حقيقة الهدنة الجائزة مع الكفار تخالف
حقيقة التطبيع المعاصر
الهدنة الجائزة تخالف
التطبي ع المعاصر في الموضوع ولزوم العقد وجوازه, فعقد الهدنة مع الكفار ليس
موضوعا على التأبيد, وأما التطبيع المعاصر مع الكفار فهو موضوع على التأبيد, فاختلفت
الحقائق, ولذا لا يصح حمل التطبيع على الهدنة والصلح؛ لاختلاف الحقائق, وإذا
اختلفت الحقائق تغايرت الأحكام.
ومن جهة أخرى, التطبيع لازم,
وأما الهدنة فليس من شرطها أن تكون لازمة.
وتفصيل ذلك: أن الهدنة تجوز
مطلقة ومقيدة إلا أن المقيدة بمدة تكون لازمة يجب الوفاء بها, وأما المطلقة فلا تكون
إلا جائزة الإمضاء والفسخ لا لازمة, ويرجع في ذلك للمصلحة.
قال ابن القيم في أحكام أهل
الذمة (2/ 877): (وعامة عهود النبي - صلى الله عليه وسلم - مع المشركين كانت كذلك مطلقة
غير مؤقتة، جائزة غير لازمة، منها عهده مع أهل خيبر، مع أن خيبر فتحت، وصارت للمسلمين،
لكن سكانها كانوا هم اليهود، ولم يكن عندهم مسلم، ولم تكن بعد نزلت آية الجزية، إنما
نزلت في " براءة " عام تبوك سنة تسع من الهجرة، وخيبر فتحت قبل مكة بعد الحديبية
سنة سبع. ومع هذا، فاليهود كانوا تحت حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن العقار
ملك المسلمين دونهم).
وإذا كان الفقهاء قد
اختلفوا في جواز الهدنة المطلقة, وصورتها: أن تقيد بالمشيئة وجواز الفسخ فيقال
مثلا: نعاهدهم ما شئنا.
وقد منعها جماعة؛ لأنها
تفضي إلى ترك الجهاد بالكلية, كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني.
فكيف يكون الحكم في السلام
الدائم, والعقد اللازم؟!!
ثم لو فرضنا جواز الهدنة
مع الكفار على التأبيد فمن شرط جوازها: عدم الشرط الفاسد, والتطبيع اشتمل على شروط
فاسدة, منها: استيطان اليهود في بلاد المسلمين, وبقاء أراضي المسلمين في أيديهم
وتحت حكمهم...؛ مما يدل على أن حكمه التحريم.
فهذا يوضح لنا حكم التطبيع
المعاصر, ومخالفته للإجماع, ومناقضته للشرع.
والأصل في مثل هذه العقود
المتعلقة بالأمة الإسلامية ومقدساتها أن تصدر من إمام المسلمين وخليفتهم أو نائبه
فإن لم يكن فمن مجموع ولاة الأمور بعد استشارة علماء الأمة وتقدير المصالح على ألا
يكون على التأبيد ويكون جائزا لا لازما حال عجز الأمة وضعفها.
وأما هل التطبيع كفر أكبر ؟
فيقال: التطبيع نوع
موالاة, لابد من التفصيل فيه, فإن كان الباعث عليه نصرة دين الكفار وتمكنيه وحب له
فلا شك في كونه كفرا أكبر.
وأما إذا كان الباعث عليه
الدنيا والوجاهة والبقاء في السلطة فهو محرم وجرم كبير.
كتبه: د. أحمد محمد الصادق
النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق