[أنت تدعي أن
المسألة أصل ومخالفك يدعي أن خلاف قولك أصل, فمن نتبع؟]
إن وصف مسألة ما بأنها
قطعية؛ لدلالة الأدلة القطعية عليها: في الأصل يجب ألا يختلف الناس فيه؛ لأن من
خصائص القطعي ألا يتطرق إليه الخطأ بوجه من الوجوه, ولا يحتمل الاختلاف فيه, لكن
لما تباينت آراء الناس في تحديد الكلي والقطعي من الأدلة واختلفت مناهج استدلالهم
ترتب على ذلك تباينهم في عد المسألة قطعية أو لا.
وأعطي مثالا واضحا لا غبار
عليه يوضح, فالسلف يرون علو الذات أصلا ولا يقبل الاجتهاد, والمتكلمون يرون إنكار
علو الذات أصلا ولا يقبلون خلاف قولهم بل يعدون خلاف قولهم كفرا, وهذا الاختلاف في
تحديد الأصل ناشئ عن تباينهم في تعيين الأدلة القطعية.
وقد علم الله أزلا أن هذا
سيقع, ووقوعه في أمر لا عذر للناس فيه من جهة وضوح دلالة الأدلة عليه, ولذا حدد
لهم طائفة بها يعرف جنس الأدلة القطعية وما ترتب عليه من مسائل قطعية, فلم يتركهم
لأهوائهم واجتهاداتهم في تحديد الأصول ولا إلى أشياخهم ومدارسهم ومذاهبهم, فليس
الحَكَم هو المذهب والأشياخ وإنما الحكم موافقة هذه الطائفة في المنهج الاستدلالي
وفي عدم الخروج عن أقوالهم في المسائل التي تكلموا فيها.
ولو تركهم الله لمدارسهم
لترتب عليه إما تعدد الحق, أو ضياع الحق بين هذه الادعاءات, وكلا الأمرين فاسد.
فالحق المطلق فيما ثبت عن
هذه الطائفة, وأعني بها: الصحابة ومن اتبعهم بإحسان, كما قال تعالى: [فإن آمنوا
بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا], وقال [والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار
والذين اتبعوهم بإحسان]
ومداد هؤلاء ووراثهم هم
أهل الحديث دون غيرهم, وقد بينت ذلك في مقالات, ولذا نتبعهم, فما رأوه أصلا عددناه
أصلا ولم نقبل الخلاف فيه, ولم يسع أن نعبر عنه إلا بالعبارات التي تفيد القطعية
وتمنع الاختلاف, وما رأوه اجتهادا تحتمله الأدلة واختلفوا فيه قلنا بخلافهم ووسعنا
الأمر فيه وقبلنا الرأي المخالف.
وهذا ما تعلمناه من كتب
الأئمة, فقد قال الأوزاعي: (( العلم ما جاء عن أصحاب محمد r, وما
لم يجيء عن أصحاب محمد r فليس بعلم )) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/769
وَعَن ابنِ وَهْبٍ قال: قلت لمالكٍ رضي الله عنه :
أرأيْتَ القَومَ يجتمِعُونَ فَيَقْرَؤُونَ
جميعا سُورَةً واحِدَةً حتى يَخْتِمُوها فَأنكَرَ ذلك وَعَابَهُ, وقالَ : لَيسَ
هكذا كانَ يَصنَعُ النَّاس,
إنما كانَ يَقرَأُ الرَّجُلُ على الآخَرِ يَعْرِضُهُ )) المدخل لابن الحاج (1/91)
وقال ابن عبد البر: (( قولُ مجاهدٍ هذا مردودٌ بالسُّنَّةِ
الثابتةِ عن النبي r, وأقاويلِ الصحابة, وجمهور السلف, وهو قولٌ عند أهل السنة مهجورٌ,
والذي عليه جماعَتُهُم ما ثبَتَ في ذلك عن نبيهم r, وليس من العلماء أحدٌ إلا وهو يُؤخَذ من قولِهِ ويُتركُ إلا رسول
الله r )) التمهيد لما في الموطأ من المعاني
والأسانيد (7/158)
وقد من الله علينا
بالدراسة التفصيلية لمذهب أهل الحديث منهجا استدلاليا ومسائل, وبالدراسة التفصيلية
لا الإجمالية لمذاهب غيرهم, ولا ندعى عصمة, لكن ما ادعينا أنه أصل فللمخالف أن
يبطل الادعاء بنقل مذهب الصحابة ومن اتبعهم بإحسان على أنه ليس أصلا, أما أن يعتمد
على غيرهم في عد مسائل الأصول وهم أربابها والمرجع في تحديدها فهذا مما لا يقبل
ولا يصح منهجا ولا طريقة.
كتبه: أحمد محمد الصادق
النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق