قال العوني:(صورة يكون فيها المولد من المصالح المرسلة،
وذلك إذا كان بقصد استثمار تاريخ هذا الحدث الجليل، للتذكير بسيرته صلى الله عليه وسلم، أو لإذكاء جذوة محبته صلى الله عليه وسلم في القلوب، من غير اعتقاد فضيلة خاصة لليوم، تجيز تخصيصه بعبادة أو باعتقاد لا دليل عليه).
والرد عليه في هذه الصورة:
هناك تشابه بين المصلحة المرسلة والبدعة من بعض الوجوه، وبسبب هذا التشابه يقع الخلط بينهما، وقد يستغل ذلك من يستغل لإمرار البدع، والتلبيس على الناس.
ولذا لا بد من بيان الفرق بينهما؛ ليتضح للقارئ الكريم وجه غلطِ من خلط بينهما:
المصلحة المرسلة هي: المنفعة التي لم يشهد الشارع باعتبار عينهاولا الغائه
الا أن جنسها يلائم تصرفات الشارع.
فالمعنى او الوصف له جنس اعتبره الشارع في الجملة.
والبدعة: ما أحدث في الدين مما لم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم.
فتعلق البدع بما قصد به التقرب، او جُعل طريقة تضاهى بها الطريقة الشرعية.
ووجه التشابه بينهما:
١-كلاهما محدث.
٢-اعتبار الشارع جنس الوصف فيهما .
ووجه الافتراق:
١-ان المصلحة المرسلة لا تصادم الشرع، ولا تعارض دليلا خاصا، بخلاف البدعة فإنها تصادم الشرع وتعارض دليلا خاصا.
قال ابن تيمية في المجموع:( " المصالح المرسلة " وهو أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة ; وليس في الشرع ما ينفيه )
٢- عدم الفعل في البدع مقصد للشارع، بخلاف المصلحة المرسلة.
٣- المصالح المرسلة وسيلة لحفظ مقصد من مقاصد الشارع، وضروري من الضرورات الخمس، بخلاف البدع فهي إحداث في الدين.
بعد هذا التأصيل نطبق ما تقدم على الاحتفال بالمولد:
الاحتفال بالمولد: جنس منفعته معتبرة وهي: محبته والتذكير بسيرته والاقتداء به.
الا أن عين المنفعة صادمها دليل خاص، وهو ترك النبي صلى الله عليه وسلم لها مع وجود المقتضي وزوال المانع
وكذلك ترك الصحابة، وهو اجماع منهم.
اضف الى ذلك: أن الذي شرع في يوم الاثنين الذي ولد فيه : الصيام، فلا يجوز ترك المشروع والاشتغال بغير المشروع تذكيرا لمولده.
وهذه المصادمة لما تقدم من أدلة خاصة جعلت حكم الاحتفال بالمولد بدعة؛ لأنه اتخذ عيدا، والعيد شريعة، وصار الناس يلتزمونه، وظُن فيه مصلحة، وهي ليست مصلحة لمصادمتها الشرع.
فليس الاحتفال وسيلة لمقصد شرعي وانما هو احداث في الدين.
ولو سلم جدلا ان الاحتفال فيه مصلحة التذكير بالسيرة، وإذكاء المحبة
ففيه ايضا مفسدة، وهي الابتداع في الدين، واتهام النبي صلى الله عليه وسلم بخيانة الأمانة، وفتح الباب لأهل الغلو ان يغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ويرفعوه فوق منزلته
وهذه المفسدة أرجح من المصلحة المتوهمة
ودفع المفسدة الراجحة مقدم على جلب المصلحة الموجوحة، فكيف بالمتوهمة؟!!
وبهذا يظهر لنا خطأ ما يقرره العوني، فقد أنزل دليل المصلحة المرسلة على الاحتفال من غير مراعاة لقيوده.
وهذا يدل على بعدٍ من التصور الصحيح.
وعدم التصور الصحيح ينتج عنه حكم خاطئ.
وهذا عين ما حصل للعوني.
وقد تكلمت في مقال سابق عن شبهات يوردها مجيزو الاحتفال بالمولد
وهو موجود على الشبكة
ولم أناقش العوني الا من جهة واحدة، والا فوجوه كون الاحتفال بالمولد بدعة كثيرة.
كتبه
أحمد محمد الصادق النجار
٨-٣-١٤٣٧هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق