الأحد، 13 أغسطس 2017

الأخذ من اللحية فيما نقص من القبضة لا يجوز اتفاقا



الأخذ من اللحية فيما نقص من القبضة
 لا يجوز اتفاقا


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن مما راج عند كثير من الناس جواز حلق اللحية؛ استنادا على ما ذهب إليه بعض المتأخرين من أن حلق الحية مكروه كراهة تنزيهية.
والقول بالكراهة التنزيهية: مخالف لدلالة النصوص والشرعية, وما اتفق عليه الصحابة والأئمة المتقدمون.
وسأقتصر في هذا المقال على بيان وجه اتفاق الأئمة على تحريم الحلق.
وبيان ذلك: اتفق الصحابة رضون الله عليهم على عدم أخذ ما كان أقل من القبضة.
فقد حكى جابر رضي الله عنه عن الصحابة أنهم كانوا يعفون اللحى ولا يأخذون منها شيئا إلا في الحج أو العمرة
فقد أخرج الرامهرمزي في المحدث الفاصل بين الراوي والواعي (ص: 433) بسنده وفيه: وقرأ أبو الزبير على جابر قال: «كنا نعفي السبال إلا في الحج والعمرة»
وأخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود
والسَّبلة تطلق على اللحية عند العرب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء أنه قال: (( كانوا يحبون أن يعفوا اللحي إلا في حج أو عمرة ))
والذي صح عن أبي هريرة أنه كان يقبض على لحيته ، ثم يأخذ ما فضل عن القبضة.
فيتركب من هذا: أن الصحابة كانوا لا يرون أخذ ما كان أقل من القبضة, ويرون أن هذا من معاني الإعفاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعلوم أن الخروج عن عملهم لا يجوز؛ لأنه تفسير للنص.
والأئمة بعدهم لم يخرجوا عما قرره الصحابة, كما أنه لم يكن معروفا حلق اللحى عن المسلمين إلا قلة تشبهوا بغيرهم.
والمنقول عن الأئمة الأربعة تحريم أخذ ما كان أقل من القبضة صراحة أو ضمنا.
وقد حكي عليه الاتفاق.
وحكاية الاتفاق هي الموافقة لما تقدم عن الصحابة.
وهذه هي أقوال الأئمة أو من نقل عنهم:
قال ابن حزم في مراتب الإجماع: ((  واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز ))
وجاء في شرح فتح القدير (2/ 348): ((وأما الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد )) .
وقال ابن رشد الجد في المقدمات الممهدات (3/ 447): (( وأما اللحية فتعفى على ما جاء في الحديث؛ لأن فيها جمالا.
وقد جاء في بعض الأخبار أن الله عز وجل زين بني آدم باللحى، فحلقها مثلة وتشبيه بالأعاجم في ذلك، إلا أن تطول فلا بأس بالأخذ منها )).
وفي حاشية الدسوقي (1/ 90): ((  يحرم على الرجل حلق لحيته أو شاربه ويؤدب فاعل ذلك ))
وقال الحطاب في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 216): (( وحلق اللحية لا يجوز, وكذلك الشارب وهو مثلة وبدعة، ويؤدب من حلق لحيته أو شاربه ))
وجاء في تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (9/ 376): (( قال الشيخان: يكره حلق اللحية.
 واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي - رضي الله تعالى عنه - نص في الأم على التحريم.
 قال الزركشي: وكذا الحليمي في شعب الإيمان وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة.
 وقال الأذرعي الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها كما يفعله القلندرية انتهى ))
وقال الخلال في الوقوف والترجل من مسائل الإمام أحمد (ص: 129): ((  أخبرني حرب قال: سئل أحمد عن الأخذ من اللحية؟
قال: كان ابن عمر يأخذ منها ما زاد عن القبضة. وكأنه ذهب إليه - قلت له: ما الإعفاء؟
قال: يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: كأن هذا عنده الإعفاء.
وقال الخلال: أخبرني محمد بن أبي هارون أن إسحاق حدثهم قال:
سألت أحمد عن الرجل يأخذ من عارضيه؟
قال: يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة.
قلت: فحديث النبي صلى الله عليه وسلم:((أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى)) ؟
قال: يأخذ من طولها ومن تحت حلقه.
ورأيت أبا عبد الله يأخذ من طولها ومن تحت حلقه )).
وقال الحجاوي في الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (1/ 20): (( ويحرم حلقها ))
وفي كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 75): (( (وإعفاء اللحية) بأن لا يأخذ منها شيئا قال في المذهب ما لم يستهجن طولها (ويحرم حلقها) ذكره الشيخ تقي الدين ))
تنبيه:
هناك من العلماء من نص على الكراهة, والأصل في لفظ الكراهة عند الأئمة أنه يراد به التحريم.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 39): ((وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم وأطلقوا لفظ الكراهة فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى وهذا كثير جدا في تصرفاتهم فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة ))
وهناك أيضا من ذكر أنه يسن إعفاؤها, ومرادهم: يسن إعفاؤها ولو طالت, لا أن أصل الإعفاء يستحب.
ومن يقدح في الاتفاق: يحتج بالمعتمد عند الشافعية, وكما تقدم أن في مذهب الشافعية خلافا في هذه المسألة.
والقول بالحرمة نسب إلى الكثير من الشافعية, قال ابن حجر في تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 178): (( ... وظاهره حرمة حلقها وهو إنما يجيء على حرمته التي عليها أكثر المتأخرين))
وهو قول الشافعي, كما تقدم.
وأما النووي فقد صرح في شرحه على مسلم بالنهي, حيث قال (3/ 149): (( وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك )).فربطها بعادة الفرس
والنهي قال عنه في شرح النووي على مسلم (3/ 188): (( ...النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحققين والأكثرين من أهل الأصول )).
وقال في المجموع شرح المهذب (1/ 292): (( يكره نتف الشيب لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم يوم القيامة حديث حسن رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيد حسنة قال الترمذي حديث حسن هكذا: قال أصحابنا يكره صرح به الغزالي كما سبق والبغوي وآخرون: ولو قيل يحرم للنهي الصريح الصحيح لم يبعد: ولا فرق ))
ثم إن القائلين بالكراهة التنزيهية من علماء الشافعية المتأخرين محجوجون بالاتفاق قبلهم.
والله أعلم.

