الجمعة، 28 يوليو 2023

الكلام في النووي رحمه الله من بعض الشباب حرك في الباحثين بحث مناط التبديع, وهل ينطبق ذلك على النووي رحمه الله؟

الكلام في النووي رحمه الله من بعض الشباب حرك في الباحثين بحث مناط التبديع, وهل ينطبق ذلك على النووي رحمه الله؟

 

قد قرأت بعض المقالات التي أرسلها إلي بعض الإخوة, واستبعدوا فيها أن يكون مناط التبديع هو مجرد التأويل,

وقد أصابوا في ذلك, فمجرد التأويل ليس مناطا للتبديع؛ لأن التأويل يختلف حكمه بحسب مقدمات المؤول وأصوله, فالتأويل نتيجة لأصول, ولذا وقع فيه بعض الفضلاء, ولم يكن ذلك باعثا على تبديعهم, كوقوع ابن عبد البر في تأويل صفة الرضا؛ لأنه لم ينطلق من أصول كلامية...

فصح نفي أن يكون التأويل مناطا للتبديع.

إلا أن بعض الباحثين ذهبوا إلى أن مناط التبديع: اندثار آثار النبوة وانتشار البدعة!!

وهذا في الحقيقة من حيث التقعيد والنظر: ليس بمناط؛ لأن اندثار آثار النبوة وانتشار البدعة –إن صح- فهو مؤثر في تمام العلة, وليس هو علة بنفسه.

بمعنى: أن اندثار آثار النبوة وانتشار البدعة مانع يمنع من الحكم؛ لعدم تمام العلة, وليس مناطا يعلق عليه الحكم.

لكن هل هذا المانع يمنع من إطلاق التبديع على المعين أو هو يمنع من أحكام أخرى غير التبديع؟

وجوابه: أن هذا المانع لا يمنع من إطلاق التبديع وليس هو من تمام العلة فيمن لا يحتج بالسنة أصلا, وإنما هو مانع يمنع من نفي مغفرة الله...

فانتشار مذهب الرافضة في وقت أو مكان لم يمنع السلف من إطلاق التبديع على كل رافضي, وكذلك لما انتشر مذهب الجهمية لم يمنع السلف من إطلاق التبديع على كل جهمي, وهكذا...

فلم يكن هذا المانع معتبرا في إطلاق التبديع؛ مما يدل على أنه ليس مناطا يدور الحكم عليه وجودا وعدما.

وإنما اعتبر السلف هذا المانع في مسألة المغفرة أو التأثيم أو عدم قبول روايته..., لا في إطلاق التبديع, كما قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (13/ 65): (...فلما طال الزمان خفي على كثير من الناس ما كان ظاهرا لهم ودق على كثير من الناس ما كان جليا لهم فكثر من المتأخرين مخالفة الكتاب والسنة ما لم يكن مثل هذا في السلف. وإن كانوا مع هذا مجتهدين معذورين يغفر الله لهم خطاياهم ويثيبهم على اجتهادهم. وقد يكون لهم من الحسنات ما يكون للعامل منهم أجر خمسين رجلا يعملها في ذلك الزمان)

فاشتباه الأمر وخفاؤه ليس مناطا لعدم التبديع لمن تحقق فيه مناط التبديع, وإن كان معتبرا في مسألة المغفرة والعفو ونفي التأثيم...

وليس من مناط التبديع: ظن المعين أن ما عليه الطائفة باطل, ولو اعتبرنا ظنه لخطأنا السلف في جملة ممن بدعوهم, وانتفى التبديع على كل من ظن أنه موافق للسلف!!.

وأما تصوير أن المناط هو اتباع الهوى, فهذا أمر بعيد؛ لعدم انضباطه في المعين ولخفائه, ولذا لم يعلق السلف التبديع عليه.

 

قد يسأل سائل: ما مناط تبديع المعين؟

قيل: يجب أن يكون المناط متعلقا بأصل السنة واعتبارها في الاحتجاج؛ لأن البدعة في مقابل السنة, فيكون من ألغى السنة في الاحتجاج بها ولو في باب واحد من أبواب الدين انتفى فيه اسم السني؛ لأن السنى من احتج بالسنة واعتبرها حجة في جميع الأبواب, ويقابله اسم البدعي أو المبتدع وهو الذي لا يحتج بالسنة ولا يجعلها مصدرا في تلقيه.

فيكون مناط تبديع المعين –ابتداء- ومن غير اشتراط إقامة الحجة, هو: المخالفة في مصدر التلقي بحيث يكون منهجا متبعا له سائرا عليه.

 

وليس مجرد الانتساب لطائفة مبتدعة يكون موجبا لتبديعه إذا تخلف في المعين مناط التبديع, ولذا كانت المنتسب للأشعري بعد كتابه الإبانة من غير أن تظهر له مقالة تخالف ما قرره الأشعري في هذا الكتاب سنيا؛ لظهور اعتبار الاحتجاج بالكتاب والسنة في هذا الكتاب, وعدم مناقضتهما بالعقل الكلامي, وتقديمه عليهما.

فالنظر يكون لمناط التبديع لا للانتساب إلى الطائفة المبتدعة؛ إذ يتصور الانتساب إليها بجهل.

 كما لا يكفي الرجل أن ينتسب لأهل السنة حتى يسلم من تبديعه, وإنما العبرة بالمناط لا بالانتساب.

 

فإن قيل: هل تحقق مناط #التبديع في #النووي؟


 لو نظرنا في كتب النووي لوجدنا أنه لم يكن محققا لأقوال المتكلمين, ولا سائرا على نظم واحد, ولا انتظمت له أصول المتكلمين, ولذا تجده يأخذ تارة بمذهب أهل الحديث ويأخذ تارة أخرى بمذاهب المتكلمين.

مع وقوعه في شيء من مناقضة الكتاب والسنة, والتعبير بألفاظ مجملة؛ تأثرا بالمتكلمين وتقليدا لهم.

فسلامة منهجه الاستدلالي -في الجملة- من جهة تعظيمه النص الشرعي, واعتباره في الاحتجاج -في الجملة-, مع ما عرف عنه من نصرة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهوده في خدمتها, وعدم انتظام أصول المتكلمين عنده ولا اطرادها ولا تحقيق القول فيها: شفع له من إطلاق التبديع عليه, ولذا نجد العلماء لا يطلقون عليه التبديع, وإنما يذكرون أخطاءه, فهذه الحسنات منه, وما غمر أخطاءه من الاتباع كان مانعا من إطلاق التبديع.


ونكتة المسألة: أن من سَلِم له تعظيم النص الشرعي والاستدلال به, ثم وقع في تأويل لم يكن منطلقه فيه رد النص الشرعي, وإنما أحسن الظن بالمتكلمين، وظن أنهم حققوا المقالة فقال بقولهم؛ لم يبدَّع إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشيهة, فضلا عن أن يكفر.

فالمعروفون بالخير والدفاع عن السنة لا يبدعون لمجرد وقوعهم في التأويل وموافقتهم لبعض مسائل المتكلمين.


وعدمُ إطلاق التبديع لا يمنع من بيان أخطائه وما خالف فيه السنة وتأثر فيه بأهل الكلام, 


وليس هو هروبا من وصفه بالأشعرية؛ لأن انتصاره للسنة واعتبار الاحتجاج بهما وعدم جعل منهج المتكلمين قانونا مطردا بسير عليه, ولا التزم به, هو: الذي منع من وصفه بالأشعرية التي استقر عليها أصحابها المتأخرون, وإلا وصفه بالأشعرية أو عدم وصفه لا يغير من الحق شيئا, فالحق حق قال به النووي أو لم يقل به.


فإن قيل: ما تقولون فيمن تعدى التبديع إلى التكفير؛ استنادا على النصوص المطلقة من أئمة السلف في تكفير منكر العلو والرؤية؟


قيل: القول بهذه المسائل لا يوجب تكفير المعين إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة, فألفاظ العموم من السلف محكومة بأصول الشريعة في تنزيل الأحكام على المعينين, فالشريعة راعت في تنزيل الأحكام على المعينين توفر الشروط وانتفاء الموانع, فالأحكام المطلقة لا تنزل على المعين إلا بشرطها, وهذا الشرط مستقر العلم به في نفوس الأئمة وهو من ضروري الشرع, ولذا لا يذكرونه في كل إطلاق.

قال أبو بكر بن أبي عاصم رحمه الله: ( سألتَ عن السنة ما هي؟ والسنة اسم جامع لمعان كثيرة في الأحكام وغير ذلك, ومما اتفق أهل العلم على أن نسبوه إلى السنة القول: بإثبات القدر وإن الاستطاعة مع الفعل للفعل والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وكل طاعة مع مطيع فبتوفيق الله له وكل معصية من عاص فبخذلان الله السابق منه وله والسعيد من سبقت له السعادة والشقي من سبقت له الشقاوة والأشياء غير خارجة من مشيئة الله وإرادته وأفعال العباد من الخير والشر فعل لهم خلق لخالقهم والقرآن كلام الله تبارك وتعالى تلكم الله به ليس بمخلوق ومن قال مخلوق ممن قامت عليه الحجة فكافر بالله العظيم ومن قال من قبل أن تقوم عليه الحجة فلا شيء عليه) السنة لابن أبي عاصم ومعها ظلال الجنة للألباني (2/ 645)

وانظرمجموع الفتاوى (12/ 488): (الإمام أحمد وعامة الأئمة: الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه. ...)


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة



الخميس، 27 يوليو 2023

من أسباب ذم الأشاعرة استعمالهم علم الكلام

 #علم_الكلام

من أسباب ذم #الأشاعرة وتضليل معتقدهم: استعمالهم: علم الكلام، إن لم يكن هو السبب الأعظم، والذي تفرعت عنه معتقداتهم، والتزموا لأجله ما يصادم الشرع، وتآلفوا بسببه مع الفلاسفة والجهمية والمعتزلة في أصول الاستدلال مع اختلاف في التزام لوازمها...

 

وهو من الأدلة التي منع الإمام مالك الاستدلال بها في العقيدة، ومع ذلك خالفه بعض من ينتسب لمذهبه الفقهي!!

عن عبد الرحمن بن مهدي يقول: دخلت على مالك وعنده رجل يسأله عن القرآن, فقال: (لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد, لعن الله عمرا؛ فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام, ولوكان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع ولكنه باطل يدل على باطل))( )


وقد ذم أئمة السلف علم الكلام لذاته وبدعوا أهله, وهو محل إجماع, ولم يذموه سدا للذريعة أو لكون طائفة معينة استعملته في غير محله؛ قال ابن عبد البر: (أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يعدون عند الجميع في طبقات الفقهاء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم)( ) 


ولم يقف الاحتجاج بعلم الكلام على مناظرة الفلاسفة كما يريد أن يروج له بعض أصحابه, بل تعدى ذلك إلى جعله قانونا وقاعدة يجب السير عليها في تأسيس العقائد والبرهنة عليها, وأن اليقين لا يستفاد إلا منها, ورتبوا عليه أن من قلد في إثبات الصانع ولم يسر على هذا القانون ومات أنه يموت كافرا أو عاصيا على أقوال ذكروها

مع ضعف كثير من العقليات فيه وكثرة مقدماتها...


ولابد من التنبيه هنا على أن الذم لعلم الكلام بإطلاق: لا يلزم منه ذم كل دليل عقلي تضمنه علم الكلام, كما أنه لا يلزم من ذم علم الكلام ذم استعمال الأدلة العقلية الصحيحة في باب الاعتقاد والتي لا تصادم الشرع.


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الثلاثاء، 25 يوليو 2023

هل يصح السؤال ب(أين الله؟)

 #الجهمية 


هل يصح السؤال ب(أين الله؟) 


نعم يصح بلا أدنى شك؛ لأن الذي سأله هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سأل الجارية بقوله أين الله؟ فأجابت في السماء...

وهي عربية تعرف ما تقول، فكل ما علاك فهو سماء، فمعنى قولها في السماء في العلو

وعلوه جل وعلا علو ذات وقدر وشرف. 


ولم يخطر في بال سليمي الفطرة أن المراد بالسماء: السماء المخلوقة وأنها تحيط به وتحويه، وليس هو الظاهر من لغة العرب... 


وينكر هذا السؤال: #الجهمية ومن وافق أصولهم.. 


[قال ابن المبارك: «لا نقول كما قالت الجهمية إنه في الأرض ههنا، بل على العرش استوى» ، وقيل له: كيف تعرف ربنا؟ قال: «#فوق سماواته على عرشه. 


وقال سعيد بن عامر: " الجهمية أشر قولا من اليهود والنصارى، قد اجتمعت اليهود والنصارى، وأهل الأديان أن الله تبارك وتعالى

#على_العرش، وقالوا هم: ليس على العرش شيء "] 


ولا يجوز بحال النزاع في صحة السؤال؛ لأنه يلزم منه أن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم ينطق بما لا يجوز أو بما يوهم معنى فاسدا، أو بما ينافي كمال الله !! 


هذا لم يجوزه في النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل الكلام كالجهمية والمعتزلة ومتأخري الأشاعرة.. 


[ولأجل هذا وغيره حذرناكم من أهل الكلام...

والغريب أن الإمام مالكا عند كلامه عن أهل البدع لما قيل له: يا أبا عبد الله! وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون. 


فالصحابة لم يستعملوا دليل الأعراض ولا كانوا يعرفونه، ولا فهموا النصوص الشرعية على ضوئه ... 


ولو فرضنا جدلا أنهم أولوا بعض الصفات -وهذا ينفيه الإمام مالك-، فلم يعتمدوا في التأويل على أصول فلسفية ولا نفوا الظاهر لأجلها...

ويجيك ملخبط مش فاهم يقول لك: أصل التأويل مأخوذ من الصحابة

أي تأويل؟!! أتقصد التاويل المبني على الاصول الفسلفية التي اوجبت صرف النصوص الشرعية عن ظاهرها؟!] 


طيب لماذا الجهمية والمعتزلة ومتأخرو الأشاعرة ينكرون السؤال ب #أين_الله؟ 


هنا تأكيد لما تكلمنا عليه سابقا من تطويع الشرع حتى يوافق أصولهم الكلامية الفلسفية!! 


لما استعملوا  أصولا أصلها فلسفي (دليل الأعراض وحدوث الأجسام...) 


ورأوا أن هذه الأصول يعارضها القرآن والسنة، قالوا: ليس عندنا حل إلا الطعن في دلالة النصوص الشرعية ولي أعناقها حتى توافق الأصول الفلسفية.. 


قالوا صح إن ظاهر القرآن والسنة يفيد علو الذات لله سبحانه

لكن ما يمكن أن نقبل هذا ولا يمكن أن يكون هذا هدى وإن قاله الله!!

لماذا؟

لأنه يعارض الأصول العقلية الفلسفية

فلابد أن نحمل كلام الله على علو الشرف والمكانة وأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الجارية عن علو المكانة... 


(رأيتم من أين ينطلقون في فهم الشرع) 


وهذا الحصر لم يخطر في بال النبي صلى الله عليه وسلم ولا في بال الجارية ولا في بال أحد من الصحابة... 


وهنا سؤال: أين أسفل الأرض؟

الجواب: مركز الأرض، فكل جهة في الأرض هي علو، ولذا من كان في جهة من الأرض كان ما فوق رأسه علو، ومن كان في الجهة الأخرى من الأرض كان ما فوق رأسه هو العلو، وترى كل واحد منهما يجد ضرورة فطرية عند طلبه أن يتوجه إلى الجهة التي فوق رأسه..


طيب تعالوا يا أشاعرة (أعني متأخريهم)

وين ربكم؟

قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا متصل ولا منفصل ...

معاش عرفنا أيعبدون موجودا أو معدوما؟!! 


المهم

تبين لنا بوضوح صحة السؤال ب أين الله؟

لكن هل يلزم من صحة السؤال اختبار الناس به من غير حاجة وتحقيق مصلحة راجحة؟

الجواب: لا 


هل نعلم أطفالنا هذا السؤال ونحرك فيهم فطرتهم ونكملها بالنصوص الشرعية التي أجابت عن هذا السؤال؟

الجواب: نعم. 


https://t.me/dr_alnjar/2398 


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار 

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة

الأحد، 23 يوليو 2023

الجمع بين العقل والنقل عند متأخري الأشاعرة

 هل صحيح أن متأخري #الأشاعرة يقدمون النقل على العقل, وأن مذهبهم قائم على الجمع بين المنقول والمعقول, وأنهم إنما قدموا العقل في الاستدلال على وجود الله وصفاته لأنه لا يتصور إقناع شخص بوجود الله إلا بالعقل خصوصا مع من ينكر صدق الشرع ؟


ينقض ما ذكر في السؤال واقع كتبهم ومصنفاتهم التي قامت على أساس التعارض بين الكتاب والسنة والدلائل الكلامية

فإذا كان مذهبهم r] قام على مبدأ التعارض بين الشرع والعقل  فما حقيقة الجمع بين العقل والنقل؟


حقيقة الجمع هي إخضاع الشرع لدلائل العقل الكلامية بحيث إنه لما كان الشرع أضعف دلالة من العقل تسلط التأويل على الشرع, فحقيقة مذهبهم ليس جمعا بين النقل والنقل, وإنما حقيقة مذهبهم تطويع الشرع لموافقة العقل الذي هو الأصول الكلامية.


وليتها كانت أصولا صحيحة في نفسها مأخوذة من الشرع, فدليل الأعراض ودليل التركيب ودليل الاختصاص ليست أصولا مستمدة من الشرع وإنما استدمت من عقول الفلاسفة, وهي كثيرة المقدمات ولا تخلو مقدمة من اعتراضات فمن أين اكتسبت اليقين؟


والأعظم من هذا أنهم نفوا أن يلتمس الهدى من القرآن في إثبات الصانع وصفاته وإثبات النبوة, فليست القضية عندهم في إقامة الحجة على من لا يقر بالصانع ابتداء, وإنما القضية عندهم أن القرآن لا يهدي إلى إثبات الصانع أصلا, وكل ما جاء في القرآن من آيات تدل على الصانع وصفاته فهي محكومة بالدليل العقلي, ولا تفهم إلا على ضوئه.

قال الرازي في التفسير: (كل ما يتوقف صحة كون القرآن حجة على صحته لم يكن القرآن هدى فيه، فإذن استحال كون القرآن هدى في معرفة ذات الله تعالى وصفاته، وفي معرفة النبوة، ولا شك أن هذه المطالب أشرف المطالب، فإذا لم يكن القرآن هدى فيها فكيف جعله الله تعالى هدى على الإطلاق؟.

الجواب: ليس من شرط كونه هدى أن يكون هدى في كل شيء، بل يكفي فيه أن يكون هدى في بعض الأشياء، وذلك بأن يكون هدى في تعريف الشرائع، أو يكون هدى في تأكيد ما في العقول، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن المطلق لا يقتضي العموم...)


والكلام يطووول

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الثلاثاء، 18 يوليو 2023

حكم الاحتفال برأس السنة الهجرية

حكم الاحتفال برأس السنة الهجرية والتهنئة 


[الملخص لا يجوز؛ لكونه إحداثا في الدين،  

طيب ولو كان إحداثا ما الإشكال؟

قيل: ان ترى أنك خُصصت بشيء تزداد به من الخير لم يرشدك إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فهل كتم عنك شيئا من الخير لم يبلغه؟

حاشاه صلوات ربي وسلامه عليه

المسألة مش سهلة بهذا النظر] 


تأصيل المسألة:

الباب الذي يعود إليه الاحتفال براس السنة الهجرية باب تشريع؛ لأنه تخصيص زمن بتعظيم، وكانت الأعمال فيه مقصودة، وتتكرر بتكرر السنة...

وليس الباب باب عادات محضة...


وأصل الشريعة في باب التشريع هو التضييق والمنع..

فإذا لم يرد في المسألة دليل خاص فإنها تمنع؛ لأن الأصل في هذا الباب التوقيف. 


فكما تلاحظون بدأنا بإرجاع المسألة إلى بابها مع بيان وجه ذلك...

ثم أخذنا أصل الباب ومقصود الشارع فيه من  المنصوص..

حتى وصلنا إلى حكم المسألة وهو المنع؛ لكونها محدثة في الدين. 


فإن قلت أنا أجعل الاحتفال والتهنئة وسيلة للطاعة والتذكير بالاستغفار والتوبة. 


قيل: لما كان أصل الشارع في الباب التضييق ومنع الإحداث

شُدد في وسائله؛ لمصادمتها الأصل، فلا يكون المقصد الشريف سببا لتجويز الوسيلة التي تصادم أصل الباب. 

وانتبهوا لقولي تصادم أصل الباب


وهنا يصح لنا أن نُعمل قاعدة الترك، فنستدل بترك الصحابة الاحتفال والتهنئة مع وجود المقتضي ولا مانع على المنع.


مع ما في الاحتفال من التشبه... 


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 14 يوليو 2023

شبهة أن أكثر علماء المسلمين هم #الأشاعرة

[هل العبرة في تصحيح المذاهب العقدية بالبرهان والدليل أو بالكثرة والقلة؟]

من أعظم الشبه التي يستمسك بها من يصحح عقيدة الأشاعرة أو يسوغ الخلاف معها هي
أن كثيرا من شراح الأحاديث والمفسرين ومن اعتنى بالمذاهب الفقهية الأربعة: أشاعرة
حتى بالغ بعضهم فقال جميع الشراح وأكثر العلماء...

[يعني واحد دخل إلى مدرسة فيها أربعة عشر فصلا فدخل إلى ثلاثة فصول منها فوجد أن أغلب من فيها من الجنسية المغربية
فجاء وقال المدرسة أكثر طلابها مغاربة !!
أو وجد أن أكثر الناجحين في الفصلين هم المغاربة
فقال أكثر الناجحين في المدرسة كلها المغاربة!!
قال وهذا يدل على أن طريقة المغاربة أحسن وأضبط؛ لأن أكثر من في المدرسة مغاربة أو أكثر الناجحين فيها مغاربة...
فكانت حجته في الأحسن والأضبط هي الكثرة
مع أن بقية الفصول أغلب من فيها من ليبيا مثلا وأكثر الناجحين فيها من ليبيا
ومجموع المغاربة في كل الفصول بالنسبة إلى مجموع الليبين لا تذكر لقلتها [حتى في الكثرة لم يستعمل طريقة صحيحة]
وسواء قلنا إن المغاربة أكثر أو الليبين أكثر فهذا لا يدل وحده على حسن الطريقة، ويرد عليهم النجاح بطريقة الغش أو بطريقة فيها طول وتعقيد...]
مثال تقريبي فقط

والجواب العلمي:

لا يشك منصف مطلع على الأدلة ومشاهد للواقع وقارئ للتاريخ أن الكثرة في نفسها ليست معيارا للحق وصواب المعتقد
فكم نسبة المسلمين إلى غيرهم من الكفا ر؟!!
والنبي صلى الله عليه وسلم جعل علامة الحق قلة أهله لا كثرتهم [لا تزال طائفة من أمتي على الحق]

وحتى ابن عساكر يقول في كتابه تبيين كذب المفتري :(فإن قيل: إن الجم الغفير في سائر الأزمان وأكثر العامة في جميع البلدان لا يقتدون بالأشعري ولا يقلدونه، ولا يرون مذهبه، وهم السواد الأعظم، وسبيلهم السبيل الأقوم
قيل لَا عِبْرَة بِكَثْرَة الْعَوام وَلَا الْتِفَات إِلَى الْجُهَّال الغتام..)

ولذا توجهت أنظار المستمسكين بهذه الشبهة إلى تقييد الكثرة بأهل العلم والمشتغلين بعلوم الشريعة، ولسان حالهم يقول: كيف لأخص الناس وهم المشتغلون بأشرف العلوم -وهي العلوم الشرعية-أن يضلوا في باب العقيدة وهم كُثُر؟!

وهنا يرد عليهم سؤال: هل الأشاعرة كانوا أكثر علماء الأمة في جميع القرون من قرن الصحابة إلى يومنا هذا أو كانوا أكثر في بعض القرون دون بعض؟
وإذا كانوا أكثر في بعض القرون دون بعض فما سبب كثرتهم؟

وجواب هذا السؤال ينبني على معرفة سبب انتشار المذهب الاشعري حتى اعتنقه من اعتنقه من أهل العلم..

انتشرت العفيدة الأشعرية في أواخر القرن الخامس وبداية القرن السادس باعتناق بعض الملوك ووزارئهم لها (قوة الحاكم وسلطانه)
قال ابن عساكر:(...وولي ابنه آلب أرسلان، واستوزر الوزير الكامل والصّدر العالم العادل أبا علي الحسن بن علي بن إسحاق، فأعزّ أهل السنة(يعني لأشاعرة؛ لانه أشعري) وقمع أهل النفاق، وأمر بإسقاط ذكرهم من السبّ وإفراد من عداهم باللعن والثلب، واسترجع من خرج منهم إلى وطنه، واستقدمه مكرَّما بعد بعده وظعنه، وبنى لهم المساجد والمدارس، وعقد لهم الحلق والمجالس، وبنى لهم الجامع المنيعي في أيام ولد ذلك السلطان)
وقد كان لأبي ذر الهروي أثر كبير في نشره في الحجاز وفي دول المغرب والاندلس
وقد أقام بمكة وكان يأتيه الطلاب في الحج والعمرة يأخذون عنه، وممن أخذ عنه أبو الوليد الباجي وابن العربي...
ولم يكن تأثيرهم عاما في بلاد المغرب، وإنما فرضه بعد ذلك ابن تومرت بقوة السلاح بعد دولة المرابطين
وكذا انتشر بالقوة في مصر على يد الدولة الأيوبية ...

فكما تلاحظون أن تبني الدول لها ساهم في نشره، كما أن بناء المدارس الرسمية وإسناد التدريس فيها للأشاعرة وتولية أصحاب هذا المذهب القضاء من القرن السادس تقريبا
كان له أثر في تنشئة كثير من أهل العلم عليه، فالبيئة مؤثرة، وحماية الدولة له ساهم في انتشاره حتى نشأ عليه كثير من شراح الحديث والمفسرين ووو بعد القرن الرابع
خصوصا إذا استحضرنا الجمود قي هذه القرون والتقليد...
وبهذا يظهر الجواب على من يقول كيف لعالم فاضل أن يعتقد اعتقادا باطلا؟
أضف إلى ما تقدم أن الله لم يعصم آحاد العلماء أن يقعوا في باطل ولو كان في العقيدة
وكم من عالم شهد العلماء له بتبحره في باب من أبواب الشريعة وهو على اعتقاد فاسد كأن يكون على معتقد المعتزلة أو أخطأ في مسألة عقدية أصلية!!...
ولا يخفى عليكم حماد بن سليمان وأبو حنيفة والطحاوي ووو

إذا تقرر هذا تقرر معه أنه لا حجة فيما نشأ عليه أهل العلم بعد القرن السادس بحماية الدولة وقوتها وإن اعتنوا بالحديث والتفسير وشتى أنواع العلوم الشرعية...
لأنه قد عرف سبب اعتناء هذا الكم من الشراح والمفسرين وغيرهم بالعقيدة الأشعرية. مع ظهور التقليد والجمود..
ولو كانت هذه الأسباب موجبة لتصحيح المذاهب العقدية
لتغير الاعتقاد الصحيح بتغير كثرة من يعتنقه في كل عصر من العصور...
ففي عصر غلبة علماء المعتزلة وكثرتهم يكون الاعتقاد الصحيح اعتقاد المعتزلة، وفي عصر غلبة علماء الرافضة وو!!

وهذا لا يقول به من يدري ما يقول...

ولذا كانت العبرة في تصحيح المعتقد بما اعتنقه الصحابة ومن سار على نهجهم من التابعين وتابعي التابعين، فهي القرون التي مدح النبي صلى الله عليه وسلم أهلها، وعصم الصحابة بجملتهم من الوقوع في الضلالة..

فكان الاستدلال بكثرة من اعتنق الأشعرية في القرون المتأخرة غلطا لأمور:
الأول: أن العبرة في تصحيح العقائد بالنظر إلى دلالة الأدلة الشرعية وما كان عليه الإجماع الأول.
الثاني: أن العقائد التي انتشرت بقوة السلاح ونشوء الصغير عليها بعد استقرارها لا يدل على صحتها؛ لقوة تأثير البيئة عليهم، وتغير البيئة بتغير القوة الحاكمة.
الثالث: ان القرون التي أثنى عليها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هي التي ينظر إليها وتكون محل اعتبار في صحة المعتقد
ولا يتصور ممن أثنى الله عليهم أن يعتقدوا في جملتهم خلاف الحق، بخلاف من جاء بعدهم فيتصور من أكثرهم أن يعتقدوا اعتقادا خاطئا؛ لأن الله لم يعصمهم، ولم يمدح الكثرة بل لم يثن الله إلا على القلة بعد القرون الثلاثة [لا تزال طائفة من أمتي على الحق ...]
الرابع: لو نظرنا إلى العلماء في جميع القرون لوجدنا أن نسبة الأشاعرة فيهم قليلة...

فتبين لنا بوضوح أن العبرة في العقائد بدلالة الأدلة الشرعية وما كان عليه أهل القرون الثلاثة وأخصهم قرن الصحابة
وليست العبرة بكثرة من اعتنق معتقد ما بعد القرون الثلاثة...
كيف وهم(الأشاعرة) ليسوا أكثر علماء الأمة ولا أعظمهم اجتهادا وإتقانا؟!!

وأما اشتغالهم بنصرة الدين في جانب من الجوانب وأن منهم مجاهدين نصروا الإسلام فإن هذا لا يدل بحال على صحة معتقدهم، فليس من لازم نصرة دين الله أن يكون على اعتقاد صحيح او وليا لله...
ومن أثبت التلازم فقد جهل دلالة النصوص والواقع التاريخي...

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار

الاثنين، 10 يوليو 2023

ما وجه تعذر المجاز المعتزلي في باب صفات الله؟

 ما وجه تعذر المجاز المعتزلي في باب صفات الله؟ 


بعد ما بينا حقيقة المجاز المعتزلي وماهيته في منشور سابق، وخلصنا إلى أنه قائم على معيار الدليل العقلي الكلامي، فالموجب لصرف اللفظ عن ظاهره القرينة العقلية

امتنع استعماله في باب الصفات؛ لامتناع أن يجعل العقل الكلامي معيارا لما يجوز ويجب ويستحيل في حق الله؛ لأن الله غيب ولا مدخل لمطلق العقل المجرد فضلا عن العقل الفلسفي فيما كان غيبا؛ لعدم وجود نظير له في المشاهد.

ويتضح من هذا أن المجاز المعتزلي لا يخرج عن استعمال العقل في الغيبيات...

وليس هو بحثا لغويا محضا. 


فمثلا في قوله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا...

قالوا هناك حذف، واللغة تجوز الحذف

قيل لهم: من أين لكم أن فيه حذفا مع أن القرائن اللفظية والسياقية تدل على عدم الحذف كقوله من يدعوني فاستجيب له ...؟

قالوا: القرينة العقلية الصارفة والتي تمنع من إضافة النزول إليه؛ لأنه من صفات الأجسام والدليل العقلي-دليل الأعراض وحدوث الاجسام- يمنع من إضافة هذه الصفات إليه...

قيل: رجع الأمر إلى الدليل الكلامي لا إلى دلالة اللغة وما هو من ضروريها

فأنتم نفيتم دلالة السياق والقرائن المتصلة التي هي لغوية محضة

وقدمتم عليها الدلالة العقلية الفلسفية، وجعلتم وجود الحذف في اللغة سلما لنفي دلالة آيات الصفات..

ونحن ننازعكم في أن الظاهر غير مراد، بل هو مراد لله ويقتضي الكمال من كل وجه

وبحث ذلك في الدرس العقدي.. 


فتبين لنا أن المجاز العتزلي ليس بحثا لغويا محضا، وإنما هو بحث عقلي؛ لكون المعيار عندهم عقليا... 


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الأحد، 2 يوليو 2023

ما ثبت على خلاف القياس هل يقاس عليه؟

ما ثبت على خلاف القياس هل يقاس عليه؟ أو المستثنى من أصل محكم هل يصح القياس عليه؟ 


هذه المسألة معروفة عند الأصوليين، ولهم فيها -في الجملة- قولان:

قول بعدم جواز القياس على المستثنى من الأصل، وذهب إليه أكثر الأحناف.

وقول بجواز القياس عليه إذا ظهرت علته وانضبطت وأمكن تعديتها، وذهب إليه الجمهور .


فعندما يقوم إمام أو عالم بجمع نصوص الباب والنظر في عمومها وخصوصها وإطلاقها وتقييدها ومنطوقها ومفهومها وناسخها ومنسوخها، ثم يستخرج من ذلك قاعدة شرعية في الباب أو أصلا يعود إليه الباب

ثم يأتي نص على خلاف الأصل بأن يخرج المسألة عن نظائرها في الباب

فهذا الذي يقال فيه على خلاف القياس(مع التجوز في التعبير) أو مستثنى من أصل..


ويتجاذبه أمران: 

الأول: أصل الباب أو الحكم الكلي لمسائل الباب.

الثاني: الدليل الخاص الذي استوجب خروج الفعل عن الحكم الكلي

كبيع العرايا... 

فبيع العرايا الأصل الذي يرجع إليه أنه ربا

لكنه استثني بنص خاص فجوزه...


والمقرر عند الأئمة أن المسألة لا تخرج عن نظائرها إلا لمرجح خاص ويسميه الأحناف الاستحسان، وهو نوع منه..

ويجب أن يكون الدليل الذي يصح إخراج المسالة به عن بابها: خاصا يقوى على رفع الأصل، أما إذا ضعف عن رفع الأصل فإنه لا يكون موجبا لإخراج المسألة عن أصلها...

ومنه الاحتمال في النص فإنه لا يقوى لرفع الأصل.. 


والذي عليه المحققون أن المسألة التي خرجت عن نظائرها يجب أن يكون لها معنى مختص أوجب الخروج بها عن نظائرها المتشابهة معها في الصورة، وليست هي مطابقة لمسائل الباب الأخرى من كل وجه..


ولذا أصبحت أصلا بنفسها يصح القياس عليها إذا كان لها نظير وتوفرت فيها شروط القياس ولا دليل يقتضي تخصيصها بالحكم دون غيرها ... 


والأقرب من قولي الأصوليين هو صحة القياس عليها؛ لأن مدار القياس على ظهور العلة وإمكان تعديتها، وهي هنا كذلك.. 


وهذا يجعلنا في باب البدع المتعلقة بالتشريع نُسَوِّر المسألة التي خرجت عن نظاهرها بحيث يحدد الحكم الذي خرجت فيه عن أصل الباب، فيقتصر الاستثناء عليه؛ لقوة دليله وعدم احتماليته

وما عداه من الأحكام فيجب أن توافق أصل الباب.


ولا يصح رفع الأصل باحتمال وارد في النص

ولو فتحنا باب الاحتمال؛ لرفع الأصل لفُتح باب البدع على مصراعيه...


ولذا كان رفع الصوت بالتكبير  في عيد الفطر عند أبي حنيفة بدعة؛ لأنه على خلاف الأصل عنده، ويرى أن ورود الأثر بالجهر بالتكبير في عيد الأضحى لا يقوى على رفع الأصل. 

وإن كان الراجح خلاف ما ذكره أبو حنيفة في المسألة لا في التأصيل... 


وهنا يرد سؤال وهو هل يستحب الجهر بالتكبير والتسبيح دبر الصلوات الخمس في غير عيد الأضحى؟


هذه من المسائل التي حصل فيها خلاف بين الأئمة

فاستحب الجهر بعض الحنفية واختاره ابن تيمية في غير التكبير وابن عثيمين

واستندوا على  ما ثبت في الصحيحين عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رفعَ الصَّوتِ بالذِّكرِ حينَ ينصرِفُ النَّاسُ مِن المكتوبةِ كان على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم))، 

قال ابنُ عبَّاسٍ: ((كنتُ أعلَمُ إذا انصرَفوا بذلك إذا سمِعْتُه  ))،

وفي لفظٍ: ((ما كنَّا نعرِفُ انقضاءَ صلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا بالتَّكبيرِ  )

وذهب أكثر العلماء على أنه لا يشرع الجهر... 


وعلى قول أكثر أهل العلم ومقتضى أدلتهم يكون رفع الصوت بالتكبير في عيد الأضحى مستثنى من الأصل

فرفع الصوت في أيام عيد الأضحى استثناه الدليل الخاص المنقول عن الصحابة.

وهذا الدليل خص تكبير أيام العيد عن نظائرها ب:

٢-رفع الصوت. 

٢-الاجتماع على الذكر .

٣-التكبير الجماعي.

فهذه الصورة المركبة لولا الدليل الخاص على تجويزها لكان حكمها أنها بدعة

وهي الصورة التي أنكرها ابن مسعود على أهل الحلق...


فالدليل الخاص في تكبير العيد قوي على رفع الأصل المحكم في هذه الأمور الثلاثة..

وبقي أمر رابع وهو تَقَصُّد أن يكون التكبير بصوت واحد على وتيرة واحدة، فهذا الأمر لم يقو الدليل الخاص المنقول عن الصحابة على تجويزه؛ لكونه ورد في الآثار محتملا 

فلم يقو على رفع الأصل الذي هو المنع من التكبير الجماعي بصوت واحد...

فهو وإن احتملته بعض الآثار المنقولة عن الصحابة إلا أن هذا الاحتمال مرفوع بأصل الشريعة في باب الذكر، فباستقراء مسائل باب الذكر وجدنا أنه لم يشرع فيه أن يكون الذكر بصوت واحد قصدا، حتى في التأمين وراء الإمام 

فلم يطلب الشارع تقصد أن يكون بصوت واحد على وتيرة واحدة، وإنما رتب الفضل على موافقة تأمين الملائكة وأمر أن يبتدأ المأموم تأمينه عقب ابتداء تأمين الإمام فيحصل الصوت الواحد ضرورة؛ للاتفاق في الابتداء

والأجر مرتب على موافقة تأمين الملائكة لا على أن يكون التأمين بصوت واحد... 


وليس هناك دليل خاص غير محتمل يوجب إخراج التكبير في العيد عن نظائره التي لا يشرع فيها أن تكون على صوت واحد 

ولا له معنى يختص اعتبرته الشريعة يوجب الخروج في هذه الجزئية-التكبير الجماعي بصوت واحد- عن بقية الباب

وهو غريب عن نظام الشريعة ليس له شاهد واقعي في منصوص الشريعة

كما أن في الخروج بالتكبير عن نظائره في هذه الجزئية مدخلا لبدع التشريع... 


وهذا يستوجب علينا فهم الآثار المنقولة على أصل الباب وقواعد التشريع، وأن نقطع الاحتمال الوارد بقواعد الشريعة الحاكمة والمفسرة.

وهذا ما فهمه الأئمة، وجرى عليه عمل المسلمين.. 


ولا يصح أن نجعل هذا من الخلاف السائغ، وإن كنا لا نرى الإنكار الشديد؛ لخفاء تأصيل المسألة على البعض.. 


وأما عدم ورود نص خاص يمنع التكبير بصوت واحد فهذا لا يقتضي تسويغ الخلاف فضلا عن تجويز الفعل؛ لأن قاعدة الشريعة وأصل الباب كافيان في المنع. 


وهذا من دقيق النظر الذي ينبغي أن نتنبه له عند تقرير المسائل...

والله أعلم 


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار


السبت، 1 يوليو 2023

تقصد التكبير الجماعي بصوت واحد على وتيرة واحدة

تقصد التكبير الجماعي بصوت واحد على وتيرة واحدة 


هذه الصورة يتفق الجميع على أنها زائدة على مجرد الجهر بالذكر وزائدة على الاجتماع على الذكر وزائدة على التكبير الجماعي

فلا يلزم بالضرورة في الاجتماع على الذكر والتكبير الجماعي وإظهار التكبير والجهر به أن يكون بصوت واحدة على وتيرة واحدة؛ إذ يتصور أن يجتمع الناس على الذكر وترتفع أصواتهم وكل واحد يذكر الله وحده بصوت عال ... 


لما كان قصد التكبير بصوت واحد على وتيرة واحدة زائدا على ما ذكرنا سابقا 

تطلب من المجوزين له أن يحتجوا بدليل خاص يدل على جوازه؛ حتى يثبتوا أنه مقصود لله يحبه، فهو وإن تناولته النصوص المطلقة لكن لا يكفي ذلك في إثبات كونه مقصودا لله يحبه

فاحتج بعضهم على جوازه ب

ما ورد في صحيح البخاري تعليقا

قال رحمه الله: "كان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيراً. وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد

ففهموا من تكبير أهل السوق بتكبير ابن عمر أنهم قصدوا أن يكون على صوت واحد وعلى وتيرة واحدة!! 


وهذا الفهم لم يراعَ فيه حال الصحابة في الذكر والهيئة التي كانوا عليها

فمع أن الأثر يحتمل إلا أنه ليس من الفقه في شيء أن نخرج في التكبير الجماعي في العيد عن نظائره ولا عن أصله

فإذا نظرنا إلى حال الصحابة في الذكر الجماعي وجدنا أنهم لا يتقصدون صورة الذكر بصوت واحد على وتيرة واحدة ولا كان ذلك معروفا عنهم

بل كان المعروف عنهم أن كل واحد يكبر وحده بصوت عال

وفي حديث أنس: (كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم المهلل ومنهم المكبر)

فيجب حمل الصورة المحتملة على المحكم من فعلهم، فيكون معنى يكبرون بتكبيره أي بسبب تكبيره من غير قصد أن يكون ذلك بصوت واحد وعلى وتيرة واحدة.

وكذلك إذا نظرنا إلى الأصل وجدنا أن تخصيص هيئة في الذكر تكون مقصودة للشارع تحتاج إلى دليل خاص وإلا كان ذلك من التشريع من دون الله [أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن الله] 


والخلاصة: عندما تثبت هيئة مخصوصة في الذكر كان معنى ذلك أنك تثبت أن هذه الهيئة مقصودة للشارع ويحبها الله 

وهذا قدر زائد على ما دلت عليه النصوص من الذكر المطلق

فالنصوص التي أطلقت الذكر وحثت عليه ليس فيها تخصيص هيئة تكون مقصودة للشارع ويحبها دون غيرها.


فهنا راعينا في المنع مقصود الشارع في التشريع ولم نخرج بالمسألة عن نظائرها ولا عن أصلها

فلا يأتي أحد ويقول ليس هناك نص خاص يمنع!!


فهذا غلط في الاحتجاج؛ لأنه لا يشترط في المنع ورود نص خاص بالمنع، فالشريعة تفهم جملة واحدة، ولابد من إعمال القواعد الشرعية الحاكمة لفهم النص الشرعي الجزئي، فضلا عن آثار السلف، فالآثار ليست أصولا بنفسها وإنما تفهم على ضوء قواعد الشريعة وأصول الأبواب ومقصد الشارع. 


وأما مفسدة التشويش في تكبير كل واحد بصوت عال فلم يلتفت إليها الشارع ولم ينظر إليها

فحتى وإن حصل تشويش فلا يشرع الذكر بصوت واحد على وتيرة واحدة تكون مقصودة للذاكر. 


فإن قيل: لابد أن يحصل اتحاد ولو بين اثنين.

قيل: هذه الصورة ليست منكرة ؛ لأن الاتحاد حصل اتفاقا، وليس مقصودا للذاكر، والذي ننكره هو تقصد الاتحاد الذي يلزم منه أن يكون مقصودا للشارع، وهو في الحقيقة غير مقصود له. 


وأنبه هنا أنه لما وجد الاحتمال في أثر ابن عمر في التكبير في العيد لم يصح الإنكار الشديد فيها.

والله أعلم 


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار