السبت، 29 أبريل 2023

[حرية الاعتقاد حقيقة أم خيال؟]

[#حرية_الاعتقاد حقيقة أم خيال؟] 


لابد عند الكلام عن حرية العقيدة من تحليل هذه العبارة وإدراك مقدماتها وهل هي مقدمات صحيحة؟

وهل هذه المقدمات يلزم منها النتيجة؟ أو لا تلازم بين المقدمات والنتيجة...


فنحن نخاطب جيلا انفتحت عليه الشبهات والتشككات ولم يعد يفلح معه الترهيب، وأصبح بعضهم لا يقبل الاحتكام إلى القديم

فنحتاج أن تتكلم منه بعقلانية منضبطة بالشرع عندنا


معنى هذه العبارة: أن للإنسان أن يعتقد ما يشاء؛ لأنه حر الإرادة والاختيار 


فهل هو حقا حر الإرادة والاختيار؟


يصور المنادون بحرية العقيدة: أن للإنسان إرادة مستقلة عن كل قيد من الخارج 

فالحياة حوله لا تؤثر في إرادته واختياره، ومجتمعه وبيئته وأرسرته وقراءاته والعالم الافتراضي الذي يعيشه ...


وهذا تصور خيالي ذهني لا حقيقة له خارج الذهن؛ لأنه لا إرادة للإنسان -المتبع لهواه- مستقلة عن مطلق القيد الخارجي، فإرادة الإنسان واختياره ناتجان عن ميوله، وميوله ناتج عن تصوراته 

وهي تابعة للتأثير الخارجي من البيئة والصحبة ونحو ذلك ...

فتأثير الصحبة والإعلام ومواقع التواصل والمنظمات الدولية على تصور الإنسان وتحريف فطرته يؤثر على ميوله وإرادته 

فيحسب أن ما اختاره: اختاره بإرادته، وهو في الحقيقة واقع تحت أسر ورق من حرف فطرته وأفسد تصوراته وأغلق عليه صحة نظره ومقتضى فطرته

وهذه هي عبودية الهوى قال تعالى:[ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان]

فمن أعظم عمل الشيطان هو: التزيين والإغواء. 


والمقدمة التي تبنى عليها حرية الاعتقاد: أن الإنسان يملك نفسه وله أن يتصرف فيها على هواه ... 


وهي مقدمة باطلة؛ فمن كان مخلوقا مربوبا وجد بعد العدم فإنه لا يملك نفسه ولا يستقل؛ بالضرورة العقلية والفطرية والحسية والشرعية.

وإنما يجب أن يكون في ذلك تبعا لما يريده منه خالقه ومولاه

وقد أعطى الخالق للعبد من الآلات وأقام من الأدلة ما يتمكن به من تصورات عقلية صحيحة وميول طبعي سليم

ولذا كانت الحرية الحقيقية إرادة ما يحبه خالقه الذي هو محتاج إليه في الوجود والبقاء

ولا تحصل هذه الإرادة إلا إذا استقام تصور العبد واستقامت فطرته

وقد خلق الله في العبد شهوة وخلق فيه ما يحكمها ويمنع من تغليبها

فجعل العقل المبني على فطرة سليمة وتصور حسن هو المانع من تغليب الشهوانية

فالاعتقاد المنحرف يمنع منه العقل المبني على تصور العقائد المنحرفة التي تناقض الفطرة والعقل والمستند على البدهيات والقطعيات

والشذوذ يمنع منه الفطرة السوية وما خلق الله عليه العباد من طباع تنفر من المثلية... 


والخروج عن مقتضى الفطرة السوية والعقل السليم بهيمية لا حرية، قال تعالى:[أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليهم وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا]

وهذه البهيمية أضل من بهيمية الأنعام، ومن السفه أن تجعل حرية شخصية.

إلا أن الله عز وجل مكن العبد من الاختيار وجعل له إرادة وقدرة، وجعل تبين الرشد من الغي مغنيا عن الإكراه فقال سبحانه[لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي]

فسبب عدم الإكراه على الدين أن الرشد قد ظهر وتبين، من غير أن يُسَوِّغ للإنسان حرية الاختيار، وإنما أمره أن يختار الإسلام دون غيره 

فكون الإنسان لا يكره؛ لظهور أدلة الحق لا يعني أن الله يأمر العبد أن يختار ما شاء أو يجوز له ذلك.

ولذا رتب حد الردة على من بدل دينه، وأمر بجهاد الكفار؛ لاختيارهم الكفر، وأمر ببغضهم وعدم موالاتهم... 


وأما قوله:[فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر] فهو تهديد ووعيد.

وقد ختمها الله بقوله: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ). 


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار 

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة



الجمعة، 21 أبريل 2023

هل يعتد بكلام الفلكيين غي استحالة رؤية الهلال؟

 [العمل بحساب الفلكيين في النفي ورد شهادة الشهود لأجله ليس من مقتضى الشرع ومخالف لإجماع السلف.....

بمعنى أن الشرع لم يلتفت إلى إمكانية الرؤية  أو لا على ما يقرره الحساب الفلكي ولم يعتبر ذلك]


كيف ذلك؟ 


أولا من جهة ما يبحث فيه الفلكيون، فالفلكيون يبحثون في وجود الهلال ومولده وتحققه وعدم تحققه بحساب منازل سير القمر والزمن وتنبؤات واستعمالات آلات...

بمعنى هل هناك هلال موجود في السماء أو لا؟ 


وأما الشريعة فلم تبحث في وجوده، ولذا لم تعلق الصيام بالوجود وإنما علقته بالرؤية، فلم تقل صوموا لوجوده، 

وإنما قالت صوموا لرؤيته؛ مما يدل على أن الرؤية مقصودة وأن الشرع أغلق باب الوسائل في إثبات دخول الشهر أو خروجه

بمعنى: حتى لو حصل خطأ في الرؤية واشتهر عند الناس أنه رئي فقد ثبت في الشرع الحكم وهو الصيام أو الإفطار...

وعليه فاستعمال الحساب الفلكي وسيلة للشهر ينافي طريقة الشرع في تعليق الأحكام ومقصوده 


وهذا بخلاف أوقات الصلاة؛ فالشريعة علقت الصلاة بالزوال لا برؤية الزوال، فدل ذلك على أن الله أراد فتح باب الوسائل وأن الرؤية ليست مقصودة للشارع ... 


والرؤية في إثبات دخول الشهر وإن كانت وسيلة من جهة إلا أنها مقصودة للشارع من جهة أخرى، كالوضوء فهو مقصود للشارع في إثبات صحة الصلاة وإن كان وسيلة من جهة أخرى

فليس لأحد أن يعدل عن الوضوء إلى غيره بحجة أن المقصود منه التنظيف وطهارة أعضاء الوضوء... 


ثانيا: من الغلط جعل قطع الفلكيين بعدم إمكان ثبوت الرؤية من الحقائق العلمية ومخالفة الحس

وأن الإخبار بالرؤية ظن وما قرره الحساب قطع، والظن متى ما خالف القطع طرح

وهذا مبني على خلل من جهتين: 


الأولى: الاعتماد على العرف العلمي على حساب ما استقرت عليه الشريعة، فالشريعة لم تلتفت إلى تحقق الهلال أو عدم تحققه، وإنما التفتت إلى أمر يتحقق به اجتماع الأمة الأمية، فالهلال اسم لما استهل به الناس واشتهر

ولذا لم تعتبر الشريعة دعوى استحالة رؤية الهلال لرد شهادة الشاهدين؛ لأن مناط دخول الشهر وخروجه ما اشتهر عند الناس واجتمعوا عليه لا ما تحقق ظهوره في السماء ووجوده

وليس في هذا إثبات الشرع لما ثبت في  العلم استحالته؛ لأن الشريعة لم تثبت وجود ما زعم العلم استحالته ولا أمرت به ولا علقت الأحكام عليه، وإنما فيه بيان أنه ليس محل نظر الشريعة أصلا

فرد شهادة الشاهدين بما يزعم الفلكيون استحالته هو من باب معارضة ما أقرته الشريعة بما لم تلتفت إليه ولم تعتبره

بمعنى أن الشريعة لم تكذب ما زعم الفلكيون استحالته وإنما لم تنظر إليه أصلا ولم تعتبره

كما أثبتت الولد للفراش ولم تلتفت إلى العلم بما يقطع به نسبه... 


الثانية: التسليم على أن نفي إمكان ثبوت الرؤية مبني على مقدمات قطعية عند الفلكيين: غلط؛ لأنه يعتمد على الحساب والتنبؤ بما يمكن أن يحدث في المستقبل....

والحساب والتنبؤ يدخلهما الغلط، ويعتري تحققهما في الواقع ما يعتريهما من متغيرات ومؤثرات، وفوق ذلك مشيئة الله سبحانه. 


والخلاصة

رد رؤية الشهود لمعارضتها ما يقطع به الفلكيون: مخالف لنظر الشارع وطريقته ومقصوده، ولا يترتب عليه حكم شرعي 


وهو ما أدخل البلاد في فتنة، وجرأ الجهال على التشكيك في عيد غالب المسلمين والطعن في هيئات بلدانهم... 


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 20 أبريل 2023

بيان المقصود الشرعي من #صلاة_العيد في #المصلى وما يترتب عليه من أحكام

 بيان المقصود الشرعي من #صلاة_العيد في #المصلى وما يترتب عليه من أحكام 


إن الثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة العيد في المصلى، والمصلى كان إذ ذاك في الصحراء

وكذا الخلفاء الراشدون وجرى عليه عمل المسلمين ... 


واما عن الباعث على فعله صلى الله عليه وسلم فيحتمل وقوع ضيق في المسجد، فيكون المقصود رفع الحرج والمشقة.

ويحتمل أن يكون لمصالح متعددة التي منها اجتماع الناس في مكان واحد وإظهار شعيرة من شعائر الإسلام مما جعل الصلاة في المصلى مقصودة. 


فعلى الاحتمال الأول تكون السنة الصلاة في المصلى إذا ضاق المسجد بالناس وأما إذا لم يضق فالسنة أن يصلى العيد في المسجد؛ لشرف البقعة، وهو مذهب الشافعية

وعلى الاحتمال الثاني تكون السنة الصلاة في المصلى مطلقا إلا لعذر او ما يقتضيه فقه الموازنات بين المصالح

وهو مذهب الجمهور

والذي يرجح الاحتمال الثاني مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة في المصلى وكذا الصحابة وتابعيهم 


فالسنة صلاة العيد في المصلى 


إلا أن المشاهد في وقتنا أن من الناس من يصلي في أماكن عامة بين البيوت والدكاكين

فهذه الأماكن إذا تحقق فيها اجتماع الناس الكبير والذين لا يسعهم مسجد واحد وتحقق فيها إظهار الدين وشعائره من غير أن يوجد فيها ما يشوش على الناس صلاتهم وسماعهم الخطبة تكون الصلاة فيها أفضل من الصلاة في المسجد؛ لتحقيق الصلاة فيها مقاصد الصلاة في المصلى الذي الأصل فيه أن يكون خارج البلد في فضاء

وحتى تشهد الحائض الخير..

وأما إذا لم يتحقق فيها مقاصد الصلاة في المصلى فالمسجد أفضل .


كتبه 

د. أحمد محمد الصادق النجار

أشكل على بعض طلبة العلم التداخل الذي يكون بين العيد والجمعة إذا اجتمعا في يوم واحد

 أشكل على بعض طلبة العلم التداخل الذي يكون بين العيد والجمعة إذا اجتمعا في يوم واحد

ووجه الإشكال عندهم أن الجمعة فرض والعيد سنة، ولا تسقط السنة الفرض؛ بناء على الاشتباه بين الاندراج والتداخل من جهة
وعلى الاشتباه بين ما كان مقصودا لذاته وما ليس مقصودا من جهة أخرى

أما الأول فالتداخل أعم من الاندراج والتشريك، ولا يلزم من عدم صحة اندراج الأعلى في الأدنى منع التداخل بينهما؛ إذ التداخل يكون بإعطاء حكم واحد لأمرين مقصودهما واحد
ومن أمثلة التداخل بين واجبين مقصودهما واحد: من أجنبت ثم حاضت فيكفيها غسل واحد

وأما الثاني فليس اجتماع العيد والجمعة من باب اجتماع أمرين مقصودين لذاتيهما، وإنما هو من باب اجتماع عبادتين غير مقصودتين لذاتيهما
فصلاة العيد ليست مقصودة لذاتها، وصلاة الجمعة ليست مقصودة لذاتها؛ فصح التداخل..
وإنما لا يصح التداخل بين الفرض والسنة إذا كان الفرض مقصودا لذاته والسنة غير مقصودة لذاتها كاجتماع غسل الجنابة مع غسل الجمعة فهنا يدخل غسل الجمعة في غسل الجنابة لا العكس؛ لأن غسل الجنابة مقصود بينما غسل الجمعة ليس مقصودا لذاته، فيجزئ غسل الجنابة عن غسل الجمعة
ومسألة اجتماع العيد والجمعة ليس فيهما شيء مقصود لذاته فصح التداخل والإجزاء

ثم إن التداخل في العبادات يكون محله الأسباب لا الأحكام..

وأما ما يستمسك به من يمنع التداخل من الأدلة الدالة على وحوب صلاة الجمعة، والأدلة الدالة على صلاة العيد، ومشروعية تعددهما لتعدد موجبهما

فنقول: نحن لا ننكر أن الأصل هو تكرار العمل بتكرر سببه وموجبه
ولكن لما كانت الشريعة ترعى رفع الحرج والمشقة كان التداخل -من هذه الجهة-استثناء من أصل، وإنما عُدل عن الأصل لوجود دليل ومرجح أقوى.
وهو في بابه موافق للقياس.

كتبه د أحمد محمد الصادق النجار 

الثلاثاء، 18 أبريل 2023

مراعاة مقاصد الشريعة في اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد

[مراعاة مقصد الشارع في مسألة اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد وأثره في المرفوع والموقوف]


اعتنى بعض الباحثين بتضعيف الأحاديث والآثار الواردة في مسألة اجتماع العيد والجمعة؛ ظنا منهم أن الفقه يثبت بمجرد صحة الأسانيد أو ضعفها, أو بمجرد جمع الآثار من غير بيان انتظامها مع قاعدة الشريعة!!

وغفلوا عن النظر في مقصد الشارع الذي هو التخفيف والتيسير في تشريع الأحكام المتداخلة, والذي انتظم عليه فقه الصحابة في هذه المسألة, وبيان أثره في الحكم الشرعي وتقوية الأحاديث التي تحتمل التحسين من الناحية الحديثية؛ إذ إن ثبوت المعنى مما يقوي جانب الاجتجاج بها إذا لم يكن الضعف شديدا في الأسانيد, وهذه طريقة المحققين الذين جمعوا بين علوم الشريعة وأدركوا العلاقة بينها وانتظام الشريعة عليها جميعا.

وتقرير  ذلك: أن من رحمة الله بخلقه وتيسيره الأحكام عليهم أن رفع المشقة على العباد بتكرار عملين مقصودهما واحد, فرخص لهم في إدخال أحدهما في الآخر, وهو أمر اطردت عليه الشريعة في الطهارة والصلاة والصيام والكفارات إلى غير ذلك

وقد اشترك العيد والجمعة في صلاة ركعتين ووجود خطبة وفي كونها عيدا وفي مقصود الشارع, وهو الاجتماع

والقياس يقتضي أنه إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد وكان مقصودهما واحدا دخلت إحداهما في الأخرى

إلا أن شهود العيد لا يسقط الظهر وإنما يسقط الجمعة وينتقل إلى بدلها, بمعنى أن مقصد الشارع من فرض الجمعة تحقق في صلاة العيد فرخص في ترك الجمعة والانتقال إلى بدلها وهو الظهر

وليس هو من باب ترك الفرض بالسنة كما صوره بعض أهل العلم

وقد لاحظ الصحابة مقصد التيسير ورفع الحرج في اجتماع العيد والجمعة, ومن الصحابة:

1-عثمان بن عفان؛ فقد جاء في صحيح البخاري (7/ 103) قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان، فكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب فقال: «يا أيها الناس، إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له»

فعثمان رضي الله عنه رتب الرخصة على ما فهمه من مقصد الشارع, وهو الذي عهده عن النبي صلى الله عليه وسلم

وإنما نص على أهل العوالي؛ لأن المشقة عليهم أعظم, وأخذهم بالرخصة أبلغ, وإلا فمعلوم أن أهل العوالي لهم أن يترخصوا بعدم حضور الجمعة ولو لم تجتمع مع العيد.

2-علي رضي الله عنه؛ ففي مصنف ابن أبي شيبة (2/ 7) عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: اجتمع عيدان على عهد علي، فصلى بالناس، ثم خطب على راحلته فقال: «يا أيها الناس، من شهد منكم العيد فقد قضى جمعته إن شاء الله»

وفيه عبد الأعلى الثعلبي ضعيف, لكن تابعه عبد الله بن شبرمة عند عبد الرزاق في المصنف (3\305)

وأخرجه عبد الرزاق (3/ 305) عن ابن جريج قال: أخبرني جعفر بن محمد، أنهما اجتمعا وعلي بالكوفة فصلى ثم صلى الجمعة، وقال حين صلى الفطر: «من كان هاهنا فقد أذنا له كأنه لمن حوله يريد الجمعة»

وكذا أخرجه عن معمر عن صاحب له عن علي به

وأخرجه الفريابي في أحكام العيدين من طريق قتادة عن الحسن قال: اجتمع عبدان ...

فمجموع هذه الرويات تدل على ثبوته عن علي رضي الله عنه, ولما لم يكن التخصيص بأهل العوالي مقصودا لم يقيد علي رضب الله عنه الرخصة به.

3-ابن الزبير؛ فقد أخرج النسائي في سننه (3/ 194) عن  وهب بن كيسان، قال: «اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يومئذ الجمعة»، فذكر ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة.

فراعى ابن الزبير مقصد الشارع, وظاهر صنيعه أنه أخر الصلاة إلى وقت الجمعة؛ مراعاة لمقصد التيسير

ولعل أقرب الأقوال أن ابن الزبير أخر الصلاة إلى دخول وقت صلاة الجمعة فصلاها جمعة قبل الزوال لا عيدا.

قال ابن تيمية: (والقول الثالث: وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد. وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وغيرهم. ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف) مجموع الفتاوى (24/ 211)


وأما الأحاديث المرفوعة كحديث إياس وأبي هريرة وإن كان في أسانيدها ضعف إلا أن لها من الشواهد وموافقة مقصد الشارع ما يقويها, وهي من الناحية الحديثية تقبل التحسين.

ولذا احتج بها جماعة من أهل العلم.

وقد أشكل على بعض طلبة العلم التداخل الذي يكون بين العيد والجمعة إذا اجتمعا في يوم واحد 

ووجه الإشكال عندهم أن الجمعة فرض والعيد سنة، ولا تسقط السنة الفرض؛ بناء على الاشتباه بين الاندراج والتداخل من جهة

وعلى الاشتباه بين ما كان مقصودا لذاته وما ليس مقصودا من جهة أخرى 

أما الأول فالتداخل أعم من الاندراج والتشريك، ولا يلزم من عدم صحة اندراج الأعلى في الأدنى منع التداخل بينهما؛ إذ التداخل يكون بإعطاء حكم واحد لأمرين مقصودهما واحد

ومن أمثلة التداخل بين واجبين مقصودهما واحد: من أجنبت ثم حاضت فيكفيها غسل واحد 

وأما الثاني فليس اجتماع العيد والجمعة من باب اجتماع أمرين مقصودين لذاتيهما، وإنما هو من باب اجتماع عبادتين غير مقصودتين لذاتيهما

فصلاة العيد ليست مقصودة لذاتها، وصلاة الجمعة ليست مقصودة لذاتها؛ فصح التداخل..

وإنما لا يصح التداخل بين الفرض والسنة إذا كان الفرض مقصودا لذاته والسنة غير مقصودة لذاتها كاجتماع غسل الجنابة مع غسل الجمعة فهنا يدخل غسل الجمعة في غسل الجنابة لا العكس؛ لأن غسل الجنابة مقصود بينما غسل الجمعة ليس مقصودا لذاته، فيجزئ غسل الجنابة عن غسل الجمعة

ومسألة اجتماع العيد والجمعة ليس فيهما شيء مقصود لذاته فصح التداخل والإجزاء 

ثم إن التداخل في العبادات يكون محله الأسباب لا الأحكام.. 


وأما ما يستمسك به من يمنع التداخل من الأدلة الدالة على وحوب صلاة الجمعة، والأدلة الدالة على صلاة العيد، ومشروعية تعددهما لتعدد موجبهما 

فنقول: نحن لا ننكر أن الأصل هو تكرار العمل بتكرر سببه وموجبه 

ولكن لما كانت الشريعة ترعى رفع الحرج والمشقة كان التداخل -من هذه الجهة-استثناء من أصل، وإنما عُدل عن الأصل لوجود دليل ومرجح أقوى.

وهو في بابه موافق للقياس. 

والخلاصة: 

من أخذ بالعزيمة فصلي العيد والجمعة فقد أحسن

ومن أخذ بالرخصة فصلي العيد ولم يصل الجمعة وإنما صلى بدلها وهو الظهر؛ لتحقق مقصود الاجتماع بالعيد

فقد أحسن


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

استاذ مساعد بكلية علوم الشريعة


الخميس، 13 أبريل 2023

ضابط الحاجة في المستثنيات من المنع إخراج زكاة الفطر نقودا نموذجا

 يسأل بعض الأخوة عن ضابط الحاجة التي عُلق عليها استثناء إخراج زكاة الفطر نقودا

عند البحث في ضابط الحاجة في مسألتنا يجب أن نلحظ أننا نتكلم عن الحاجة التي تنقلنا من المنع إلى الإباحة
وهذا يتطلب رتبة عالية في الحاجة تتناسب مع قوة المنع
والمشقة في الضرورة كبرى وفي الحاجة وسطى...

والحاجة في بابنا: ما توقع في ضيق وحرج شديدين تعلقا بالمخرِج ...

فإذا كان إعمال الدليل على إطلاقه يوقع في حرج شديد خارج على المعتاد
فهنا يستثنى موضع الحرج الذي هو صورة من صور مقتضى الدليل المانع

وإذا رجعنا إلى مسألتنا وجدنا أن المنصوص عليه في إخراج زكاة الفطر هو الطعام
والأصل أنه لا يجزئ غيره
فإذا وُجد حرج شديد عدلنا عن الأصل إلى مقتضى الحاجة مع الاقتصار على موضع الحاجة وبقدرها
فالحكم هنا يكون خاصا بالمحتاج ولا يجوز لغيره ولا يتجاوز موضع الحاجة

وكلما قوي المنع في الأصل شدد في الحاجة، ولذا لم تعتبر المشقة الوسطى في أكل الميتة؛ لقوة التحريم في أكل الميتة فلم يناسبه إلا المشقة الكبرى الذي تذهب بها النفس...

وللعلم أن من أصول مالك: مراعاة الحاجيات...

ولما كان باب الزكاة معقول المعنى واعتُبر فيه الخروج عن الأصل لمقتضى المصلحة والحاجة كما فعل بعض الصحابة والتابعين في زكاة المال، وجرت عليه الشريعة:
لم يشترط في الحاجة المخرجة عن الأصل أعلى مراتبها والتي تلحق بالضرورة
فالشارع لم يشدد في المخرج في الزكاة ولذا صح استثناء ما اقتضته الحاجة التي بمعنى المشقة الوسطى والتي لا تصل إلى إهلاك النفس
لكن لا يصح إلغاء المنصوص عليه -وهو الطعام- مطلقا
وإنما يبقى الأصل وهو عدم إجزاء غير الطعام؛ حتى لا يلغى النص الشرعي
ويعمل بالحاجة في جزئيات...

وأما الخروج عن الاصل-وهو الطعام-؛ لمقتضى المصلحة فيجب أن يعلم أن المصلحة المرعية هنا هي المصلحة التي تحافظ على مقصود الشارع في باب الزكاة وترجح على المصلحة الدائمة من المنصوص عليه
ولا شك أن منصوص الشارع في زكاة الفطر-وهو الطعام- مصلحة راجحة، فما سماه الشارع لا يكون إلا مصلحة راجحة
لكن قد يعرض في بعض الصور الجزئية العارضة ما تكون مصلحة غير المنصوص فيها أرجح من مصلحة المنصوص عليه
كما أن مصلحة أكل الميتية أرجح للمضطر فتكون المصلحة هنا عارضة، ويكون الخروج عن مقتضى إطلاق تحريم أكل الميتة في صورة المضطر للمصلحة الراجحة مسلكا دلت عليه الشريعة.

وما لاحظناه في الحاجة يلاحظ أيضا في المصلحة، فكلما قوي التحريم شدد في المصلحة، فمصلحة النص المتعلقة بضروري لا يخرج عنها إلا لمقتضى مصلحة متعلقة بضروري
وهكذا...

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار 

الاثنين، 10 أبريل 2023

[حكم #التهجد في العشر الأواخر من رمضان زيادةً على صلاة التراويح]

 

[حكم #التهجد في العشر الأواخر من رمضان زيادةً على صلاة التراويح]

مقصود الشارع من التهجد في العشر الأواخر: الاجتهاد في العبادة, وإدراك فضيلة ليلة القدر, ولذا كان يجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره.

ومشروعية القيام آخر الليل بعد الانصراف من صلاة التروايح مبني على ثلاث مقدمات:
الأولى: جواز زيادة التعبد بالقيام في العشر الأواخر؛ تحقيقا لمقصد الشارع.
الثانية: جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة.
الثالثة: جواز التعقيب.

أما المقدمة الأولى, وهي: جواز زيادة التعبد بالقيام في العشر الأواخر؛ تحقيقا لمقصد الشارع؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد في التعبد في ليالي العشر الأواخر ويميزها عن يقبة الليالي؛ تحقيقا لمقصد الشرع.

وأما المقدمة الثانية وهي: جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة ,
فقد دل عليها عمل الأعم الأغلب من المسلمين, وهو يحقق مقصد الشارع من قيام رمضان وهو: طول القيام.

وأما المقدمة الثالثة فهي: جواز التعقيب في المسجد.
والمراد بالتعقيب: رجوع الناس إلى المسجد بعد انصرافهم.
والراجح: جوازه؛ لأمور:
1- أخرج أبو داود في سننه (2/ 67): (( عن قيس بن طلق، قال: زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان، وأمسى عندنا، وأفطر، ثم قام بنا الليلة، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده، فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا، فقال: أوتر بأصحابك، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا وتران في ليلة»
2- أخرج ابن ابي شيبة في مصنفه(2/ 167) عن أنس لما سئل عن التعقيب في رمضان قال: «لا بأس به, إنما يرجعون إلى خير يرجونه، ويبرءون من شر يخافونه»
3-أنه داخل في استحباب الاجتهاد في العشر الأواخر.
4-أنه محقق لمقصد التعبد في ليلة القدر.

فإن قيل: لِم لَم يتهجد النبي صبى الله عليه وسلم في المسجد؟
قيل: علة عدم تهجده في المسجد هي علة عدم صلاته التراويح في المسجد, وهي: خشية أن يفرض على الأمة.
وأما تخصيص ليالي العشر الأواخر بالتهجد فقد دل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم, فقد كان يخصص هذه الليالي بمزيد تعبد, وكان يميزها عن بقية الليالي بالعبادة؛ مما يدل على مشروعية هذا التخصيص.

وأخيرا
إن من الأحكام التي يحتاج إليها المتهجد في ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان مسألة نقض الوتر...
والمراد بنقض الوتر, أن يصلي ركعة مستقلة قبل البدء في التهجد في آخر الليل تنقض وتره الأول.
وقد فعل ذلك كثير من الصحابة
والنقض في مسألتنا:
1-يحقق مصلحة راجحة, وهي: إدراك فضيلة من قام مع الإمام حتى ينصرف.
2-وروده عن جماعة من السلف.
3- موافق لمعنى حديث "لا وتران في ليلة"؛ ذلك أن الوتر الثاني يكون ناقضا للوتر الأول,
4- محقق لحديث"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" فيكون من نقض وتره قد ختم صلاة الليل بوتر, وهذا بخلاف من لم ينقض؛ قال ابن رجب في فتح الباري (9/ 170): ((ومن تطوع بركعة في الليل، من غير نقض، ثم أوتر لم يبق لوتره فائدة؛ فإنه صار وتره شفعاً )).

والذي أنصح به الإمام في العشر الأواخر ألا يوتر في التراويح؛ فهنا المأموم أيضا لن يوتر, وإنما سيوتر مع إمامه في التهجد, فيحصل له أجر إحياء الليل, ويكون قد أدرك فضيلة :" من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.

وتفصيل ما تقدم على الرابط

https://t.me/dr_alnjar/2543

السبت، 8 أبريل 2023

مسالة مدح المبتدع الذي يدافع عن الإسلام

لا يصح أن يطلق القول بمدح #المبتدع -الذي يدعو إلى بدعته ويظهرها- وعدم التعرض لبدعته حال دفاعه على الدين ورده على أعداء الإسلام؛
ذلك أن هذا الأمر منوط بأمرين:
الأول: سلامة الأصول التي ينطلق منها فيما دافع فيه عن الإسلام بموافقته لأهل الحديث.
الثاني: أن تكون مصلحة مدحه المقيد أعظم من مفسدة ذمه أو السكوت عنه.

فهنا حالان:
الأولى: من دافع عن الدين بأصول فاسدة فهو في الحقيقة لم يدافع عن دين الأسلام؛ فلم يقتض فعله مدحا، وإنما يقتضى ذما..

الثانية: من دافع بأصول صحيحة فيما دافع فيه عن الإسلام فهذا الدفاع لا يستلزم مدحه، وإنما قد تكون المصلحة في مدحه مدحا مقيدا، وقد تكون المصلحة في مصاحبة المدح ذكر بدعه، وقد تكون المصلحة في السكوت فلا يمدح ولا يذم
وقد تكون المصلحة في ذمه من غير مدح له ولو مقيدا.

وليس من مناطات هذه المسألة الموالاة بقدر إيمانه ولا عدم  تكفيره ولا عدم القطع بهلاكه في الآخرة.
وكون الإنسان يحمد حال المبتدع في دفاعه على الدين لا يستلزم بالضرورة ولا ما دونها مدحه أمام الناس.

فإن قيل: ما محل مدحه مدحا مقيدا مع عدم ذكر بدعه التي قد يُغتر بها؟

قيل: محل المسألة: إذا كان في بيان بدعته -لمن يمكن أن يتأثر بها- إضعافا للدين أمام الأعداء
أما إذا لم يترتب على ذلك إضعاف الدين فخارج محل البحث، ولها مقامات...

فلو فرضنا أنه لم يقم بواجب الدفاع عن الإسلام إلا المبتدع الذي خالف أصول أهل السنة كالمعتزلي وكان في ذكر بدعته إضعاف للدين

فلا شك أن مضرة بدعته أقل من مضرة الكفر
فكان تحصيل مصلحة دفع الكفر مع المفسدة المحتملة من اغترار الناس ببدعة المبتدع خيرا من دفع مفسدة الاغترار مع تمكن الكفر ودخوله في قلوب المسلمين..
فهنا يمدح مدحا مقيدا ولا تذكر بدعته.

وهذه الصورة نادرة أو قليلة، بمعنى ألا يقوم بواجب الدفاع عن الإسلام إلا من فيه بدعة متعلقة بالأصول وكان في ذكرها إضاف للدين ونصرته..

والغالب أن الأمر يحصل فيه اشتراك بين أهل السنة والمبتدعة ولا يحصل بذكر البدعة إضعاف للدين
فإذا سلمت أصول المبتدع في المسألة التي يدافع بها عن الإسلام واحتيج إلى مدحه فإن المدح يكون مدحا مقيدا
وقد تقتضي المصلحة الراجحة مع مدحه مدحا مقيدا أن ينبه الناس إلى بدعه المغلظة خصوصا إذا قويت مظنة الاغترار ببدعته
وقد لا تقتضي، كما تقدم...

وكثير ما كان أبو العباس ابن تيمية رحمه الله يقرن المدح المقيد بذكر البدعة
وقد يتخلف هذا عنده في بعض المقامات

وعلى كل حال فالباب يحكمه النظر من العلماء الراسخين إلى المصالح والمفاسد...

وأما من جعل معيار المدح والذم هو الكلام في قضايا الأمة والكلام عن الكفار...
وهون من تصحيح عقائد الناس ومنهجهم وجعل ذلك من الفروع والانشغال بالجزئيات  -كما هو حال بعض الجماعات!-
فما فهم حفظ الدين ولا أدرك أصوله!!!

كتبه باختصار جوابا لمن راسلني:
د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 7 أبريل 2023

رمضان

 هل من أكل أو شرب ناسيا في نهار رمضان يجب عليه القضاء؟


سمعت مقطعا لمولود #السريري -هداني الله وإياه- يجهل فيه أهل هذا العصر -هكذا عبر- ممن يقولون بأن من أكل أو شرب ناسيا في رمضان ليس عليه قضاء!!

وأخذ يتهمهم أنهم إذا وجدوا خبرا جعلوه محل الحكم دون النظر إلى الأدلة الأخرى وهو جهل في مسالك النظر...

فصور لمتابعيه أن من قال بعدم القضاء لم ينظر لعموم الأدلة ولا عنده علم بمسالك النظر, ويقول: إن مسلك الفقه قد عطل, ولهذا ظهرت مثل هذه الفتاوى التي يفتي بها من أرباب هذا المسلك الضعيف!!


والإنسان يعجب من هذه الجرأة المذمومة!! 

وكأن الفقه لا يدركه إلا هو, وليت هذا التنقص يقف عند أهل هذا العصر, بل قد يتعدى إلى كل من أفتى بعدم القضاء, وهو قول أبي هريرة ، وابن عمر ، وعطاء ، وطاوس ، وابن أبي ذئب ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وإسحاق. انظر: المغني لابن قدامة (620) (4/ 367)0

وقال الترمذي في جامعه (2/ 92): (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق.

وقال مالك بن أنس : إذا أكل في رمضان ناسيا فعليه القضاء ، والقول الأول أصح).


قد يسأل سائل ما النظر الصحيح عند السريري والذي زعم أنه قد تعطل؟

خلاصة مسلكه: أن القياس عنده أن السهو لا يرفع التكليف, والقول بعدم قضاء من سها ونسي فأكل هو على خلاف القياس؛ إذ إنه لا يطرد في بقية الأبواب.

هذا ملخص النظر عنده, والذي لأجله جهَّل واتهم وطعن!! ولم يأت فيه بشيء جديد!!!

وجوابه:

أولا: نمنع أن يكون القول بعدم القضاء على من أكل أو شرب ناسيا على خلاف القياس

وما ذكره قد يصح لو كان الأكل في الصيام من باب ترك المأمور؛ إذ إن منشأ الغلط عنده ظنه أن الأكل في الصيام من باب ترك المأمور فلا تبرأ الذمة بتركه سهوا ونسيانا, كالنية في الصيام

ولكن الأكل في الصيام-على الراجح- من باب فعل المحظور, وكل من فعل محظورا سهوا أو نسيانا تبرأ ذمته ولا يطالب بالقضاء.

ثانيا: لو سلمنا أن عدم القضاء من باب ترك المأمور وأنه عدول عن موجب القياس, إلا أنه عدول عن موجب القياس إلى موجب النص, فكان ترك العمل بموجب القياس للعمل بموجب الحديث استحسانا,  فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه) قال الدارقطني: إسناد صحيح وكلهم ثقات. سنن الدارقطني (2/ 178)

وفي صحيح ابن خزيمة (3/ 239)  عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أفطر في شهر رمضان ناسيا، لا قضاء عليه ولا كفارة»

ثالثا: أصل وجوب الصيام لا يتعارض مع عدم القضاء لمن أكل أو شرب ناسيا, فعدم القضاء لعارض النسيان لا ينافي أصل الوجوب. 

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من نسي وهو صائم ، فأكل ، أو شرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه). صحيح مسلم (3/ 160)

ففيه الأمر بإتمام الصوم الذي كان قبل الأكل والشرب, ولما كان الصوم قبل الأكل صوما شرعيا صحيحا مجزئا وأمر بإتمامه عُلم أن الصوم بعد الأكل صوم صحيح شرعي مجزئ, فحمله على الحقيقة الشرعية أولى من حمله على صورة الصوم, 

بمعنى أنه أمر بإتمام ما ثبتت صحته وكان صوما شرعيا, والأكل العارض معفو عنه كأنه لم يقع؛ بدليل أن التعليل بكون الله أطعمه وسقاه يقتضي أن فعل الأكل لم يصدر بقصد ولا عمد من العبد فلم يتعلق بالفعل حكم ولا مؤاخذة فبقي الصوم على ما كان عليه, ولو كان الصوم فاسدا لأضاف الإطعام إلى العبد؛ ليكون مناسبا لفساد صومه.

قال الماوردي في الحاوي الكبير في فقه مذهب الشافعي (3/ 431): (فلما أمره بإتمام صومه دل على أنه لم يفطر، ولأنها عبادة يفسدها الأكل عامدا فوجب أن لا يفسدها الأكل ناسيا كالصلاة، إذا أكل فيها لقمة ناسيا)

ثم لو كان ما أمر بإتمامه غير مجزئ مع كونه محل السؤال لأمر بالقضاء؛ ذلك أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.


والخلاصة: أن عدم قضاء من أكل أو شرب ناسيا في نهار رمضان موافق للقياس

وتقتضيه مقاصد الشريعة؛ لأنه من التيسير ورفع الحرج, فالأكل والشرب مما يقتضيه الطبع, ونسيانه لا يمكن دفعه إلا بمشقة وحرج.

كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 6 أبريل 2023

التزاحم بين فعل راتبة العشاء وصلاة التراويح

[لا تشويش يقع من انتظار الإمام الناس حتى يصلوا ركعتين

بعد العشاء وقبل التروايح]


انتظار الإمام من حسن فقه الخلاف, ولا يترتب عليه حرج, ولا يوقع في مشقة, ولا تحدث به فتنة ولا تشويش إلا في خيال بعضهم!!

فليس كل خلاف لمشهور المذهب ولا ما اعتاده أهل بلد في زمن ما: يحصل به تشويش على الناس, وإنما يقع التشويش من المتعصبة ونحوهم...

وبلدنا ليبيا اختلطت فيها المذاهب بالنظر إلى آحاد المسائل الشرعية, فلا يتدين الناس فيها بمذهب واحد لا يخرجون عنه, واحتمل بعضهم بعضا من غير إنكار إلا بإبداء الحجة...

ولا يعني ذلك نفي أن يكون المذهب الرسمي للبلد هو المذهب المالكي, لكن كونه رسميا لا يدل على أن أهل البلد ملتزمون به في كل مسألة ولا يخرجون عنه, فهذا يكذبه الواقع...


فما يصوره بعضهم من التشويش والفتنة هو محض خيال, ولو سلم وجوده فنادر أو قليل, والحكم للغالب...


وراتبة العشاء من النفل المؤكد الموقت بعدد, وتأكيدها كان لمعنى مناسب؛ فقد جعلها الله جابرة للنقص الواقع في الفرائض.

وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصليها في بيته بعد العشاء, ففي صحيح البخاري (2/ 57)عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد الجمعة، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء»

إلا أن مالكا رحمه الله لم يوقت قبل الصلاة المفروضة ولا بعدها نفلا معلوما له حد يتوقف عليه الندب

ولا يرى المالكية أن للنفل التابع للفرائض نية تعيين إلا سنة الفجر.

واستغنى المالكية بالشفع والوتر عن النفل بعد العشاء, كما ذكر ذلك الخرشي في شرح مختصر خليل (2/ 3)

وهو خلاف ما عليه الجمهور, وخلاف ما ثبت به فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما غاير بين النفل بعد العشاء وقيام الليل, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص العشاء بركعتين ثم يصلي قيام الليل ويوتر.

فالركعتان بعد العشاء لا تدخلان في قيام الليل ولا في قيام رمضان الذي ورد فيه فضل خاص وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة) 

فشرط هذا الفضل: أن يقوم مع الإمام فلا تفوته معه تسليمة, 

ومن صور تخلفه: إذا صلى أول ركعتين مع الإمام بنية راتبة العشاء فإنه لا يكون قد صلى مع الإمام التراويح حتى ينصرف؛ لأن الركعتين لم ينو بهما قيام الليل, والفضل إنما علق على قيام الليل مع الإمام.

فكيف إذا فاتته ركعتان مع الإمام لانشغاله بالركعتين بعد العشاء؟!!

وهذا يقتضي فقها عند تزاحمهما وتعذر البدء براتبة العشاء إذا كان الإمام لا يترك وقتا لصلاة الركعتين بعد العشاء

ففي هذه الحال, هل يكون الأفضل أن يصلي الرجل الركعتين بعد العشاء ولو فاتته تسليمة مع الإمام أو يكون الأفضل أن يصلي التراويح مع الإمام ثم يصلي بعد ذلك راتبة العشاء؟

محل نظر واجتهاد, ولعل الأقرب أن يصلي مع الإمام حتى ينصرف؛ إدراكا للفضل الخاص, ثم يصلي راتبة العشاء

ومن أوجه هذا الترجيح أن المصالح إذا تزاحمت فإنه: 

1-يقدم ما شرع فيه الجماعة على ما لم تشرع فيه الجماعة.

2-يقدم ما تفوت فضيلته بفوات وقته أو شرطه, فصلاة الليل مع الإمام تفوت فضيلتها بفوات القيام مع الإمام, بخلاف تأخير الركعتين بعد العشاء؛ فإن مصلحتها لا تفوت بتأخيرها.

والذي ينبغي على الإمام أن يراعي المصلين في مسائل الاجتهاد, والأكمل أن يمكن المصلين من صلاة ركعتين بعد العشاء وإن كان هو على مذهب مالك 

فيتحقق بذلك للمصلي تحصيل مصلحة راتبة العشاء ومصلحة قيام رمضان مع الإمام, فالمصالح إذا اجتمعت وأمكن تحصيلها جميعا كان هو الأفضل.


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار