الخميس، 8 أغسطس 2019

حكم صوم يوم السبت



حكم صيام يوم السبت
ورد حديث ينهى عن صوم يوم السبت ولفظه: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم"
واختلف في صحته وضعفه: فقد ضعفه الزهري وقال: هذا حديث حمصي, وقال مالك: هذا كذب.
وقال أبو داود: هذا حديث منسوخ,
وصححه جماعة.
وسأتجاوز الكلام عنه حديثيا وإنما سأتكلم عنه فقهيا, فأقول: ظاهر الحديث النهي عن مطلق النفل؛ لاستثناء الفرض, واستثناء الفرض يدل على تناول النهي إلى كل ما عدا الفرض, فالاستثناء دليل العموم, وليس النهي خاصا بإفراده؛ لأنه لو كان النهي خاصا بإفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى فإنه لا إفراد فيه.
لكن بالنظر إلى الأحاديث الأخرى المعارضة له:
ومنها: حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة: «أصمت أمس؟ " قالت: لا، قال " أتريدين أن تصومي غدا؟
وحديث أبي هريرة: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة إلا بيوم قبله أو يوم  بعده»
ومنها: أنه كان يصوم شعبان وفيه يوم السبت.
فهذه الأحاديث مع المقصود من استثناء الفرض تقتضي أن يحمل حديث النهي - على التسليم بصحته- على قصد صيامه بعينه إلا في الفرض, فمعنى قوله: "لا تصوموا يوم السبب" أي قاصدين صيام يوم السبت؛ تعظيما له.
فاستثناء الفرض؛ لأجل زوال قصده, وهذا يدل على استثناء كل ما يزيل قصد هذا اليوم, فمن صامه فرضا إنما صام للفرض لا لكونه يوم السبت.
ومما يدخل في استثناء كل ما يزيل قصده:
1-صيام ذوات الأسباب كأن يأتي يوم عرفة أو عاشوراء يوم السبت.
فالصائم يوم عرفة صام لأجل السبب ولم يتطوع تطوعا مطلقا ولو لم يصمه لفاته مصلحة صومه.
ثم إن النهي كان لسد ذريعة مشابهة اليهود وصيام ذوات الأسباب إنما يصومها الصائم لأجل السبب ولا يفعلها مطلقا فتمتنع فيه المشابهة.
وهذا شأن كل ما حرم تحريم الوسائل فإنه يباح للمصلحة الراجحة.
2-أن يوافق عادة.
 فهو إنما صام لكونه وافق عادته لا لكونه يوم السبت.
أما صيامه مقرونا بغيره فهو داخل في عموم النهي إلا أن الأحاديث المتقدمة أخرجت هذه الصورة.
والخلاصة: أن عموم النهي خرج منه صور, والمخرِج منه ما هو متصل ومنه ما هو منفصل.
أما الصور التي خرجت بالمخرج المتصل وهو الاستثناء: فالفرض باللفظ, وما وافق عادة أو كان نفلا من ذوات الأسباب بالمعنى.
وأما الصورة التي خرجت بالمخرِج المنفصل وهو دليل مستقل أن يقرن بيوم قبله أو بعده.
فبقي النهي في النفل الذي لا يوافق عادة ولا يكون له سبب, ولا يقرن بغيره, وهو: أن يقصد يوم السبت بصيام نفل مطلق.



الاثنين، 5 أغسطس 2019

من الإشكالات التي ترد على "البدلة العربية" أنها تحجم العورة في السجود




قبل البدء في الجواب عن هذا الإشكال أقول: البدلة العربية التي تكلمت عنها في مقالٍ هي ما كانت معهودة ومعروفة عند آبائنا وأجدادنا في هذه البلدة (ليبيا), وتكون فوق الركبة بقليل, أما أن تجعل فوق الفخذ فأظن أنه من الدخيل على العرف الليبي.
وعلى كل حال, فضابط ستر العورة المأمور به في الصلاة: ألا يصف اللباس العورة فيظهر لونها, بخلاف التحجيم فإنه لا يمنع من صحة الصلاة, وإن كان مكروها كراهة تنزيهية؛ لمنافاته أخذ الزينة في الصلاة.
فيجب أن نكون دقيقين ومحتاطين في إبطال الصلاة.
وهذه هي أقوال المذاهب الأربعة:
قال ابن عابدين رحمه الله في حاشيته على "الدر المختار": " قوله: (ولا يضر التصاقه) أي: بالألية مثلا، وعبارة "شرح المنية": أما لو كان غليظا لا يرى منه لون البشرة إلا أنه التصق بالعضو وتشكل بشكله فصار شكل العضو مرئيا، فينبغي أن لا يمنع جواز الصلاة، لحصول الستر "
وفي "بلغة السالك:" ولا بد أن يكون الساتر كثيفا وهو ما لا يشف في بادئ الرأي , بأن لا يشف أصلا، أو يشف بعد إمعان النظر , فإن كان يشف في بادئ النظر , فإن وجوده كالعدم (يعني كأنه يصلي عرياناً، لعدم حصول الستر) وأما ما يشف بعد إمعان النظر فيعيد معه في الوقت كالواصف للعورة المحدد لها , لأن الصلاة به كراهة تنزيه على المعتمد "

وقال النووي رحمه الله في المجموع: " فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والألية ونحوها صحت الصلاة فيه لوجود الستر، وحكي الدارمي وصاحب البيان وجهاً أنه لا يصح إذا وصف الحجم، وهو غلط ظاهر "
وقال ابن قدامة في المغني: الواجب الستر بما يستر لون البشرة، فإن كان خفيفاً يبين لون الجلد من ورائه، فيُعلم بياضه أو حمرته، لم تجز الصلاة فيه، لأن الستر لا يحصل بذلك، وإن كان يستر لونها، ويصف الخلقة، جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرز منه.
وعليه: فالبدلة العربية التي ندعو طلبة العلم في ليبيا إلى لبسها؛ لكونها لباس البلد, وأدعى لقبول الدعوة: ما كانت شرعية ليس فيها محذورا شرعيا.
وكونها فوق الركبة بقليل لا يجعلها غير شرعية, كما أن كونها تحجم العورة أو تصفها عند بعض من يلبسها لا يعطي حكما عاما بالمنع؛ لأن التي يباع منها في السوق على أنواع ودرجات.

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار