هل هناك تغاير بين ولي
الأمر الشرعي والحاكم؟ وهل حكام زماننا ولاة شرعيون؟
إن ما يذهب إليه بعض
الإخوة من التفريق بين ولي الأمر الشرعي والحاكم؛ بناء على أن الحاكم -المسلم الذي
استقر له الأمر وانقاد له الناس وساسهم طاعة أو قهرا- لا يلزم أن تكون ولايته
شرعية: ناتج عن عدم تصور نوعي الولاية الشرعية, فالولاية الشرعية لها كمال وأصل,
فكمالها: ما أقرته الشريعة ابتداء من طريقة تنصيبه وتوفرت الشروط فيه, وانتهاء من
البيعة والسمع والطاعة في المعروف كخلافة الخلفاء الراشدين, وأما أصلها فما أقرته
الشريعة باعتبار انتهائها؛ مراعاة لحال الضرورة ودفع المفسدة الكبرى واحتمال أدنى
المفسدتين, فالشريعة هي التي أعطته أحكام الولاية فكان بهذا الاعتبار حاكما شرعيا,
وهي إنما أعطته هذه الأحكام لاستقرار الأمر له ونفاذ أحكامه وسلطانه, كما أنها
نظرت هنا للمآلات لا للاستحقاق, فمن تخلفت فيه شروط الإمامة ليست مستحقا لها
ابتداء لكن لما كان في عدم اعتباره وليا مفاسد كبرى أعطته أحكام الولاية من السمع
والطاعة وحرمت الخروج عليه ...
وباب الولاية يقوم على
تحصيل المصالح ودفع المفاسد, وعند تعارضهما يغلب جانب درء المفاسد.
كما أن مقاصد الإمامة لها
أيضا كمال وأصل, فمن مقاصد الإمامة أن تكون شعائر الإسلام ظاهرة.
وهذا ينطبق على حكام زماننا
وغيرهم ما دام اسم الإسلام واقعا عليه ولم يخرجوا عنه.
وليت الأمر وقف على
مصطلحات, أنسميه حاكما أو ولي أمر شرعي؟ وإنما تعدى الأمر إلى ترتيب أحكام على هذا
التفريق, فمن لم يعتبره ولي أمر شرعي منع بيعته وانعقاد ولايته وإعانته وتعدى عليه
بالسب والاستهزاء والتسفيه إلى غير ذلك.
ولاشك أن هذا ينافي الأصل
المرعي في باب الولاية, ويسبب الفوضى وتنتج عنه مفاسد كبرى, وهذا الذي منع منه
الشرع ولأجله أعطاه أحكام الولاية وعده وليا شرعيا انتهاء.
ومما يذكر في هذا الباب
مما لم يبن على أصل باب الولاية: التفريق بين حكم الحاكم في نفسه وحكم نظامه؛
استنادا على قوله صلى الله عليه وسلم: "يقودكم بكتاب
الله", كما هو مقرر في كتاب الإمامة العظمى.
وغفل أنه قيدٌ في السمع والطاعة المعينة لا في
الولاية, فمن يقود الرعية بغير كتاب الله في آحاد المسائل من غير أن يكفر عينا
فإنه تبقى ولايته إلا أنه لا يسمع له ويطاع في كل ما يخالف فيه كتاب الله.
فالحديث سيق لإثبات لوازم الولاية الشرعية للعبد
الحبشي, وأنه يسمع له ويطاع إلا في المعصية, كما
جاء عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اسمعوا
وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» .
ويشهد لهذا أيضا: دلالة النصوص على بقاء
الولاية مع عدم السمع والطاعة في المعصية.
وهذا المأمون والمعتصم والواثق قادوا الأمة بمسائل
كفرية جهمية, وبقيت ولايتهم عند علماء أهل السنة في عصرهم.
وإن الناظر في جملة ممن
تكلم في هذا الموضوع يجد أن نزعهم الولاية من حكام المسلمين سببه خلل في أصل
المسألة التي لأجلها نزع الولاية, كمن نزعها بناء على أن الحكم بغير ما أنزل الله
كفر أكبر مخرج من الملة, أو الدخول في المواثيق الدولية كفر أكبر, أو أن دعم الغرب
لحاكم أو تنصيبه كفر أكبر, أو أن مطلق الموالاة كفر أكبر, وهكذا, فلما ضل في الأصل
ضل فيما نتج عنه.
وإذا طبقنا نظرية هؤلاء
وشروطهم ما بقي للمسلمين في عصرنا حاكم, وخلا العصر من وجود جماعة لها إمام, ونتج
عنه تضليل عامة المسلمين, ويشتد الأمر إذا كُفِّر الحكام جملة ونوابهم ومساعدوهم
وشرطهم وهلم جرا.
نعم, حكام زماننا ليسوا
على درجة واحدة, فمنهم من كفر عينا, ومنهم من وقع في كفر, ومنهم من سلم من ذلك,
ولا تجد حاكما مسلما في الجملة إلا وهو يحكم شيئا من الشريعة قل أو كثر, وشعائر
الإسلام في الدول الإسلامية ظاهرة في الجملة فالصلوات تقام في المساجد والأذان تسمع
في المآذن إلى غير ذلك.
وعندما أقرر هذا لا يعني
أني أقف في جانب ظلمهم وجورهم وعدم تحكيم كامل الشريعة ووو
لا, ولكن أراعي مصلحة
الأمة وأدفع عنها المفاسد الكبرى, ولأخفف وطئة بعض شبابنا الذين يسمعون لأناس
جروهم للفتن, وعدم تقدير الأمور, وحركوا عواطفهم من غير ضبط لها بالشرع, ولأصحح
مفاهيم مغلوطة.
وهذا التقرير لا يتنافى مع
نصحهم وإنكار المنكرات التي يقومون بها على أن يكون الإنكار وفق الشرع وتصرفات
الشارع.
فلسنا مع من يرى الطاعة
المطلقة لهم كما يفعل الرافضة مع أئمتهم, ولسنا مع من لا يرى ولايتهم شرعيتهم
مطلقا ويكفرهم جملة.
فيا شبابنا تنبهوا ولا
تطلقوا العنان, وتعقلوا ولا تطلقوا الآذان, وتأصلوا ولا تطلقوا الأحكام, وابنوا
المسائل على أصولها, واهتدوا بهدي سلفكم الصالح.
اللهم وفقنا واهدنا واهد
بنا.
كتبه: د. أحمد محمد الصادق
النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق