والجواب:
أئمة الإسلام متفقون على انتفاع الميت بأعمال البر، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع من المعتزلة وغيرهم
كذلك متفقون على أن العبادات المالية تصل إلى الميت، كالعتق. وإنما تنازعوا في العبادات البدنية: كالصلاة، والصيام، والقراءة،
والسؤال عن حكم إهداء ثواب قراءة القرآن, وقد اختلفوا فيه على قولين في الجملة:
القول الأول: جوازه ووصول ثوابه إلى الميت, ذهب إلى ذلك الحنفية, والحنابلة, وأفتى به من المالكية ابن رشد
واحتجوا بأدلة منها:
الدليل الأول: ما رواه الدارقطني أن رجلًا سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال له - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك, وأن تصوم لهما مع صيامك» .
وأُعل بـ: الانقطاع, كما في مقدمة مسلم عن ابن المبارك.
الدليل الثاني: ما أخرجه ابن ماجه عن عائشة، أو عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان «إذا أراد أن يضحي، اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته، لمن شهد لله، بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد، وعن آل محمد صلى الله عليه وسلم».
القول الثاني: لا يصل ثواب القراءة إلى الميت, وذهب إليه المالكية, وهو المشهور من مذهب الشافعي
واحتجوا بأدلة منها:
الدليل الأول: قوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] قالوا: الآية عامة إلا فيما خصه الدليل.
واعترض عليهم بوجوه, منها:
الأول: أنها منسوخة؛ بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21] (الطور: الآية 21) ، فأدخل الأبناء الجنة بصلاح آبائهم.
ورُد بـ: أن النسخ لا يدخل الأخبار.
الثاني: أن المراد بالإنسان هنا: الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له
ورُدَّ بـ: هذا العام لا يراد به الكافر وحده, بل هو للمسلم والكافر.
الثالث: اللام بمعنى "على" أي: ليس على الإنسان إلا ما سعى ,كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] (الإسراء: الآية 7) ، أي: فعليها .
ورُدَّ بـ: بأنه بعيد من ظاهر الآية, ومن سياقها؛ فإنها وعظ للذي تولى وأعطى قليلا وأكدى, وأيضا فإنها تتكرر مع قوله تعالى {ألا تزر وازرة وزر أخرى}
الرابع: ليس إلا سعيه، غير أن الأسباب مختلفة، فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء بنفسه، وتارة لتحصيل سببه لسعيه في تحصيل ولد أو صديق يستغفر الله، وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة، فيكتب محبة أهل الدين والصلاح فيكون ذلك سببًا حصل بسعيه.
الخامس: أن الآية مقيدة بما لم يهبه العامل؛ بدلالة النصوص الأخرى الدالة على الجواز.
السادس: الآية إنما نفت استحقاق السعي وملكه, لا الانتفاع بما يملكه غيره, وأهداه له
الدليل الثاني: قوله - عليه الصلاة والسلام - «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث»
واعترض عليه: أنه لا يدل على انقطاع عمل غيره, وإنما يدل على انقطاع عمله هو.
والراجح: جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت, ووصول الثواب إليه مع أن تركه أفضل.
أما جوازه ووصول ثوابه إلى الميت فلوجوه:
الوجه الأول: قد دلت الأدلة على جنس انتفاع الميت بعمل غيره, ووصول ثوابه إليه, كما في الدعاء والصدقة, ونحو ذلك.
وهذا الانتفاع قد يكون بالإهداء وقد يكون بغيره, وجواز الجنس يستأنس به في جواز أفراده؛ لأنه يدل على ان النصوص الدالة على الجواز معقولة المعنى, وليست تعبدية
والقدر المشترك التي دلت عليه أدلة الانتفاع, هو: النفع بعمل الغير, وقد بلغ مبلغ التواتر.
وهذا كله يدل على جواز إهداء القراءة ووصول ثوابها.
الوجه الثاني: قد جاء في صحيح البخاري معلقا أن ابن عمر أمر امرأة، جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء، فقال: «صلي عنها» قال البخاري: ((وقال ابن عباس، نحوه )) وإذا صح في الصلاة صح في القراءة؛ بجامع العبادة البدنية.
قال النووي في المنهاج: (( وحكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح وإسحاق بن راهويه أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت ))
الوجه الثالث: عمل المسلمين عليه؛ حتى حكى بعض العلماء الإجماع, قال ابن قدامة: ((قال ابن قدامة في المغني: (( فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون ويقرءون القرآن، ويهدون ثوابه إلى موتاهم من غير نكير ))
الوجه الرابع: إذا صح وصول ثواب العبادات المالية, والمركبة من المالية والبدنية صح وصول ثواب العبادات البدنية ومنها القراءة بجامع النفع بعمل الغير.
والتفريق بينها تفريق بين المتماثلات.
الوجه الخامس: أن الثواب حق للعامل فله أن يهبه للميت ؛ لعدم وجود ما يمنع منه.
وهذه الهبة مقيدة بما جاءت به النصوص, وهي إنما جاءت بجوازه في الميت دون الحي؛ لأن الحي ليس بحاجة للإهداء ؛ لإمكان أن يفعله بنفسه, ثم إن القول بجوازه يؤدي إلى مفسدة وهي ترك العمل.
وأما ما احتج به المانعون؛ فقد تقدم رده.
ولا يشترط التلفظ بالإهداء؛ لعدم ورود الدليل بذلك, بل تكفي النية
وأما كون تركه أفضل؛ فلوجوه:
الأول: لم يكن من عادة السلف فعله.
الثاني: خروج من الخلاف.
الثالث: سد لذريعة؛ الاجتماع, وأخذ الأجرة, ونحوه.
قال ابن القيم في الروح: (( وبالجملة فأفضل ما يهدى إلى الميت: العتق والصدقة والاستغفار له والدعاء له والحج عنه ))
تنبيهات مهمة:
الأول: الأجرة على قراءة القرآن على الميت من البدع, ولا يصل ثوابه إلى الميت.
وكيف والقارئ قد أخذ أجره عليه من المستأجر, فأي ثواب بقي حتى يصل إلى الميت؟!
الثاني: الاجتماع لقراءة القرآن بصوت واحد من البدع, فلا يصل ثوابه إلى الميت.
الثالث: إهداء الثواب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدع؛ ذلك أن الصحابة الذين هم أحرص منا لم يفعلوه, ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
كيف والنبي صلى الله عليه وسلم له أجر ما تعمله أمته من الخير من غير أن ينقص من أجورهم شيء؟!.
فلا حاجة إلى الإهداء.
والله أعلم
كتبه
احمد النجار
أئمة الإسلام متفقون على انتفاع الميت بأعمال البر، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع من المعتزلة وغيرهم
كذلك متفقون على أن العبادات المالية تصل إلى الميت، كالعتق. وإنما تنازعوا في العبادات البدنية: كالصلاة، والصيام، والقراءة،
والسؤال عن حكم إهداء ثواب قراءة القرآن, وقد اختلفوا فيه على قولين في الجملة:
القول الأول: جوازه ووصول ثوابه إلى الميت, ذهب إلى ذلك الحنفية, والحنابلة, وأفتى به من المالكية ابن رشد
واحتجوا بأدلة منها:
الدليل الأول: ما رواه الدارقطني أن رجلًا سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال له - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك, وأن تصوم لهما مع صيامك» .
وأُعل بـ: الانقطاع, كما في مقدمة مسلم عن ابن المبارك.
الدليل الثاني: ما أخرجه ابن ماجه عن عائشة، أو عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان «إذا أراد أن يضحي، اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته، لمن شهد لله، بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد، وعن آل محمد صلى الله عليه وسلم».
القول الثاني: لا يصل ثواب القراءة إلى الميت, وذهب إليه المالكية, وهو المشهور من مذهب الشافعي
واحتجوا بأدلة منها:
الدليل الأول: قوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] قالوا: الآية عامة إلا فيما خصه الدليل.
واعترض عليهم بوجوه, منها:
الأول: أنها منسوخة؛ بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21] (الطور: الآية 21) ، فأدخل الأبناء الجنة بصلاح آبائهم.
ورُد بـ: أن النسخ لا يدخل الأخبار.
الثاني: أن المراد بالإنسان هنا: الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له
ورُدَّ بـ: هذا العام لا يراد به الكافر وحده, بل هو للمسلم والكافر.
الثالث: اللام بمعنى "على" أي: ليس على الإنسان إلا ما سعى ,كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] (الإسراء: الآية 7) ، أي: فعليها .
ورُدَّ بـ: بأنه بعيد من ظاهر الآية, ومن سياقها؛ فإنها وعظ للذي تولى وأعطى قليلا وأكدى, وأيضا فإنها تتكرر مع قوله تعالى {ألا تزر وازرة وزر أخرى}
الرابع: ليس إلا سعيه، غير أن الأسباب مختلفة، فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء بنفسه، وتارة لتحصيل سببه لسعيه في تحصيل ولد أو صديق يستغفر الله، وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة، فيكتب محبة أهل الدين والصلاح فيكون ذلك سببًا حصل بسعيه.
الخامس: أن الآية مقيدة بما لم يهبه العامل؛ بدلالة النصوص الأخرى الدالة على الجواز.
السادس: الآية إنما نفت استحقاق السعي وملكه, لا الانتفاع بما يملكه غيره, وأهداه له
الدليل الثاني: قوله - عليه الصلاة والسلام - «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث»
واعترض عليه: أنه لا يدل على انقطاع عمل غيره, وإنما يدل على انقطاع عمله هو.
والراجح: جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت, ووصول الثواب إليه مع أن تركه أفضل.
أما جوازه ووصول ثوابه إلى الميت فلوجوه:
الوجه الأول: قد دلت الأدلة على جنس انتفاع الميت بعمل غيره, ووصول ثوابه إليه, كما في الدعاء والصدقة, ونحو ذلك.
وهذا الانتفاع قد يكون بالإهداء وقد يكون بغيره, وجواز الجنس يستأنس به في جواز أفراده؛ لأنه يدل على ان النصوص الدالة على الجواز معقولة المعنى, وليست تعبدية
والقدر المشترك التي دلت عليه أدلة الانتفاع, هو: النفع بعمل الغير, وقد بلغ مبلغ التواتر.
وهذا كله يدل على جواز إهداء القراءة ووصول ثوابها.
الوجه الثاني: قد جاء في صحيح البخاري معلقا أن ابن عمر أمر امرأة، جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء، فقال: «صلي عنها» قال البخاري: ((وقال ابن عباس، نحوه )) وإذا صح في الصلاة صح في القراءة؛ بجامع العبادة البدنية.
قال النووي في المنهاج: (( وحكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح وإسحاق بن راهويه أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت ))
الوجه الثالث: عمل المسلمين عليه؛ حتى حكى بعض العلماء الإجماع, قال ابن قدامة: ((قال ابن قدامة في المغني: (( فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون ويقرءون القرآن، ويهدون ثوابه إلى موتاهم من غير نكير ))
الوجه الرابع: إذا صح وصول ثواب العبادات المالية, والمركبة من المالية والبدنية صح وصول ثواب العبادات البدنية ومنها القراءة بجامع النفع بعمل الغير.
والتفريق بينها تفريق بين المتماثلات.
الوجه الخامس: أن الثواب حق للعامل فله أن يهبه للميت ؛ لعدم وجود ما يمنع منه.
وهذه الهبة مقيدة بما جاءت به النصوص, وهي إنما جاءت بجوازه في الميت دون الحي؛ لأن الحي ليس بحاجة للإهداء ؛ لإمكان أن يفعله بنفسه, ثم إن القول بجوازه يؤدي إلى مفسدة وهي ترك العمل.
وأما ما احتج به المانعون؛ فقد تقدم رده.
ولا يشترط التلفظ بالإهداء؛ لعدم ورود الدليل بذلك, بل تكفي النية
وأما كون تركه أفضل؛ فلوجوه:
الأول: لم يكن من عادة السلف فعله.
الثاني: خروج من الخلاف.
الثالث: سد لذريعة؛ الاجتماع, وأخذ الأجرة, ونحوه.
قال ابن القيم في الروح: (( وبالجملة فأفضل ما يهدى إلى الميت: العتق والصدقة والاستغفار له والدعاء له والحج عنه ))
تنبيهات مهمة:
الأول: الأجرة على قراءة القرآن على الميت من البدع, ولا يصل ثوابه إلى الميت.
وكيف والقارئ قد أخذ أجره عليه من المستأجر, فأي ثواب بقي حتى يصل إلى الميت؟!
الثاني: الاجتماع لقراءة القرآن بصوت واحد من البدع, فلا يصل ثوابه إلى الميت.
الثالث: إهداء الثواب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدع؛ ذلك أن الصحابة الذين هم أحرص منا لم يفعلوه, ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
كيف والنبي صلى الله عليه وسلم له أجر ما تعمله أمته من الخير من غير أن ينقص من أجورهم شيء؟!.
فلا حاجة إلى الإهداء.
والله أعلم
كتبه
احمد النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق