الاثنين، 30 مايو 2022

حكم وضع الرموش الصناعية

 

سئلت عن حكم وضع الرموش الصناعية على العين لأجل التزين للزوج

والجواب عنه أنه يتوقف على تحرير ضابط تغيير خلق الله مع انتفاء الضرر في الاستعمال
فإذا أثبت الأطباء أن في وضع الرموش الصناعية ضررا على العين فإنه يحرم لأجل الضرر؛ للقاعدة النبوية: لا ضرر ولا ضرار
وأما إذا قدر أنه لا ضرر في وضعها مؤقتا فينظر هل في وضعها تغيير لخلق الله المنهي عنه او لا؟؛
إذ ليس كل تغيير منهيا عنه، ولذا جاز الختان وصبغ الشعر وإزالة الأظافر، ونتف الإبط، وثقب الأذن...

وهذا يستدعي منا معرفة ضابط التغيير المنهي عنه...
والذي يظهر أن تغيير خلق الله المنهي عنه ضابطه: تغيير الخلقة الأصلية السوية المعهودة على وجه دائم أو طويل للحسن فيما لم يأذن به الشرع أو خيف منه التدليس او قصد ولو كان التغيير مؤقتا، أو تحقق فيه التشبه.
فهي علل على سبيل البدل.
وإذا صورنا المسألة فيما:

لا يصاحبه محرم كالتشبه والتدليس.

ولا يكون بسبب محرم كاعتقاد فاسد أو قصد منه التدليس

ولا يترتب عليه محرم كضرر.

كان الضابط في التغيير المنهي عنه: (تغيير الخلقة الأصلية السوية المعهودة على وجه دائم أو طويل للحسن فيما لم يأذن به الشرع )
وقد يقال إن لحكمة من النهي: الاستدراك على الخالق والاعتراض عليه فيما لا تقتضيه مصلحة ولا تدعو إليه الحاجة..

وبهذا الضابط نفهم المنصوص عليه كالنمص والوشم والوصل ...
ونقيس عليه ما ليس بمنصوص مما توفرت فيه علة المنع
فإزالة تجاعيد الوجه للكبير يحرم؛ لما فيه من تغيير للخلقة المعهودة لكبير السن

وتضخيم الشفتين يحرم؛ لما فيه من تغيير خلقتهما الأصلية.

وعليه:
فوضع الرموش المؤقت إذا قصد منه التدليس فيحرم
وإذا وضعت على سبيل الديمومة فيحرم..
وأما إذا كانت مؤقتة ولا ضرر فيها فيجوز؛ لأن الأصل فيها الإباحة، ولا ينطبق عليها ضابط التغيير المنهي عنه.

خاتمة:

صور يجوز فعلها ولا ينطبق عليها تغيير خلق الله المنهي عنه:

-الكحل والحناء والحمرة والكريمات والمناكير وطلاء الأظافر والصبغات؛ لأنه ليس فيها تغييرا لأصل الخلقة, وإنما هو تغيير في الظاهر باللون لا يدوم.

-تركيب العدسات التجميلية مؤقتا يجوز؛ لأنها منفصلة عن العين وتغيير مؤقت إلا إذا أريد بها التدليس على الخطاب ونحوهم فيدخل في معنى المنهي عنه.

-التشقير المؤقت يجوز؛ لأنه تغيير مؤقت لا يدوم, وإضافة لا تمس تغيير الأصل, فليس التشقير نمصا؛ لأنه إضافة لون يظهر للمتأمل بخلاف النمص فهو إزالة.

-إزالة شعر الساقين والفخذين والذراعين؛ لأنها مسكوت عنها وتدعو إليها التجمل للزوج.

-الرموش الصناعية المؤقتة يجوز إلا إذا أريد بها التدليس فتشارك الوصل في المعنى أو كان فيها ضرر على العين.

ولا تشارك الوصل في اللفظ؛ لأن الوصل وصل شعر بشعر مثله.

-الباروكة الصناعية يجوز إلا إذا أريد بها التدليس, فتشارك الوصل في المعنى, ولا تشارك الوصل في اللفظ؛ لأن الوصل وصل شعر بشعر مثله, وأما الباروكة من الشعر فلا.

-إزالة العيب وما فيه ضرر, كعلاج التشوهات الخلقية، وإزالة الأعضاء الزائدة، والتصاق الأصابع، وكإزالة الوشمات ونحوها، وكشفط الدهون وشد البطن، وكجراحات الحروق, وكتقويم الأسنان, وكتركيب العدسات للعلاج؛ ؛ لأنه ليس فيها تغييرا لأصل الخلقة السوية.

 

صور يحرم فعلها وينطبق عليها ضابط تغيير خلق الله أو دخلت في معنى ما نهى الله عنه:

أصل المحرمات في باب الزينة للنساء: النمص والوشم والفلج والوصل.

ومما يلحق بها:

-إزالة الحاجب بالكلية وإبداله بحاجب صناعي؛ لأن فيها تغييرا لأصل الخلقة.

-جراحة تجميل العيون ورفع الحواجب والجفون؛ لأن فيه تغييرا لأصل الخلقة السوية المعهودة،

-تجميل الأنف والأذن والشفة؛ لأن فيه تغييرا لأصل الخلقة السوية المعهودة.

-إزالة تجاعيد الوجه، وشد الوجه وقشره؛ ؛ لأن فيه تغييرا لأصل الخلقة السوية المعهودة.

-تكبير بعض الأعضاء كالخدين والثدي والمؤخرة؛ لأن فيه تغييرا لأصل الخلقة السوية المعهودة. .

-تركيب الأظافر الصناعية للزينة؛ لأنه ينافي سنن الفطرة, والمأمور بالأظافر قصها.

 

وما جاز فعله جازت التجارة فيه, وما حرم حرمت.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

 


السبت، 28 مايو 2022

خدمة الزوجة أم زوجه وأبيه

                                                  حكم خدمة الزوجة أم الزوج وأبيه

هذه المسألة تتعلق بها مسائل, متى اختلطت اشتبهت, وهي:

المسألة الأولى: هل يجب على الزوجة خدمة أهل الزوج كأمه وأبيه؟

المسألة الثانية: هل للزوج أن يلزم زوجته بما لا يجب عليها شرعا؟

المسألة الثالثة: ما حكم طاعة الزوجة الزوج فيما لا يجب عليها؟

وقبل الكلام عن هذه المسائل أنبه على أن الطاعة الزوجية وحدودها قائمان على عقد النكاح ومقتضاه ومقاصده, فالمعقود عليه تجب فيه الطاعة باتفاق, وكذا ما يقتضيه العقد, وهذه الطاعة هي أوجب الحقوق على الزوجة بعد حق الله سبحانه.

أما المسألة الأولى فالذي يجب على الزوجة ما تعلق بعقد النكاح ومقاصده كاستمتاع؛ لقوله تعالى {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228], وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»، وفي لفظ: «إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ» ، وعنه أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ».

فمنفعة المرآة مملوكة للزوج فيما يقتضيه عقد النكاح ويحقق مقاصده.

وما زاد على ذلك فهو من باب التطوع والفضل, ومنه خدمة الزوجة لأهل الزوج؛ لأن خدمة الزوجة لأهل الزوج ليس معقودا عليه في عقد النكاح ولا يقتضيه, ولا يوجد ما يدل على وجوب خدمة الزوجة لأهل الزوج..

ولما كانت الخدمة غير معقود عليها اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوجة الزوج نفسه بالعجن والخبز والطبخ ونحوه. انظر المغني لابن قدامة (620) (10/ 225)

فكيف بخدمة الزوجة لأهل زوجها؟!

وأما المسألة الثانية فليس للزوج أن يلزم زوجته بما لم يجب عليها؛ لأنه غير معقود عليه في عقد النكاح ولا يقتضيه, وقال تعالى: [ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهم سبيلا إن الله كان عليا كبيرا], بمعنى أنها إذا أطاعت المرأة زوجها فيها يقتضيه عقد النكاح فلا سبيل له عليها بعد ذلك, ثم هدد الرجال بأنه سبحانه العلي الكبير.

وأما المسألة الثالثة فيجب على المرأة طاعة زوجها فيما يتعلق بحقوق النكاح, ولا يجب عليها طاعته في كل ما يأمر به -على الصحيح-, ويتأكد عدم الطاعة فيما كان فيه معصية أو ضرر على المرأة.

قال ابن نجيم في البحر الرائق (5/ 77): ( ...لا يجب عليها طاعة الزوج في كل ما يأمر به إنما ذلك فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه خصوصا إذا كان في أمره إضرار بها)

والخلاصة أن على الزوج أن يلين الجانب مع زوجته ويرغبها في خدمة والديه من غير أن يعلق نكاحه وطلاقه على الخدمة من عدمها, ومن غير أن يتعامل معها على أساس أنها واجبة عليها؛ وبالتالي تحسن العشرة وتدوم الألفة, ومن حسن تربية المرأة أن تقوم بخدمة أهل زوجها فيما لا ضرر عليها.

 

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة- المرقب- ليبيا

الخميس، 19 مايو 2022

تحرير قول من جوز الترحم على الكافر بعد موته


تحرير قول من جوز #الترحم_على_الكافر بعد موته

إن المجوزين للترحم على بعض من مات من الكفار افترقوا إلى طائفتين:

طائفة جوزت الترحم على الكفار, بمعنى: إزالة العذاب عنه وخروجه من النار, ومغفرة الشرك له!!

وهذه الطائفة خالفت قطعيات الشريعة وأصولها, فالكافر مخلد في نار جهنم, ولا حسنة ترفع الكفر إلا التوحيد.
وهؤلاء ضعف تصور التوحيد وعظم الكفر عندهم ظاهر.!

وقد ثبت بالتواتر أن الدعاء للكافر بالنجاة من النار والاستغفار له بعد موته منهي عنه ولا ينفع وإن كان الداعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال تعالى {ما كان للنّبِيّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أولي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لهُمْ أنهم أصْحَابُ الجحيم}, وقال تعالى: {فما تَنْفَعُهُمْ شفاعةُ الشافعين} .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي".

وطائفة جوزت الترحم بمعنى تخفيف العذاب عنه, وأن النهي محصور في المغفرة بدخول الجنة ومغفرة الشرك.

وأشكل على هذه الطائفة: إثباتهم جواز تخفيف العذاب على الكافر بسبب أعمال صالحة في الآخرة, وهذا الإشكال هو الأصل عندهم.

والجواب:

أولا: عدم التسليم بتخفيف العذاب بسبب أعمال صالحة لكل كافر, فقد جاءت آيات محكمات بعموم نفي تخفيف العذاب على كل كافر, قال تعالى: [والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور]

وإذا نفي عموم  التخفيف عن كل كافر كان الدعاء لآحاد الكفار بالتخفيف الذي هو مقتضى الرحمة عندهم اعتداء في الدعاء؛ لعدم وقوعه, وترتب على عدم الوقوع عدم إذن الشارع.

ثانيا: على إثبات وجوده فهو خاص لا عام؛ لأنه من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم, فقد ورد خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب, والخصوصيات لا يقاس عليها, وهو متعلق بأمر غيبي, والغيبيات لا يتجاوز فيها النص الشرعي.

ثالثا: على إثبات عمومه فقد جاء في النصوص مناطا بالشفاعة لا بالترحم, وهو محض فضل الله سبحانه يأذن بها لمن يشاء يوم القيامة, فهي من أحكام الآخرة.

وأشكل عليهم أيضا التفريق لغة بين الرحمة والمغفرة,

والجواب:

أولا: أن الفروقات اللغوية يكون لها تأثير في الحكم الشرعي إذا علق الحكم عليها, كتعليق حكم على الإهاب وتعليق حكم آخر على المدبوغ.

ثانيا: أن الحكم الشرعي هو النهي عن مطلق الدعاء بما ينفع في الآخرة, فلم ينظر الشرع للفرق لغة بين الاستغفار وبين الرحمة؛ لأن المقصود النهي عن كل دعاء يتضمن نفعا في الآخرة.

ثالثا: كما أن هناك رحمة عامة وخاصة هناك أيضا مغفرة عامة وخاصة, فإذا كان وجود رحمة عامة سببا لتجويز الترحم, فليقولوا أيضا بجواز الاستغفار لوجود مغفرة عامة لا تختص بالمسلم.

ومما يدل على منع الترحم على الكافر الميت:

أولا: أن في الدعاء بالرحمة إيهام أن المقصود إزالة العذاب عنه وخروجه من النار, وهو مخالف لقطعيات الشريعة كما تقدم, فالدعاء بالرحمة فيه مفسدة ظاهرة راجحة, وذريعة لاعتقاد فاسد, وهذا يقتضي شرعا سدها..

ولذا منع الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الدعاء بالمغفرة لعمه أبي طالب مع حصول نوع مغفرة له يوم القيامة بتخفيف العذاب.

فتخفيف العذاب نوع مغفرة, قال الزين بن المنير:  (ليس المراد طلب المغفرة العامة والمسامحة بذنب الشرك وإنما المراد تخفيف العذاب عنه كما جاء مبينا في حديث آخر)

فتعقبه ابن حجر, فقال: وهي غفلة شديدة منه؛ فإن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم ترد وطلبها لم ينه عنه, وإنما وقع النهي عن طلب المغفرة العامة) فتح الباري لابن حجر (8/ 507)

ثانيا: أن من الكفار من وقع منه مناصرة للمسلمين في القرون الثلاثة وبعدها ولم يعرف عنهم دعاء له بالرحمة مع وجود مقتضيه ولا مانع فدل ذلك على منع الدعاء.

ثالثا: لم يعدل النبي صلى الله عليه وسلم من الاستغفار إلى الرحمة بعد أن نهي عن الاستغفار, وهو أرحم الخلق وأحرصهم على نفع الآخرين.

كتبه مختصرا د. أحمد محمد الصادق النجار


الأربعاء، 18 مايو 2022

الترحم على الكافر بعد موته

 

الترحم على الكافر بعد موته

 

قبل الكلام عن هذه المسألة, يجب أن نوضح أمرين:

الأول: أن الدعاء للكافر بالنجاة من النار والاستغفار له بعد موته لا ينفعه وإن كان الداعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال تعالى {ما كان للنّبِيّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أولي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لهُمْ أنهم أصْحَابُ الجحيم}, وقال تعالى: {فما تَنْفَعُهُمْ شفاعةُ الشافعين} .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي".

وهذا أمر مقطوع به؛ لتواتر النصوص الشرعية به ووقوع الإجماع القطعي عليه.

الثاني: التفريق بين موجبات الرحمة العامة وموجبات الرحمة الخاصة؛ فموجبات الرحمة العامة والتي تكون في الدنيا ووسعت كل الخلق ليس شرطها الإيمان, بخلاف موجبات الرحمة الخاصة التي تكون في الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنة فشرطها الإيمان.

 

والدعاء للكافر الميت بالرحمة ممنوع من جهات:

الأولى: أن فيه إيهام أن المقصود بالرحمة: الرحمة الخاصة التي تقتضى إزالة العذاب عنه وخروجه من النار, وهو مخالف لقطعيات الشريعة بأن الكافر لا يخرج من النار ولا يغفر له كفره.

ولذا منع الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الدعاء بالمغفرة لعمه أبي طالب مع حصول نوع مغفرة له بتخفيف العذاب.

فتخفيف العذاب نوع مغفرة, قال الزين بن المنير:  (ليس المراد طلب المغفرة العامة والمسامحة بذنب الشرك وإنما المراد تخفيف العذاب عنه كما جاء مبينا في حديث آخر)

فتعقبه ابن حجر, فقال: وهي غفلة شديدة منه؛ فإن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم ترد وطلبها لم ينه عنه, وإنما وقع النهي عن طلب المغفرة العامة) فتح الباري لابن حجر (8/ 507)

وهذا الإيهام يجر إلى مخالفة قطعي, فيجر الناس إلى ما لا يحمد عقباه؛ مما يقتضي منعه وعدم تسويغ الخلاف فيه.

الثانية: أن من الكفار من وقع منه مناصرة للمسلمين في القرون الثلاثة وبعدها ولم يعرف عنهم دعاء له بالرحمة مع وجود مقتضيه ولا مانع فدل ذلك على منع الدعاء.

وكذا لم يعدل النبي صلى الله عليه وسلم من الاستغفار إلى الرحمة بعد أن نهي عنه.

الثالثة: أن تخفيف العذاب جاء في النصوص مناطا بالشفاعة لا بخصوص الرحمة, وورد خاصا لا عاما, بل الآيات نصت على انتفاء عمومه, قال تعالى: [والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور]

والذي لاحظته في كثير من المقالات المجوزة للترحم على الكافر احتجاجهم على جوازه بتخفيف العذاب على الكافر بسب أعمال صالحة,

والجواب: أنه لا تلازم بين تخفيف العذاب والدعاء له بالرحمة, بل تخفيف العذاب منوط بالشفاعة, كما تقدم.

كما عول بعضهم على التفريق لغة بين الرحمة والمغفرة, وهو تعويل بعيد؛ لأن الرحمة متضمنة للمغفرة, وكما أن هناك رحمة عامة وخاصة فهناك أيضا مغفرة عامة وخاصة.

ثم إن موجب الاستغفار والدعاء بالرحمة واحد, فإذا منع الشرع من الاستغفار يكون قد منع أيضا من الدعاء بالرحمة, فدليل منع الاستغفار هو دليل منع الرحمة؛ لاتحاد الموجب للمنع, قال تعالى: [ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم]

 كتبه مختصرا د. أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة

 

[معضلة المناداة بالتعايش السلمي مع أصحاب الديانات ومناقضاتها للنظر المصلحي المقاصدي]

 

[معضلة المناداة بالتعايش السلمي مع أصحاب الديانات

ومناقضاتها للنظر المصلحي المقاصدي]

 

إن مسألة التعايش السلمي مع أصحاب الديانات على ضوء القيم المشتركة مع إثبات الخصوصية لكل دين: تقوم على إهمال مصلحة الدين الصحيح وحفظه, أو على أقل تقدير تأخيرها عن مصلحة النفس والعرض والمال؛ لأن أساس التعايش: مساواة الأديان, والتسامح فيها بمنع نقدها وبيان بطلانها.

وهذا الإهمال أو التأخير  يترتب عليه إلغاء أصل الولاء والبراء؛ لأن هذا الأصل يقوم على أن أعلى درجات المصالح ورتبها هو الدين, وينتج عنه إلغاء الجهاد في سبيل الله متى توفرت شروطه وانتفت موانعه.

وأما عدم إكراه غير المسلم على الدخول في الإسلام فهو لا ينافي الجهاد في سبيل الله؛ لأن في الجهاد في سبيل الله مصلحة عامة للبشرية كلها؛ لما تضمنته أحكام الإسلام من العدل والإحسان.

وأما هداية قلوب أفراد الناس فهذه لا يملكها إلا الله ولذا نهى عن إكراه آحاد الناس على الإيمان وليس هو في مقدور البشر, لكن ذاك لا ينافي بيان الحق ودحض الباطل, ومن أصر على دينه فله دينه ويرجع ضرره عليه دون غيره.

فحرية المعتقد أمر كوني وليس مطلبا شرعيا [ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا], وإنما الأمر الشرعي عدم إكراه الناس في الدخول في الإسلام, لكن هذا لا يعني المساواة بين الأديان وعدم إبطالها.

وفي المناداة بمطلق التعايش السلمي إذابة لما يقوم في نفوس أهل الإسلام من تعظيم الكفر واستبشاعه؛ لكونه مناقضا للتوحيد من كل وجه؛ مما نتج عنها الرضا بالسلم المطلق معهم والتطبيع, ويصبح ذلك غير مستنكر في النفوس والطباع.

ونتج عنه التساهل في الترحم على البعض الكفار ووصفهم بالشهادة, والصلاة عليهم...

ولما كان التعايش السلمي مع الديانات الأخرى قائما على تأخير ضروري الدين على غيره وجدنا من يخرج وينادي بأن ضروري الدين آخر الضرورات مراعاة, متغافلين عما قررته الشريعة في جزئياتها من تقديم ضروري الدين على غيره مما يساويه في الرتبة أو يعلو عليه, والشارع إنما أجرى أحكامه على ذلك, فإذا أخرنا ضروري الدين ترتب عليه إلغاء كثير من أحكام الشريعة.

وليس هذا فحسب بل وجدنا من يقدم الإنسانية على الدين.

ويجب التنبيه هنا: أنه لا منافاة بين الاعتزاز بدين الإسلام وإعمال أصل الولاء والبراء وبين عدم الاعتداء على أصحاب الديانات الأخرى؛ لأن دين الإسلام لم يضع الكفار كلهم في سلة واحدة, وإنما فرق بين المحارب والمعاهد والمستأمن وأعطى لكل واحد حكما, فرحمة الإسلام عامة تشمل المسلم والكافر, وكذا أمر بالعدل مع المسلم والكافر.

والإسلام يقيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم على العدل والإحسان, ومن مقتضى العدل: ظهور الإسلام على غيره؛ لأنه دين الله ولا يقبل الله دينا سواه, وحكمة الله وعدله يأبيان التسوية بين المختلفات, فمما ينافي العدل: المساواة بين الأديان.

فظهور الإسلام أمر محكم لا يصح التنازل عنه, وهو لا ينافي الإحسان مع من لم يعاد المسلمين, ولا ينافي الاستفادة من الكفار في الدنيا وحسن معاملتهم وإطعام جائعهم واللطف بهم وحفظ دمائهم وأعراضهم وأموالهم, ولا ينافي أيضا جدالهم بالتي هي أحسن.

فالتعايش مع أصحاب الأديان الأخرى يجب أن يقوم أولا على أساس الدين وظهور دين الإسلام, ولا يصح -بالنظر إلى كليلات الشريعة وجزئياتها-  أن يقام على الإنسانية والقيم الاجتماعية والأرض.

 

 

وفي الختام:

يجب عدم الخلط بين التعايش الذي يقوم على إظهار دين الإسلام والبراءة من الأديان الأخرى مع حسن معاملة من لم يقاتل المسلمين والعدل معه وعدم ظلمه والمصالحة معه والتعاون معه بما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين والاستفادة من علومهم الدنيوية

وبين التعايش الذي يقوم على مساواة الأديان وإلغاء الولاء والبراء, وتقديم الإنسانية والقيم والأرض على الدين.

وليس الحديث هنا عن فقه الأقليات.

 

وما أصلته هنا يستصحب أيضا في التعايش بين الفرق والطوائف المسلمة, فيجب أن يبنى هذا التعايش ابتداء على إظهار السنة التي يقابلها البدعة في الأصول متى ما قوي أهل السنة.

وهذا يقتضي بيانها والدفاع عنها وبيان ضلال ما يقابلها وانحراف أهلها؛ لأن حفظ الدين مقدم على حفظ غيره مما هو في رتبة واحدة من المسائل, ولا ينافي هذا التعاون فيما تقتضيه المصلحة الشرعية الراجحة وحسن المعاملة وعدم الظلم.

وينبه هنا أنه ينظر في واجب الوقت ما هو أرجح ونوع المصلحة ورتبتها, فليس كل ما راجحا بالمطلق يكون راجحا في كل وقت.

فعند وقوع اللبس والخلط في مسائل الدين يكون أعظم الجهاد بيانها ورفع اللبس عنها, وعندما يتم التلبيس على مسائل أصول الدين ولم يسع الوقت والجهد إلا لبيانها تكون هي واجب الوقت ولا يتكلم في بيان الفروع, وهكذا

إلا أن هناك خلطا بين ما تقتضيه العاطفة وما يريده الناس وبين ما تقتضيه الأصول الشرعية والنظر المقاصدي, فتجد من يحكم على من خالف العاطفة وما يريده الناس في بيئته بأنه يهتم بالفروع على حساب الأصول وبالعدو الداخلي على تغول العدو الخارجي, وهؤلاء  لا يملكون القدرة على الموازنة بين نوع المصالح ورتبها, ولهذا يخلطون...

بينما نجد أئمة السلف قد اعتنوا عند المعارضة وعدم الجمع بما هو أعظم مصلحة وأرجح, فكما ألفوا في بيان ضلال اليهود والنصارى ألفوا أيضا في الرد على الجهمية والقدرية والرافضة وغيرهم, بل من وجد من آحادهم من لم يعرف له رد على اليهود والنصارى وله ردود على الفرق الإسلامية.

 

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة- المرقب ليبيا

16-شوال-1443