الاثنين، 28 نوفمبر 2022

[نعي الأموات بذكر محاسنهم حال الإخبار بموتهم في مواقع التواصل والتلفاز ونحوهما من نعي أهل الجاهلية]

[نعي الأموات بذكر محاسنهم وتعدادها حال الإخبار بموتهم في مواقع التواصل والتلفاز ونحوهما من نعي أهل الجاهلية] 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أما بعد, فإن النعي الذي هو الإخبار بموت الميت, قد تنوعت وسائله وتعددت صوره؛ فقد يكون مجردا وقد يصاحب الإخبار ذكر المآثر وقد يكون معه نداء وقد لا يكون...

ولقد كان لمواقع التواصل الاجتماعي أثر في كبيرة في نعي الأموات وذكر محاسنهم خصوصا بعد صدوره ممن هو محسوب على أهل العلم؛ مما يستدعي بيان حكمه، وهل هو من نعي الجاهلية أو لا؟ 

والجواب عن هذا: أن الأصل في النعي الذي فيه إعلان خبر موت الميت: النهي.

وقد نقل الفاكهاني في رياض الإفهام ٣/١٩٠ عن مالك أنه كره الإنذار بذلك على أبواب المساجد والأسواق ورآه من النعي.

وقال الحافظ في الفتح (٣/١١٦) نقلا عن ابن رشيد (إن النعي ليس ممنوعا كله وإنما نهي عما كان أهل الجاهلية يصنعونه, فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق)

ولهذا الأصل وخوفا من الوقوع في المحرم: استحب جماعة من أهل العلم أن لا يعلم الناس بجنائزهم؛ منهم: ابن مسعود وأصحابه: علقمة، والربيع بن خيثم، وعمرو بن شرحبيل [انظر المغني ٣/٥٢٤] 

لكن النهي الوارد في النعي ليس متعلقا بمطلق النعي, وإنما هو متعلق بنعي مخصوص كان عليه أهل الجاهلية يرجع إلى علة تهييج النفوس وتعظيم المصاب وإثارة الأحزان.

فليس كل صورة للنعي تكون منهيا عنها, وهذا يستدعي ذكر الصور وبيان حكمها, وهي على النحو الآتي:

الصورة الأولى: النعي المعلن الذي يصاحبه ذكر المحاسن والمفاخر وتعدادها بما يكون سببا في تهييج النفوس وتعظيم المصاب, فهذا النعي من نعي أهل الجاهلية؛ فيكون حراما، فقد أخرج الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدًا، إني أخاف أن يكون نعيًا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي)

وعن عبد الله بن مسعود أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: “إيّاكم والنَّعي، فإن النَّعي مِن عَمل الجاهليّة” أخرجه الترمذي

وهذا النوع قد جُمع فيه بين إعلان خبر الموت وذكر المحاسن بما يهيج النفوس ويعظم المصاب ويدعو إلى التسخط..

وهو مخالف لمقصد الشارع من تخفيف المصاب؛ حتى يستسلم للقدر

قال النووي في شرح مسلم (٧/٢١) لما ذكر نعي النجاشي:( وفيه استحباب الإعلام بالميت لا على صورة نعي الجاهلية، بل مجرد إعلام الصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك، والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا، وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها)

وما نشاهده اليوم في الفيس والقنوات من ذكر المحاسن التي تهيج والنفوس وتضخم المصاب عند الإخبار بموت الميت يدخل في نعي أهل الجاهلية، وهو منهي عنه وإن صدر من طائفة من أهل العلم, فهم وإن قصدوا مقصدا حسنا إلا أن وسيلته منهي عنها.

قال النووي في "المجموع" (5/174): " والصحيح الذي تقتضيه الأحاديث التي ذكرناها وغيرها أن الإعلام بموته لمن لم يعلم ليس بمكروه , بل إن قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والتطواف بين الناس بذكره بهذه الأشياء , وهذا نعي الجاهلية المنهي عنه" 

الصورة الثانية: النعي الذي يصاحبه تسخط ونياحة فهذا من نعي أهل الجاهلية. 

الصورة الثالثة: النعي المعلن المجرد الذي يكون بعد الدفن ولا غرض له صحيح ولا مصلحة شرعية معتبرة, فهذا منهي عنه.

الصورة الرابعة: النعي الذي يكون فيه ذكر المحاسن التفصيلية بعد دفنه مباشرة بما يهيج النفوس ويجدد الأحزان ويعظم المصاب, فهو داخل في علة المنع من النعي المنهي عنه.

الصورة الخامسة: النعي المعلن المجرد الذي يكون المقصد منه شهود جنازة الميت والترحم عليه ونحو ذلك من الأغراض الدينية فهذا جائز؛ لما ورد في صحيح مسلم “إنَّ أخاكم النجاشيَّ قد مات، فقوموا فصلُّوا عليه”.فرتب الصلاة على الإخبار بموته علنا بالفاء.

ولما ورد في البخاري من نعي النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر جعفرا وعبد الله بن رواحة وزيد ين ثابت؛ لأجل إخبار الناس بما وقع لهم.

ولما يحقق الإعلان بالإخبار المجرد من مصالح راجحة، مراعاتها أولى وأرجح من مراعاة ما اشتمل عليه الأصل من مفاسد.

فيتبين لنا أن هذه الصورة استثنيت من عموم النهي؛ لما تحققه من مصلحة راجحة، ولما دل عليه حديث نعي النجاشي, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فقد المرأة التي تقم المسجد وأخبروه بدفنها قال: هلا آذنتموني، دلوني على قبرها. 

الصورة السادسة: النعي الذي يصاحبه ذكر المحاسن اليسيرة المجملة التي لا تهيج النفوس ولا تعظم المصاب ولا تكون وسيلة للتسخط, ككونه رجلا صالحا, كما نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي, فقال: (مات اليوم عبد لله صالح...) كما في صحيح مسلم, فهذا ليس من النعي المنهي عنه, ويحقق مصلحة تشجيع الناس للصلاة عليه.

 

كتبه:

د. أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة -المرقب

 

 

الأربعاء، 23 نوفمبر 2022

هل يجوز سجود الشكر بعد تسجيل الأهداف فرحا بها لا بالعوض بالمحرم؟

هل يجوز سجود الشكر بعد تسجيل الأهداف فرحا بها لا بالعوض بالمحرم؟ 

 

الأقرب في الحكم المطلق لسجود الشكر هو الاستحباب؛ لمقتضى أدلة كثيرة مرفوعة وموقوفة، خلافا لما ذهب إليه المالكية في المشهور من الكراهة.. 

عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان «إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجدا شاكرا لله» سنن أبي داود (3/ 89)

وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه، ذكره البخاري.

وذكر أحمد عن علي رضي الله عنه، أنه (سجد حين وجد ذا الثدية في قتلى الخوارج)

وذكر سعيد بن منصور (أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سجد حين جاءه قتل مسيلمة) . انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 351)

فالأحاديث والآثار دلت على أن الوصف الظاهر الذي علق عليه الحكم وجود ما يفرح به المسلم ويسر به فيما استجد له مما هو منتظر, وهذا الوصف يتحقق به مقصد الشارع من تحقيق العبودية لله والخضوع والتذلل له؛ إذ إن الفرح والانبساط للنعم قد يوقع الإنسان في الكبرياء والإعجاب بالنفس؛فناسب ذلك أن يسجد لله خضوعا وذلا حتى يُذهب ما في نفسه من الأشر, وكذلك تجدد النعم المنتظرة يحدث للنفس رغبة فيما عند الله وتعلق به.

وتحقيق الوصف للمقصد قد يكون قطعا وقد يكون غالبا وقد يكون قليلا وقد لا يتحقق ومع ذلك يكون وصفا مناسبا على الأصح, كالمشقة في السفر.

قال البغوي في شرح السنة ٣/٣١٦:(سجود الشكر سنة عند حدوث نعمة طالما كان ينتظرها، أو اندفاع بلية ينتظر انكشافها(

فعند تجددها يقابل الفرح بها خضوع وذل لله المنعم المتفضل، فكل النعم من الله سبحانه، ويتحقق بالسجود مقصد العبودية لله سبحانه، والتعلق به

ولا يشترط في النعمة الموجبة للسجود أن يعم نفعها ويكون فيها مصلحة للمسلمين، وإنما هي متعلقة بالأفراد, فقد كان سجود كعب لأمر خاص يتعلق به.

ولا يشترط لها الطهارة ولا استقبال القبلة ولا ستر العورة المخففة التي تشترط للصلاة على الراجح

وهنا يأتي السؤال، هل تسجيل الأهداف مما يشرع فيه سجود الشكر؟ 

والجواب: أن التكييف الدقيق للعبة كرة القدم التي تنظمها الدول وتكون لها منتديات أنها مباحة الأصل اكتنفتها محرمات خارجة عن أصلها, فلحق التحريم اللعبة لما اشتملت عليه من محرمات, لا لأصلها, وهذا التكييف يفيدنا جدا في مسألتنا؛ لأن مسألتنا ليست من المحرم لذاته ولا كان السجود لأجل المحرم نفسه؛ إذ لا يشرع السجود لأجل معصية فرحا به..

وإذا كان كذلك فمن مقاصد سجود الشكر مقابلة الفرح بنعمة من النعم المستجدة والانبساط لها بالخضوع والتذلل لله؛ إذ إن الفرح والانبساط للنعم قد يوقع الإنسان في الكبرياء والإعجاب بالنفس

فناسب ذلك أن يسجد لله خضوعا وذلا حتى يُذهب ما في نفسه من الأشر, وكذلك تجدد النعم يحدث للنفس رغبة فيما عند الله وتعلق به, كما تقدم

وإذا نظرنا للأهداف التي يسجلها اللاعب نجد أن النفس تفرح بها فرحا بالغا يتردد فيها اللاعب بين إعجابه بنفسه والغرور بها وبين ما يحدث للنفس من افتقار إلى خالقها وحاجتها إليه؛ فناسب ذلك أن نقول بجواز سجود الشكر عند تسجيل الأهداف فرحا بها لا بالعوض المحرم.

لكن الأمر الذي قد يشكل ما يصاحب لعبة كرة القدم من أمور محرمة كالقمار وإشغال المسلمين عن واجباتهم إلى غير ذلك

ويجاب عن ذلك بما ذكرناه من تكييف للعبة كرم القدم وهو أن أصلها مباح إلا أنه صاحبها محرمات خارجة عن أصل اللعبة, فأمكن انفكاك الجهة إذا لم تكن المحرمات هي مقصودة للاعب، فتكون جهة السجود غير جهة ما يصاحب كرة القدم من محرمات،  بمعنى أن جهة الطاعة غير جهة المعصية، فجهة الطاعة: سجود الشكر لوجود سبب مباح، وجهة المعصية: ما صاحب لعب الكرة من أمور محرمة، وكونها منفكة؛ لأن السجود من حيث هو سجود طاعة إذا وجد سببه، وكونه وقع من لاعب صاحب لعبه أمور محرمة معصية

وهذا إذا لم يكن الباعث على الفرح بتسجيل الهدف الحصول على المحرم كالعوض.

وقد منع طائفة من أهل العلم سجود الشكر بعد تسجيل الأهداف؛ بعلة أن تسجيل هدف لا يعد نعمة حقيقية وإنما هي نعمة في ظن اللاعب

ويجاب عن هذا: أن سجود الشكر معلق بما استجد للمسلم من أمر يفرحه منتظر، فشُرع له السجود تحقيقا لمقاصد شرعية

وهذا المناط وما يترتب عليه من تحقيق مقصود الشارع: موجود في تسجيل اللاعب الهدف بغض النظر عن كون هذا الأمر فيه منفعة للمسلمين أو لا، وهل هو نعمة حقيقية أو لا؟

فقد وردت الآثار بتعليق السجود على نعم خاصة، كما في سجود كعب لما بشر بتوبته< ولأنه لوحظ في مشروعية السجود مقاصد.

فالسبب الذي علق عليه السجود هو فرح المسلم بما استجد له مما كان منتظرا, فلو أن مسلما رزق بيتا بعد فقر وحاجة كان هذا الفرح بما استجد له داعيا شرعا إلى سجود الشكر

والخلاصة: يجوز للاعب أن يسجد بعد تسجيله الهدف الذي فرح به لا بالعوض عنه؛ خضوعا لله وتعلقا به, مع أني أقر بقوة حجة من منع

وبما أن سجود الشكر للاعبين جائزا فيصح أن يكون وسيلة لدعوة الكفار إلى التعرف على الإسلام والدخول فيه

فمادام أنها تحقق مقصد الشارع من تحقيق العبودية لله في الأرض ووسيلة من وسائل إبلاغ دين الله للناس فتكون سائغة.

وقد كان لها أثر في دخول بعض الكفار إلى الإسلام.

والأقرب عندي في وسائل الدعوة التي لم يأت الشرع بإثباتها ولا بنفيها أنها اجتهادية، وليست توقيفية؛ فيكون المرجع فيها إلى تحقيق المقصود من غير مفسدة راجحة

ذلك أن الله أمر بالدعوة وإبلاغ شرع الله أمرا مطلقا من غير أن يحدد وسيلته، كما قال تعالى:[يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك]

فلما لم يعين وسيلة دل على أن مقصد الشارع في الدعوة التوسعة من جهة الوسائل وعدم التضييق، وهذا يقتضي استخدام كل وسيلة يتحقق بها مقصود الشارع.

ومن هذا الوجه تكون كل وسيلة يتوقف عليها الإبلاغ والهداية مأمورا بها؛ لأن ما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به، والأمر بالشيء أمر بلوازمه.

وأما لا يتوقف عليها الإبلاغ وكانت محققة لمقصد إنزال القرآن فإنها تأخذ حكم المقصد؛ لأنها مباحة الأصل ليست مقصودة لذاتها وإنما تفعل ليتوصل بها إلى المقصود لذاته.

وليس منه ما كان من الوسائل محرم؛ لاشتمالها على محرم، أو كانت تفضي إلى محرم، أو كانت من جنس التشريع الذي لا يكون إلا لله.

 

كتبه 

د. أحمد محمد الصادق النجار

 


الثلاثاء، 22 نوفمبر 2022

ما حكم مشاهدة المرأة مباريات #كأس_العالم عن طريق التلفاز؟

 ما حكم مشاهدة المرأة مباريات #كأس_العالم عن طريق التلفاز؟

يحرم على النساء مشاهدة مباريات كاس العالم؛ لما في المشاهدة من قوة الفتنة بالرجال
فكل نظر قوي فيه الخوف من الفتنة وكان مظنة للشهوة يكون الحكم فيه هو التحريم

ولا يقال: إن النظر إلى من يلعب بالكرة لا يحرك في المرأة الشهوة؛ لأن مظنة الشهوة في لاعب الكرة قوية لا سيما وهو كاشف عن عورته المخففة مع دقة التصوير؛ فيقوى الخوف من الفتنة.
وأما نظر عائشة رضي الله عنها للحبشة وهم يلعبون فمحمول على النظر للعب لا للبدن؛ لأن الرؤية عن بُعد لا تكون دقيقة، بخلاف النظر إلى من يلعب الكرة اليوم؛ لدقة التصوير وقربه.
ثم قد ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل ولو كان بدون شهوة، وإن كانت هذه المسالة محل خلاف ليس المقام مقام تحقيق فيه.

وأنا لا أمنع النظر مطلقا، وإنما أمنعه إذا قوي خوف الفتنة وتحقق مظنة الشهوة.
كتبه
د.أحمد محمد الصادق النجار 

الاثنين، 21 نوفمبر 2022

هل وسائل الدعوة توقيفية؟ وهل يصح تتويب العصاة بمحرم؟

هل حصر #وسائل_الدعوة إلى الله في الوسائل الشرعية التى ورد الشرع بجوازها جمود وعدم مواكبة للواقع وإهمال للنظر المقاصدي ولما هو أكثر تأثيرا في الناس؟
وهل يصح تتويب العصاة وإدخال الكفار للإسلام بالمعصية والبدع المذمومة؟
وقد سمعت عن بعض المشايخ رحمه الله أنه كان يسمح للعصاة بالتدخين في مجلسه حتى لا ينفرهم ولأجل أن يدعوهم...
وبعبارة مختصرة: هل وسائل الدعوة #توقيفية؟

والجواب عن هذا:
أن الوسائل نوعان:
الأول: ما ورد في الشرع تحريمها فهنا يجب أن نفرق بين الدعوة إلى الإسلام بها -ابتداء- وإرجاع العصاة إلى الله عن طريقها
وبين دفع أذى الكفار والعصاة عن المسلمين
ففي دفع الأذى تحتمل المفسدة الأدنى لدفع المفسدة الأكبر إذا كان لابد من ارتكاب إحداهما، كما لو كان العصاة على معصية لو تركوها لوقعوا غي معصية أعظم، وهذه ليست هي مسألتنا
وأما مسألتنا فهي في الدعوة إلى الإسلام بما ورد في الشرع النهي عنها -بدليل كلي أو جزئي- كدعوتهم باستعمال الموسيقى أو بالأعياد البدعية أو بما يشتمل على إقرارهم على شرب الخمر أو بالمسلسلات المحرمة ونحو ذلك فهنا  يحرم استعمال الوسيلة المحرمة وجعلها طريقا للدعوة إلى الله؛ لأن المنع منها شرعا يدل على أن المصلحة فيها ملغاة، وما ألغاه الشارع لا يصح أن يجعل طريقا للدعوة إلى الله، ولرجحان مفسدتها.
فالوسائل المحرمة لا يتحقق بها الإبلاغ الذي يريده الله ويرضاه.

الثاني: وسائل لم يأت الشرع بإثباتها ولا بنفيها، فهذه هل تُمنع استعمالها في الدعوة اكتفاءً بما ورد في الشرع من وسائل أو تُجوَّز لما فيها من تحقيق المصلحة؟

اختلف في ذلك أهل العلم، مع اتفاقهم على جواز استعمال الأدوات الجديدة التي ينقل بها أو فيها كمكبر الصوت والتلفاز والنت... وأنها ليست هي المقصودة بالوسائل
واتفاقهم على عدم جواز التعبد لله بالوسائل المحدثة،
واتفاقهم على عدم جواز استعمال الوسائل المنهي عنها بالدليل الجزئي أو بالدليل الكلي.

والأقرب: أن وسائل الدعوة التي لم يأت الشرع بجواز عينها ولا تحريمها: اجتهادية، وليست توقيفية
فيكون المرجع فيها إلى تحقيق المقصود من غير مفسدة راجحة
ذلك أن الله أمر بالدعوة وإبلاغ شرع الله أمرا مطلقا من غير أن يحدد وسيلته، كما قال تعالى:[يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك]
فلما لم يعين وسيلة دل على أن مقصد الشارع في الدعوة التوسعة من جهة الوسائل وعدم التضييق، وهذا يقتضي استخدام كل وسيلة يتحقق بها مقصود الشارع.
ومن هذا الوجه تكون كل وسيلة يتوقف عليها الإبلاغ والهداية مأمورا بها؛ لأن ما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به، والأمر بالشيء أمر بلوازمه.
وأما لا يتوقف عليها الإبلاغ وكانت محققة لمقصد إنزال القرآن فإنها تأخذ حكم المقصد؛ لأنها مباحة الأصل ليست مقصودة لذاتها وإنما تفعل ليتوصل بها إلى المقصود لذاته.

وليس منه ما كان من الوسائل محرم؛ لاشتمالها على محرم، أو كانت تفضي إلى محرم، أو كانت من جنس التشريع الذي لا يكون إلا لله.

وأنبه إلى أن ما كان من جنس التشريع كتخصيص زمن لذات الزمن أو مكان لذات الزمن لا يكون وسيلة مشروعة إلا إذا ورد في الشرع ما يدل عليها

وتركها مع وجود داعيها في زمن الوحي ولا مانع يدل على المنع.

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 18 نوفمبر 2022

هل الفخذ عورة في النظر؟

 

هل فخذ الرجل عورة في النظر؟

ذهب الجمهور إلى أن ما بين السرة والركبة عورة, فدخل في ذلك الفخذان.

واحتجوا:

1-عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه فقال أما علمت أن الفخذ عورة. أخرجه أحمد (25/ 274)

وقد أعل بالاضطراب, قال بان عبد البر في الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 271): (روى عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ: الفخذ عورة. وقد رواه جماعة غيره، وحديثه ذلك مضطرب).

وقال ابن حجر في تغليق التعليق (2/ 209): (وأما حديث جرهد فإنه حديث مضطرب جدا)

2- عن عاصم بن ضمرة ، عن علي، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تبرز فخذك، ولا تنظر الى فخذ حي ولا ميت " أخرجه أحمد في مسنده (2/ 405)

قال أبو داود: (هذا الحديث فيه نكارة). سنن أبي داود (6/ 133)

3- عن محمد بن جحش قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفتان، فقال: " يا معمر غط فخذيك؛ فإن الفخذين عورة " أخرجه أحمد في المسند (37/ 167)

ومداره على أبي كثير, ولم يوثقه إلا ابن حبان في الثقات, قال ابن حجر في فتح الباري لابن حجر (1/ 479): (لم أجد فيه تصريحا بتعديل).

4- عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الفخذ عورة» أخرجه الترمذي(5/ 111) وصححه الألباني

إلى أحاديث أخرى لا تخلوا من ضعف, وضعف شديد.

 5-الذي يقتضيه النظر أن العورة السوأتان، والفخذ حريم لها.


وذهب إلى أن الفخذين ليسا بعورة: أحمد في رواية كما في المغني (1/ 651),  وهو قول عند المالكية كما في التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 300)

ونسبه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (7/ 182) إلى ابن أبي ذئب وداود وأهل الظاهر وابن أبي عبلة والطبري

وقال المازري المالكي في شرح التلقين (1/ 470): (وقد قال بعض أصحابنا إنما العورة السوءتان والفخذان. وذكر ابن خويز منداد: أن مالكًا أجاز للرجل أن ينظر إلى فخذ خصي امرأته. وأن أصحابنا حملوا هذا على أن العورة هي الفرج. وأن التحديد من السرة إلى الركبة، لأصحاب مالك لا لمالك)

وقال ابن العربي في أحكام القرآن (2/ 307): (والصحيح أن الفخذ ليس بعورة؛ «لأنها ظهرت من النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم جرى في زقاق خيبر، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلها بأفخاذ أصحابه، ولو كانت عورة ما وصلها بها».)

واحتجوا:

1-عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم... أخرجه  البخاري (1/ 83)

ففي فتح الباري (1/ 481 ) لابن حجر: (يمكن الاستدلال على أن الفخذ ليست بعورة من جهة استمراره على ذلك لأنه وإن جاز وقوعه من غير قصد لكن لو كانت عورة لم يقر على ذلك لمكان عصمته صلى الله عليه وسلم ولو فرض أن ذلك وقع لبيان التشريع لغير المختار لكان ممكنا لكن فيه نظر من جهة أنه كان يتعين حينئذ البيان عقبه كما في قضية السهو في الصلاة)

2- عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما صاحبكم فقد غامر» صحيح البخاري (5/ 5)

3-ما جاء في صحيح البخاري (4/ 27) عن موسى بن أنس، قال: - وذكر يوم اليمامة - قال: أتى أنس ثابت بن قيس وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط،...

والأقرب: الجمع بين القولين, فتكون العورة عورتين: عورة مغلظة وهما السوءتان, وعورة مخففة وهي الفخذان

ومما يدل على كونها مخففة جواز مسها إذا أمنت الفتنة

ففي صحيح مسلم ١/٤٤٩ عن أبي العالية قال أخر ابن زياد الصلاة فجاءني عبد الله بن الصامت فألقيت له كرسيا فجلس عليه فذكرت له صنيع ابن زياد فعض على شفته وضوب فخذي وقال إني سألت أبا ذر كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك وقال إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فضرب فخذي كما ضرب فخذك الحديث

وما كام كذلك لا يتساوي فيه حكم النظر مع حكم النظر إلى المغلظة.

والعورة المخففة:

1-لا تجب تغطيتها كتغطية القبل والدبر.

2-يجوز كشفها إذا وجدت الحاجة وأمنت الفتنة, فهذا الذي يتناسب مع كونها مخففة, فالتخفيف يناسبه الجواز إذا وجد الحرج؛ رفعا له, وعلى هذا تحمل أحاديث الكشف عن الفخذين, فهي تدل على أن الكشف كان لوجود الحاجة.

3-لا يحسن كشفهما في مجامع الناس على الدوام ومن غير حاجة.

قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص: 454): (والعورة صنفان: أحدهما فرج الرجل والمرأة، والدبر منهما، وهذا هو عين العورة، والذي يجب عليهما أن يستراه في كل وقت، وكل موضع، وعلى كل حال.

والعورة الأخرى: ما داناهما من الفخذ، ومن مراق البطن؛ وسمي ذلك عورة، لإحاطته بالعورة، ودنوه منها.

وهذه العورة، هي التي يجوز للرجل أن يبديها في الحمام، وفي المواضع الخالية، وفي منزله، وعند نسائه، ولا يحسن به أن يظهرها بين الناس، وفي جماعاتهم وأسواقهم)

قال ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود (11/ 36): ( وطريق الجمع بين هذه الأحاديث ما ذكره غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم أن العورة عورتان مخففة ومغلظة,   فالمغلظة السوأتان ,  والمخففة الفخذان

ولا تنافي بين الأمر بغض البصر عن الفخذين؛ لكونهما عورة, وبين كشفهما؛ لكونهما عورة مخففة)

 

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

ما حكم مشاهدة مباريات كأس العالم ؟

 حكم مشاهدة مباريات كأس العالم

لما كانت للمشاهدة صور، كان المستحسن هو التفصيل فتأخذ كل صورة حكمها:

الصورة الأولى: مشاهدتها بالمساهمة في دعمها، إما بشراء تذاكر للحضور المباشر ، أو بشراء أجهزة خاصة تنقلها، أو نحو ذلك
فحكم المشاهدة هنا تبع لحكم معاونتهم، ولما كانت معاونتهم على الحرام حراما كان هذا النوع من المشاهدة حراما، قال تعالى:[ولا تعاونوا على الإثم والعدوان]

الصورة الثانية: مشاهدتها بما لا يؤثر في وجود المحظورات الشرعية، فلا تساهم المشاهدة في المحرم الموجود، كالقمار والإسراف وما يريده الغرب من صرف الأمة عن قضاياها ودينها ونحو ذلك.

فهنا نرجع إلى الأصل وهو الإباحة؛ إذ لا تلازم بين الحرام ومشاهدته إلا إذا تعلق التحريم بالنظر إليه كالنظر إلى الأجنبية..

ومع أن الأصل في الصورة الثانية هو الإباحة لكن لا يمكن أن نذكر حكما مطلقا وعاما لجميع الناس نبيح لهم فيه المشاهدة؛ لأن الواقع جرى بأن طائفة من المشاهدين للمباريات يرتكبون أنواعا من المحرمات كتضييع الصلوات والمعاداة لأجل أندية كافرة أو لاعبين كفارا والتشجيع لدول كافرة إلى غير ذلك ..
وإنما نقيد حكم الإباحة بالضوابط الشرعية، فمن التزم بها كانت المشاهدة في حقه مباحة ومن لم يلتزم بها كان المشاهدة في حقه حراما.
والضوابط هي:
١-ألا يترتب على المشاهدة تضييع واجب أو تفريط فيه أو تقصير.
٢-ألا تكون المشاهدة وسيلة إلى محرم أو كان فيها نظر إلى محرم.
٣-ألا يوالي المسلم الكفار ويحبهم ويفتتن بهم .
٤-ألا تدعو المشاهدة إلى التعصب ونعرات أهل الجاهلية.
٥-ألا تكون سببا لإيذاء المسلمين وحصول الخصومة ووقوع السب والشتم.

وأنبه أخيرا إلى أن حكم الإباحة هنا معلق بالأفراد، لا بالدول، بمعنى: ليس للدول أن تشغل الأمة بما لا يحقق المصالح الراجحة ويدفع المفاسد الراجحة، فتصرفهم بذلك عما هو أولى، وتضيع الأموال في غير ما هو واجب.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
أستاذ مساعد بقسم أصول الدين
كلية علوم الشريعة

الجمعة، 11 نوفمبر 2022

بين قاعدة سد الذريعة وقاعدة التزاحم بين المصالح والمفاسد

 بين قاعدة سد الذريعة وقاعدة التزاحم بين المصالح والمفاسد

هاتفني أحد المشايخ الكرام يستفسر عن العلاقة بين قاعدة تزاحم المصالح والمفاسد وبين قاعدة سد الذريعة أو ما يفضي إلى الحرام كثيرا أو غالبا
فمثلا تحريم الخلوة بالأجنبية هل بني على قاعدة التزاحم أو على قاعدة الإفضاء وإن شئت قلت قاعدة سد الذريعة..
وكذا تحريم مصافحة الأجنبية وبيع العنب لقبيلة غلب عليهم استعماله في صناعة المسكر
وكذا تحريم المظاهرات...
فإذا قلنا بني على قاعدة الذرائع أو الإفضاء أيصح أن يعلق الحكم على المصالح والمفاسد أو يطلق فيها المنع..بمعنى إذا  سأل سائل عن حكم المظاهرات؟ أيقال: حرام بإطلاق بناء على قاعدة الإفضاء، أو يقال: جائزة إذا رجحت مصالحها ومحرمة إذا رجحت مفاسدها؛ بناء على قاعدة التزاحم..

أقول جوابا على هذا السؤال:
عدم التفريق بين القاعدتين يجر إلى أخطاء في الأحكام
وتوضيح ذلك:
قاعدة التزاحم يراد بها الموازنة بين المصالح فيما بينها أو الموازنة بين المصالح والمفاسد
سواء كانت المصلحة والمفسدة ذاتيتين في الفعل أو كانتا في الأمر والنهي أو في مآل ونتيجة الفعل.
وأما قاعدة الإفضاء أو سد الذريعة فيراد بها الفعل المباح في نفسه المفضي إلى الحرام غالبا أو كثيرا بالنظر إلى  نتيجته ومآله
فهو بالنظر إلى كونه وسيلة بفضي إلى محرم..
وهذا النوع مقصود الشارع رفع المفسدة ولأجله جاء الحكم بإطلاق، ولا يلتفت إلى ما في الفعل من مصلحة ولم يتسلط النهي عليها وإننا تسلط على المفضى إليه الذي هو غالب أو كثير
فبان بهذا أن قاعدة الإفضاء متعلقة بنوع من أنواع قاعدة التزاحم وهي: درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة
وكما تلاحظون أنه لا مجال لتعليق الحكم برجحان المصالح أو  برجحان المفاسد؛ لأن القاعدة في تغليب جانب المفاسد، وعدم النظر إلى المصالح
فلا يتأتى بعد ذلك تعليق الحكم على المصالح والمفاسد.
قال الشاطبي في الموافقات (٢/٤٦):( وكذلك المفسدة إذا كانت هي الغالبة بالنظر إلى المصلحة في حكم الاعتياد ف فعها هو المقصود شرعا، ولأجله وقع النهي؛ ليكون رفعها على أتم وجوه الإمكان العادي)
فمثلا: مسألة الخلوة بالأجنبية تعود إلى قاعدة درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة
فيكون الحكم التحريم
ولا يقال: الحكم معلق بالمصالح والمفاسد، فقد تكون الخلوة جائزة وقد تكون محرمة.
وكذا مسألة المظاهرات تعود إلى قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
فيكون الحكم: التحريم
ولا يقال الحكم معلق بالمصالح والمفاسد
قد يسأل سائل ما مستند المفاسد فيما لم يأت فيه نص بالتحريم؟
فيقال له: الاستقراء، لما استقرى العلماء واقع الفعل وجدوا أنه يفضي إلى الحرام غالبا أو كثيرا
وما هذا حاله فإنه يدخل تحت قاعدة الإفضاء التي تلتقي مع قاعدة درء المفاسد.

وهذا النوع لا يعلق بالمصالح والمفاسد وإنما يطلق الحكم فيه بالتحريم
ولا يباح على سبيل الاستثناء إلا في صورة الضرورة أو الحاجة
بقيد أن تكون المصلحة التي يراد حفظها حقيقية لا وهمية
ولا يؤدي حفظها إلى مفسدة أكبر
وكلما كانت المفسدة المفضى إليها أعظم كان الاستثناء بالنظر إلى المصلحة المرجوة أضيق.
وكلما كانت المفسدة المفضى إليها تتعلق بإذهاب الضرورات كان الاستثناء في ضروري أقوى.

والخلاصة: الوسائل التي تفضي إلى الحرام غالبا أو كثيرا
يطلق فيها الحكم فيقال: محرمة، ولا يعلق الحكم بما رجح من المصالح والمفاسد
لأنها مندرجة تحت قاعدة درء المفاسد، لا مطلق قاعدة التزاحم
ويدخلها الاستثناء كما يدخل الاستثناء حكم أكل الميتة.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار


الاثنين، 7 نوفمبر 2022

هل كل ساب يكفر؟ وهل يشترط قصد المعنى الكفري؟


هل يكفر (عينا) من تلفظ بكلمة الكفر (سب الذات العلية) غير قاصد المعنى الكفري الذي تضمنه اللفظ؟
وهل يتوقف الحكم بالتكفير على قصد العيب والإزدراء أصالة؟

أولا: السب إهانة واستخفاف ينافي التعظيم والانقياد، ولذا كان منافيا لأصل الإيمان وهو كفر في نفسه وليس علامة ودليلا على كفر الباطن ولا يشترط فيه الاستحلال
والحكم المطلق للساب أنه كافر مرتد.
قال القاضي عياض:(لا خلاف أن ساب الله من المسلمين كافر حلال الدم) الشفا٢/٢٧٠

ثانيا: تحرير مسألة الساب:
من تلفظ بكلمة الكفر= سب الذات العلية تعالى ربنا وتقدس ...
فله أحوال:
الحال الأولى: من لم يقصد اللفظ ولا المعنى، كمن فرح فرحا شديدا أو غضب غضبا شديدا فأغلق عليه فلم يدر ما يقول..
فهذا لا يكفر؛ لأمور منها:
١-عدم التكليف؛ لغياب العقل، فانتفى العلم والقصد.
٢- حديث الذي قال فيه الرجل (اللهم انت عبدي وانا ربك) أخطأ من شدة الفرح.

وقد اخطأ من أطلق الكفر كطائفة من فقهاء الحنفية والمالكية.

الحال الثانية: من قصد اللفظ دون مدلوله، فتكلم قاصدا اللفظ الذي مدلوله في وضع اللغة يتضمن التنقص والازدراء، لكن لم يكن يعلم مدلوله المتضمن لمعنى التنقص للذات العلية، فهو قد فرغ اللفظ عن مدلوله ومعناه
سواء استعمل اللفظ في مدلول آخر ليس فيه ما يتضمن تنقصا، أو كان لا يعرف مدلوله
فهذا لا يكفر؛ لأن العبرة بالحقائق والمعاني لا بالالفاظ والمباني
قال تعالى:[لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم]
فلم يرتب المؤاخدة على اللفظ المفرغ عن مدلوله، وإنما رتب المؤاخدة على ما قُصد بالقلب من مدلول للفظ.

ويدخل في هذا الباب: اللفظ المقصود الذي جرى العرف على تفريغه من مدلوله، كما في توجيه بعض العلماء لرواية "أفلح وأبيه إن صدق"
قال ابن حجر في الفتح ١١/٥٣٤: (فيُجاب بأجوبة: الأول: أن هذا اللفظ كان يجري على ألسنتهم من غير أن يقصدوا به القَسَم، والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحَلِف، وإلى هذا جنح البيهقي، وقال النووي إنه الجواب المرضي).
ومنه أيضا عدم ترتيب حكم الكفر على من قال واللات والعزى؛ لعدم قصده المدلول.
ونظير ذلك الألفاظ التي فرغها العرب عن معانيها الموضوعة لها فكانوا يستعملونها قاصدين لألفاظها دون معانيها ك ثكلتك أمك-ترتبت يداك-قاتله الله- لا أم له إلى غير ذلك.

فإن قيل: إذا كان اللفظ صريحا في مدلوله لا يحتمل إلا تضمن معنى التنقص فلا  يحمل إلا على الظاهر.
قيل: اللفظ الصريح في مدلوله من حيث الوضع اللغوي لا يلزم منه استعماله في مدلوله من كل متكلم به، فقد يخرجه المتكلم عن وضعه في الاستعمال، فيستعمله في مدلول لا يتضمن معنى التنقص فلا يؤاخذ به.
ونظير هذا من وجه: كلام الأئمة في استعمال لفظ الطلاق على الحل من وثاق فلا يترتب عليه إيقاع الطلاق
قال الإمام الشافعي رحمه الله: “فإن قال أنت طالق أو قد طلقتكِ أو فارقتك أو سرحتك لزمه، ولم يُنَوَّ في الحكم، ويُنَوَّى فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه قد يريد طلاقا من وثاق، كما لو قال لعبده أنت حر، يريد حر النفس”. [مختصر المزني: ص 192].
قال أبو إسحاق الشيرازي:”وإن قال أنت طالق وقال أردت طلاقاً من وثاق لم يُقبل في الحكم، لأنه يدَّعي خلاف ما يقتضيه اللفظ في العرف، ويُدَيَّن فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه يحتمِل ما يدعيه، فإن علمت المرأة صدقه فيما دُيِّن فيه الزوج جاز لها أن تقيم معه”. [المهذب: 17 / 96].
وقال ابن عبد البر: “ولو قال أنت طالق وقال أردت من وثاق لم يُقبل قوله ولزمه الطلاق، إلا أن يكون هنالك ما يدل على صدقه”. [الكافي: 1 / 474]
فاللفظ وإن كان صريحا إلا أنه قد يستعمل في غير مدلوله،  فلا يترتب عليه الحكم
وهنا قد فرق بعض العلماء بين القضاء والتدين.

ودونك تنبيه مهم وهو: لا يتوقف الحكم بالتكفير على قصد العيب والإزدراء أصالة، فقد يقصد اللفظ ومدلوله الذي يتضمن التنقص والازدراء من غير قصد التنقص وإنما يقصد شيئا آخر ، كمن يطلب منه أن يتلفظ بلفظ كفري متضمن معنى تنقص الذات العلية ويعطى على ذلك المال فيكون قاصدا المال غير قاصد معنى التنقص والإزدراء وإن كان قاصدا اللفظ ومدلوله الذي يتضمن التنقص.
فاللفظ له مدلول وله معنى يفهم من هذا المدلول متضمنا فيه.
والتكفير منوط بقصد المدلول لا بقصد المعنى المتضمن فيه، فبمجرد قصده المدلول يكفر وإن لم يقصد المعنى المتضمن فيه إلا لمانع شرعي كالإكراه، ولذا كان الهازل كافرا
قال ابن تيمية في الصارم المسلول ٣/٩٨٣ في كفر من تنقص النبي صلى الله عليه وسلم:(...ولا فرق في ذلك بين أن يقصد عيبه والإزدراء به أو لا يقصد عيبه لكن المقصود شيء آخر حصل السب تبعا له او لا يقصد شيئا من ذلك بل يهزل ويمزح او يفعل غير ذلك)
فالصور الذي يقع معها التكفير ثلاث:
١-يقصد العيب والازدراء أصالة.
٢-لا يقصد العيب والازدراء لكن قصد شيئا آخر حصل معه العيب والازدراء تبعا.
٣- لا يقصد العيب والازدراء أصالة ولا حصل التنقص تبعا مع قصده مدلول اللفظ الذي يتضمن التنقص، كما لو وقع على سبيل الهزل.
فالهازل قد يقصد التنقص وقد لا يقصده.

الحال الثالثة: من قصد مدلول اللفظ وما يفهم منه من غير قصد الكفر والخروج من الدين، فلم يفرغ اللفظ عن مدلوله وقصد ما تضمنه المدلول من تنقص، فهذا يكفر ظاهرا وباطنا، وإن لم يقصد الكفر نفسه أو الخروج من الدين
ومن صوره الهازل الذي يقصد مدلول اللفظ ومعنى التنقص إلا أنه قد لا يقصد الخروج من الدين.

الحال الرابعة: من قصد اللفظ وقصد معناه الكفري وقصد الخروج من الدين فهذا يكفر ظاهرا وباطنا.

الحال الخامسة: من قصد الازدراء والسب بغير الألفاظ أو بلفظ لم يوضع في اللغة على السب  لكن استعمله على التنقص والإزدراء.
فهذا يكفر ظاهرا وباطنا.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار 

الخميس، 3 نوفمبر 2022

حكم الأذانين لصلاة الجمعة

حكم #الأذانين_لصلاة_الجمعة


إن أول من سن الأذان الأول لصلاة الجمعة هو عثمان رضي الله عنه, فقد أخرج البخاري في صحيحه (2/ 8) عن السائب بن يزيد، قال: «كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه، وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء» قال أبو عبد الله: " الزوراء: موضع بالسوق بالمدينة "

وقد صرح بكونه محدثا: الحسن البصري ففي مصنف ابن أبي شيبة (1/ 470) عن الحسن، أنه قال: «النداء الأول يوم الجمعة الذي يكون عند خروج الإمام، والذي قبل ذلك محدث»

وروي ذلك عن ابن عمر في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 470) وكذلك عن نافع.

وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يؤذن للجمعة إلا أذان واحد وهو حين يصعد الإمام على المنبر , كالثوري والشافعي وإسحاق والقاضي أبو يعلى [انظر: فتح الباري لابن رجب (8/ 220)]

قال الشافعي في الأم (1/ 224): ( وأيهما كان فالأمر الذي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي)

واختلف القول عن مالك [انظر: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار 463 (5/ 58)]


وقد رُد كونه بدعة بأنه لم يخالف عثمان كبار الصحابة,؛ فكان إجماعا سكوتيا, قال ابن المنذر في الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (4/ 56): (فلم يكره أحد منهم علمناه، ثم مضت الأمة عليه إلى زماننا هذا).

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/ 193): ( ويتوجه أن يقال هذا الأذان لما سنه عثمان واتفق المسلمون عليه صار أذانا شرعيا)

وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 129): (ومن ذلك: أذان الجمعة الأول، زاده عثمان لحاجة الناس إليه، وأقره علي، واستمر عمل المسلمين عليه، وروي عن ابن عمر أنه قال: هو بدعة، ولعله أراد ما أراد أبوه في قيام رمضان).


وله أصل شرعي يشهد له, وهو: الأذان الأول لصلاة الفجر الذي روعي فيه تنبيه الناس وتهيأتهم.


وأما المعنى الذي لأجله أحدث عثمان النداء, ففي مصنف عبد الرزاق (3/ 206) عن ابن المسيب قال: (وأراد أن يتهيأ الناس للجمعة)

وعن الزهري، قال: «كان الأذان عند خروج الإمام، فأحدث أمير المؤمنين عثمان، التأذينة الثالثة على الزوراء ليجتمع الناس» مصنف ابن أبي شيبة (1/ 470)

والتأذينة الثالثة صارت هي الأولى.


وهذا المعنى قد اعتبره الشارع وأجرى عليه أحكاما, فهو وصف ملائم؛ فيكون أذان عثمان -الذي هو الأذان الأول- من المصالح المرسلة, وليست ألفاظ الأذان مقصودة فيه, وإنما المقصود هو التنبيه والإعلام, فهو من جنس المصالح المرسلة, التي لم يعارضها دليل خاص بالمنع, وهو وسيلة لتحقيق مقصد شرعي, ولم يكن داعيه موجودا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسبب إحداث عثمان للنداء كثرة الناس وانشغالهم, فأراد أن ينبههم لقرب الصلاة؛ حتى يستعدوا لها.


لكن يبقى هل هو سنة مطلقا أو سنة عند وجود المقتضي؟

فمن العلماء من رأى أنه سنة مطلقا.

ومنهم من جعله سنة بقيد وجود داعيه, 

وهذا هو الأقرب فيكون عند عدم وجود الداعي غير مشروع, ولذا لم يُلزم به عثمان بقية الأمصار, ففي مصنف عبد الرزاق الصنعاني (3/ 206) عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار قال: «رأيت ابن الزبير لا يؤذن له حتى يجلس على المنبر، ولا يؤذن له إلا أذانا واحدا يوم الجمعة»

واستمر الحال في مكة حتى قال عطاء في مصنف عبد الرزاق الصنعاني (3/ 205): (وأول من أحدثه الحجاج بن يوسف)

وقال عمر بن دينار في مصنف عبد الرزاق الصنعاني (3/ 206): «وأما أول من زاده ببلادنا فالحجاج»

فالخلاصة: أنه إذا احتيج إليه؛ لإعلام الناس بقرب الوقت؛ حتى يستعدوا للصلاة يكون سنة, وأما عند عدم الحاجة فأحب إلينا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر.


وما يفعله بعض الناس من كون الأذان الأول يكون بعد دخول الوقت, وقبل الأذان الثاني بدقائق, ليس هو أذان عثمان الذي كان في السوق وقبل دخول الوقت, ولا يحقق المصلحة التي راعاها رضي الله عنه، فلا يكون من جنس المصلحة المرسلة.


وأنبه في ختام هذه المسألة إلى أنها من مسائل الاجتهاد, فكلا القولين سائغ, ويجب ألا تحصل بسببها فتنة في المساجد, ومما يرفع الخلاف فيها: حكم الحاكم.

وعلى الدعاة أن يتلطفوا مع الناس ويبنوا لهم ما يرونه مشروعا بالحكمة، ويتدرجون معهم في ذلك.


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ مساعد بقسم أصول الدين

كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب – الخمس

والمدرس المتعاون مع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (سابقا)

والمتعاون مع الجامعة الإسلامية بمنيسوتا أمريكا (سابقا)


http://abuasmaa12.blogspot.com/2022/11/blog-post_92.html

حكم التصوير الفوتغرافي بالنظر إلى حقيقته

 حكم #التصوير_الفوتغرافي

http://bit.ly/1DT3es4


السلام عليكم شيخ أحمد حفظك الله

ما الراجح في التصوير الفوتغرافي؟

وعليكم السلام ورحمة الله

التصور الفوتغرافي من المسائل المستجدة, والصور الحادثة.

ولكي يُعرف حكمه فلابد من تصوره أولا تصورا صحيحا من أهل التخصص.

وأهل التخصص يقولون عن التصوير هو: تسليط ضوء على ما يراد تصويره, فتنعكس أشعة صورة الشيء, فتحفظها العدسة, ويعرف أيضا بالتصوير الضوئي.

إفالصورة, هي: انعكاس الضوء فتحفظه العدسة.

إذا كان هذه هي حقيقة الصورة والتصوير الفوتغرافي, فحكمه منه ما قد اتُّفق عليه, ومنه ما قد اختُلف فيه.

أما المتفق عليه؛ فهو:

1-جواز الصورة عند الضرورة والحاجة, كالصورة للجواز, ونحو ذلك.

2-تصوير المحرم محرم, فما كان وسيلة لمحرم فهو محرم,كالتصوير للتعظيم, أو تصوير الأجنبية, ونحو ذلك.

3-جواز تصوير ما لا روح فيه, كالشجر, على خلاف يسير فيه.

وأما المختلف فيه؛ فهو: عدا ما تقدم, أو بعبارة أخرى: التصوير من حيث هو, من غير نظر للمتعلَّق.

وقد اختلف فيه العلماء المعاصرون على قولين:

القول الأول: محرم.

واحتجوا: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: «من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ» 

قالوا: الصورة الفوتغرافية تدخل في قوله صورة, كما أن المصور بالصورة الفوتغرافية يدخل في عموم قوله:"من صور".

وترتب العذاب على الصورة يدل على حرمتها, وأنها من كبائر الذنوب.

وعن عائشة رضي الله عنها: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين اخرجه البخاري

قالوا: والعلة التي من أجلها حرم التصوير, وهي المضاهاة موجودة في التصوير الفوتغرافي.

وغيره من الأدلة الدالة على تحريم التصوير.

القول الثاني: جائز.

واحتجوا:

- أن التصوير المحرم شرعا, هو ما كان من صنع الإنسان, والتصوير الفوتغرافي ليس من صنع الإنسان, وإنما هو حبس ظل فقط.

-قياسا على المرآة؛ بجامع الانعكاس.

-علة المضاهاة ليست موجودة في التصوير الفوتغرافي.

والراجح: أن التصوير الفوتغرافي جائز؛ لأنه لا يدخل في أحاديث النهي من جهتين:

الأولى من جهة حقيقته: فالتصوير الذي جاءت به النصوص حقيقته: صنع مثل ما خلق الله, بخلاف التصوير الفوتغرافي فحقيقته: نقل لخلق الله.

فالصورة الفوتغرافية مسمى عرفي, لا شرعي, ولا يجوز حمل المصطلح الشرعي على العرفي الحادث.

وقد جاءت النصوص بلفظ:"المصورون"و " من صور" وجاء في لفظ عند البخاري :" يصنعون هذه الصور"

وهذه الألفاظ تدل على فعل الإنسان وصنعه في تخليق الصورة التي تضاهي خلق الله, 

وهذا لا يوجد في الصورة الفوتغرافية, لأن غاية عمله راجع لإظهار ما نقله من خلق الله, وليس فيه صنعة لمضاهاة خلق الله.

وما يسمى صورة هو في الحقيقة نقل لخلق الله, وينسب الخلق إلى الله.

وقد قرب هذا المعنى الشيخ العثيمين بقوله: (( ويدل لهذا إن الإنسان لو كتب كتابا بيده ثم وضعه في آلة التصوير وخرج من الآلة فإن الناس لا ينسبون هذا المرسوم إلى الذي صور بالآلة وإنما ينسبونه إلى الكاتب الأول ))

ويتضح ذلك بالجهة الثانية.

الثاني من جهة العلة: فعِلَّة التصوير الذي جاءت بها النصوص, هي: المضاهاة, وهي علة منصوصة, ولا توجد هذه العلة في التصوير الفوتغرافي؛ لأنه نفس خلق الله سبحانه , وليس هو بصنعة ؛ حتى يشبه ما يصنعه بما يصنعه الله.

وقد جاء في البخاري بلفظ:" ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي" والتصوير الفوتغرافي ليس فيه هذه العلة.

وأما من علل بكون الصورة وسيلة للشرك

فجوابه انه ليس جنس الصورة وسيلة للشرك وانما بعض انواعه

ومما يدل على ان جنس الصورة ليس وسيلة للشرك: ان النبي صلى الله عليه وسلك اجاز الصورة التي في الوسادة

وقال: ( الا رقما في ثوب)

فدل ذلك على ان الصورة التي تكون وسيلة للشرك ما كان فيها تعطيم، وهذا محرم بالاجماع.

وإذا كان التصوير الفوتغرافي لا يدخل فيما ورد النهي عنه لا من جهة الحقيقة, ولا من جهة العلة فإنه يكون جائزا, ويدخل تحت القاعدة: الأصل في الأشياء الإباحة.

وليس هناك دليل ينقل عن هذا الأصل.

تنبيه: هذه المسألة من المسائل الاجتهادية, وليست هي من المسائل التي لا يسوغ فيها الخلاف, فينبغي التنبه لذلك.

كتبه

أحمد محمد الصادق النجار

حكم #التسويق_الشبكي و #اليونيسيتي

 حكم #التسويق_الشبكي و #اليونيسيتي

اختلف في حكم التسويق الشبكي: الفقهاء المعاصرون...

والصورة التي أسلط عليها الضوء باختصار: أن يشتري الزبون بضاعة حقيقية موجودة حلالا-والشراء: شرط- ثم يأتي هذا الزبون الذي هو المستهلك بزبون آخر ليشتري سلعة, فإذا اشترى كان للزبون الأول عمولة مباشرة – وهي فوائد التسويق-, وإذا أتى الزبون الثاني بعد شرائه بزبائن كانت له عمولة مباشرة وللأول عمولة غير مباشرة, وهكذا ...

وهنا يرد سؤال مهم يترتب عليه تكييف المسألة ثم بيان حكمها, وهو: هل البضاعة مقصودة أو أن المقصود هو زيادة المسوقين والعمولة؟

فهنا احتمالان: 

-أن تكون البضاعة مقصودة. 

-ألا تكون مقصودة.

فإن كانت البضاعة هي المقصودة فسيكون الإتيان بالزبون ليس أمرا مقصودا عند شراء السلعة, ولن تكون هناك مبالغة في ثمن السلعة, ولا يقوم التسويق على الاقناع على العمولة.

فيكون المقصود على هذا: ترويج السلعة والخدمات, ويجب عدم اشتراط الشراء على الزبون, ويكون الربح مقابل الجهد والعمل, وأن يأخذ من الربح بقدر الجهد الذي بذله.

وعليه, فيكيف التسويق على أنه جعالة, ويكون الحكم هو الجواز.

وأما إن كانت البضاعة ليست مقصودة, وإنما المقصود العمولة فتكون البضاعة وسيلة, ولذا لا يلتفت إلى غلاء السلعة وجودتها, ولا ينظر إلى حاجة الزبون لشرائها, فتكون حقيقة التسويق: وضع مال وأَخْذ فائدة عليه مع التأخير, وهو الربا. 

كذلك نجد أن فيها مخاطرة؛ مما يجعل المسألة ميسرا؛ لكونه وضع مالا وخاطر به لحصول ربح وقد يخسره كله.

وفيها أيضا غرر؛ لجهالة الربح زمنا وقدرا. 

وفيها أيضا إغراء الناس بضخامة الفوائد والربح.

وتندرج تحت أكل أموال الناس بالباطل.

فمن أعظم إشكالية التسويق الشبكي هو: أن المستفيد ملزم بشراء البضاعة المبالغ في ثمنها؛ مما جعلها صورية, , وقد يكون ملزما بدفع مبلغ اشتراك.

وعليه فحكمها: التحريم؛ لكون البضاعة فيه غير مقصودة, ولا يصح تكييفها على أنها سمسرة جائزة ؛ وذلك أنه ليس في السمسرة الإلزام بشراء السلعة, ولا مقصودها ترويج العمولة والفائدة, وإنما المقصود في السمسرة ترويج السلعة, وباختلاف المقصودين تختلف الحقائق.

ثم اعلم أن وجود السلعة لا يمنع من الحكم بالربا والغرر والقمار؛ لأن وجودها صوري غير مقصود, كما تقدم.

ولا يصح تكييفها على أنها جعالة؛ لكون الجعالة تقوم على الجهد, وأما التسويق الشبكي فيقوم على المال المدفوع في صورة شراء سلعة, ولذا عندما يخسر يخسر هذا المال لا مجرد الجهد كما في الجعالة.

وأما كون بعض المستفيدين قد يكون مقصوده السلعة, فهذا نادر وقليل والقليل مع الغالب لا حكم له.

وحكم اليونسيتي حكم التسويق الشبكي المحرم؛ لأنها تقوم على شرط الشراء, وعدم قصد السلعة, وللمحاذير الأخرى التي تقدمت.

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 2 نوفمبر 2022

حكم نشر المرأة صورتها المحجبة على مواقع التواصل الاجتماعي

 [تأصيل مسألة عدم جواز نشر المرأة صورتها على مواقع التواصل الاجتماعي

ولو كان محجبة لا يرى منها إلا وجهها من غير زينة] 


(وليس المنطلق تحريم الصورة الفوتغرافية، فإني أرى جوازها

وليس المنطلق كون وجه المرأة عورة أو لا) 


إن الناظر إلى شريعة الله سبحانه يجد أن الله اعتنى بحفظ الضرورات الخمس غاية الاعتناء، فيمنع كل ما يؤدي إلى انتهاكها

بل يمنع مقدمات الوسائل التي تفضي إلى انتهاك الضرورات

ومن الضرورات الخمس: حفظ النسل، ولحفظه منع من الزنا ومن مقدماته ووسائله ومقدمات وسائله؛ فحرم الخلوة بالأجنبية ومصافحتها، ومنع المراة من أن تسافر بدون محرم، ومنع التبرج والسفور، ومنع استعمال التلفاز لمن لا يستعمله غالبا او كثيرا إلا فيما حرم الله. 


وإذا أردنا تكييف نشر المرأة صورة وجهها وهي محجبة فضلا عن غير المحجبة والتي تظهر فيها زينتها لكيفناها بأنها وسيلة تفضي إلى إيقاع الرجل في محرم وهو النظر إليها بشهوة الذي هو بريد الزنا

فهي وسيلة لفتنة الرجل..

ولا فرق في ذلك بين أن تضع صورتها أو صورة غيرها من النساء

فتكون محرمة؛ لرجحان المفسدة.

وهي أيضا وسيلة للوقوع في الزنا .

ولا وجه لإلغاء المفسدة في نشر المرأة صورتها؛ لأنه لا مصلحة راجحة تعارضها.

وإذا اجتمع الحل والحرمة غلب جانب الحرمة.

فعندما تضع المرأة صورتها سيطمع فيها الرجال ويزينها الشيطان لهم، وربما استدرجها بعض الرجال عن طريق الماسنجر ونحوه فتقع في الزنا الحقيقي أو تقع فيما يسميه بعض الباحثين بالزنا الالكتروني الذي لا يترتب عليه الحد

وضابط الزنا الالكتروني: إشباع الشهوة بين الجنسين عن بُعد بواسطة النت ونحوه، أو من جنس واحد بمشاهدة ما حرم الله.

وإذا كن بعض النساء وقعن من غير أن تنشر إحداهن صورتها على صفحتها فكيف بمن تنشر صورتها؟!

وليس المقام مقام ثقة المرأة بنفسها ودينها؛ لأن الشيطان يزين لها ويكيد لها؛ حتى يوقعها. 


وقد تبتلى المرأة بالسحر، أو من يركب على صورة وجهها امرأة عارية. 


والخلاصة: أنه يحرم على المرأة نشر صورتها أو صورة غيرها ولو كانت محجبة؛ درءا للمفاسد الراجحة

وأما إذا وضعت زينة على وجهها فالتحريم من باب أولى. 


كتبه د.  أحمد محمد الصادق النجار