الثلاثاء، 20 يونيو 2017

مشروعية التهجد في العشر الأواخر من رمضان زيادةً على التراويح بعد الانصراف منها



مشروعية التهجد في العشر الأواخر من رمضان
 زيادةً على التراويح بعد الانصراف منها

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن الوقوف عند ألفاظ النصوص من غير نظرٍ لفهم السلف لتلك الألفاظ: يورث إشكالية عظيمة, وهُوَّة بين الألفاظ والمعاني الشرعية, وبعدا عن فقه مراد الله ورسوله صلى الله  عليه وسلم.
ويزداد الأمر إشكالية: إذا لم يُنظَر إلى عمل المسلمين قرنا بعد قرن.
فليس إدراك هدي النبي صلى الله عليه وسلم يكون بالوقوف عند الالفاظ دون النظر إلى المعاني والعلل والغايات, وإنما إدراك هديه يكون بالوقوف على الألفاظ والمعاني والمقاصد الكلية والقواعد العامة.

ومما لا ينبغي الاختلاف فيه ولا عليه أن المقصود من التهجد: الاجتهاد في العبادة, وإدراك فضيلة ليلة القدر.
وكلاهما مشروعان قد دلت السنة على الحث عليهما.
ومشروعية التهجد مبنية على جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة من جهة, وعلى جواز التعقيب من جهة أخرى, وعلى جواز زيادة التعبد بالقيام في العشر الأواخر من جهة ثالثة.
وأبدأ بالجهة الثالثة, فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره.
عن الأسود بن يزيد، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» أخرجه مسلم
وفي مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، «إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر»
ومن ذلك الاجتهاد: إحياؤه معظم ليالي العشر الأواخر.
وجاء في مسند أحمد " فكان أبو بكرة  يصلي في العشرين  من رمضان كصلاته في سائر السنة فإذا دخل العشر اجتهد "
كما قد جاء عن بعض السلف أنهم كانوا يزيدون ركعات على ما كانوا عليه قبل العشر.
ومن ذلك:
ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 164) عن وقاء قال: «كان سعيد بن جبير يؤمنا في رمضان، فيصلي بنا عشرين ليلة ست ترويحات، فإذا كان العشر الآخر اعتكف في المسجد وصلى بنا سبع ترويحات»
ووقاء فيه ضعف, فهو لين, وقد تابعه على زيادة الركعة: إسماعيل بن عبد الملك, ففي مصنف عبد الرزاق الصنعاني (4/ 266) عن الثوري عن إسماعيل بن عبد الملك قال: «كان سعيد بن جبير يؤمنا في شهر رمضان، فكان يقرأ بالقراءتين جميعا، يقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود فكان يصلي خمس ترويحات، فإذا كان العشر الأواخر صلى ست ترويحات»
إلا أن وقاء أثبت ست ترويحات, وإسماعيل أثبت سبع.
وأما عن جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة , فقد دل عليه عمل المسلمين الظاهر المستمر, وهو نوع من أنواع الإجماع.
ومن ذلك:
ما جاء عن عطاء أنه قال: «أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر» أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 163) بسند
وعن داود بن قيس، قال: «أدركت الناس بالمدينة في زمن عمر بن عبد العزيز، وأبان بن عثمان يصلون ستا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث» مصنف ابن أبي شيبة (2/ 163)
وداود: ثقة. وسنده صحيح.
وعن نافع بن عمر، قال: " كان ابن أبي مليكة يصلي بنا في رمضان عشرين ركعة، ويقرأ: بحمد الملائكة في ركعة "  مصنف ابن أبي شيبة (2/ 163)
وأيضا ما جاء في كتاب مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر لمحمد المروزي واختصره المقريزي (221): (( ...
 قال الأعمش: «كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث»
وقال عطاء: «أدركتهم يصلون في رمضان عشرين ركعة , والوتر ثلاث ركعات»
عبد الله بن قيس عن شتير: وكان من أصحاب عبد الله المعدودين أنه كان يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة ويوتر بثلاث "
محمد بن سيرين: إن معاذا أبا حليمة القارئ كان يصلي بالناس في رمضان إحدى وأربعين ركعة " ابن أبي ذئب , عن صالح مولى التوأمة قال: «أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس»
قال ابن أبي ذئب: فقلت: لا يسلمون بينهن؟ فقال: «بل يسلمون بين كل ثنتين ويوترون بواحدة إلا أنهم يصلون جميعا»
عمرو بن مهاجر: إن عمر بن عبد العزيز «كانت تقوم العامة بحضرته في رمضان بخمس عشرة تسليمة وهو في قبته لا ندري ما يصنع»
داود بن قيس قال: «أدركت المدينة في زمان أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز يصلون ستة وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث»
نافع: «لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعا وثلاثين ركعة ويوترون منها بثلاث»
ورقاء بن إياس: كان سعيد بن جبير يصلي بنا في رمضان من أول الشهر إلى عشرين ليلة ست ترويحات , فإذا دخل العشر زاد ترويحة ...
يونس رحمه الله: «أدركت مسجد الجامع قبل فتنة ابن الأشعث يصلي بهم عبد الرحمن بن أبي بكر وسعيد بن أبي الحسن , وعمران العبدي كانوا يصلون خمس تراويح , فإذا دخل العشر زادوا واحدة , ويقنتون في النصف الآخر , ويختمون القرآن مرتين»
عمران بن حدير رحمه الله: «كان أبو مجلز يصلي بهم أربع ترويحات ويقرأ بهم سبع القرآن في كل ليلة»
ذكوان الجرشي رحمه الله: «شهدت زرارة بن أوفى يصلي بالحي في رمضان ست ترويحات , فإذا كان في آخر الشهر صلى سبع ترويحات كل ليلة , وشهدته في آخر صلاته يصلي ست ركعات لا يقعد بينهن يقعد في السادسة»
ابن القاسم: سمعت مالكا رحمه الله يذكر أن جعفر بن سليمان أرسل إليه يسأله: أنتقص من قيام رمضان , فنهاه عن ذلك , فقيل له: قد كره ذلك , قال: نعم , وقد قام الناس هذا القيام قديما , قيل له: فكم القيام؟ فقال: تسع وثلاثون ركعة بالوتر "  ...))
والآثار كثيرة أورد جملة منها ابن أبي شيبة في مصنفه, وغيره.
وقال الترمذي في جامعه سنن الترمذي ت شاكر (3/ 161): ((  واختلف أهل العلم في قيام رمضان، فرأى بعضهم: أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم بالمدينة.
 وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر، وعلي، وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة، وهو قول الثوري، وابن المبارك، والشافعي "
وقال الشافعي: «وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة» وقال أحمد: «روي في هذا ألوان ولم يقض فيه بشيء»
وقال إسحاق: «بل نختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أبي بن كعب» واختار ابن المبارك، وأحمد، وإسحاق: الصلاة مع الإمام في شهر رمضان " واختار الشافعي: أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئا "
وقال البغوي: ((ورأى بعضهم أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم، وهو اختيار إسحاق.
وأما أكثر أهل العلم، فعلى عشرين ركعة يروى ذلك عن عمر، وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأصحاب الرأي، قال الشافعي: وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة )). شرح السنة للبغوي (4/ 123)
فهذه النقول تُثبت عمل المسلمين المستمر على جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة, ولا تُجمع الأمة على ضلالة.
بل لو فرضنا أنه عُمل بذلك في زمنٍ من الأزمنة من غير نكير لكان ذلك كافيا لبيان الجواز؛ لأن الله لا يُخل زمنا من قائل بالحق.
فهذا هو فهم السلف للنصوص, وقد حكى عليه ابن عبد البر وغيره الإجماع فقال في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (21/ 70): (( فلا خلاف بين المسلمين أن صلاة الليل ليس فيها حد محدود وأنها نافلة وفعل خير وعمل بر فمن شاء استقل ومن شاء استكثر ))
وقال في الاستذكار (2/ 102): (( وقد أجمع العلماء على أن لا حد ولا شيء مقدرا في صلاة الليل وأنها نافلة فمن شاء أطال فيها القيام وقلت ركعاته ومن شاء أكثر الركوع والسجود ))
فإن قيل: ما الجواب على حديث عائشة رضي الله عنها" ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة"
قيل: تخبر عن غالب قيامه صلى الله عليه وسلم, وليس فيه المنع من الزيادة.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: (( ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة..))
قال الباجي: (( ..تريد صلاته المعتادة الغالبة وإن كان ربما يزيد في بعض الأوقات على ذلك )) المنتقى شرح الموطإ (1/ 216)
وجاء في شرح النووي على مسلم (6/ 18): (( ...وأما الاختلاف في حديث عائشة فقيل هو منها وقيل من الرواة عنها فيحتمل أن إخبارها بأحد عشرة هو الأغلب وباقي رواياتها إخبار منها بما كان يقع نادرا في بعض الأوقات فأكثره خمس عشرة بركعتي الفجر وأقله سبع وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه بطول قراءة ))
بقي بيان جواز التعقيب في المسجد.
والتعقيب: رجوع الناس إلى المسجد بعد انصرافهم. انظر: مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر (ص: 245)
والمقصود منه في مذهب أحمد: (أن يتطوع بعد التراويح والوتر في جماعة) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/ 183)
والتعقيب جاء عن الحسن وقتادة أنهما كانا يكرهان التعقيب في رمضان. مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر (ص: 245)
وعن أنس قال: «لا بأس به إنما يرجعون إلى خير يرجونه، ويبرءون من شر يخافونه» مصنف ابن أبي شيبة (2/ 167)
وقال ابن قدامة: ((فأما التعقيب، وهو أن يصلي بعد التراويح نافلة أخرى جماعة، أو يصلي التراويح في جماعة أخرى. فعن أحمد: أنه لا بأس به؛ لأن أنس بن مالك قال: ما يرجعون إلا لخير يرجونه، أو لشر يحذرونه. وكان لا يرى به بأسا. ونقل محمد بن الحكم عنه الكراهة، إلا أنه قول قديم، والعمل على ما رواه الجماعة. وقال أبو بكر: الصلاة إلى نصف الليل، أو إلى آخره، لم تكره رواية واحدة، وإنما الخلاف فيما إذا رجعوا قبل النوم، والصحيح أنه لا يكره؛ لأنه خير وطاعة، فلم يكره، كما لو أخره إلى آخر الليل )). المغني لابن قدامة (2/ 125)
والراجح: جوازه؛ لما أخرجه أبو داود في سننه (2/ 67): (( عن قيس بن طلق، قال: زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان، وأمسى عندنا، وأفطر، ثم قام بنا الليلة، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده، فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا، فقال: أوتر بأصحابك، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا وتران في ليلة»
ولما ثبت عن أنس رضي الله عنه.

فقد أخرج ابن ابي شيبة في مصنفه(2/ 167) عن أنس لما سئل عن التعقيب في رمضان قال: «لا بأس به, إنما يرجعون إلى خير يرجونه، ويبرءون من شر يخافونه»
وهو داخل في استحباب الاجتهاد في العشر الأواخر, ومحقق لمقصد التعبد في ليلة القدر.
وجوازه جماعة؛ لأن الأصل جواز الجماعة في قيام رمضان.
فإن قيل: لِم لَم يتهجد النبي صبى الله عليه وسلم في المسجد؟
قيل: علة عدم تهجده في المسجد هي علة عدم صلاته التراويح في المسجد, وهي: خشية أن يفرض على الأمة.
فتبين لنا من مجموع ما ذكر مشروعية التهجد في العشر الأواخر من رمضان زيادة على التراويح بعد الانصراف منها.
فهذا تقريرٌ مختصر لهذه المسألة.
والله أعلم
كتبه:
أحمد محمد الصادق النجار

25-رمضان-1438هـ

الأحد، 18 يونيو 2017

فقه حديث: " إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة"


أولا: لفظه.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل، ثم كانت سادسة فلم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب نحو من شطر الليل، قلنا: يا رسول الله، لو نفلتنا قيام هذه الليلة، قال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة» أخرجه النسائي في سننه (3/ 83), وبوب عليه: باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف
وكذا أخرجه أبو داوود والترمذي وغيرهما
وجاء في سنن الدارمي(2/ 1115) بلفظ  فقال: «إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف من صلاته، حسب له قيام ليلته»
ثانيا: فقهه
1-سنية قيام الليل في رمضان جماعة.
2-فضل قيام الرجل مع الإمام في شهر رمضان.
3-إدراك فضيلة قيام ليلة متوقف على الصلاة مع الإمام حتى ينصرف, أي: يفرغ من صلاته.
4-انصراف الإمام يكون بإتمام الصلاة بالوتر, لا بتغيير الأئمة؛ لما جاء في سنن الدارمي(2/ 1115) بلفظ  فقال: «إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف من صلاته، حسب له قيام ليلته»
وقال أحمد رحمه الله: «يقوم مع الناس حتى يوتر معهم , ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام» مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر للمروزي (219)
فإذا كان الإمام لا يوتر إلا بعد التهجد فلابد من صلاة التراويح والتهجد معه؛ لإدراك الثواب المذكور في الحديث, وأما إذا كان يوتر في التراويح فإن الانصراف يكون بالوتر.
5-ذكر إمامٍ واحد في الحديث خرج مخرج الغالب وهو المعهود في زمن الخطاب فلا مفهوم له.
6-أن المراد بالصلاة التي ينصرف منه الإمام: قيام الليل في رمضان, لا صلاة الفرض؛ بدليل سبب الحديث وسياقه.
قال المناوي في فيض القدير (2/ 336): (( (إن الرجل إذا صلى مع الإمام) أي: اقتدى به واستمر (حتى ينصرف) من صلاته (كتب) وفي رواية حسب (له قيام ليلة) قال في الفردوس يعني التراويح اه.
ولم يطلع عليه ابن رسلان فبحثه حيث قال يشبه اختصاص هذا الفضل بقيام رمضان؛ لأنه ذكر الصلاة مع الإمام ثم أتى بحرف يدل على الغاية فدل على أن هذا الفضل إنما يأتي إذا اجتمعوا في صلوات يقتدى بالإمام فيها, وهذا لا يأتي في الفرائض المؤداة ))
7- رفق الإمام بالمصلين, وعدم التشديد عليهم.
8- عدم إحياء الليل كله بالصلاة ولو كان في العشر الأواخر من رمضان.
والله أعلم
كتبه
أحمد محمد الصادق النجار

24-رمضان-1438هـ

الجمعة، 16 يونيو 2017

(نقض الوتر؛ إدراكا لفضيلة الانصراف مع الإمام لمن يجمع بين التروايح والتهجد في المسجد)

(نقض الوتر لمن يجمع في صلاة الليل بين التراويح والتهجد)


الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

فإن من الأحكام التي يحتاج إليها المتهجد في ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان: نقض الوتر.

وصورته: أن المصلي بعد أن يوتر مع إمامه ويسلم يقوم بصلاة ركعة واحدة؛ ليصبح وتره الأول شفعا, ثم يصلي بما شاء ويوتر.

وهو جائز إذا كان لعارض وحقق مصلحة, كما في مسألة الجمع بين التراويح والتهجد مع صلاة المصلي التراويح مع الإمام والوتر معه؛ إدراكا لفضيلة قيام ليلة.

وتقرير ذلك:

 إن المأموم الذي يجمع بين التراويح والتهجد إذا صلى وراء إمام في المسجد؛  فإمامه لا يخلو من حالين:

الأولى: أن يوتر إذا صلى التراويح.

الثانية: ألا يوتر الإمام, فصلاة التراويح في مسجده بلا وتر, فهنا المأموم أيضا لن يوتر, وإنما سيوتر معه إمامه في التهجد, فيحصل له أجر إحياء الليل, ويكون قد أدرك فضيلة :" من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة".

وعليه فنريد من بعض المساجد أن يعملوا بالحال الثانية, فيكون المعروف عن المسجد أنه لا يوتر في التراويح وإنما يوتر في التهجد, فيدرك أربابه الأجر, وإعانة المسلمين على إحياء ليالي العشر الأواخر من رمضان.

 أما إذا كان الإمام يوتر فالمأموم بين أمرين:

الأول: أن يوتر معه؛ إدراكا لفضيلة:" من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة".

 فهنا المأموم الذي يريد أن يتهجد بين أن ينقض الوتر بأن يصلى بعد أن يسلم ركعة, أو لا ينقضه, فإن لم ينقضه وقع في مخالفة حديث: "لا وتران في ليلة"

الثاني: ألا يوتر المأموم مع إمامه.

 فهنا قد لا يدرك فضيلة :" من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة".

ونقض الوتر غير شفع الوتر الذي هو: إضافة ركعة مع عدم التسليم مع الإمام.

وقد دل على مشروعية نقض الوتر:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا)

فمن لم ينقض الوتر لم يجعل آخر صلاته بالليل وترا, ومن أعاد الوتر لزم وتران في ليلة.

وقد جاء عن جماعة من الصحابة, فقد قال ابن المنذر في الأوسط (5/ 196): (( (( فممن روي عنه أنه كان يشفع وتره عثمان بن عفان وسعد بن ابي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب.

 وممن روي عنه أنه فعل ذلك علي بن ابي طالب وعبد الله بن مسعود وابن عباس ))

وقال ابن رجب في حكاية من قال بجواز النقض في فتح الباري لابن رجب (9/ 170): (( إذا أوتر الإنسان من الليل، ثم أراد أن يصلي:

فقال كثير من الصحابة: يصلي ركعة واحدة فيصير بها وتره الماضي شفعاً، ثم يصلي ما أراد، ثم يوتر في آخر صلاته 0

وهؤلاء اخذوا بقوله: ((اجعلوا آخر صلاتكم وتراً)) ، ولهذا روى ابن عمر هذا الحديث، وهو كان ينقض وتره، فدل على أنه فهمه منه.

وروي عن أسامة بن زيد وغير واحد من الصحابة، حتى قال أحمد: وروي ذلك عن اثني عشر رجلاً من الصحابة.

وممن روي ذلك عنه، منهم: عمر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وابن عباس -في رواية -، وهو قول عمرو بن ميمون وابن سيرين وعورة ومكحول.

وأحمد -في رواية اختارها أبو بكر وغيره )).

كما أن النقض يحقق مصلحة راجحة, وهي: إدراك فضيلة من قام مع الإمام حتى ينصرف.

ولمعنى حديث "لا وتران في ليلة"؛ ذلك أن الوتر الثاني يكون ناقضا للوتر الأول, فلا يكون من صلى بوترين قد ختم صلاة الليل بوتر, وهذا يندفع بنقض الأول.

قال ابن رجب في فتح الباري (9/ 170): ((ومن تطوع بركعة في الليل، من غير نقض، ثم أوتر لم يبق لوتره فائدة؛ فإنه صار وتره شفعاً )).

وجواز النقض إنما يكون لعارض وحقق مصلحة؛ لما أخرجه أبو داود في سننه (2/ 67): (( عن قيس بن طلق، قال: زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان، وأمسى عندنا، وأفطر، ثم قام بنا الليلة، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده، فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا، فقال: أوتر بأصحابك، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا وتران في ليلة»

 

وأخيرا: إن مسألة نقض الوتر من المسائل الخلافية فقد قال الترمذي في الجامع (1/ 592) عن النقض: (( واختلف أهل العلم في الذي يوتر من أول الليل، ثم يقوم من آخره.

فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم: نقض الوتر، وقالوا: يضيف إليها ركعة ويصلي ما بدا له، ثم يوتر في آخر صلاته، لأنه لا وتران في ليلة.

وهو الذي ذهب إليه إسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا أوتر من أول الليل، ثم نام، ثم قام من آخر الليل، فإنه يصلي ما بدا له ولا ينقض وتره، ويدع وتره على ما كان.

وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وأحمد.

وهذا أصح، لأنه قد روي من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بعد الوتر.))

وقيل لأحمد: ولا ترى نقض الوتر؟ فقال " لا, ثم قال: وإن ذهب إليه ذاهب فأرجو، قد فعله جماعة. الشرح الكبير على متن المقنع (1/ 712)

وقال ابن عبد البر في إبطال النقض في الاستذكار (2/ 118): (( فإن قيل إن من شفع الوتر بركعة فلم يوتر في ركعة.

 قيل له: محال أن يشفع ركعة قد سلم منها ونام مصليها وتراخى الأمر فيها وقد كتبها الملك الحافظ وترا فكيف تعود شفعا هذا ما لا يصح في قياس ولا نظر ))


كتبه أحمد محمد الصادق النجار

ليلة 22- رمضان -1438هـ

 

الاثنين، 12 يونيو 2017

دور القواعد الفقهية في إبطال منهج الغلاة (غلاة التكفير والتبديع)

دور القواعد الفقهية في إبطال منهج الغلاة
(غلاة التكفير والتبديع)

إن المنهج الذي يناقض الحق ويخالفه يرده الشرع والفطرة السليمة والعقل الصريح
وتجده مناقضا للمقاصد الشرعية والقواعد المرعية.
كما قد دلت وأومأت وأشارت القواعد الفقهية على بطلانه.

وإليك أيها القارئ الكريم بيان ذلك:
إن مما غر كثيرا من الشباب نسبة ما عليه الغلاة إلى منهج السلف، وأنه هو السلفية، وغفلوا أو تغافلوا أن (  أن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني) 
وإذا احتج عليهم محتج ببُعد ما عليه الغلاة عن منهج السلف، وأن خطأهم في كيفية الاستدلال بالأدلة: أنكروا وأعرضوا، ولم يُعملوا قاعدة: ( إعمال الكلام أولى من إهماله)

ومن القواعد التي تبطل منهج الغلاة وتنقضه من أصله:
(المعلق بالشرط معدوم قبله)
فالكلام في الرجال جرحا وتعديلا لابد أن يكون من أهله, فلو صدر من غير أهله فيكون في حكم المعدوم.
فالغلاة لم يتوفر فيهم شرط الأهلية فلا تأثير لأحكامهم.
ثم إن (التهمة تقدح في التصرفات إجماعا من حيث الجملة)
وهؤلاء متهمون بالمولاة والمعاداة لأجل شيوخهم, وبعدهم عن الحق, وجهلهم بالقواعد والمقاصد؛ فتكون تصرفاتهم مردودة, وأحكامهم غير مقبولة .
و(لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح)
هذا ما ذكره علماء القواعد الفقهية.
فالمقدم عند التعارض: ما أُخذ تصريحا على ما أُخذ دلالة.
فكيف إذا لم يكن هناك تعارض أصلا بين الدلالة والتصريح؟
والحكم إذا اجتمع فيه الأمران الدلالة والتصريح- ازداد قوة.
وقد اجتمع الأمران عند الغلاة, فهم لا يرضون على فلان إلا إذا رضي عنه فلان.
فعُرف بالتصريح والدلالة أنه إذا رضي الشيخ رضي الأتباع، وإذا سخط سخطوا.

وأنجع الطرق -بعد التجربة- في التعامل مع هؤلاء: إعمال القاعدة الفقهية:(إذا سقط الأصل سقط الفرع)
وإذا سقط الأصل فلن يعود؛ لأن الفرع لن يعتبر به مرة أخرى، وكما في القاعدة:(الساقط لا يعود كما أن المعدوم لا يعود)
نعم، قد يحتج علي محتج بقاعدة:( قد يثبت الفرع مع سقوط الأصل)
لكنه مع هؤلاء قليل.

والأتباع الجهال يعيشون في توهم أن فلانا قوي في المنهج، وفي التوحيد, وعالم وعلامة، و القاعدة تقول: ( لا عبرة للتوهم)
وكيف يكونون على الحق وهم يتناقضون في تقرير القاعدة الواحدة مع اتحاد الجهة، ويتباينون في المواقف التي يجمعها وصف واحد، و القاعدة تقول: ( لا حجة مع التناقض).
ومنهج هؤلاء -فيما ضلوا فيه - لم يقم على أصول صحيحة في مصدر الاستدلال وكيفية الاستدلال، وإنما قام على الرجال، فيبطل ببطلان أصله، وإذا ( بطل الشيء بطل ما في ضمنه).
ومن تلبيس هؤلاء: أنه إذا أخطأ الأصل وانتشر خطؤه واتضح للناس مع تطبيق الفرع لذاك الخطأ: نسبوا ذلك الخطأ إلى الفرع الجاهل التابع؛ حفاظا على مكانة الأصل الشيخ المعظَّم؛ تطبيقا خطأ لقاعدة:( يضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مجبرا)

وأخيرا: المؤمل في هؤلاء الرجوع إلى الحق، وترك ما هم عليه، وطلب مرضاة الله.
وأذكرهم بالقاعدة الفقهية:( الأمور بمقاصدها).
تنبيه: هذا المقال متضمن لحكم أكثري و( وللأكثر حكم الكل).


بصرنا الله بالحق، وثبتنا عليه، وهدى من ضل إليه.

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار

(ولعل الله أن ييسر مقالين في دور أصول الفقه والمقاصد في بيان بطلان منهج الغلاة)
" إن وجدت فضلا من الوقت"