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار



الأربعاء، 2 أغسطس 2017

دور #المقاصد_الشرعية في إبطال منهج #الغلاة



إن منهج الغلاة يقوم على مخالفة مقاصد الشريعة مخالفة كلية.
وما من مقصد من مقاصد الشريعة إلا وهو يناقض منهج الغلاة مناقضة تامة من كل وجه.
فلو نظرت للمقصد الكلي وهو: جلب المصالح الشرعية الراجحة ودفع المفاسد الشرعية الراجحة لوجدت الغلاة يخالفونه ولا يراعونه.
ومن ذلك: قيام الهجر والتحذير عندهم على مجرد مخالفة ما يقررونه
فلا يراعون فيه جلب مصلحة راجحة ولا دفع مفسدة راجحة إن سلم لهم بوجود المقتضي.
ولو نظرت لمقصد حفظ الدين لرأيتهم من أبعد الناس عن حفظه، فمآل منهجهم إلى إخراج الناس من السنة بلا بينة شرعية.
ولو نظرت لمقصد تحقيق العدل ودفع الظلم لرأيت عجبا في مخالفتهم له والأخذ بضده.
فمنهجهم يقوم على الظلم -حالا أو مآلا، مباشرة أو تسببا-.
فكم ظلموا من سني فأخرجوه من السنة وكم ظلموا من يستحق الإكرام فهجروه وحذروا منه.
وفي العموم من نظر في منهج هؤلاء وتأمل في المقاصد الشرعية وجد أنهما متنافيان ولا يجتمعان.
كتبه مختصرا

أحمد محمد الصادق النجار