الجمعة، 29 يناير 2016

السلفية تعلو ولا يعلى عليها



السلفية الحقة هي التي تظهر وتعلو على غيرها؛ لأنها هي الإسلام الحقيقي الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم, وقد وعد الله بإظهاره, كما قال تعالى: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله
فالسلفية هي الإسلام الذي كان عليه الصحابة ومن اتبعهم بإحسان
والسلفي مقدم على غيره تبعا للسلفية
وهذا الشرف والفضل يحصل عليه من كان متبعا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعهم بإحسان حقيقة.
وبقدر قرب الرجل من السلفية واعتناقه لأصولها يحصل له العلو والشرف.
وليس هذا خاصا بالأشخاض, وإنما يسري على المجتمعات والدول.

كتبه
أحمد محمد الصادق النجار

ردا على مقال: "إقامة العَدْل في مسألة صفة العَسْل"




 الأفعال المضافة إلى الله واشتقاق
 الصفات منها




الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن من المنكر العظيم أن تُغيَّر القواعد الصحيحة وتبدل, فيقيَّد إطلاقها, ويخصَّص عموما, والمسوِّغ لذلك: نصرة فلان وفلان, والذب عنهم.
وهذا أمر جلل وقع فيه من وقع .
 وقد أوقفني أحد الإخوة على مقال زعم فيه كاتبه: بيان قاعدة في أفعال الله سبحانه.
 فرأيت أن أعلق على هذا الكلام؛ نصرة للعقيدة, وذبا عن صفات الله.
ونص كلام الكاتب:" فإنَّ الأفعال المضافة إلى الله تعالى منها ما هو نوعٌ مستقلٌّ أُطلق على تعالى في سِيَاقِ المدح، فيُشتقُّ لله تعالى منه ما يناسبه من الصِّفة، وذلك مثل الحُبِّ والبغض، والكلام، والنُّزول، والخلق، والرَّزق، والإحياء والإماتة، والعفو والمغفرة، ونحو ذلك، فهذه لا شكَّ في أنَّه يوصف الله تعالى بها، فتجري عليها قاعدةُ الصِّفات، وقد قرَّر هذه القاعدة جمعٌ من أهل العلم والسُّنَّة.
ومن الأفعال المضافة إلى الله تعالى نوعٌ أُطلِق عليه سبحانه، وليس هو نوعًا مستقلًّا، وإنَّما هو من أوصافِ وأحوالِ أفعالِ الله تعالى، يكون لله تعالى الصِّفة من الصِّفات تنشأ منها جملةٌ من أفعالِ الكمال، فهذه الأفعالُ كلُّ واحدٍ منها فعلٌ على وجهٍ خاصٍّ، يخبَرُ به عن الله تعالى، ولا يؤخذ منه صفةٌ يوصف بها الله تعالى مطلقًا.
وهذا النَّوعُ كثيرٌ جدًّا في الكتاب والسُّنَّة، ولم يَعُدَّه العلماء من الصِّفات، ولا يلتزم المجيب ولا غيره أن يدخلوا هذا النَّوع في صفات الله تعالى بإطلاق."
إلى أن قال: ومن هنا تقرَّر عند العلماء أنَّ باب الأفعال أوسعُ من باب الصِّفات، فليس كلُّ فعلٍ أضيف إلى الله تعالى تشتقُّ له منه الصِّفَةُ بإطلاق، كما لا يشتق لله منه الاسم أيضًا
وهذا من أعجب التقريرات التي وقفت عليها وأغربها, وفيها مغالطات عظيمة.
فقد قسم الكاتب الأفعال التي يشتق منها الصفات إلى : أفعال هي نوع مستقل, وأفعال هي ليست نوعا مستقلا وإنما هي أوصاف وأحوال أفعال الله, فالأول يشتق منها صفة, والثاني هي من باب الخبر.
والرد عليه:
أولا: عدم التسليم بهذا التقسيم, وهو تقسيم محدث مبتدع, لم يقل به أحد من الأئمة.
ثانيا: أنه منقوض بعدة صفات.
قال ابن القيم في شفاء العليل: (( قوله تعالى: [وأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة] وقوله [وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ]
وهذا الإغراء والإلقاء محض فعله سبحانه  ))
وقال أبو القاسم التيمي في الحجة: ((فصل في إثبات النداء صفة لله عَزَّ وجَلَّ))
وقال ابن أبي العز الحنفي: ((ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب والرضى والعداوة والولاية والحب والبغض ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة)
وقال الشيخ الهرَّاس: ((تضمنت هذه الآيات إثبات بعض صفات الفعل؛ من الرضى لله، والغضب، واللعن، والكره ... ))
فهذه الأفعال منها يصدق عليها أنها ليست نوعا مستقلا, ومع ذلك أثبتها الأئمة صفات لله عز جل.
وكم من أفعال ليست مستقلة وأثبتها الأئمة صفات.
ثالثا: أن الكاتب نقض نفسه, فقال:" ففعلُ «عَسَلَ» لا يلزم منه إثبات صفة العَسْلِ، وإنَّما الصِّفة هي التَّوفيق إلى الطَّاعةِ والهدايةُ إليها "
والتوفيق نوع من أنواع الهداية, فليس مستقلا.
رابعا: أن الفعل الذي لا يكون مستقلا وإنما يدخل تحت جنس أو نوع فإنه يكون ثابتا بثبوت جنسه أو نوعه إذا دل عليه الشرع.
وما لم يدل عليه الشرع فنتوقف فيه مع إثباتنا للجنس الذي دل عليه الشرع.
وكما نأخذ من الجنس أو النوع صفة كذلك نأخذ مما يدخل تحتها مما دل عليه الشرع؛ إذ لا فرق مؤثر بين ما كان مستقلا وما ليس مستقلا, والشريعة لا تفرق بين المتماثلات.
خامسا: يلزم على كون الأفعال غير المستقلة من باب الخبر أنها ليست قائمة بالذات, وإنما راجعة إلى الذات.
وهذا اللازم فاسد, وفساده يدل على فساد الملزوم.
وبهذا يتبين لنا بطلان تقعيده.
وكل ما ذُكِر بصيغة الفعل على سبيل الإطلاق فليس هناك ما يمنع من اشتقاق الصفة منه, ونلتزم بهذا, ولو لم يرد التنصيص عليها من الأئمة؛ لما سيأتي.
وأما كون باب الأفعال أوسع من باب الصفات؛ فلأن الأفعال منها أفعال مطلقة, ومنها أفعال مقيدة, والصفة المطلقة إنما تشتق من الأفعال المطلقة, لا المقيدة, ولهذا كان باب الأفعال أوسع من باب الصفات.
والفعل في نصوص الكتاب والسنة يأتي مطلقا, ومقيدا, ومضافا.
ومثال المطلق: (وكلم الله موسى) فتؤخذ منه صفة: التكليم.
ومثال المقيد: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ), فتؤخذ منه صفة: المستهزئ بالمنافقين.
ومثال المضاف: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ), فتؤخذ منه صفة: مخادعة من يستحق الخداع.
فما رد مطلقا فإنه يشتق منه صفة مطلقة, وما ورد مضافا فإنه يشتق منه صفة مضافة, وما ورد مقيدا فإنه يشتق منه صفة مقيدة.
والمراد بالصفة في قول بعض أهل السنة:" باب الأفعال أوسع من باب الصفات": الصفة المطلقة.
وهذا الذي لم يفهمه الكاتب, فظن أن وجه كون الأفعال أوسع من الصفات: أن من الأفعال ما ليس بنوع مستقل.
وقد نقل ما يدل على نقيض فهمه, فقال: وقد وقفتُ للشَّيخ صالح آل الشَّيخ ـ حفظه الله ـ على بيانٍ حسنٍ لما تقرَّر من سَعَةِ باب الأفعال وأنَّه لا يلزم من كلِّ فعلٍ أن يؤخذ منه صفةٌ لله تعالى، مع ربَطَهُ بما نحن فيه، فقد قال كما في دروس «شرح ثلاثة الأصول» ـ ومن نسخة «المكتبة الشَّاملة» أنقل ـ:
«
الأخ يسأل سؤالًا وجيهًا، وهو أنَّه جاء في حديث ابن عبَّاس: «تَعرَّف إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاء يَعرفْكَ فِي الشِّدَّة». وهنا يقول الأخ: وُصف الله بأنَّه ذو معرفة، وأنَّه يَعرف.
وهذا فيه نظرٌ، لأنَّه المتقرِّر في القواعد في الأسماء والصِّفات أنَّ باب الأفعال أوسع من باب الصِّفات، وباب الصِّفات أوسع من باب الأسماء، وباب الأخبار أوسع من باب الأفعال وباب الصِّفات وباب الأسماء، فقد يُطلَق ويضاف إلى الله ـ جلَّ وعلا ـ فعلٌ ولا يضاف إليه الصِّفة، كما أنَّه قد يوصف الله ـ جلَّ وعلا ـ بشيءٍ ولا يُشتقُّ له من الصِّفة اسم، ولهذا يدخل في هذا كثيرٌ ممَّا جاء، مثل ما وَصف الله ـ جلَّ وعلا ـ به نفسه في قوله «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ», و«الله يستهزئ بهم»، «إنَّ الله لا يملُّ حتَّى تملُّوا»، ونحو ذلك ممَّا جاء مقيَّدًا بالفعل، ولم يذكر صفة للاسم، فهذا يقال فيه أنَّه يُطلَق مقيَّدًا، ويمكن أن يحمل عليه حديث ابن عبَّاس هذا: «تعرَّف إلى الله في الرَّخاء يعرفك في الشِّدَّة»، نقول: إنَّ الله ـ جلَّ وعلا ـ يعرف في الشِّدَّة من تعرَّف إليه في الرَّخاء، على نحو تلك القاعدة، كما يقال: إنَّ الله ـ جلَّ وعلا ـ يمكر بمن مكر به, يستهزئ بمن استهزأ به، يخادع من خدعه, ولا يقال: إنَّ الله ـ جلَّ وعلا ـ ذو مكرٍ، وذو استهزاء، وذو مخادعة هكذا مطلقًا بالصِّفة، وإنَّما كما هي القاعدة أنَّ باب الأفعال أوسع من باب الصِّفات».
وله نحوٌ من ذلك هذا وقريبٌ منه في دروس «شرح الطَّحاوية»، ومن قوله فيه: «الفرق بين أفعال الله وصفاته أنَّ الأفعال مشتملة على صفةٍ وعلى زمنٍ؛ لأنَّ الفعل يشتمل على حدثٍ وعلى زمنٍ، والحدث هذا وصفٌ، ولمَّا كان كذلك كان الفعل المضاف إلى الله - عزَّ وجلَّ - لا يدلُّ على الصِّفة الَّتي اشتمل عليها هذا الفعل بإطلاق، بل قد يوصف الله - عزَّ وجلَّ - بها وقد لا يوصف؛ لأنَّ باب الأفعال أوسع بمن باب الصِّفات.
مثاله: «ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ»، فاستواء الله - عزَّ وجلَّ - صفةٌ أخذناها من فعل استوى؛ لأنَّ استوى مشتملٌ على حَدَثٍ وهو الاستواء (الصِّفة) ، ومشتمل على زمنٍ وهو الماضي، ويُثبَتْ الاستواء هنا صفة لله - عزَّ وجلَّ - كما يليق بجلاله وبعظمته، لأنَّه متضمِّنٌ كمالًا، فيُقال: من صفات الله الاستواء على العرش.
مثال الثَّاني: «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ»، (يَمْكُرُ اللَّهُ) هذا فعلٌ مضارعٌ مشتمل على حَدَثٍ، على صفة وهو المكر؛ يعني على مصدرٍ وهو المكر، ومشتملٌ على زمنٍ وهو المضارع؛ لكن لا يقال: هذا الفعل يدلُّ على إثبات صفة المكر؛ لأنَّ صفة المكر ليست دائمًا صفةَ كمالٍ، فلهذا قال أئمَّة أهل السُّنَّة رحمهم الله تعالى: إنَّ باب الأفعال أوسع من باب الصِّفات؛ فقد يُضافُ الفعل إلى الحقِّ - عزَّ وجلَّ - ولا تُثْبَتُ الصِّفة الَّتي تضمَّنها هذا الفعل، كما أنَّ باب الصِّفات أوسع من باب الأسماء؛ فقد تطلق الصِّفة على الله - عزَّ وجل - ولا يُطلَقُ الاسم، من مثل الاستواء والمستوي، ومثل المكر بحقِّ والماكر وأشباه ذلك» اهـ.
والأئمة لم ينصوا على كل صفة جاء بها النص؛ لأن قاعدتهم إجراء النص على ظاهره, فيثبتون ما دل عليه النص لفظا ومعنى من غير كيف.
ولأنهم يفهمون أن الفعل يشتمل على حدث وزمن, والحدث هو الوصف, كما ذكر ذلك الشيخ صالح آل الشيخ.
ونكتة المسألة: أن الفعل يكون صفة باعتبار المصدر الذي تضمنه, ويكون فعلا باعتبار الزمن والتجدد, وهذه هي العلاقة بين الفعل والصفة.
فالمصدر أحد مدلولي الفعل.
والفعل ملازم للذات باعتبار المصدر.
ولا يشترط في إثبات الصفة من النص الشرعي أن ينص عليها السلف بعينها.
وهذا الذي فهمه أئمتنا وعلماؤنا من صنيع الأئمة فنصوا على إثبات صفات أخذوها من الأفعال, ولم ينص السلف على إثباتها صفة لله.
ومن ذلك:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/14) : ((ووصف نفسه بالعمل فقال {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} ))
ولم يأت عن السلف التنصيص على أن الله وصف نفسه بالعمل.
وقال ابن أبي العز الحنفي (463) : ((ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب والرضى والعداوة والولاية والحب والبغض ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة)
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في الفتاوى (1/209) : (( ((فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا)) : من نصوص الصفات، وهذا على وجه يليق بالباري، لا نقص فيه؛ كنصوص الاستهزاء والخداع فيما يتبادر)) .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 28 يناير 2016

تهويل د. محمد المدخلي في إبطاله لعبارة:"غلاة التجريح"



الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد, فقد سمعت مقطعا صوتيا عُنون له بـ" القول الصريح في إبطال نبذ أهل السنة بغلاة التجريح" للدكتور محمد بن هادٍ المدخلي

حيث ذكر فيه الدكتور:" أن هناك شيئا ينبغي التنبيه عليه وذلك لحصول اللبس فيه ذلكم الأمر هو: طعن الطاعنين في علماء السنة وأهل السنة الناصحين للأمة والمحذرين لهم... بأنهم "غلاة التجريح".

والحمد لله أن جعل كذب هؤلاء صريحا مفضوحا...

وأن أهل السنة جميعا في جانب الطعن بالبدعة متفقون على هجر أهل البدع, ومباينتهم, والتحذير منهم, وهجرانهم...

واليوم يريدون بهذه المقالة الخبيثة الجائرة المجرمة التنفير من علماء السنة الناصحين للأمة من اهل البدع ..) إلى آخر كلامه.

أقول:

بدأ الدكتور محمد كلامه بالإطلاق والتهويل, وختم كلامه بذلك, وهذا خلاف التحقيق والتدقيق, بل هو غير مطابق للواقع.

وكان الواجب على الدكتور أن يقيد ويفصل, لا أن يطلق ويجمل.

والقاعدة :" يمنع الإطلاق في موضع التفصيل المحتاج إليه"

وللإطلاق مفاسد، منها: حصول اللبس، واندراج الحسن والقبيح، والمحمود والمذموم، والمحق والمبطل، والحق والباطل فيه.

قال ابن حزم رحمه الله:"والكلام إذا أُجمل اندرج فيه تحسين القبيح وتقبيح الحسن ألا ترى لو أن قائلاً قال: إن فلاناً يطأ أخته! لفحش ذلك ولاستقبحه كل سامع له حتى إذا فُسّر فقال: هي أخته في الإسلام ظهر فُحش هذا الإجمال وقبحه".
كما هو ذريعة للتشاحن والتخاصم، والعداوة، وهذه محرمة فيكون ما يؤدي إليها كذلك.

ولله در شيخ الإسلام القائل:( ... حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره فضلا عن أن يعرف دليله ولو عرف دليله لم يلزم أن من خالفه يكون مخطئا بل يكون قوله نوع من الصواب وقد يكون هذا مصيبا من وجه وهذا مصيبا من وجه وقد يكون الصواب في قول ثالث")

والدكتور محمد لم ينصف ويدقق؛ لإطلاقه.

والذي يستدعيه المقام هو: التفصيل, وإعطاء كل صورة حقها وحكمها.

ولذا رأيت أن أبين حكم العبارة - وهي:"غلاة التجريح" – وإطلاقها.

خصوصا بعد انتشار كلامه بين من لا يفرق بين الصواب والخطأ.

والتحقيق في هذا المقام هو: التفصيل، وهو على النحو الآتي:

أولا: عبارة "غلاة التجريح" في ذاتها

الغلو بمعنى: مجاوزة الحد، وهو لفظ جاء به الشرع.

قال تعالى: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم

وأصلها: غلا.

وهنا قد أضيف إلى التجريح فيكون معناه: مجاوزة الحد في التجريح

وهذه العبارة في نفسها بغض النظر عمن أضيفت إليه من الأشخاص يصح إطلاقها من وجه, ويمنع إطلاقها من وجه آخر؛ فيصح إطلاقها على من جاوز الحد في التجريح, فبدأ يجرح بما ليس بمجرح, أو يهجر مطلقا من غير نظر لتحقق المصلحة الراجحة, ودرء المفسدة الراجحة.

ويمنع إطلاقها فيمن جرح بحق وعدل, وبدع من يستحق التبديع وفق الضوابط المرعية عند أهل السنة والجماعة.

ثانيا: الواصفون غيرهم بـ" غلاة التجريح"

الواصفون غيرهم بـ غلاة التجريح" لا يخرجون من أحوال:

الحال الأولى: أن يطلقها الواصف على جميع علماء السنة بلا استثناء, فهذا لا يصدر إلا عمن ليس من أهل السنة, ومن كان في قلبه ضغينة عليهم.

الحال الثانية: أن يطلقها على بعض أهل السنة ممن يجرح بحق وعدل, مع مراعاة المصالح والمفاسد, فهذا ظالم لهم, متجنٍّ عليهم, يستحق العقوبة إذا توفرت فيه الشروط.

الحال الثالثة: أن يطلقها على بعض أهل السنة ممن جرح بغير حق, وظلم واعتدى على حقوق الناس, فهذا محق ولا تثريب عليه.

ولا يصح أن تؤخذ آثار السلف التي فيها التحذير من أهل البدع وهجرانهم فيحاجَج بها بإطلاق من قال:"غلاة التجريح"، كما فعل الدكتور محمد المدخلي.

فهذا من الظلم, والتجني, وعدم تحقيق المناط.

ومن لم يحقق المناط فلا يمكنه تنزيل الأحكام الشرعية

قال ابن تيمية:( فإن الحكم معلق بوصف يحتاج في الحكم على المعين إلى أن يعلم ثبوت ذلك الوصف فيه)

والسلف يتكلمون عن المبتدع حقيقة، لا على من ظُنَّ انه مبتدع وهو ليس كذلك.

فاختلف المحل، وباختلاف المحل يختلف الحكم.

كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 21 يناير 2016

بيان خطأ د. عبد الله البخاري في نفيه علم الملائكة بما في قلوب العباد قبل العمل.



الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن الأخطاء في باب العقيدة أخطاء عظيمة لا يسوغ السكوت عنها؛ لعظم باب الاعتقاد, وعظم المخالفة فيه.
ولذا كان من الواجب بيان خطأ من أخطأ فيه كائنا من كان؛ انتصارا للحق, وذبا عن العقيدة, من غير أن يلزم من ذلك أن يكون كل مخطئ في العقيدة مبتدع إلا بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع؛ وذلك فيما إذا كانت المسألة أصلا من أصول أهل السنة, على ما فصلت في ذلك في كتابي:"تبصير الخلف بضابط الأصول التي من خالفها خرج عن منهج السلف".
وقد سمعت مقطعا للدكتور عبد الله بن عبد الرحيم البخاري ينفي فيه كتابة الملائكة لما في قلوب العباد, وخلط بين هذه المسألة ومسألة عدم علم الملائكة بالغيب المطلق, فظن الشيخ أنهما مسألة واحدة, وليس الأمر كما ظن؛ للفرق المؤثر بين المسألتين.
ومما قاله الدكتور البخاري في التسجيل لما سئل هل الملائكة ستعلم أعمال القلوب من حسد وغل وإخلاص: ( لا يمكن إطلاق هذا؛ لأن هذا أمر مخصوص بالله؛ لقوله جل وعلا: [يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور]
...فيعلمون  مما علمهم الله ويسر لهم معرفته
فلا يعلمون إلا ما علمهم الله
[يعلمون ما تفعلون] والفعل لا يكون مما حدثت به النفس, كما في الحديث الصحيح ما لم تقل أو تعمل 
...أما ما حدثت به النفس فهذا من اختصاص الله, ولا يمكن أن يعلموا إلا ما علمهم الله إياه
ولا يمكن أن يكون إلا بعد أن يصدر من العبد, وإلا فهذا من علم الغيب ... )

والرد المختصر من وجوه:
الوجه الأول: لا نسلم أن الملائكة لا يعلمون ما في قلوب العباد قبل العمل, وأن ذلك من علم الغيب المخصوص بالله.
والشيخ لم يقم الدليل على أن ذلك من الغيب المخصوص, فيكون قوله عاريا عن الدليل.
الوجه الثاني: على التسليم بأنه غيب, إلا أنه غيب نسبي, لا غيب مطلق.
ولا يلزم من كونه غيبا على الإنسان أن يكون غيبا على غيره كالملائكة؛ لاختلاف الحقائق, وما أقدر الله كل جنس, فليس كل ما يكون غيبا على الإنسان يكون غيبا على غيره.
والغيب الذي لا يعلمه إلا الله هو الغيب المطلق على الخلق كلهم, لا النسبي.
وهو الذي قال الله فيه[قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله] والاستثناء هنا متصل لا منقطع.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (16/ 110): (( والغيب المقيد: ما علمه بعض المخلوقات من الملائكة أو الجن أو الإنس وشهدوه, فإنما هو غيب عمن غاب عنه ليس هو غيبا عمن شهده .
 والناس كلهم قد يغيب عن هذا ما يشهده هذا, فيكون غيبا مقيدا, أي: غيبا عمن غاب عنه من المخلوقين, لا عمن شهده ليس غيبا مطلقا غاب عن المخلوقين قاطبة ))
الوجه الثالث: النقض؛ وذلك أن قول الدكتور البخاري يحتمل ما يأتي:
1-                      ما سكن في القلب وكان عملا من أعماله, كالحب, والبغض, والحسد, والعجب.
2-                       ما سكن في القلب وكان عملا من أعمال الجوارح.  
3-                      ما خطر على القلب من غير أن يساكنه, ويعقد عليه قلبه, كالوساوس.
فأما الاحتمال الأول والثاني؛ فمنقوضان بكتابة الملك لما هم به الإنسان, فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة»  رواه البخاري ومسلم.
فالملك يطلع على ما في قلب العبد.
يدل عليه أيضا: ما جاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قالت الملائكة: رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به, فقال: أرقبوه, فإن عملها فاكتبوها )) أخرجه مسلم
وهذا نصٌّ في الباب.
قال أبو جعفر الطحاوي: (( في هذه الأحاديث دليل على أن الحفظة يكتبون أعمال القلوب وعقدها, خلافا لمن قال: إنها لا تكتب إلا الأعمال الظاهرة )) شرح النووي على مسلم (2/ 152)
وأما الاحتمال الثالث؛ فمنقوض بقوله تعالى: [ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ]
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/ 235): (( فإنه سبحانه هو وملائكته يعلمون ما توسوس به نفس العبد, كما ثبت في الصحيحين : { إذا هم العبد بحسنة فلم يعملها قال الله لملائكته : اكتبوها له حسنة فإن عملها قال : اكتبوها له عشر حسنات وإذا هم بسيئة }إلى آخر الحديث .
فالملائكة يعلمون ما يهم به من حسنة وسيئة و " الهم " إنما يكون في النفس قبل العمل ))
ومنقوض أيضا: ما جاء عن ابن مسعود: (( إن للملك لمة، وإن للشيطان لمة، فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجدها فليحمد الله، ولمة الشيطان إيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، فمن وجدها فليستعذ بالله )) أخرجه أبو داوود في الزهد.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/ 253) جوابا على سؤال:" عن قوله صلى الله عليه وسلم { إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة } الحديث . فإذا كان الهم سرا بين العبد وبين ربه فكيف تطلع الملائكة عليه ؟  " : (( قد روي عن سفيان بن عيينة في جواب هذه المسألة قال : { إنه إذا هم بحسنة شم الملك رائحة طيبة وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة} .
والتحقيق : أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما في نفس العبد كيف شاء, كما هو قادر على أن يطلع بعض البشر على ما في الإنسان .
فإذا كان بعض البشر قد يجعل الله له من الكشف ما يعلم به أحيانا ما في قلب الإنسان : فالملك الموكل بالعبد أولى بأن يعرفه الله ذلك .
وقد قيل في قوله تعالى { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } أن المراد به الملائكة : والله قد جعل الملائكة تلقي في نفس العبد الخواطر، كما قال عبد الله ابن مسعود: إن للملك لمة فلمة الملك تصديق بالحق ووعد بالخير، ولمة الشيطان تكذيب بالحق وإبعاد بالشر. وقد ثبت عنه في الصحيح: أنه قال: {ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن قالوا: وإياك يا رسول الله ؟ قال: وأنا، إلا أن الله قد أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير}.
فالسيئة التي يهم بها العبد إذا كانت من إلقاء الشيطان علم بها الشيطان، والحسنة التي يهم بها العبد إذا كانت من إلقاء الملك علم بها الملك أيضا بطريق الأولى، وإذا علم بها هذا الملك أمكن علم الملائكة الحفظة لأعمال بني آدم ))
فما تقدم تخلف فيه عدم علم الملائكة مع وجود الدليل وهو كونه غيبا, لكن كما تقدم ليس غيبا مطلق.
الوجه الرابع: القلب, وذلك في قوله تعالى: [كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) فـ"ما" موصولة تفيد العموم, أي: كل ما تفعلون, والفعل يدخل فيه: القول والعمل, والقول يدخل فيه: قول القلب واللسان.
فالفعل أعم من العمل على الراجح.
قال البغوي في تفسيره(8/ 357): ((  {كراما} على الله {كاتبين} يكتبون أقوالكم وأعمالكم. {يعلمون ما تفعلون} من خير أو شر )).
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (2/ 561): (( ... ثم قد ثبت بالنصوص المذكورة أن الملائكة تكتب القول والفعل, وكذلك النية؛ لأنها فعل القلب، فدخلت في عموم [يعلمون ما تفعلون] )).
وقال السفاريني في لوامع الأنوار البهية (1/ 450): (( وظاهر النص: أنهما يكتبان أفعال العباد من خير، أو شر، أو غيرهما، قولا كان أو عملا أو اعتقادا، هما كانت أو عزما أو تقريرا، فلا يهملان من أفعال العباد شيئا في كل حال وعلى كل حال )).
وهذا فيه رد على قول الدكتور:" والفعل لا يكون مما حدثت به النفس ..."
ولاشك أن علمهم بما في القلب يكون بإقدار الله لهم, وبما يهيئه من أسباب.
أما استدلال الدكتور بقوله تعالى: [يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور], ومعنى ما تخفي الصدور, أي: تكنه وتبطنه؛ فليس فيه حجة على ما ذكره؛ لأن كونه جل وعلا يعلم ما تخفيه صدور العباد لا ينفي علم الملائكة بها؛ لأنه إثبات, والإثبات لا يمنع المشاركة, ولما دلت عليه النصوص الأخرى المتقدمة.
وأما حديث :" إن الله تجاوز لهذه الأمة ما حدّثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل"؛ فهذا في المؤاخذة, لا في علم الملائكة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار



الاثنين، 18 يناير 2016

الحذر من التعظيم الخفي للمنطق وعلم الكلام



 نجد من تأثر من بعض اهل السنة بعلم الكلام والمنطق وما يتعلق بالفكر حتى صاروا لا يقتنعون بكتاب عقدي او برد على أهل البدع لم يشتملا الا على آثار أئمة السلف
من غير ذكر العبارات المنطقية، والتشققات الكلامية، والآراءالفكرية.
وقد يصفونه بالضعف ونحو ذلك.
وقد أصبح العلم عند هؤلاء ما غُلف بالعبارات المنطقية، وبنى على الكتب الفكرية، و أشغلوا الشباب بذلك.
والناس ينساقون وراء كل جديد، ومخالف للمعهود، ويجدون فيه لذتهم المتوهمة.
وهذا من شؤم القراءة الخاطئة في علم المنطق، والكتب الفكرية، والانبهار الخفي بها، والشعور الخفي بأنه لا تمكن في العلم الا بتحصيلها.
فالحذر الحذر
مع ان استعمال ما صح فيما صح لا اشكال فيه، وقد يكون مطلوبا بحسب المصلحة والحاجة.
لكن ان يغلب ذلك على ما تميز به أهل السنة من ذكر آثار السلف والاعتماد عليها
أو عد الاقتصار على ذلك من الضعف
 فهذا هو الضلال.
ولا أدري أعَلِم هؤلاء ان مجرد نقل آثار السلف يكفي في اظهار الحق، وبيان ضلال المخالفين لهم؟!

ومن أعظم ما يخشى على طالب العلم: التأثر الخفي بالباطل.
سواء ما كان باطلا في نفسه، أو في لوازمه ومآلاته.

اسال الله ان يجعلنا مستمسكين بآثار النبوة.

كتبه
 د أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 16 يناير 2016

مناقشة د. عبد الله البخاري في عده صفة العَسْل من باب الإخبار لا الصفات.


الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فقد سألني أحد الإخوة الأفاضل عن رأيي في كلام د. عبد الله البخاري لما سئل عن العَسْل هل هو صفة من صفات الله؟
فأجاب الدكتور بأنه من باب الإخبار, وأنه لا يعرف أنه صفة من صفات الله.
بعد أن صحح الحديث وهو: ما جاء عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبد خيرا عسله» . قلت: وكيف يا رسول الله يعسله؟ قال: «يوفقه لعمل صالح قبل موته بسنة، فيقبضه عليه )) أخرجه الطبراني, وغيره, وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
والجواب عما قاله الدكتور من أوجه:
الوجه الأول: أن باب الإخبار أعم من باب الأسماء والصفات من وجه, وقسيم لهما من وجه آخر:
-أعم من جهة الإطلاق العام للخبر, وهو ما يقبل الصدق والكذب لذاته.
فيدخل فيه باب الاسم والصفة.
- وقسيم له من جهة المأخذ.
وهو الذي يريده أهل العقائد لما يغايرون بين باب الأسماء والصفات وباب الإخبار, ويجعلونه أوسع.
وكلام الدكتور متوجه للإخبار الذي هو قسيم باب الصفات؛ لأنه أثبت أن العسل من باب الإخبار, ونفى أن يكون من باب الصفات.
وما ذكره الدكتور بعيد عن ضابط باب الإخبار, وضابط باب الصفات, كما سيأتي.
الوجه الثاني: أن العَسْل أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله بصيغة الفعل, فدل النص على أنه صفة فعل بالمطابقة.
وهو وصف لا يقوم بنفسه, وإنما يقوم بموصوف, وكمال, وله معنى.
فانطبق عليه ضابط الصفة.
والصفة: ما قام بالذات.
سواء كان من الأمور الذاتية أو الفعلية.
ومورد التقسيم: ما قام بالذات, وهذا الذي يقوم بالذات إما أن يكون صفة ذات, أو صفة فعل.
فكلاهما قائم بذات الله.
والعسل من صفات الأفعال, وهو نوع من أنواع الهداية, والهداية ثابتة لله باتفاق أهل السنة.
وثبوت الجنس ثبوت لأفراده, ومن أفراد الهداية التي دلت عليها النصوص: العسل.
وقد فسر العسل في الحديث بـ: «يوفقه لعمل صالح قبل موته بسنة، فيقبضه عليه) وفي بعض الألفاظ: "يهديه ..."
قال الطحاوي في مشكل الاثار: (   
قال فطلبنا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو؟ فوجدنا العرب تقول: هذا رمح فيه عسل, يريدون فيه اضطراب, فشبه سرعته التي هي اضطرابه باضطراب ما سواه من الرمح ومن غيره, فاحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا أراد الله بعبد خيرا عسله" أن يكون أراد بميله إياه إلى ما يحب من الأعمال الصالحة؛ حتى يكون ذلك سببا لإدخاله إياه جنته, والله عز وجل نسأله التوفيق )
الوجه الثالث: أن باب الإخبار إنما يؤخذ من النص الشرعي إما مطابقة فيما يراد به الموجود, والإخبار به عن الذات, كالشيء, وشخص.
أو يؤخذ تضمنا مما أُثبت وأضيف إلى الله, كموجود, فكون الرب حيا يتكلم, وله سمع إلى آخره.. يدل على وجوده.
أو يؤخذ التزاما؛ إذ إن لازم الحق حق.
أو يكون من باب الترجمة واستعمال المرادف لما ثبت.
أو يشتق مما ثبت اسما أو صفة مما لم يرد في النصوص بصيغة الاسم والصفة, كالصانع.
فما يخبر به عن الله لابد أن يكون معناه صحيحا أخذ من دلالات النصوص, على الوجه الذي تقدم.
مع مراعاة شروط باب الإخبار, وهي: الحاجة, وألا يكون المعنى سيئا.
وهذه الأوجه فيها بيان خطأ الشيخ البخاري فيما قرره.
أما قوله: " ولا يعرف أنه صفة من صفات الله"
 فجوابه: أن الحديث أصل بنفسه, وعدم العلم بمن قاله لا يلزم منه العلم بالعدم.

وأخيرا: ينبغي التحرز عند الكلام عن صفات الله سبحانه, ولابد من إعمال القواعد الصحيحة في محالها, وعدم فتح الباب لأهل البدع من أهل الكلام.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه:
د. أحمد محمد الصادق النجار