السبت، 30 أبريل 2016

مناقشة الشيخين عبيد الجابري ومحمد المدخلي في مسألة التفريق بين خلاف السنة والبدعة


مناقشة الشيخين عبيد الجابري ومحمد المدخلي في مسألة
التفريق بين خلاف السنة والبدعة

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فمعرفة الفروق بين المصطلحات والمسائل من أهم ما يحرص عليه طالب العلم, ويجتهد فيه.
وهو علم يحتاج إلى فقه دقيق, وملكة راسخة.
والمصطلحات قد تكون الفروق بينها لفظية فلا تتغير الحقائق العلمية, وقد تكون معنوية فتتغير الحقائق العلمية.
والذي يفتي ينبغي أن يكون مطلعا على هذه الفروق؛ ليضع الأشياء في موضعها.
وهو نوع من أنواع الفقه.
وقد اطلعتُ على خطأ ظاهر في جوابِ سؤالٍ وُجِّه إلى الشيخين عبيد الجابري ومحمد المدخلي في التفريق بين خلاف السنة والبدعة.
فقد سئل الشيخ عبيد الجابري كما في موقع ميراث الأنبياء عن الفرق بين قولهم هذا بدعة وقولهم هذا خلاف السنة؟
فأجاب: المعنى واحد عندي. نعم.
وسئل الشيخ محمد المدخلي عن ذلك, فأجاب:  خلاف السنة: أن يكون الرجل ما هو مبتدع، فأفتى واجتهد، مثل ما يحصل عند الأئمة - رحمهم الله- الفقهاء والمُفتون، بل كما حصل عند الصحابة - رضي الله تعالى عنهم- أبو بكر، عمر، عثمان، علي -رضي الله عنهم جميعًا-، ما من واحدٍ منهم إلَّا قال قولًا خالفَ فيه، مُجْتهدًا، وبعضهم تبيَّن له، وبعض المرات يَتَبَيَّن له أنَّ ما اجتهد فيه خلاف ما جاء عن  النبي - صلَّى الله عليه سلَّم- فَتَجِده يرجع، وأحيانًا لا يَتَبَيَّن له؛ فهذا معنى قولنا: هذا خلاف السنة.
أمَّا البدعة فلا، البدعة: هي الإحداث في الدِّين لشيءٍ يُتَقَرَّب به ويُتَعَبَّد به على غير مثال، ليس له أصلٌ في الدين، نعم هذا صحيح.
هذا هو الفرق بين هذا وذاك، ولعلَّ الابن السائل يرجع ما ذكرناه في كتاب شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى- رفع الملام عن الأئمة الأعلام، يجتهد العالم يقول القول بِخِلاف السُّنة، غابت عنه السُّنة، لا يحفظ فيها شيئًا، ما بَلَغَهُ شيء عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم-، فاجتهد، فنقول: هذا القول خلاف السنة، أَقَوْل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم- أَحَق أن يُتَبَّع أم قول أبي بكر وعمر؟ يقول عبد الله بن عمر، و ابن عباس حديثه -رضي الله عنهم جميعًا - مشهور عندكم، وكذا سالم مَوْلَى، أو سالم بن عبد الله بن عمر قال: "قول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أحق من قول عبد الله ومن قولِ عمر" أبوه وَجَدّه، فهذا هو الذي يُقال فيه أنه خلاف السنة.
أمَّا البدعة فلا، الابتداع هو الإحداث في دين الله، ويبقى المرء عليه ويُنَافِح عنه.
هذا هو الفرق بين هذا وذاك.اهـ

وقد أبعد الشيخان النُّجعة, وخالفا صنيع الأئمة.
وهاتان الإجابتان: متناقضتان, فالشيخ عبيد ينفي الفرق بينهما, والشيخ محمد يثبت فرقا غريبا؛ فجعل خلاف السنة في المجتهد الذي يأتي بقولٍ ولم يبلغه أن السنة بخلافه, فمن كان مجتهدا وقال بقول يخالف السنة وهو لا يعلم بها, فنسمي قوله: خلاف السنة.
ولما جاء الشيخ إلى البدعة لم ينظر فيها إلى القائل.
مع الخطأ في قوله عن البدعة: "ليس له أصل في الدين" فيكون بهذا قد نفى البدعة الإضافية.
وليته تأمل في كلامه قبل أن يُنشَر؛ حتى لا يغتر به المغترون, وما أكثرهم.
ويكفي في بطلان ما ذكر الشيخان نقضه:
فينقض جواب الشيخ عبيد بـ: ترك سنة الفجر,  وتطويل الركعة الثانية من الصلاة على الأولى تطويلا فاحشا, ونحو ذلك من المستحبات.
فيقال: عن ترك سنة الفجر, وتطويل الركعة الثانية من الصلاة على الأولى تطويلا فاحشا خلاف السنة, ولا يقال: بدعة.
وممن فرق بينهما: شيخ الإسلام فقد جاء في مجموع الفتاوى (23/ 121): (( وسئل :
عما يصنعه أئمة هذا الزمان من قراءة سورة الأنعام في رمضان في ركعة واحدة ليلة الجمعة هل هي بدعة أم لا ؟.
فأجاب : نعم, بدعة ، فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ولا غيرهم من الأئمة أنهم تحروا ذلك وإنما عمدة من يفعله ما نقل عن مجاهد وغيره من أن سورة الأنعام نزلت جملة مشيعة بسبعين ألف ملك فاقرءوها جملة لأنها نزلت جملة وهذا استدلال ضعيف
وفي قراءتها جملة من الوجوه المكروهة أمور . منها : أن فاعل ذلك يطول الركعة الثانية من الصلاة على الأولى تطويلا فاحشا , والسنة تطويل الأولى على الثانية كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
 ومنها تطويل آخر قيام الليل على أوله وهو خلاف السنة فإنه كان يطول أوائل ما كان يصليه من الركعات على أواخرها والله أعلم )).

وينقض كلام الشيح محمد المدخلي بـ: أن الأئمة في حكمهم على الفعل بأنه بدعة أو خلاف السنة لم ينظروا إلى القائل هل هو مجتهد أو مبتدع؟
ومن ذلك:
-قراءة القرآن في ركعة.
عن سعيد بن جبير أنه قال: قرأت القرآن في ركعة في البيت.
قال الذهبي معقباً على أثر سعيد: هذا خلاف السنة. انظر: السير: 4/325.
- الخرص, فقد حكي عن الشعبي أن الخرص بدعة.
وقد قال بالخرص:  عمر بن الخطاب، وسهل بن أبي حثمة، ومروان، والقاسم بن محمد، والحسن، وعطاء، والزهري، وعمرو بن دينار، وعبد الكريم بن أبي المخارق، ومالك، والشافعي، وأبو عبيد وأبو ثور، وأكثر أهل العلم. انظر: المغني لابن قدامة (3/ 14)
-الاقتصار على الفاتحة.
فقد جاء في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/ 436): (( ويكره اقتصار مصلٍّ على سورة الفاتحة، لأنه خلاف السنة )).

والصواب في الفرق بين خلاف السنة والبدعة مبني على معرفة معنى الخلاف, ومعنى السنة:
-الخِلافُ: المُضادّةُ.
وقد خالَفه مُخالَفة وخِلافاً.
وتَخالَفَ الأَمْران واخْتَلَفا: لم يَتَّفِقا, وكلُّ ما لم يَتَساوَ فقد تَخالف واخْتَلَفَ. انظر: لسان العرب (9/ 82)
- السنة: تطلق على: الطريقة المسلوكة الموافقة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 120): (( والسنة: هي الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة، ولهذا كان السلف قديما لا يطلقون اسم السنة إلا على ما يشمل ذلك كله ))
وتطلق على: الاعتقاد, كما عليه جماعة من أهل الاعتقاد.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 120): (( وكثير من العلماء المتأخرين يخص اسم السنة بما يتعلق بالاعتقادات، لأنها أصل الدين، والمخالف فيها على خطر عظيم ))
وتطلق على: المستحب, وهذا مصطلح الفقهاء.
وعليه: فهذه الإضافة وهي: خلاف السنة يراد بها:
1-ضد الطريقة المشروعة.
2- ضد الاعتقاد الصحيح.
ومنه: قول شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (3/ 374): (( وأهل الكلام الذين ذمهم السلف لا يخلو كلام أحد منهم على مخالفة السنة ورد بعض ما أخبر به الرسول كالجهمية والمشبهة والخوارج والروافض والقدرية والمرجئة ))
3-ضد المستحب.
ومن الأمثلة: ترك الفجر, أو ترك سنة الظهر, ونحو ذلك.

فعلى المعنى الأول والثاني: تجامع البدعة.
والبدع, منها: الاعتقادي والقولي والعملي, ومنها: المفسق والمكفر.
فإذا أريد بالسنة: الطريقة المشروعة, فضدها: البدعة.
وعلى المعنى الثاني: تفارق البدعة, فضد المستحب: المكروه, وخلاف الأولى.
قال ابن حجر في فتح الباري لابن حجر (11/ 17): (( ولا يلزم من ترك المستحب الكراهة, بل يكون خلاف الأولى ))
وإذا أريد بالسنة: المستحب, فضدها: المكروه, أو خلاف الأولى.
وهذا الضد للمعنى الثاني قد ينقلب إلى البدعة إذا وجد شرطها, وتحقق ضابطها.
قال الشيخ صالح آل الشيخ: ((...وهذا القول يعطينا فرقاً مهماً بين البدعة ومخالفة السنة:
وهي أن البدعة مُلتَزَم بها ، وأما ما فُعِل على غير السنة ولم يُلْتَزَمْ به فإنه يقال خلاف السنة ، فإذا التزم به صار بدعة .
وهذا الفرق نبه العلماء على أنه فرق دقيق مهم بين البدعة ومخالفة السنة .
فالضابط بين العمل المبتدع وبين العمل المخالف للسنة أن يكون العمل هل هو الملتزم به أم غير ملتزم به ؟
فإذا عمل على خلاف السنة يتعبد بذلك مرة أو مرتين ما التزم به من جهة العدد أو من جهة الهيئة أو من جهة الزمن أو من جهة المكان فإنه يُقال خلاف السنة .
أما إذا عمل عملاً يريد به التقرب إلى الله جل وعلا والتزم به عدداً مخالفاً للسنة أو التزم به هيئةً مخالفةً للسنة أو التزم به زماناً مخالفاً للسنة أو التزم به مكاناً مخالفاً للسنة صار بدعةً .
هذه أربعة أشياء في العدد والهيئة والزمان والمكان .
فمن أخطأ السنة و تعبد ولم يلتزم يقال هذا خالف السنة ، و أما إذا التزم بطريقته وواظب عليها فإنه يقال هذا صاحب بدعة وهذا العمل بدعة )). شرح العقيدة الواسطية (2/ 267)
وهنا نجد أن الشيخ يجعل الفرق بينهما من جهة الالتزام.

فلابد من التفصيل في تحرير الفرق بين خلاف السنة والبدعة, وأيضا لابد من النظر في مصطلح القائل به, فإطلاق الفقهاء قد يختلف على إطلاق أهل العقائد, وهكذا.
والفقهاء أنفسهم يختلفون في تفسير السنة, فينبغى مراعاة هذا أيضا.
ولابد من مراعاة ضابط البدعة.
هذا ما تيسر تحريره.
والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار


الجمعة، 29 أبريل 2016

من أوجه الشبه بين غلاة التكفير وغلاة التجريح


من أوجه الشبه بين غلاة التكفير
وغلاة التجريح

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن المقصد من إثبات المشابهة بينهما من وجه دون وجه هو: التنفير من الفعل المحدث, وبيان خروجه عن منهج السلف الصالح.
ولا يفهم من إثبات المشابهة من وجه: المطابقة والمماثلة.
وإن من ضلال غلاة التكفير:
1-المسارعة في التكفير, وهذه الخصلة اشترك فيها الخوارج قديما وحديثا.
ومن أمثلة مسارعتهم في التكفير: ما جاء في الكامل في اللغة و الأدب (3/ 206)
أن مولى لبني هاشم جاء إلى نافع، فقال له: إن أطفال المشركين في النار، وإن من خالفنا مشرك، فدماء هؤلاء الأطفال لنا حلال، قال له نافع: (( كفرت وأحللت بنفسك ))
وقد شابه غلاة التجريح غلاة التكفير في هذه الخصلة.
فتجد جماعة منهم يسارعون إلى التبديع والتحذير من غير بينةٍ شرعية, ولا تحقيقٍ للمناط الشرعي.
2-تنزيل النصوص التي نزلت في الكفار على المسلمين.
فقد جاء في شرح السنة للبغوي (10/ 233): (( وكان ابن عمر يرى الخوارج شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين )).
وقد شابه غلاة التجريح غلاة التكفير في هذه الخصلة.
فتجد جماعة منهم ينزلون نصوص السلف في المبتدعة على أهل السنة ممن يخالفونهم.
3-الطعن في أهل العلم من أهل السنة, ورميهم بالتهم والبدع.
ففي مسند أحمد (2/ 85): (( ...فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس، فخرجت معه، حتى إذا توسطنا عسكرهم، قام ابن الكواء يخطب الناس، فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ما يعرفه به، هذا ممن نزل فيه وفي قومه:[ قوم خصمون ] فردوه إلى صاحبه، ولا تواضعوه كتاب الله ...))
وقد شابه غلاة التجريح غلاة التكفير في هذه الخصلة.
فتجد جماعة منهم يطعنون في مشايخ أهل السنة, ويرمونهم بالبدع, ويحذرون منهم ومن دروسهم.
وكل ما ذكرته عن غلاة التجريح يشهد به الواقع, فهو مقطوع به حسا.
وقد انتقل هذا التشابه من تشابه في الأقوال والأفعال من وجه إلى تشابه في الأصل الذي تفرعت منه الأقوال والأفعال, وهو تشابه من وجه دون وجه.
فغلاة التكفير انطلقوا من أصل فاسد, وهو: أنه لا يجتمع في الإنسان إيمان وكفر, وحب وبغض, وموالاة ومعاداة.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 353): (( وطوائف " أهل الأهواء " من الخوارج والمعتزلة والجهمية والمرجئة كراميهم وغير كراميهم يقولون : إنه لا يجتمع في العبد إيمان ونفاق ...))
وهذا الأصل الفاسد ترده الأدلة, وليس هذا محل بسطها.
وغلاة التجريح انطلقوا من أصل فاسد, وهو: أنه لا يجتمع في الإنسان سنة وبدعة, وحب وبغض, وموالاة ومعاداة.
قال ابن تيمية في بيان مخالفة هذا الأصل لاتفاق أهل السنة في مجموع الفتاوى (28/ 209): (( وإذا اجتمع في الرجل الواحد: خير وشر, وفجور وطاعة ومعصية, وسنة وبدعة : استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير, واستحق من المعادات والعقاب بحسب ما فيه من الشر, فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة, فيجتمع له من هذا وهذا, كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته .
هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة, وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه ...))
وأما احتجاج من احتج بأن السلف هجروا أهل البدع, وذموهم.
فليس في هذا نفي أن تجتمع فيهم سنة وبدعة, وأنهم يستحقون الموالاة بقدر ما عندهم من خير, والمعاداة والعقاب بحسب ما عندهم من الشر, وإنما غاية ما يدل عليه صنيع السلف: تقديم مصلحة عقوبتهم وهجرهم وتغليبها على مصلحة عدم عقوبتهم؛ لرجحان المصلحة.
فغُلِّب جانب عقوبتهم على جانب عدم عقوبتهم؛ للمصلحة الراجحة, ولتحقيق مقصد الشارع من العقوبات.
كما أن هناك فرقا في العقوبة بين الداعية وغير الداعية.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 205): (( ... وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة : إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون .
فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا ؛ ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية ؛ لأن الداعية أظهر المنكرات فاستحق العقوبة بخلاف الكاتم فإنه ليس شرا من المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله مع علمه بحال كثير منهم ))
ومن موالاة المبتدع: الترحم عليه, والصلاة عليه إلا لمصلحة راجحة.
ولا تلازم بين إثبات اجتماع سنة وبدعة في الشخص, واستحقاق المولاة والمعاداة وبين الهجر والقطيعة, وتلقيبه بالمبتدع.
فالبابان مختلفان.
كما أنه لا يلزم من إثبات وجود سنة وبدعة في الشخص أن يكون سنيا مبتدعا, أو أنه لا يخرج أحد من السنة, كما يروجه البعض ممن لا يفقه الكلام على وجهه؛ ذلك أن وجود شعبة من شعب السنة لا يلزم منها أن يكون صاحبها سنيا مع وجود البدعة التي ترفع الاسم.
ومن ذلك: الخوارج الأول, فقد كانوا يثبتون صفات الله سبحانه.
فكانوا على السنة في هذا الباب, لكن لما وجدت فيهم بدعة رفعت الاسم عنهم: كانوا مبتدعة.
وقُل مثل ذلك في المعتزلة الأول.

فهذه بعض الأوجه, ولا خروج منها إلا بالرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح, وفهم كلامهم فهما صحيحا.
ثبتنا الله على السنة.
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار


الخميس، 28 أبريل 2016

من أوجه الشبه بين الإخوان المسلمين ومن غلا في التجريح




من أوجه الشبه بين الإخوان المسلمين
ومن غلا في التجريح

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن المقصد من إثبات المشابهة بين الإخوان ومن غلا من وجه دون وجه هو: التنفير من الفعل المحدث, وبيان خروجه عن منهج السلف الصالح.
ولا يفهم من إثبات المشابهة من وجه: المطابقة والمماثلة.
وإن من بِدَع الإخوان المسلمين: الطاعة للمرشد من غير تردد ولا مراجعة, كما قال حسن البنا في رسائله: ((و نظام الدعوة – في هذه المرحلة – صوفي بحت من الناحية الروحية , وعسكري بحت من الناحية العملية , وشعار هاتين الناحيتين (أمر وطاعة) من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج ))
وقد يخرجونه من الجماعة إذا عارض ولم يمتثل.
وقال عمر التلمساني في ذكريات لا مذكرات (( أنه كان بين يدي حسن البنا كما يكون الميت بين يدي مغسله ) 
وهذا كله ترده الأدلة, كما بينت ذلك في مقالي: ((منهج سمعنا وأطعنا لآحاد العلماء مطلقا))
كما أنهم قد نزلوا مرشدهم منزلة ولي الأمر الذي يطاع في المعروف, وهو منكر.
ولست في صدد الرد عليهم في هذه البدعة المنكرة.
وقد شابه غلاة التجريح الإخوان المسلمين في الطاعة لبعض المشايخ من وجه, وإن لم يكن منهم بيعة للمشايخ, ولا إنزالهم منزلة ولي الأمر.
فتجد جماعة منهم يتعصبون لبعض المشايخ, ولا يرون مخالفتهم, ويطيعونهم في اجتهاداتهم من غير تردد في التحذير والتجريح ونحوهما.
فالقول قولهم, والحجة حجتهم دون غيرهم من مشايخ أهل السنة.
وعلى الطالب أن يتابعهم في آرائهم واجتهاداتهم في المنهج, ولا يخالفهم وإن رأى أن الحجة مع غيرهم, وإلا فسيحذَّر منه, وقد يبدَّع.
وقد قال أحدهم لأخيه: ((إذا سمعت الشيخ فلان يذكر لك الحجج في تحذيره من فلان فإياك أن تخالف؛ لأنك تكون متبعا لهواك))
وقال آخر: ((فلان ليس من أهل العلم ...؛ لأن شيخنا الحافظ ... تكلم فيه ))
وقال آخر: (( وفعلك هذا يبين مدى اتباعك لتوجيهات ونصائح أهل العلم خاصة أكابرهم من غير تردد, تطبيقا لمنهج سمعنا وأطعنا ...))
إلى غير ذلك.
والواقع يشهد بذلك
 فكم تكلموا في مشايخ أهل السنة بدعوى أنهم لا يقرؤون, وأنهم لا يعرفون ما يقع في الساحة, ووو
وذنبهم أنهم خالفوا مشايخهم.
ومن يكابر ويريد أن ينفي واقع ما ذكرت: فليجوز الخلاف بين مشايخ أهل السنة في الحكم على الرجال, ويبطل الإلزام بالتبديع, ولي مقال في التفصيل في هذه المسألة.

وأخيرا : الواجب الحذر من هذه المشابهة, والرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح.
وعلى المشايخ المعظَّمين أن يحذروا أتباعهم من هذا, وأن يبينوا لهم أن الحجة  ليست محصورة فيهم دون غيرهم من أهل السنة والجماعة.
وأن من خالفهم في اجتهادهم في الحكم على الرجال؛ لمقتضى الدليل, أو لعدم تحقيق المناط فإنه لا يُثرَّب عليه.

ثبتنا الله على السنة.
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار


الثلاثاء، 19 أبريل 2016




منشأ غلط من غلا في

التبديع والتكفير -في نظري- من وجوه:




الأول: عدم تحقيق مسائلهذين البابين تحقيقا مبنيا على نصوص الوحيين، وأقوال وصنيع أئمة السلف.الثاني: عدم تحقيقالوصف المناسب المؤثر للتبديع أو التكفير, وهذا من أهم الأمور التي وقع فيها منخالف في هذين البابين.وهو منشأ الغلط الأوللمن ينتسب إلى العلم.الثالث: ربط الحق فيهذين البابين بأشخاص، نزلوهم منزلة العلة التي يدور معها الحكم، فجعلوا الحق والصوابيدور مع هؤلاء وجودا وعدما، فيوجد الحق بموافقه أقوالهم وآرائهم، وينتفيبانتقائها. كما نزلوهم منزلة المعصوم الذي لا يخطئ.الرابع: النظر الىالتبديع او التكفير مجردا عن بابه الذي يرجع إليه وعن قاعدته، فخرجت أقوالهم فيهذين البابين عن قاعدة الباب، ومعناه الكلي.الخامس: الولوج فيالتبديع او التكفير مع جهل بالشريعة، وتحقيق سماحتها ورحمتها، وعدلها, والغفلة عنمقاصدها؛ فحصل لهم بسبب ذلك التجني على الشريعة نفسها.السادس: الاعتناءوالانشغال بإخراج الناس من السنة او الاسلام مع جهل بحقيقة السنة والبدعةوأحكامهما، وجهل بحقيقة الاسلام والكفر وأحكامهما.
هذا ما جال به الخاطرعند التأمل وأدعو طلبة العلم أن يتحروا عند النظر في تحقيق أبواب الدين إلى ما يضاد هذه الوجوه, فيكون تحقيقه مبنيا على نصوص الوحيين, وأقوال السلف الصالح, ويحققالسلف الصالح, ويحققالسلف الصالح, ويحقق الوصف المناسب المؤثر لكل باب؛ حتى يكون تنزيله تنزيلا صحيحا موافقا لمراد الشارع, وأن لا يربط نظره وتحقيقه بالأشحاص, فلا يرى الحق إلا من جهة آحادهم, وليراع في تحقيق أبواب الدين
موافقا لمراد الشارع, وأن لا يربط نظره وتحقيقه بالأشحاص, فلا يرى الحق إلا من جهةآحادهم, وليراع في تحقيق أبواب الدين موافقا لمراد الشارع, وأن لا يربط نظره وتحقيقه بالأشحاص, فلا يرى الحق إلا من جهة

آحادهم, وليراع في تحقيق أبواب الدين مقاصد الشريعة. كتبه أحمد محمد الصادقالنجار

السبت، 16 أبريل 2016

وقفة مع مقطع نشر بتاريخ 2016/04/07 عنون له بـ: العلامة محمد بن هادي "شبهة الإحتجاج بقصة البخاري مع شيخه الذهلي و قياسها على المبتدع والرد عليها"


وقفة مع مقطع نشر بتاريخ 2016/04/07 عنون له بـ: العلامة محمد بن هادي "شبهة الإحتجاج بقصة البخاري مع شيخه الذهلي و قياسها على المبتدع والرد عليها"


الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فقد سألني بعض الإخوة عن رأيي في هذا المقطع الذي نُشِر في موقع سحاب, ففرغت شيئا من وقتي لسماعه, فرأيت فيه عجائب, وإطلاقات لا يسع السكوت عنها؛ لوجود من سيغتر بها من أهل الجهل.
وقبل التعليق على المقطع: أنبه إلى أن إطلاق العالم والعلامة مضبوط بضوابط عند العلماء, ولا يصح إطلاقهما على كل شيخ من مشايخ أهل السنة, وإنما العبرة بانطباق الوصف الذي علقت عليه هذه الألقاب.
والواجب إنزال الناس منازلهم, ولا يقودنا التعصب إلى المبالغة في الثناء والمدح.

والشيخ سليمان الرحيلي لما وصف الشيخ محمد المدخلي قال فيه: ((من طلاب العلم الجبال... ))  في مقطع في اليوتيوب معنون له بـ:" سؤال الشيخ سليمان الرحيلي عن الشيخ إبراهم الرحيلي"


وأما المقطع فقد تضمن سؤالا وُجِّه إلى الشيخ, وإجابة من الشيخ عليه.
السؤال : بعض الناس يحتج بقصة الذهبي مع البخاري ونفور الطلاب عن البخاري بما يحصل اليوم من تحذير بعض العلماء من بعض الدعاة ونفور الطلاب من هؤلاء الدعاة... فما نصيحتكم
هذا ملخص السؤال.
ثم أجاب الشيخ بما ينافي التحقيق في العلم, والتروي.
وسأبين شيئا من أخطاء الشيخ في الجواب؛ لعل الشيخ أن يتنبه, ويتراجع عما أخطأ فيه وأطلق.
أولا: قوله:( هذا السؤال تضمن ثلاث نقاط: الاولى قصة الذهلي مع البخاري ، والذي عليه العلماء ان الذهلي محق والبخاري محق ، هذه واحدة ).
والجواب عن هذا:
قوله "الذي عليه العلماء" هذه الاطلاقات والتهويلات تعددت في كلام الشيخ وأشرطته, وهي ليست من التحقيق في شيء, وتجر إلى الظلم, والتعدي, والافتراء.
وهذا الإطلاق يفيد أن جميع علماء أهل السنة ذكروا أنه الذهلي محق وأن البخاري محق.
وإذا جئنا إلى التحقيق وجدنا أن جماعة من العلماء غلطوا الذهلي في قوله, وفي إنكاره.
أولا: تخطئته في إنكاره على البخاري.
قد ذكر بعض العلماء أن الذي حمله على ذلك الحسد.
جاء في سير أعلام النبلاء (12/ 453): قال الحاكم أبو عبد الله: سمعت محمد بن حامد البزاز قال: سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول: سمعت محمد بن يحيى قال لنا لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح فاسمعوا منه.
فذهب الناس إليه، وأقبلوا على السماع منه، حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى، فحسده بعد ذلك، وتكلم فيه ))
وقال أبو أحمد بن عدي
ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه، حسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليه، واجتماعهم عليه، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول: اللفظ بالقرآن مخلوق،
فامتحنوه في المجلس.
فلما حضر الناس مجلس البخاري، قام إليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في اللفظ بالقرآن، مخلوق هو أم غير مخلوق ؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه.
فقال الرجل: يا أبا عبد الله، فأعاد عليه القول، فأعرض عنه.
ثم قال في الثالثة، فالتفت إليه البخاري، وقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة.
فشغب الرجل، وشغب الناس، وتفرقوا عنه.
وقعد البخاري في منزله ))
ثانيا: تخطئته فيما نسبه الذهلي إلى البخاري, وتخطئة الذهلي في قوله المنسوب إليه.
الإمام البخاري برئ مما نسبه إليه الذهلي, وهو قول:"لفظي بالقرآن مخلوق".
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (12/ 364): (( وكذلك أيضا افترى بعض الناس على البخاري الإمام صاحب " الصحيح " أنه كان يقول : لفظي بالقرآن مخلوق وجعلوه من " اللفظية " حتى وقع بينه وبين أصحابه : مثل محمد بن يحيى الذهلي وأبي زرعة وأبي حاتم وغيرهم بسبب ذلك وكان في القضية أهواء وظنون حتى صنف " كتاب خلق الأفعال " ))
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (12/ 457): (( قلت: المسألة هي أن اللفظ مخلوق، سئل عنها البخاري، فوقف فيها، فلما وقف واحتج بأن أفعالنا مخلوقة، واستدل لذلك، فهم منه الذهلي أنه يوجه مسألة اللفظ، فتكلم فيه، وأخذه بلازم قوله هو وغيره )).

وهنا سؤال: أوجهه للشيخ محمد المدخلي: ما هو قول الذهلي في هذه المسألة؟
الذي نسب إلى الذهلي هو:"لفظي بالقرآن غير مخلوق"
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (12/ 207): (( والقول بأن " اللفظ غير مخلوق " نسب إلى محمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي ..))
وهذا القول قال عنه الطبري في صريح السنة للطبري (26): (( سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه –أي: الإمام أحمد - أنه كان يقول: " من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: هو غير مخلوق، فهو مبتدع ")).
فكيف تطلق القول بأن العلماء قالوا: إنه محق؟!!
لابد من التحقيق والتريث.
ومسألة اللفظ فيها تفصيل, ليس هذا محل ذكره.
وهناك كلام نفيس لابن تيمية في بيان مقصود الإمام أحمد, ومقصود الإمام البخاري.
وقد نصر ابن القيم في مختصر الصواعق قول الإمام البخاري.

ثانيا: قول الشيخ محمد المدخلي: (( وآخر يأتيك ويقول النووي ما هو اشعري وهو من اهل السنة وينكر على من يقول عنه انه اشعري ، ويرميه (بالعظايم) والنووي اهل مذهبه شهدوا عليه بهذا ، السبكي يقول عنه اشعري ، والسخاوي في ترجمته للنووي يقول عنه اشعري ، والذهبي ايضا يقول عنه انه متعصب ؛ يبدّع اهل السنة الذي يخالفونه ، وعلماء السنة كلهم يذكرون هذا ويحذرون من اشعريته ، فأصبح اليوم عندنا إرضاء لبعض الناس ايش ؟ النووي من اهل السنة ، سبحان الله ، أقوال العلماء المعاصرين فيه تدل على اشعريته ))
والجواب: هذا أيضا من إطلاقات الشيخ وتهويلاته, ولست الآن في مقام تحقيق أشعرية النووي وعدم رجوعه إلى السنة, أو تحقيق عدم أشعريته ورجوعه إلى السنة, وإنما سأنقل بعض كلام العلماء الذين يرون أنه من أهل السنة؛ لنقض إطلاقات الشيخ المدخلي.
قال الشيخ العثيمين: (( فالنووي: لا نشك أن الرجل ناصح، وأن له قدم صدق في الإسلام، ويدل لذلك قبول مؤلفاته حتى إنك لا تجد مسجداً من مساجد المسلمين إلا ويقرأ فيه كتاب (رياض الصالحين)
وهذا يدل على القبول، ولا شك أنه ناصح، ولكنه - رحمه الله - أخطأ في تأويل آيات الصفات حيث سلك فيها مسلك المؤولة، فهل نقول: إن الرجل مبتدع؟
نقول: قوله بدعة لكن هو غير مبتدع، لأنه في الحقيقة متأول، والمتأول إذا أخطأ مع اجتهاده فله أجر، فكيف نصفه بأنه مبتدع وننفر الناس منه، والقول غير القائل، فقد يقول الإنسان كلمة الكفر ولا يكفر )). شرح الأربعين النووية (ص: 288)

     وسئل الشيخ عبد المحسن العباد : هل ابن حجر والنووي وأمثالهما من الأئمة يعدون من أئمة أهل السنة والجماعة؟ 

فأجاب: لاشك أنهم من أئمة أهل السنة والجماعة, وأخطاؤهم التي حصلت مغمورة في جنب صوابهم الكثير ...)) موجود المقطع على اليوتيوب بصوته. 
وسئل الشيخ صالح الفوزان ما نصيحتكم:  لمن يبدع الإمامين ابن حجر والنووي؟ فأجاب: (هذا هو المبتدع, أما الإمام ابن حجر والامام النووي إمامان جليلان ...))

ثالثا: قول الشيخ محمد المدخلي: ((واللي يوصيك ان تأخذ العلم عمن لم يبدع الجهم هذا يكون من قبيله ؟ الجهم بن صفوان أجمعت الامة على كفره اذا لم يبدعه انسان اي خير فيه ؟ نفسه لم تطب بالتبديع للجهم الذي كفره العلماء فاذا كانت نفسه لم تطب بالتبديع هذا يؤخذ عنه العلم ؟ (ما الذي ينطوي عليه هذا) السلف يقولون من لم يكفر الجهم فهو كافر ، وهذا نفسه ما طابت بتبديعه وانت تجي تحث الناس على اخذ العلم عنه ؟ ))
والجواب: أن الشيخ محمد يشير هنا إلى الشيخ إبراهيم الرحيلي حفظه الله في مسألة أخذ العلم عمن لم يبدع الجهم, وقد بين الشيخ إبراهيم مراده في كتابه: تأصيل المسائل المستشكلة من جواب السائل", فليرجع إليه.
وأترك الفصل بين الشيخين للقضاء الشرعي في المملكة العربية السعودية.

وأشير إلى أن مسألة الإلزام بالتبديع قد فصلت فيها القول في مقال مستقل, فمن أراد التفصيل فيها فليرجع إليه في مدونتي.

هذا بعض ما أردت بيانه.
وأخيرا: أعيد ما كنت ذكرته سابقا في ردي المعنون له:" موافقة الشيخ عبيد الجابري للأشاعرة في أن صفتي السمع والبصر ذاتيتان"
(وأقول نصحا للأمة: تفاصيل ودقائق باب الاعتقاد لا تؤخذ من هؤلاء المشايخ إلا إذا تابعوا أحدا من أهل العلم؛ للأخطاء التي عندهم في تفاصيل باب الاعتقاد.
وهذا ليس طعنا فيهم, فالعلم أرزاق, ولا يلزم أن يكون الشيخ محيطا بتفاصيل كل علم.)

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 2 أبريل 2016

تأصيل مسألة من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع


تأصيل مسألة
من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فقد ميز الله أهل السنة بالقواعد السلفية الصحيحة, المأخوذة من الكتاب والسنة والإجماع.
ومن شرط استعمال القاعدة الصحيحة أن تكون في محلها, وإلا كان تجنيا على الشريعة.
وقاعدة: "من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع" قاعدة صحيحة إذا استعملت في محلها, ولم تؤخذ بإطلاق.
ومحل هذه القاعدة: المبتدع المتفق على تبديعه, أو من علم أنه مبتدع بعينه ولم يوجد مانع من تبديعه.
فخرج: من لم يُتفق على تبديعه, أو من كان مبتدعا عينا ولم يعلم المتوقف بذلك, أو لم تتحقق عنده الشروط, أو وجدت فيه الموانع.
فرجع الإلزام إلى دليل من أدلة الشرع, وهو: الإجماع, أو إلى من علم بمخالفته الأدلة الشرعية الموجبة لتبديعه عينا مع توفر الشروط وانتفاء الموانع.
مع التنبيه إلى أنه لابد للمعين الذي لم يبدِّع المبتدع المتفق عليه أن يقف على الإجماع, وإلا فإنه يعذر بجهله به.
كما أنه ليس المراد بالعلم أن يعلم أنه وقع في بدعة؛ لأنه قد يقع في بدعة ولا يبدَّع؛ لتخلف الشروط أو وجود الموانع, وإنما لابد أن يعلم أنه مبتدعٌ عينا بالضوابط الشرعية, ولا يوجد مانع من تبديعه.
إذن لا بد في المبتدع من إجماع, أو علمٍ بأنه مبتدع عينا.
ولابد فيمن توقف في تبديع المبتدع من علمٍ بالإجماع, ومن وزال المانع المعتبر في التبديع مع علمه بأنه مبتدع عينا, كالإكراه مثلا.
واستعمال هذه القاعدة في غير محلها دعوة للتقليد المذموم, وإلزام للناس بما ليس بلازم.
وقد تكلمت في مقال مستقل عن "الإلزام بالتبديع", فليرجع إليه.

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
24-6-1437هـ



تأصيل "مسألة ذكر الحسنات والسيئات لمن كان من أهل البدع"

تأصيل  "مسألة
ذكر الحسنات والسيئات
لمن كان من أهل البدع"

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فمن الأحكام الشرعية ما تكون معلَّقة بالمصالح والمفاسد, فيدور حكمها معها وجودا وعدما.
ومسألة ذكر الحسنات والسيئات لمن كان من أهل البدع تابعة للمصالح والمفاسد, فإذا كانت المصالح راجحة في ذكر الحسنات مع السيئات فإنها تذكر, وإذا ترتب على ذكر الحسنات مفاسد راجحة فإنها لا تذكر, وإذا تساوت المصالح والمفاسد, فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
فالأحوال ثلاثة:
1-أن يكون في ذكر الحسنات مصلحة راجحة ومفسدة مرجوحة.
2- أن يكون في ذكر الحسنات مفسدة راجحة ومصلحة مرجوحة.
3- أن تتساوى المصالح والمفاسد في ذكر الحسنات مع السيئات.
ولا يصح إيجاب ذكر الحسنات مطلقا, أو تحريم ذكرها مطلقا, وإنما الصواب: التفصيل,
فيختلف الحكم بحسب المقام والمخاطَبين.
فإذ كان المقام:
1-مقام تحذير فليس من المصلحة ذكر الحسنات؛ لأنه سيترتب على ذكرها مفاسد أرجح.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من أقوام من غير ذكر حسنات لهم, كما حذر من رأس الخوارج ذي الخويصرة, وغيره.
وعدم ذكر الحسنات للمبتدع هو من باب العقوبة.
قال رافع بن أشرس: " كان يقال: إن من عقوبة الكذاب أن لا يقبل صدقه , قال: وأنا أقول: ومن عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه " الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (117)
وهو من العدل؛ لأنه وضع للشيء في موضعه, والذي يناسب التحذير عدم ذكر الحسنات.
ويحقق مصلحة حفظ الدين.
وقد درج على هذا أئمة السلف في تحذيراتهم.
قال ابن المبارك في تهذيب الكمال (21/ 555): ((  لا تحدثوا عن عمرو بن ثابت؛ فإنه كان يسب السلف )).
وفي ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى في الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة (1/ 222): ((قال البخاري: جهمي تركه ابن المبارك والناس, وقال أحمد: قدري معتزلي جهمي كل بلاء فيه, وقال يحيى القطان: كذاب ))
2- مقام ترجمة أو تقييم؛ فهنا المناسب أن يذكر ما له وما عليه.
قال ابن تيمية في أصل التصوف "مجموع الفتاوى" (11/ 17): ((  فطائفة ذمت " الصوفية والتصوف " . وقالوا : إنهم  مبتدعون خارجون عن السنة ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام . وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم . و " الصواب " أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب . ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه . وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ...))
وأيضا يختلف بحسب المخاطَب, فإذا كان المخاطَب معظما لمن يراد تحذيره منه فقد تكون من المصلحة ذكر شيء من حسناته؛ للوصول بذلك إلى قلب هذا المعظِّم؛ حتى يقبل التحذير.
ومن ذلك ما فعله شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/ 377) لما خاطب الأتباع: ((  والشيخ عدي " - قدس الله روحه - كان من أفاضل عباد الله الصالحين, وأكابر المشايخ المتبعين, وله من الأحوال الزكية والمناقب العلية ما يعرفه أهل المعرفة بذلك, وله في الأمة صيت مشهور ، ولسان صدق مذكور, وعقيدته المحفوظة عنه لم يخرج فيها عن عقيدة من تقدمه من المشايخ الذين سلك سبيلهم, كالشيخ الإمام الصالح " أبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري الشيرازي ثم " الدمشقي " وكشيخ الإسلام الهكاري " ونحوهما .
وهؤلاء المشايخ لم يخرجوا في الأصول الكبار عن أصول " أهل السنة والجماعة ", بل كان لهم من الترغيب في أصول أهل السنة والدعاء إليها والحرص على نشرها ومنابذة من خالفها مع الدين والفضل والصلاح ما رفع الله به أقدارهم وأعلى منارهم ، وغالب ما يقولونه في أصولها الكبار جيد, مع أنه لا بد وأن يوجد في كلامهم وكلام نظرائهم من المسائل المرجوحة والدلائل الضعيفة ؛ كأحاديث لا تثبت ومقاييس لا تطرد, مع ما يعرفه أهل البصيرة ، وذلك أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ...))
فتبين لنا: أن الحكم يختلف بحسب المقام والمخاطَب؛ وذلك راجع لتحقق المصلحة الراجحة وعدمها, فليست هناك قاعدة مستمرة.
قال الشيخ العثيمين في لقاء الباب المفتوح: (( عندما نريد أن نقوِّم الشخص يجب أن نذكر المحاسن والمساوئ؛ لأن هذا هو الميزان العدل، وعندما نحذر من خطأ شخص نذكر الخطأ فقط؛ لأن المقام مقام تحذير، ومقام التحذير ليس من الحكمة أن نذكر المحاسن؛ لأنك إذا ذكرت المحاسن فإن السامع سيبقى متذبذباً، فلكل مقام مقال )).

وأما إذا كان من أهل السنة والفضل فهنا تذكر حسناته.
قال سعيد بن المسيب: (( من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله )) البداية والنهاية (9/ 118)
وقال: (( إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه )). وقال البداية والنهاية (9/ 118)
وقال الشافعي رحمه الله: «لا أعلم أحدا أعطي طاعة الله حتى لم يخلطها بمعصية إلا يحيى بن زكريا عليه السلام , ولا عصى الله فلم يخلط بطاعة , فإذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدل , وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح» الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (79)
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (16/ 285): ((  وإنما يمدح العالم بكثرة ماله من الفضائل، فلا تدفن المحاسن لورطة، ولعله رجع عنها.
وقد يغفر له باستفراغه الوسع في طلب الحق ولا قوة إلا بالله )).
وأختم بكلام جميل لابن القيم يقول فيه كما في مفتاح دار السعادة (1/ 176): ((  من قواعد الشرع والحكمة أيضا: أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل له مالا يحتمل لغيره, ويعفي عنه مالا يعفي عن غيره؛ فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث, بخلاف الماء القليل, فإنه لا يحمل أدنى خبث.
 ومن هذا: قول النبي صلى الله عليه و سلم لعمر: (( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) وهذا هو المانع له صلى الله عليه و سلم من قتل من حس عليه وعلى المسلمين, وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم, ...))
وقال في إعلام الموقعين (3/ 283): (( ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين )).

والحمد لله على التمام
كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
24-6-1437هـ