي لم يحرم عليه شيء
فبقى ساكتا ولم يجب
وذكرته ليحيى بن سعيد فقال
ذاك له وجه وهذا له وجه وحديث أم سلمة لمن أراد أن يضحي بالمصر وحديث عائشة لمن بعث
بهديه وأقام
قال أحمد وهكذا أقول حديث عائشة
هو على المقيم الذي يرسل بهديه ولا يريد أن يضحي بعد ذلك الهدي الذي بعث به فإن أراد
أن يضحي لم يأخذ من شعره شيئا ولا من أظفاره على أن حديث أم سلمة هو عندي على كل من
أراد أن يضحي في مصره.
حكى ذلك كله عنه الأثرم. [الاستذكار
(4/ 85)]
فبالنظر إلى مقتضى ما تقدم
يتبين لنا أن المضحي منهي عن أن يأخذ شيئا من شعره ولا من بشرته, ففي شرح مشكل
الآثار من طريقه عن كثير , أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان: أن الرجل إذا اشترى
أضحيته وسماها، ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره حتى يضحي. قال قتادة: فذكرت ذلك
لسعيد بن المسيب، فقال: نعم، قلت: عمن يا أبا محمد؟ قال: عن أصحاب محمد صلى الله
عليه وسلم " فهذا هو القول عندنا في هذا الباب.
لكن يبقى هل النهي للتحريم
أو الكراهة؟
فذهب المالكية إلى الكراهة.
قالوا: والنهي إذا لم يقتض
التحريم حمل على الكراهة. ودليلنا على نفي الوجوب حديث عائشة المتقدم في كتاب الحج:
فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسل بيدي، ثم بعثت مع أبي فلم يحرم علي رسول
الله صلى الله عليه وسلم شيئا أحله الله له. ولا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسل ضحى
في ذلك العام.[ التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (3/ 279)]
فعمدتهم في صرف النهي عن
التحريم: حديث عائشة, وقد تقدم بيان وجهه.
وذهب الحنابلة إلى التحريم.
قالوا: ظاهر هذا تحريم قص الشعر. [المغني لابن قدامة (9/ 436)]
والأقرب هو القول
بالتحريم؛ لأن الأصل في النهي التحريم, وأما حديث عائشة فقد تقدم الكلام عليه, ثم
إن حديث أم سلمة أخص من حديث عائشة, فما يحرم على الحاج أعم من الأخذ من الشعر
والبشرة, والخاص يقضي على العام, فيتناول حديث عائشة ما عدا الأخذ من الشعر
والبشرة.
ولا يصح القياس؛ لأن النص
يبطله.
ولو فرضنا تعارض حديث أم
سلمة مع حديث عائشة من كل وجه, فحديث أم سلمة قول وحديث عائشة فعل, والقول أقوى من
الفعل في غير بيان الهيئات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق