هذه الجملة كثير ما نسمعها، وهي حق في نفسها، لكن استعملها بعضهم في تقرير الباطل، فصار لزاما على طلبة العلم تحليلها ووضع نقاط الحق على حروفها.
وكم من عبارة صحيحة أريد بها معنى باطل، أو تمرير باطل.
هذه الجملة مكونة من كلمتين:
الرجوع - العلماء
فلابد من فهم هاتين الكلمتين كلٌّ على حده
ثم من فهمهما معا.
اولا فهم كل عبارة وحدها:
١-الرجوع مصدر رجع وهو بمعنى عاد.
٢-العلماء جمع عالم
والعالم هو المتبع للكتاب والسنة, والذي غلب صوابه على خطئه.
- ومن الغلط إنزال لقب العالم على ما لم يتحقق فيه وصف العلم.
والعلماء درجات منهم الراسخ، ومنهم من هو دونه.
ومنهم المتفنن، ومنهم المتخصص.
وليس كل من ادعى أنه عالم او ادُّعِي فيه أنه عالم يكون عالما.
وهذا يجب التنبه له؛ لأن إنزال الوصف على المعين يحتاج إلى فقه وورع.
ثانيا فهم العبارتين معا:
الرجوع للعلماء بمعنى العودة إلى أقوالهم واجتهاداتهم وفهمهم.
فإذا أجمعوا على أمر فلا يجوز لأحد أن يخالفهم.
وإذا اختلفوا فيؤخذ بأحد أقوالهم؛ بناء على الأدلة وقوتها، لا مجرد الهوى.
ولا يجوز إحداث قول جديد.
وليس محل البحث الان عن التلفيق.
والمتبع للعلماء لا يخلو من رجلين:
إما أن يكون مقلدا؛ فهذا واجبه سؤال العلماء، كما قال تعالى: فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
وإما أن يكون مجتهدا؛ فهذا الواجب عليه ألا يحدث قولا جديدا لم يسبق إليه.
ويكون ترجيحه بناء على الأدلة كما هو مبثوت في كتب أصول الفقه والمصطلح
هذا هو الفهم الصحيح لهذه الجملة، فلا يجوز لإنسان أن يقول بقول ليس له فيه إمام، او يخالف اجماع العلماء.
والرجوع للعلماء الربانيين مما تميز به أهل السنة، ودعا إليه الصحابة كابن مسعود وابن عباس، ومن بعدهم من الأئمة.
وقد تقدم في مقالي السابق المعنون ب" التذبذب بين الحق والباطل" أن العلماء الراسخين لا يبتدعون في دين الله.
وأما الباطل الذي يمرر من خلال هذه الجملة فمتعدد، منه:
١-الدعوة إلى التحزب والتعصب لبعض العلماء دون بعض؛ بحجة اتباع العلماء.
٢-حصر العلماء في طائفة منهم.
٣-إلزام طلبة العلم ألا يخرجوا عن أقوال بعض العلماء مع أن هناك قولا معتبرا لغيرهم.
٤- الرجوع إلى علماء أهل البدع فيما ضلوا فيه؛ بحجة اتباع العلماء.
٥- عدم الالتفات الى أقوال السلف المخالفة لما عليه بعض المعاصرين، وانما العبرة بأقوال بعض المعاصرين وفهمهم.
٦- إحداث قواعد ما أنزل الله بها من سلطان، ومنها: أن كلام السلف لا يفهم إلا وفق فهم بعض العلماء وان خالفهم غيرهم.
٧- الغلو في بعض العلماء على حساب غيرهم من العلماء.
إلى غير ذلك.
وبعضهم يحتج برجوع العلماء في عصر الامام أحمد للامام أحمد
وهذا ليس فيه حجة على إلزام الناس بقول عالم دون غيره؛ لأن من رجع للامام احمد من العلماء رجع إليه في مسألة عجز عن معرفة حكمها؛ لاشتباهها عليه.
وقد اختلف الاصوليون هل للمجتهد أن يقلد مجتهدا آخر؟
فمنهم أجاز، ومنهم من منع على تفصيل ليس هذا محله.
أما أن يكون للعلماء أقوال مختلفة فيُلزم الإنسان بقول عالم دون غيره فهذا هو المحذور، وليس من منهج السلف في شيء.
نعم قد يتكلم العالم في رجل أو مسألة ويسكت غيره؛ لأنه يجهل حال المتكلَّم فيه، او المسألة ، أو ضاق عليه الوقت، ويثق في ورع العالم وعدله وإنصافه، وسكوتُه لا يلزم منه أن يتكلم
لكن متى ما تبين له خلاف ما قرره ذلك العالم فإنه لا يوافقه، كما لم يوافق الامام مسلم وغيره الحافظ الذهلي في كلامه على الامام البخاري.
وكما لم يوافق ابن القيم الامام احمد في مسألة اللفظ ومال إلى قول البخاري
وكما ذكرت سابقا متى ما اختلف العلماء فالعبرة بالأدلة، ويسوغ الأخذ بأحد القولين.
والسلفية من أصولها: نبذ التقليد والتعصب لشخص دون غيره إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم الحذر كل الحذر ممن يسفه علماء أهل السنة أو يطعن فيهم، أو يحذر منهم.
أو يقول: نحن رجال وهم رجال.
او يقول: لا تكن إمعة للعلماء.
او يقول: لا تنظر بعيون الآخرين.
ومما ينبغي التنبيه عليه: أن العالم من أهل السنة إذا أخطأ في مسألة فيجب أن تحفظ كرامته، ولا يتابع على قوله؛ لأننا مأمورون باتباع الحق لا باتباع الرجال، والعلماء يستدل لهم ولا يستدل بهم.
ونحن في هذه المسائل بين غلو وتفريط
والحق بينهما.
فلنحافظ على أصولنا ونفهمها فهما صحيحا، ونحارب كل من يريد تشويه السلفية، وإدخال أصولٍ فيها هي منها براء.
والله المستعان.
هذا ما جادت به القريحة نصحا للمسلمين، وذبا عن منهج السلف ان يدخل فيه ما ليس منه، وإبراء للذمة.
فأسأل الله أن ينفع به
كتبه
احمد محمد الصادق النجار
٤-١٠-١٤٣٦هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق