الأحد، 30 أكتوبر 2022

طلاق الغضبان

 

هل يقع طلاق الغضبان؟

عند الكلام عن هذه المسألة لابد من بيان أن الغضب قد ورد في النصوص الشرعية ما يدل على أنه سبب للمنع, كما في قول التبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقضي القاضي وهو غضبان) فهو سبب يمنع القاضي من القضاء

إلا أن الغضب إنما كان سببا للمنع لمعنى مناسب, والمعنى الذي من أجل جُعل الغضب سببا للمنع: التشويش وانشغال القلب وتغير الطبع مما يمنع من استيفاء الفكر ويوجب اضطراب الرأي, وهو الذي يدور معه الحكم وجودا وعدما, فمطلق الغضب ليس سببا مانعا بالإجماع.

وهذا المعنى يجعلنا نلغي تخصيص المنع بالغضب ونعممه على كل ما تحقق فيه المعنى الذي تضمنه الغضب, فالغضب ليس علة لذاته وإنما للمعنى الذي تضمنه. 

ولعموم هذا التعليل الذي استخرجناه بمسلك تنقيح المناط شمل الجوع الشديد والفرح الشديد والألم والهم المزعج والخوف المقلق, وكل ما أشغل القلب ومنع من استيفاء الفكر.

فإذا تحقق لنا أن الغضب ليس مقصودا لذاته وإنما للمعنى الذي تضمنه لم يكن الغضب اليسير سببا مانعا؛ لأنه لم يتحقق فيه المعنى المقصود وهو إشغال القلب عن استيفاء الفكر, فليس مطلق الغضب علة، وإنما الغضب المانع من استيفاء النظر, ولذا كان الغضب اليسير لا ينتفي معه العلم والقصد., فهو يعلم ما يصدر منه ويقصده ويريده.

وذهب الشاطبي في الموافقات (1/ 134) إلى أن إخراج مطلق الغضب عن أن يكون سببا للمنع إنما كان بمقتضى لفظ الحديث لا معناه؛ لأن غضبان وزنه فعلان، وفعلان في أسماء الفاعلين يقتضي الامتلاء مما اشتق منه؛ فغضبان إنما يستعمل في الممتلئ غضبا.

وعلى كل حال فالمعنى المراعى في الغضب والذي من أجله كان سببا مانعا من الحكم هو التشويش وانشغال القلب وتغير الطبع مما يمنع من استيفاء الفكر ويوجب اضطراب الرأي.

أضف إلى ما تقدم أن الحكم يكون على قصد المتكلم، والألفاظ لم تقصد لنفسها وإنما هي مقصودة للمعاني, ولذا كانت الأحكام متوجهة على العاقل العالم العامد المختار الذاكر, فغيرهم لا يكون قاصدا ولا نية له.

 

 

إذا تقرر هذا فعندنا حالان في الطلاق يتحقق فيهما المعنى الذي من أجه جُعل الغضب سببا للمنع:

1-حال يكون الغضب فيها شديدا يذهب معه التمييز , فيصبح الإنسان معه كالمجنون لا يعي ما يقول ولا يقصده, فانتفى معه العلم والقصد, وهذا قد حكي الاتفاق على أنه لا يقع معه الطلاق, وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه

2-حال لا يزول مع الغضب التمييز, وإنما يكون الحامل على التلفظ بلفظ الطلاق هو الغضب, فليجؤه الغضب إليه, فيحصل مع الغضب تشويش وانشغال للقلب يمنعه من استيفاء الفكر.

فالإرادة التي توجد مع الغضب كلا إرادة, أو كإرادة المكره, فهذا الغضب لا يقع معه الطلاق على الأقرب من قولي العلماء, وكونه مكلفا لا يمنع من عدم نفاذ قوله؛ لمانع.

وهو مقتضى قول الشافعي حيث فسر الإغلاق بالغضب, واختاره ابن تيمية وابن القيم وابن عابدين.

وهو الموافق لمقصد التيسير, والموافق للأصل وهو ديمومة الحياة الزوجية, وما ذكر معارضا لا يقوى لرفع الأصل.

وضابط هذه الحال: أن يحمله الغضب على التلفظ بما لم يكن مختارا له قبل الغضب ولا مريدا له لا على وجه العقوبة.

ونقصد بالطلاق على وجه العقوبة ما لو غضب عليها؛ لأنها فعلت أمرا يغضبه فطلقها عقابا لها على ذلك, وهو غالب ما يقع من الناس, فهنا يقع الطلاق؛ لأن الغضب ليس هو الحامل على التلفظ بالطلاق وإنما الحامل هو العقوبة.

وما ذكره بعض المالكية من أن الطلاق أكثر ما يقع في الغضب فجوابه التفريق بين أن يقع الطلاق وهو الحامل عليه الغضب ويكره ما تلفظ به فيكون في حكم المكره, وهذا الذي لا يقع طلاقه, وبين أن يكون الغضب على سبب إذا ما وقع يريد طلاقها فهو مريد للطلاق لو قدر أنه لم يغضب.

وقد فصل في هذه الحال ابن القيم في رسالته: "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" وبين أنه مقتضى المنقول والمعقول والنظر إلى كليات الشريعة.

 

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 29 أكتوبر 2022

هل الجماعا الحركية تموت؟

 

هل #الجماعات_الحركية تموت؟

عندما تفقد جماعة أو حركة سمعتها وتشوه عند الناس أو لا تجد حاضنة لها فإنها لا تموت بالكلية, وإنما تحاول أن تجد مظلة لها تأخذ اسمها وتشتغل تحت رايتها مع العمل الدؤوب على تغلغل أفكارها في الجسم الجديد !!
فتجد قادة الجماعة أو التيار إذا سنحت لهم الفرصة يضحون بقيادتهم؛ رجاء إحياء أفكار الجماعة وديمومتها, فهم وإن كانوا أتباعا في الكيان الجديد إلا أنهم هو المؤثرون الحقيقيون وفق تنظيم دقيق ومكر فائق...
ومن أساليب بعض الجماعات الماكرة:
1-دعوة الناس إلى الالتفاف على شخصية أو كيان يعظمونهما وبربطون الناس بهما؛ ليبثوا أفكارهم عن طريقهما, فلا يسمع المعظمون إلا منهم ولا يتصور الواقع إلا عن طريقهم.
2-لا يعادون من الحركات والجماعات والتيارات إلا ما عارض مصالحهم, فكل جماعة هي محل احترام وتقدير إلا إذا خالفت أفكارهم ومشروعهم, فعندئذ تنهال عليها التهم, وتقابل بالسب والطعن والتشويه.
3-تشويه كل من يتعارض مع مصالحهم, ومحاولة صد الأتباع عن الاستماع له, أو حتى محاولة تفهم حقيقة ما يراه.
4-اشتراكهم مع غيرهم من الحركات التحريضية على وصف من لم يقبل غلوهم بالإرجاء وتضييع قضايا الأمة.
5-ذكر رموزهم في برامجهم وتبجيلهم وإظهارهم للناس على أنهم المجاهدون حقا والمصلحون صدقا؛ ليقتدي بهم الجيل الجديد ويتأثر بأفكارهم.
6-الحرص على إبقاء المظلة التي يشتغلون تحتها ويتسترون بها قوية لا تشوبها شائبة, فتراهم يدافعون عن مظلتهم بكل ما يستطيعون؛ لأن بسقوطها سقوطهم.

وحتى يصرفوا الأنظار عنهم يمكنون لغيرهم من دعوتهم التي لا تتعارض مع مصالحهم,ويفتحون لهم الأبواب, فيُسكتوا بذلك أفواها, ويحسب المغفلون أن دعوتهم قائمة ممكنة.
7-الرؤية الصدامية للأنظمة عندهم ليست مطردة فقد تخف وتضعف إذا حققت بعض الأنظمة شيئا مما يريدون, فهنا قد يقبلونها من باب أخف الضررين.
8-القضية المحورية التي يدندنون حولها ويصرفون أنظار الناس إليها مسألة السياسة والحاكمية والبراءة من الكفار ومن يوالونهم -بحسب منظورهم-.

والكلام يطول ...

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 28 أكتوبر 2022

فقه الأولويات في إصلاح الأمة؟ وهل الحركات والتيارات والأحزاب طريق لإصلاحها؟

 فقه الأولويات في إصلاح الأمة

هل الإصلاح الديني الداخلي مقدم على العمل السياسي، أو أن العمل السياسي والانشغال باختيار الحاكم والنظر في سياسته وما يحيكه الغرب والدخول في صدام معه مقدم على الإصلاح الديني؟

بمعنى هل أزمة الأمة تبدأ من الإنحراف العقدي ووقوعها في البدع والمعاصى مما كان سببا في تسلط الأعداء وتمكن الفساق
أو أن ازمة الأمة تبدأ بحكامها وتصرفاتهم والنظر في غزو الكفار الفكري ومصادمة الأنظمة عن طريق تيارات وحركات وأحزاب؟

وإجابة هذا السؤال ترجع إلى المنطلقات التي ينطلق منها المجيب والمرجعية الفكرية له، وعلى ضوء ذلكم اختلف من انشغل بملف الإصلاح في الإجابة على هذا السؤال
فمن شخص داء الأمة في الانحراف العقدي ووقوع البدع وانطلق من كونها تصادم مقاصد أصلية جعل الانشغال بإصلاحها هو أعظم الأولويات وسبيل عز الأمة الوحيد ...
ومن شخّص الداء في الحكام والغرب وانطلق من كونها مقاصد أصلية انشغل بالعمل السياسي والحكم وجعل همه قضايا الأمة ومصادمة الأنظمة مع إغفال الإنحراف العقدي والكلام عن الطوائف والبدع لكونه تبعيا لا أصليا

فهذان طريقان للتشخيص والعلاج لا طريق آخر غيرهما
وبالضرورة إذا بطل أحدهما تعين الآخر..

وإذا نظرنا إلى الشرع وجدنا أنه جعل المقصد الأعظم الذي يجب أن يقوم عليه الإصلاح: تحقيق عبودية الله سبحانه
وجعل القاعدة التي ينطلق منها الرسل الأفراد والشعوب
ومنع كل ما كانت مفسدته الراجحة تمس الدين أو الأنفس أو الاموال أو الأعراض
واعتنى بحفظ الدين والأنفس أكثر من اعتنائه ببقية الضرورات
وجعل ما يذهب الأنفس أعظم مما يذهب نوعا من الدين وهو الذي يكون أقل رتبة من حفظ النفس...

وإذا نظرنا لمن سلك في سبيل الإصلاح مسلك مصادمة الأنظمة وجعل من وسيلة ذلك إنشاء تيارات وحركات وأحزاب وجعل أولوياته مصارعة الحكام والدخول معهم وتحت مظلتهم في العمل السياسي أو من سلك مسلك مصادمتهم بالتكفير والخروج والدعوة إلى المظاهرات المناهضة
وجدنا أنه لم يتحقق به الإصلاح؛ بل انقلب إلى ضده وهو الإفساد
إما بالذوبان مع هذه الأنظمة والانخراط في دهاليزها حتى جعلت الحرية مقدمة على تطبيق الشريعة، واضطروا للسكوت عن كثير من فساد الأنظمة، وعطلوا كثيرا من تنظيرهم الإصلاحي بحكم الواقع وسطوة الأنظمة، وحتى انحيازهم لقضايا الأمة أصبح من منظور مصلحي خاص بالتيار او الحركة او الحزب...
وإما بإشعال نار الحروب في بلدان المسلمين حتى أذهبت الضرورات الخمس فانتهكت الأنفس واعتدي على الأعراض وذهبت الأموال وعطل شيء من الدين وتمكن الكفار من بلدان المسلمين وتدخلوا في شؤونها الداخلية وشيطنوا الإسلاميين
وحتى انحيازه هؤلاء لقضايا الأمة تجده من منظور تحريضي فوضوي عاطفي لا يخدم القضية بل يزيدها تعقيدا.

فهذا الاتجاه لا يمكن أن يكون طريقا شرعيا؛ للإصلاح، وإذا بطل هذا الاتجاه من أن يكون طريقا للإصلاح تعين الطريق الآخر الذي تكون الأولوية فيه لإصلاح عقائد الأمة وسلوكها والرجوع بها إلى ما كان عليه الصحابة وأتباعهم بالحكمة والموعظة الحسنة
مع الالتفات بقدر ما يحقق المصلحة ويدفع المفسدة لقضايا الأمة وإصلاح الأنظمة
فيكون المقصد الأصلي إصلاح الناس والمقصد التبعي إصلاح الأنظمة ونحوها
مع عدم إغفال الغزو الفكري على أن تقوم به طائفة متأهلة ترفع عن الامة فرض الكفاية، ولا يفتح الباب لكل متصدر؛ خشية الوقوع في الفتنة.

ولا يعني هذا عدم الاشتغال بالعمل السياسي، أو إخراجه مطلقا عن طريق الإصلاح، ولا نقد المشروع لكونه سياسيا، وإنما المقصود ألا يجعل أولوية ومقصدا أصليا للإصلاح ويكون مدار الولاء والبراء؛ لأمرين:
الأول: لم يكن سبيل الأنبياء في إصلاحهم، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.
الثاني: ما أثبته الواقع من تباين المشاريع واختلافها وعداوة بعضها لبعض، وما أثبته أيضا من فشلها وعدم قدرتها على الإصلاح، بل جرت الويلات على المسلمين، وما أثبته ثالثا من بُعد مشاريع الحركات والتيارات تدريجيا عن أصول الإسلام وكليات الشريعة.

وأخيرا: إذا عُلم هذا واتضح تبين لنا أن الاشتغال بقضايا الأمة يختلف باختلاف المنطلق والمرجعية الفكرية
فمن اشتغل من منطلق الإصلاح الداخلي كان اشتغاله بذلك من الاشتغال بقضايا الأمة، فهو لم يضيع قضاياها بذلك.

وأغرب ما في الباب من يتذبذب في الاهتمام بقضايا الامة بين المنطلقين، فتراه يسير في آليته العملية في الكلام عن قضايا الأمة بخلاف مرجعيته الفكرية أو العكس
فلا هو حافظ على منطلقاته ولا هو عالج الأمر معالجة صحيحة.
ومثاله: من يعالج ملفا بالتحريض والتهييج والخطاب العاطفي مع أن منطلقه يدعو إلى عدم المصادمة.
وكذا من يعالج ملفا بالعلم والنظر إلى المآلات ودفع المفاسد الكبرى باحتمال الصغرى مع أن منطلقه يدعو إلى المصادمة.

كتبه ناصحا وموجها
د. أحمد محمد الصادق النجار 

الاثنين، 24 أكتوبر 2022

حكم المال الحرام المكتسب من معاملة محرمة بعد التوبة

 حكم المال الحرام المكتسب من معاملة محرمة بعد التوبة

وصورتها: المال المكتسب برضى صاحب المال من بيع الدخان، أو من بيع آلات الموسيقى، أو ما أخذ من عوض على المعاونة على بيع محرم ،  أو من الرشوة، أو من القمار، ونحو ذلك 

هل يتخلص منه بعد التوبة أو لا؟

وهذه الصورة لها حالان:
الحال الاولى: عدم علمه بأنها حرام، أو كان له فيها تأويل باجتهاد أو بتقليد من يثق فيه ثم بان له أنه أخطأ
فهذا ماله لا يتخلص منه، فهو عندما أقدم على البيع لم يعلم حرمته، ومن شرط التكليف الذي يرجع إلى العبد: العلم، فعند عدمه يعدم الحكم المتوقف عليه.

الحال الثانية: أن يعلم حرمته عند مباشرته البيع ثم تاب توبة صادقة بعد ذلك
فهذا اختلف أهل العلم في ماله الذي اكتسبه من البيع المحرم هل يتخلص منه أو لا؟
والأقرب: عدم التخلص منه بعد صدق التوبة؛ لأمور منها:
الأول:  عموم التعليل بمسلك تنقيح المناط في قوله الله تعالى : (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ)
فالحكم وهو [فله ما سلف] بمعنى لا يرده ولا يتخلص منه علق على خصوص الانتهاء من الربا وعدم العودة إليه، فنلغي بمسلك التنقيح الوصف الخاص ونعمم؛ فيكون التعليل بالانتهاء من المحرم لكسبه
فمن انتهى عن المحرم لكسبه وتاب منه فله ما سلف ولا يلزمه التخلص منه.
وكذلك عموم التعليل في قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)... 

الثاني: يتحقق به مقصود الشارع وهو التيسير ورفع الحرج
فالتيسير هنا متعلق بأمر التوبة، فيتيسر على الناس أمر التوبة ويرفع الحرج عنهم والضيق الذي قد يتسببه التخلص من المال.

الثالث: دفع مفسدة عدم التوبة.

والخلاصة: لا يلزمه أن يتخلص منه وإن كان الأولى دفعه للفقراء ونحوهم
كتبه د أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 21 أكتوبر 2022

ما علاقة #المفتي الشيخ #الصادق_الغرياني بالتيار الذي سميته ب (#تيار_المفتي )

 ما علاقة #المفتي الشيخ #الصادق_الغرياني بالتيار الذي سميته ب (#تيار_المفتي )

وهل من الظلم نسبة هذا التيار إلى الشيخ؟

وهل هو تيار؟
[نعم، ينطبق عليهم ضابط التيار فهم مجموعة توالي وتعادي على أفكار رموزها
ففرقت الامة المتفرقة وتحزبت على آرائها وعادت مخالفيها ووصفتهم بأقذع الأوصاف وأشنعها
فاستدعى ذلك وصفها بأنها تيار مفرق للأمة؛ عسى أن يرجع ويؤوب
فهم بهذا التفرق وهذا الولاء والبراء يزيدون من تسلط الأعداء على المسلمين ويفتحون الباب للتنفير من أهل العلم الذين يخالفونهم ...
فالمفرق ليس الذي ينكر على التيار خروجهم عن الوسطية والاعتدال وإنما المفرق من يتحزب على رأيه ويوالي ويعادي عليه ويزيد الأمة انقساما]

ذكرت في منشور سابق أن المفتي هو أبرز معظمي هذا التيار، حتى جعلوا أقواله وآراءه المخصوصة لا تقبل النقاش، وجعلوا القول المخالف لاجتهاده غير معتبر، بل زادوا فخونوا من أخذ بالقول المخالف له فيما يتعلق بالشان العام!!
فالشيخ يعتبر لهذا التيار هو الأب الروحي -إن صح التجوز -
وإذا نظرنا إلى الأفكار التي نشأ عليها هذا التيار وقد بينتها في منشور سابق
وجدنا أن الشيخ لا يقول بها كلها، فالشيخ لا يرى عدم انحصار الحق في أهل الحديث، بل الشيخ لا يرتضي انتساب متأخري الأشاعرة لأبي الحسن الأشعري؛ لأنهم خالفوه في منهجه وآرائه، وهذا ما صرح لي به الشيخ في ٢٠١٢ -فيما أذكر- في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ناقشته في هذا الباب.
لكن الأمر المستغرب أن هذا التيار يرى عدم انحصار الحق في أهل الحديث، ويذاع ذلك علانية في التناصح وفي الكلية وفي دورات التقوية...
ولم نر إنكارا من الشيخ ولا نصرة من رد على هذا التوجه!!
بل يوجد في بعض أجوبته عندما سئل عن الخلاف الذي دار في هذا الباب توجيه إلى عدم الإنكار في هذه المسائل!
والغريب أن القناة لم تلتفت إلى هذا التوجيه !!

فتلخص أن الشيخ فيما نحسب لا يقول به لكن سكت عنه مع تعلقه بقطعيات الشريعة!!
مما جعل التيار يستمر في غيه...

ومن الأفكار التي نشأ عليها هذا التيار: عدم اعتبار القول المخالف لآراء الشيخ في السياسة والشان العام، وتخوين وتأثيم المخالف!
وهذا الأمر أكثر التصاقا بالشيخ بالنظر إلى طريقة الشيخ في عرضه المسائل السياسية وما يتعلق بالشأن العام وربط الأحكام بها
فهو بهذا العرض يغذي هذا التوجه من هذا التيار...
وتوضيح ذلك أن الشيخ عندما يعرض ما يراه حكما شرعيا لنازلة سياسية أو ما يتعلق بالشان العام تجده يعرضها على أن قوله فيها هو الحق دون غيره وأنه هو حكم الله ولا يعذر فيه المخالف في باب يقوم على الموازنة بين المصالح والمفاسد، ولا يكاد المجتهد المقاصدي يقطع فيه بشيء؛ لقوة  التعارض..
ومع ذلك نجد الشيخ يقطع فيه ويؤثم من غير أي إشارة إلى أن قوله لا يخرج عن كونه اجتهاديا يقبل الصواب والخطأ...
فهذه الطريقة في العرض منه جرأت هذا التيار على الاستطالة في عرض من خالف رأي الشيخ واعتباره خائنا بائعا دينه بحطام من الدنيا، ومن غير نكير منه ولا ممن هو قريب منه!!
وهذا يستدعي من الشيخ تبيين أن رأيه صواب يحتمل الخطأ، وأنه لا يجوز تعليق الولاء والبراء عليه.

وقد كنت ناقشت الشيخ نقاشا أحسب أنه بعلم وأدب واحترام
[ مناقشة #المفتي الشيخ الصادق الغرياني في تنزيل الحكم العام المجرد على الواقعة المتعينة...]:
http://abuasmaa12.blogspot.com/2022/06/blog-post_9.html.

فإذا تبرأ الشيخ من هذه الفكرة التي قام عليها هذا التيار وأنكر فكرهم في عدم انحصار الحق في أهل الحديث وحارب الغلو فيه وأنكره كانت نسبة التيار إليه كنسبة دم ابن يعقوب إلى الذئب، وكما لا يصح انتساب متأخري على الأشاعرة للأشعري كذلك لا يصح نسبة هذا التيار إلى الشيخ.
لكن هذا كله منوط بتبرئة الشيخ نفسه من غلو التيار فيه ورفع أقواله منزلة الوحي.
وله أسوة في تبرئة الصحابي الجليل علي بن أبي طالب نفسه ممن تشيع له وألهه ورفعه فوق منزلته

بقي أن أشير إلى أني لما ذكرت في المنشور السابق أنه لا علاقة للمنشور بكل من ينتسب إلى دار الإفتاء
فهِم من لا يفقه دلالات الألفاظ أني أستبعد من انتقدتهم سابقا ممن ينتسب إلى الدار كمحمد أبو عجيلة ومن رضي قوله وروجه له، وغيره ممن ذكرتهم سابقا في مقالاتي...
وهذا فهم غريب؛ ذلك أني نفيت الاستغراق في قولي( ولا [بكل] من ينتسب إلى الدار) ونفي العام أو سلب العموم هو بيان أن النفي ليس شاملا لكل فرد ينتسب إلى الدار، وإنما يفيد ثبوته لبعض الأفراد ونفيه عن البعض الآخر.

والأغرب أن تجد من هذا التيار من يحمل كلامي وانتقادي على أنه عداء شخصي لا يراد منه إلا الانتقاد وأني لم أنتقدهم إلا بعد أن تركت التدريس معهم في المعهد
وقد نال هذا التيار من عرضي الشيء العجيب
فيا لله العجب
بدل أن يناقشوا الأمر نقاشا علميا ويتبرؤوا مما نسبته إليهم
انتقلوا إلى الأسهل وهو الطعن والسب
والكذب!!
وليعلم هؤلاء أني انتقدت محمد أبو عجيلة باسمه في صفحتي على الفيس وأنا لازلت أدرس عندهم في المعهد
وبينت اعتقاد الأشاعرة وأنا أدرس معهم، إلى غير ذلك...

ثم لو سلمنا جدلا أني لم أتكلم إلا بعد أن تركتهم ألا يكون السكوت في ذلك الوقت مصلحة ؟!!
أم أن المصلحة لا يفقهها إلا هم؟!!

وأخيرا لا حيلة لي مع هؤلاء الذين يطعنون إلا الدعاء لهم بالهداية.

كتبه د أحمد محمد الصادق النجار 

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2022

(تيار المفتي في ليبيا مفهومه وحقيقته)

(تيار #المفتي في ليبيا مفهومه وحقيقته)

إن وجود #تيارات_فكرية توالي وتعادي على أفكارها ؛ مما يضعف الأمة ويزيد من شتاتها وتفرقها، ولهذا جاء الشرع بمنع #التعصب لغير ما ثبت بالنص الصريح والإجماع.
ومن التيارات الفكرية في ليبيا: تيار نشأ حديثا له أفكاره ورموزه، وهو ما عبرت عنه بتيار المفتي الذي أعظم رموزه المعظين هو الشيخ الصادق الغرياني، فنسب إليه.

وإنما سمي تيارا؛ لما أنتجته مجموعة أفراد من أفكار تزعم أنها استقتها من نصوص الشريعة كان لها تأثير سياسي وديني على أتباعه، تقودهم إلى تنظيم صفوفهم من أجل الإصلاح على حسب توجه هذه المجموعة ورؤيتها وفكرها...
وهذا التيار لم يصل إلى درجة التغيير الشامل لنظام البلد السياسي والديني، وإنما اقتصر تأثيره على أتباعه.

فخلاصة مفهوم هذا التيار أنه تجمع يسعى لتحقيق رؤيته وأفكاره.
ومما تميز به هذا التيار: الغلو في رموزه؛ لكونهم مرجعيته ومصدر تلقي الأفكار, وعدم اعتبار القول المخالف المتعلق بالسياسة والشان العام.

لما كان هذا التيار قد وضع لنفسه هدفا في التغيير السياسي والديني دخل فيه كل من اتفق معهم في الهدف مع تنوع مشاربهم ومذاهبهم العقدية والفقهية.
ولهذا تجد فيهم من هو على اعتقاد أهل الحديث ومن هو على اعتقاد الأشاعرة وتجد فيهم من يتمذهب بالمذهب المالكي ومن هو على مذهب الإباضية...
فهذه المشارب والمذاهب المختلفة المتناقضة جمعهتم الفكرة الواحدة المتعلقة بالتغيير السياسي والديني في البلد.
وأقصد بالتغيير الديني: مناكفة السلفية التي يحصرونها في مشايخ السعودية، ومطيتهم في هذا غلاة التبديع.
وأقصد بالتغيير السياسي: الرؤية التي يرون قيام مصالح البلد بها.

وهدف هذا التيار: الرغبة في الانفلات من هيمنة وسطوت غلاة التبديع من جهة، ومن أحدية الحق في مذهب أهل الحديث ومنهجهم من جهة أخرى، ومن تعدد الرؤى الإصلاحية التي لها حظ من النظر الشرعي في البلد التي لا يرتضيها هذا التيار من جهة ثالثة.

فالفكرة التي اجتمع عليها هذا التيار مع تنوع مشاربهم ومذاهبهم فهي:
١- المنع من حصر الحق في اعتقاد أهل الحديث ومنهجهم..
٢-التأسيس للتعصب المذهبي في الفتوى وإلزام الناس به فيما اختاروه من أقوال..
٣-رفع شعار الانشغال بقضايا الأمة والوقوف ضد الغرب وفق منظرهم ورؤيتهم.
٤-جعل المواقف المتغيرة المتعلقة بالمصالح والمفاسد في الأمور السياسية وما يتعلق بشأن البلد والتعامل مع الغرب: ثوابت وقضايا لا تقبل النقاش ولا يعذر فيها المخالف، فتراهم متعصبين لآرائهم فيها وأنه الحق المطلق، ومن خالفه فهو الجاهل الذي لا يفقه الواقع ولا يدرك الحكم الشرعي...
فلا مصلحة للأمة ولا حكم للشرع في الواقع السياسي إلا ما صدر من جهة مفكري ومنظري هذا التيار، فنزلوا رأيهم فيها منزلة المسائل القطعية التي لا يسوغ فيها القول المخالف.

وقد اغتر هذا التيار بنظرته الإصلاحية حتى أورثه الاستعلاء؛ فتراه يصف من خالفه بسطحية التفكير وعدم الفقه والانشغال بقضايا أقل أهمية وتضييع قضايا الأمة...
بل تجاوزوا فجعلوا القول الفقهي المخالف لرأيهم وما اعتاده طائفة من أهل البلد: قولا مفرقا يلام من أفتى به ويعاتب، بل ينكر عليه
بخلاف القول الموافق لرأيهم وإن خالف ما اعتاده أهل البلد!!
وهو نتيجة تعصبهم لأفكارهم وأحدية الحق فيها.

وهذا الغلو والاستعلاء إذا استمر من غير نكير فسيقود إلى ما لا يحمد عقباه من استحلال السيف.

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
14-ربيع الأول-1444
18-اكتوبر-2022

ما علاقة #المفتي الشيخ #الصادق_الغرياني بالتيار الذي سميته ب (#تيار_المفتي )
وهل من الظلم نسبة هذا التيار إلى الشيخ؟

وهل هو تيار؟
[نعم، ينطبق عليهم ضابط التيار فهم مجموعة توالي وتعادي على أفكار رموزها
ففرقت الامة المتفرقة وتحزبت على آرائها وعادت مخالفيها ووصفتهم بأقذع الأوصاف وأشنعها
فاستدعى ذلك وصفها بأنها تيار مفرق للأمة؛ عسى أن يرجع ويؤوب
فهم بهذا التفرق وهذا الولاء والبراء يزيدون من تسلط الأعداء على المسلمين ويفتحون الباب للتنفير من أهل العلم الذين يخالفونهم ...
فالمفرق ليس الذي ينكر على التيار خروجهم عن الوسطية والاعتدال وإنما المفرق من يتحزب على رأيه ويوالي ويعادي عليه ويزيد الأمة انقساما]

ذكرت في منشور سابق أن المفتي هو أبرز معظمي هذا التيار، حتى جعلوا أقواله وآراءه المخصوصة لا تقبل النقاش، وجعلوا القول المخالف لاجتهاده غير معتبر، بل زادوا فخونوا من أخذ بالقول المخالف له فيما يتعلق بالشان العام!!
فالشيخ يعتبر لهذا التيار هو الأب الروحي -إن صح التجوز -
وإذا نظرنا إلى الأفكار التي نشأ عليها هذا التيار وقد بينتها في منشور سابق
وجدنا أن الشيخ لا يقول بها كلها، فالشيخ لا يرى عدم انحصار الحق في أهل الحديث، بل الشيخ لا يرتضي انتساب متأخري الأشاعرة لأبي الحسن الأشعري؛ لأنهم خالفوه في منهجه وآرائه، وهذا ما صرح لي به الشيخ في ٢٠١٢ -فيما أذكر- في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ناقشته في هذا الباب.
لكن الأمر المستغرب أن هذا التيار يرى عدم انحصار الحق في أهل الحديث، ويذاع ذلك علانية في التناصح وفي الكلية وفي دورات التقوية...
ولم نر إنكارا من الشيخ ولا نصرة من رد على هذا التوجه!!
بل يوجد في بعض أجوبته عندما سئل عن الخلاف الذي دار في هذا الباب توجيه إلى عدم الإنكار في هذه المسائل!
والغريب أن القناة لم تلتفت إلى هذا التوجيه !!

فتلخص أن الشيخ فيما نحسب لا يقول به لكن سكت عنه مع تعلقه بقطعيات الشريعة!!
مما جعل التيار يستمر في غيه...

ومن الأفكار التي نشأ عليها هذا التيار: عدم اعتبار القول المخالف لآراء الشيخ في السياسة والشان العام، وتخوين وتأثيم المخالف!
وهذا الأمر أكثر التصاقا بالشيخ بالنظر إلى طريقة الشيخ في عرضه المسائل السياسية وما يتعلق بالشأن العام وربط الأحكام بها
فهو بهذا العرض يغذي هذا التوجه من هذا التيار...
وتوضيح ذلك أن الشيخ عندما يعرض ما يراه حكما شرعيا لنازلة سياسية أو ما يتعلق بالشان العام تجده يعرضها على أن قوله فيها هو الحق دون غيره وأنه هو حكم الله ولا يعذر فيه المخالف في باب يقوم على الموازنة بين المصالح والمفاسد، ولا يكاد المجتهد المقاصدي يقطع فيه بشيء؛ لقوة  التعارض..
ومع ذلك نجد الشيخ يقطع فيه ويؤثم من غير أي إشارة إلى أن قوله لا يخرج عن كونه اجتهاديا يقبل الصواب والخطأ...
فهذه الطريقة في العرض منه جرأت هذا التيار على الاستطالة في عرض من خالف رأي الشيخ واعتباره خائنا بائعا دينه بحطام من الدنيا، ومن غير نكير منه ولا ممن هو قريب منه!!
وهذا يستدعي من الشيخ تبيين أن رأيه صواب يحتمل الخطأ، وأنه لا يجوز تعليق الولاء والبراء عليه.

وقد كنت ناقشت الشيخ نقاشا أحسب أنه بعلم وأدب واحترام
[ مناقشة #المفتي الشيخ الصادق الغرياني في تنزيل الحكم العام المجرد على الواقعة المتعينة...]:
http://abuasmaa12.blogspot.com/2022/06/blog-post_9.html.

فإذا تبرأ الشيخ من هذه الفكرة التي قام عليها هذا التيار وأنكر فكرهم في عدم انحصار الحق في أهل الحديث وحارب الغلو فيه وأنكره كانت نسبة التيار إليه كنسبة دم ابن يعقوب إلى الذئب، وكما لا يصح انتساب متأخري على الأشاعرة للأشعري كذلك لا يصح نسبة هذا التيار إلى الشيخ.
لكن هذا كله منوط بتبرئة الشيخ نفسه من غلو التيار فيه ورفع أقواله منزلة الوحي.
وله أسوة في تبرئة الصحابي الجليل علي بن أبي طالب نفسه ممن تشيع له وألهه ورفعه فوق منزلته

بقي أن أشير إلى أني لما ذكرت في المنشور السابق أنه لا علاقة للمنشور بكل من ينتسب إلى دار الإفتاء
فهِم من لا يفقه دلالات الألفاظ أني أستبعد من انتقدتهم سابقا ممن ينتسب إلى الدار كمحمد أبو عجيلة ومن رضي قوله وروجه له، وغيره ممن ذكرتهم سابقا في مقالاتي...
وهذا فهم غريب؛ ذلك أني نفيت الاستغراق في قولي( ولا [بكل] من ينتسب إلى الدار) ونفي العام أو سلب العموم هو بيان أن النفي ليس شاملا لكل فرد ينتسب إلى الدار، وإنما يفيد ثبوته لبعض الأفراد ونفيه عن البعض الآخر.

والأغرب أن تجد من هذا التيار من يحمل كلامي وانتقادي على أنه عداء شخصي لا يراد منه إلا الانتقاد وأني لم أنتقدهم إلا بعد أن تركت التدريس معهم في المعهد
وقد نال هذا التيار من عرضي الشيء العجيب
فيا لله العجب
بدل أن يناقشوا الأمر نقاشا علميا ويتبرؤوا مما نسبته إليهم
انتقلوا إلى الأسهل وهو الطعن والسب
والكذب!!
وليعلم هؤلاء أني انتقدت محمد أبو عجيلة باسمه في صفحتي على الفيس وأنا لازلت أدرس عندهم في المعهد
وبينت اعتقاد الأشاعرة وأنا أدرس معهم، إلى غير ذلك...

ثم لو سلمنا جدلا أني لم أتكلم إلا بعد أن تركتهم ألا يكون السكوت في ذلك الوقت مصلحة ؟!!
أم أن المصلحة لا يفقهها إلا هم؟!!

وأخيرا لا حيلة لي مع هؤلاء الذين يطعنون إلا الدعاء لهم بالهداية.

كتبه د أحمد محمد الصادق النجار

21-اكتوبر-1444

http://abuasmaa12.blogspot.com/2022/10/blog-post_21.html

السبت، 15 أكتوبر 2022

وقفة مع مقولة: الانشغال بالجزئيات وترك قضايا الأمة

 محاولة توجيه الدعاة وطلبة والعلم والعلماء إلى الانشغال بقضايا الأمة وما يتعلق بالشأن العام للدول وتعاملها مع الغرب

عن طريق لومهم وتسفيه خدمتهم للدين بتوضيح الجزئيات
وقول بعضهم: كلامهم في بدعة كذا وكذا أعظم من كلامهم في قضية كذا وكذا: أمر في غاية الخطورة؛ إذ الانشغال بالقضايا العامة يجب ألا يصدر إلا من أهله، ولا يصح فتح الباب فيه لكل عالم فضلا عن الدعاة وطلبة العلم؛ لما لهذه المسائل من خصوصية، فهي قائمة على نظر خاص متعلق بالموازنة بين المصالح والمفاسد، والذي يعتبر فيها إقامة الحياة الدنيا للآخرة، ولا مدخل فيها للأهواء في جلب المصالح ودفع المفاسد...
فتوجيه كل أحد للانشغال بها: ضرره أعظم من نفعه، ولهذا لما خاض في هذا الباب من لا يحسن دخل على الأمة فساد عظيم..
وإذا كان كثير من طلبة العلم غير متضلعين في أحد شرطي الاجتهاد وهو العلم التفصيلي بمقاصد الشريعة، -هذا العلم الذي يقوم عليه الكلام في الشأن العام وقضايا الأمة مع معرفة دقيقة بالواقع وتداخل المصالح والمفاسد فيه-
فكيف يطلب منهم الانشغال بقضايا الأمة؟!
وقد أثبت الواقع أن أكثر المنادين بهذا يتحركون في قضايا الأمة من العاطفة والحماس لا من التأصيل الشرعي المبني على معرفة الواقع والأمر بالواجب.

فإن قيل: ليس المقصود أن يكون لهم رأي في قضايا الأمة، وإنما المقصود ألا يشغلوا الأمة بالجزئيات عن قضاياها الكبرى.
قيل: إن كنت تقصد بالإشغال بالجزئيات: عدم الكلام عنها والسكوت عن بيان حكم ما دعت الحاجة إلى بيانه فهذا ينافي  العهد الذي أخذ الله على أهل العلم لتبيينه للناس ولا تكتمونه
ومن سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجمام من النار، ولا فرق في ذلك بين بيان حكم جزئية أو حكم قضية.

وإن كنت تقصد بالإشغال: الكلام عن أمور انقضى وقتها فقد تطور الناس وصعدوا إلى القمر وأنتم مازلتم هذه سنة وهذه بدعة فهذا ينافي أصل الاستسلام لله والانقياد لأوامره، وصاحبه معرض إيمانه للبطلان.

وإن كنت تقصد بالإشغال: أن الكلام في الجزئيات يجر إلى تعصب كل متكلم إلى رأيه وتسفيه غيره واتهامه في دينه
فهنا ليس الإشكال في الكلام عن أحكام الجزئيات وإنما الإشكال في التعامل مع مسائل الخلاف، ولذا كان الواجب ترشيد الخلاف وبث فقه الخلاف لا ذم الكلام في المسائل الجزئية، وتصوير أن الكلام فيها إشغال للأمة عن قضاياها؛ حتى آل إلى إهمال شيء من الدين بدعوى أنه يقود إلى التعصب ...
والأدهى أن كثيرا من أصحاب هذه الدعوى هم من يشعلون فتيل الحرب، ثم يظهرون أنفسهم للناس بثوب الناصحين الحريصين على قضايا الأمة!!
نعم؛ لو ترجحت مفسدة الكلام على مصلحة السكوت لكان الواجب السكوت
لكن بيان الرجحان من المرجوحية يختلف من وقت إلى وقت ومن مكان إلى مكان، ويتعلق بنظر المجتهد.

وهناك إشكال أكبر وهو الخلط بين واجب الوقت المضيق الذي لا يسع غيره وبين واجب الوقت الموسع الذي يسع معه غيره ، فعند الخلط بين الواجبين يقع الالتباس.
فمثلا: عندما يهاجم العدو بلدا فهنا واجب الوقت في الجهاد ولا يسع غيره، ولن يلتف ملتفت إلى غيره أصلا، بل نجد أنه لا تأثير للعقائد المتناقضة والمذاهب المختلفة في منع أصحابها من الوقوف يدا واحدة ضد العدو؛ لما فطر الله عليه العباد من الانشغال بما مصلحته أعظم، فحفظ النفس هنا يقدمه كل عاقل على الاختلاف الدائر بينهم.

فإن قيل: أليس الاختلاف في الجزئيات يؤدي إلى الشقاق ويضعف الأمة أمام قضاياها؟
قيل: الذي يضعف الأمة أمام قضاياها بعدها عن الاعتصام بالكتاب والسنة وما كان عليه الجيل الأول، فعدم التفرق نتيجة الاعتصام بالكتاب والسنة قال تعالى:[واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا]
فالذي طلبه الله بالقصد الأول هو الاعتصام وبالقصد الثاني هو الاجتماع، فمن يغلب الاجتماع على الاعتصام خرج عن مقصد الله سبحانه
ولذا كان الواجب توحيد الصف الداخلي على الاعتصام بالكتاب والسنة؛ لتقف أمام التحديات ومكر العدو الخارجي
وكلما ابتعدت الأمة عن هدي الصحابة ابتعدت عن الانشغال بقضاياها
فهذه الحقيقة يجب أن ترسخ في القلوب، وأما رفع الشعارات والتباكي بلا أخذ بأسباب القوة والتمكين فهي مسكنات وخطوة لتسلط الأعداء.
نعم، تذكير الامة بقضاياها مهم، لكن لا يكون على حساب عدم الكلام في الجزئيات والتهوين منها.

فلا يمكن للأمة أن تهتم بقضاياها إذا لم تحسن التعامل في الخلافات بين أفرادها.

ثم إن المتكلم في هذه المسائل يجب أن ينظر إليها من جهة ما قصد الشارع المحافظة عليه من الضرورات والحاجيات والتحسينيات
فليس من الانشغال بقضايا الأمة هدم الدول وإثارة الفتن وتهييج الدهماء
ومن لم يلتفت إلى هذه الجهة فقد ناقض الشريعة فيما وضعت له
ويجب التنبه إلى أن المحافظة على الضروري أمر اعتبرته الشريعة
لكن المحافظة عليه يجب أن يكون بما لا يخل بالضروري نفسه أو بضروري آخر
فبأي شيء يحفظ الضروري هذا أمر لابد أن ينظر إليه من يتكلم في الدول وما أحدثته من إخلال ببعض الضرورات.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار 

الأربعاء، 12 أكتوبر 2022

اجتماع كلمة المسلمين أمام أعدائهم أولوية من الأولويات

 


اجتماع كلمة المسلمين أمام أعدائهم أولوية من الأولويات

إن اجتماع كلمة المسلمين ووحدة صفهم (أمام أعدائهم) تقوم على أساسين -بالنظر الشرعي- لا يتحقق الاجتماع إلا بهما، وهما:
الأساس الأول: الاعتصام بالكتاب والسنة، فلا يمكن للمسلمين أن تتوحد كلمتهم إلا إذا توحدت أصولهم التي يستمدون منها عقائدهم وفقههم وسلوكهم...
وهنا تأتي المعضلة الكبرى واقعيا وهو اختلاف أهل الإسلام في جنس ما يكون دليلا ثم اختلافهم في كيفية وآلية فهم الكتاب والسنة
فالاختلاف بين أهل الحديث وأهل الكلام اختلاف في جنس الدليل وهو خلاف أصول
والاختلاف بين المذاهب الأربعة اختلاف في فهم الدليل؛ لاحتماله، واختلاف في آلية الترجيح، وهو اختلاف فروع..

لما كان الأمر كذلك احتجنا في تحقيق الاجتماع الذي نحتاج إليه للوقوف أمام تسلط الكفار على المسلمين إلى الأساس الثاني؛ حتى يُرَشَّد الخلاف بما يحفظ به الدين، ويبقى معه أصل الاجتماع وإن تعذر كماله...
وهذا الأساس الثاني هو: سلامة القلوب وحسن التعامل مع الخلاف والمخالف؛ ذلك أنه لما كان الخلاف بين أهل الإسلام تارة يكون خلاف أصول وتارة يكون خلاف فروع
كان لابد من سلامة القلب لكل من أخطأ وهو يريد أن يصل إلى مراد الله، ومن حسن التعامل معه..

ولا تعني هذه السلامة تصويب من أخطأ في الأصول ولا جعل اجتهاده من الاجتهاد السائغ ولا جعل قوله من القول المعتبر..

فقد أخطأ خطأ عظيما من جعل اجتماع كلمة المسلمين سبيلا لتصحيح الأقوال والاعتقادات التي لم تبن على جنس الدليل المعتبر، أو سبيلا لتصحيح كل اجتهاد واعتباره سائغا..
ولا تعني أيضا عدم التشهير بمن كان ضرره على عموم المسلمين أعظم إذا اقتضى المقام ذلك وتوقف عليه حفظ الأمة، ولا تحفظ الأمة إلا بحفظ دينها؛ إذ التصدع الداخلي ببث مزيد من الفرقة والابتعاد عن مصدر الوحي وما عليه الصحابة سبب لهلاك الأمة وتسلط الأعداء عليها
قال الشاطبي ِ-رحِمه الله- في ( الاعتصام (2/ 731) ): “فمثل هؤلاء لابد من ذكرهم, والتشهير بِهم؛ لأن ما يعودُ على الْمُسلمين من ضررهم إذا تُركوا أعظم من الضرر الْحَاصل بذكرهم, والتنفير عنهم, إذا كان سبب ترك التعيين الْخَوف من التفرق والعداوة, ولا شكَ أن التفرق بين الْمُسلمين والداعين للبدعة وحدهم إذا أقيمَ عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين ومن شايعهم واتبعهم, وإذا تعارض الضرران فالمرتكب أخفهما وأسهلهما, وبعض الشرِّ أهون من جَميعه, كقطع اليد الْمُتآكلة, إتلافها أسهل من إتلاف النفس, وهذا شأن الشرع أبدًا: أن يطرح حكم الأخفِّ وقايةً من الأثقل”

ويجب التنبيه على أنه لا تعارض بين اجتماع كلمة المسلمين وبين النقد والردود التي تكون بين الطوائف والمذاهب؛ لما فيها من مصلحة لعموم المسلمين، فهذه الردود مما يصلح الله بها بعض المسلمين ببعض ..
ولذا كان من أصول الإسلام: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الأصل يقتضي النصح بين أفراد الأمة، وهو مما يحفظ الله به الأمة...
وكما أن إقامة الحد وإنزال العقوبة على العصاة لا ينافي اجتماع كلمة المسلمين كذلك ما تقتضيه مصلحة الأمة من الرد على المخالف وإنزال العقوبة الشرعية عليه لا ينافي اجتماع الكلمة أمام الأعداء..

وفي مقابل أولئك من يلغي اعتبار سلامة القلوب ظانا أن هذا تمييع للدين؛ فيفتح على الأمة باب الغلو ويضعفها أمام أعدائها.

فنحن في الواقع بين غلويين: غلو في جانب السلامة حتى عومل الخلاف في الأصول معاملة الخلاف في الفروع
وغلو في جانب الاتهام والإسقاط حتى ألغي النظر المقاصدي الذي يحفظ به الدين، وحفظ الأمة من حفظ الدين...
فيجب أن نتعامل على أننا أمة واحدة في مقابل أعدائها؛ وذلك يتطلب ترشيد الخلاف بين الأمة لا إسقاطه
وهذا الترشيد سبب لمنع تسلط الأعداء على الأمة وحفظ لها، وبحفظ الأمة يحفظ الدين.

فهذه إشارة مختصرة في فقه الاجتماع وأولويته.

كتبه د أحمد محمد الصادق النجار 

الأحد، 9 أكتوبر 2022

حكم المسابقات الدينية

 ما الأصل التي ترجع إليه مسألة حكم المسابقات القرآنية والعلمية؟

إن معرفة أصول المسائل أمر لابد منه؛ حتى لا يفرق بين المتماثلات أو يجمع بين المختلفات
وإن من المسائل التي تتفق في كونه محدثة: المسابقات والتأليف في العلوم وتخصيصها بأسماء وإنشاء الكليات والمعاهد في العلوم الشرعية والاحتفال بالمولد وبعيد الأم وباليوم الوطني ...
فهذه كلها محدثة لم يفعلها الصحابة ..
وهنا يأتي السؤال هل هذا الجامع -وهو الإحداث- موجب أو هو جزء علة أو هو مقتض يحتاج إلى توفر شروط وانتفاء موانع؟
بمعنى هل وصف الإحداث وحده كاف في الحكم بالجواز أو بالمنع أو لابد معه من توفر شروط وانتفاء موانع حتى يقتضي الحكم؟
وبمعنى آخر هل يكفي في الحكم على المسابقات أن نقول هي محدثة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة؟
ثم منهم من يجعل الإحداث دليلا على المنع فتكون محرمة، ومنهم من يجعل الإحداث دليلا على الجواز فتكون مباحة...
وإذا كانت المسابقات محرمة أو مباحة فهل يأخذ الاحتفال بالمولد وإنشاء المعاهد ... نفس الحكم؛لاتحادها في كونها محدثة أو أن الحكم يختلف؛ لاختلاف الصور فمنها ما تتحقق فيها الشروط وتنتفي فيها الموانع، ومنها لا؟

(وهنا وقفة لمن يطلق الأحكام من غير أن يراعي الضوابط التي ذكرها العلماء، أو يجمع بين المختلفات، بل تجد بعصهم لا يفقه ترتيب الأحكام على العلل والمقاصد ويتكلم في هذه المسائل، وبعضهم أعجزه الفارق فصار يدعو إلى إهمال هذه المسائل مع أنها من الدين والانشغال بقضايا الأمة
ولا أدري كيف لمن جهل تأصيل هذه المسائل ولم يضبطه أن يشتغل بقضايا الأمة؟!!
وكيف له أن يوازن بين المصالح والمفاسد في قضايا شائكة؟!!)

نعود إلى بيان حكم المسابقات الدينية، فنقول:
الوصف بالإحداث لا يكفي وحده دليلا على المنع ولا على الجواز
بل لابد أن ينظر مع الإحداث إلى المسالة نفسها هل هي عادة محضة ولا تعلق لها بالتدين والتعبد أو أن لها تعلقا بالتعبد والتدين؟
فإن كان لا علاقة لها بالتعبد من كل وجه فإن كونها محدثة لا يدل على المنع وإنما يدل على الجواز كاستعمال السيارة والطائرة ...

وأما إن كانت المسألة لها تعلق بالتعبد فهي إما أن تجعل طاعة يتقرب إلى الله بها وإما أن تجعل وسيلة إلى  طاعة..
فإذا جعلت طاعة؛ فالأصل في الطاعة: التوقيف، بمعنى لابد أن يدل الشرع على أنها طاعة، فإذا لم يدل الشرع على أنها طاعة كان وصف المسألة بأنها محدثة دليلا على المنع كمن يخصص يوما بصيام أو ليلة بقيام لأجل اليوم والليلة
فسكوت الشارع عنها دليل على أن مقصده عدم جعلها طاعة..

وإذا جعلت وسيلة إلى الطاعة - فالوسيلة يكون لها حكم المقصد بقيود:
١-ألا تكون الوسيلة منهيا عنها، فاذا كانت منهيا عنها فإنها تكون محرمة ولو أفضت الى عبادة
٢-ألا تكون وسيلة الطاعة موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها مع عدم وجود المانع فعدم فعلها يدل على أنها بدعة
ألا ترى أن الصحابة منعوا من الأذان لغير الصلوات الخمس مع أنه لم يرد فيه نهي خاص
٣-ألا تكون الوسيلة سبب إحداثها تفريط منا فتكون أيضا بدعة.

فالمسابقات الدينية قد ورد فيها أدلة تجعلها وسيلة مشروعة
فمع عدم فعل السلف لها؛ لعدم وجود مقتضيها إلا أنه ليس في الشرع ما ينافيها، بل في الشرع ما يدل عليها؛ فقد أخرج الترمذيُّ: أنَّ أبا بكرٍ الصدِّيقَ رضي الله عنه وأرضاه رَاهَنَ كُفَّارَ مكَّةَ على غَلَبَةِ الرومِ للفرس، فقال لهم: إن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم فلكم كذا وكذا ...
وهي تحقق مقصد حفظ الدين وتقويته في النفوس..
وهي في معنى قول النبي  الله عليه وسلم: " لا ‏سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" رواه الترمذي.
وفيما أخرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء...
قال ابن حجر في الفتح ٦/٧٣:(وفي الحديث مشروعية المسابقة، وأنه ليس من العبث، بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المصالح في الغزو)
فإذا جاز في سباق الخيل لتحقيق مصلحة الجهاد في سبيل الله  فالمسابقة في العلم من باب أولى.

فظهر لنا الفارق بين إقامة المسابقات الدينية التي هي وسيلة ورد في الشرع ما يدل عليها ولا يوجد ما ينافي فعلها..
وبين الاحتفال بالمولد وباليوم الوطني الذي ورد في أدلة الشرع ما ينافيه، فقد أجمع السلف على تركه مع وجود مقتضيه ولا مانع.
فالمسابقات الدينية تجلب مصلحة راجحة وليس في الشرع ما ينافيها
والملاحظ أن المعنى في المسابقات معقول

بينما الاحتفالات البدعية فهي وإن كان فيها مصلحة إلا أنه لما كان في الشرع ما ينافي الاحتفال كانت المفسدة أرجح من المصلحة.
والملاحظ أن المعنى في تعظيم الزمن غير معقول
ووجد مقتضيها عند السلف ولا مانع

والضابط في المصلحة المرسلة ما جلب مصلحة راجحة وليس في أدلة الشرع ما ينافي الفعل، وكان المعنى فيها معقول.
ومما يدخل تحت المصلحة المرسلة إنشاء المعاهد الشرعية والكليات والتصنيف في العلم والتخصصات الشرعية ...

وأما التسجيل وتصوير المحاضرات واستعمال ما يرفع الصوت فكلها أدوات وليست وسائل فهي من قسم المباحات وتحقق مصالح، فكما كان يؤدى العلم بالصوت ويراعى في الخطبة المكان العالي وفي الأذان المكان المرتفع يؤدى أيضا بكل ما يتحقق به نشره وإيصاله للناس من الأدوات الجديدة.

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار 

الجمعة، 7 أكتوبر 2022

حكم #الاحتفال_بالمولد_النبوي بالنظر إلى الواقع وما أفضى إليه القول بالجواز, 

حكم #الاحتفال_بالمولد_النبوي بالنظر إلى الواقع وما أفضى إليه القول بالجواز, 


فإن واقع المحتفلين بالمولد النبوي وهو واقع الكثير أو الغالب أنه يصاحب احتفالهم أدعية تشتمل على أمور شركية وبدعية كالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وطلب الحاجات منه, 

وكذلك يصاحب احتفالهم ألعابا نارية تهدر فيها الأموال وتذهب ببعض الأعضاء وربما الأنفس؛ حتى صار هذا الواقع  مصاحبا للاحتفال في الكثير أو الغالب مصاحبة لا تنفك, 

فأصبح الاحتفال وسيلة إلى القدح في الضرورات الخمس؛ لأنها سبب للتعدي على الدين وسبب لقتل الأنفس.

 فلو سلمنا جدلا أن احتفال من قبيل العادة التي تصيره مباحا, فالقاعدة الشرعية المقاصدية أن كل ما أدى إلى المفسدة كثيرا أو غالبا تأتي الشريعة بالنهي عنه وإن كانت فيه مصالح, ولذا حرم عليه الصلاة والسلام الخلوة بالمرأة الأجنبية، وأن تسافر مع غير ذي محرم, ونهى عن بناء المساجد على القبور, وعن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها.

قال الشاطبي في الموافقات (3/ 85): (والشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم، والتحرز مما عسى أن يكون طريقا إلى مفسدة، فإذا كان هذا معلوما على الجملة والتفصيل؛ فليس العمل عليه ببدع في الشريعة، بل هو أصل من أصولها، راجع إلى ما هو مكمل؛ إما لضروري، أو حاجي، أو تحسيني)


ولا يقال: الأصل فيها الإباحة؛ لأن المقصود بالأشياء هنا التي لم يدل دليل على النهي عنها إما بدليل كلي أو جزئي, والمانعون يقولون: فيها ضرر غالب أو كثير , وهذا يستدعي تحريمها، فما كان فيه ضرر فالأصل فيه المنع لا الإباحة ولو كان في أصله مباحا.


ولا يقال أيضا: وسيلة لها أحكام المقاصد؛ لأن هذه الوسيلة تفضي غالبا أو كثيرا إلى المحرم.

والوسائل التي تفضي غالبا أو كثيرا إلى محرم فإنها تكون محرمة

فكيف إذا أفضت إلى إذهاب الدين والأنفس؟!


ولا يقال أيضا: تعتريها الأحكام الخمسة؛ لأنها تفضي إلى الحرام، وما يفضي إلى الحرام لا يكون إلا حراما 


هذا كله إذا سلم أن الاحتفال ليس بدعة ابتداء، فكيف إذا كان في الأصل بدعة؟!


كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 6 أكتوبر 2022

التأصيل لفقه المناسبات

 التأصيل لفقه المناسبات 


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد، فالمقصود بفقه المناسبات هو أن يبين للناس ما يتعلق بالمناسبة التي حدثت في زمن أو مكان من أحكام شرعية وما ورد حولها من فضل خاص

فالفقه هنا أعم من الفقه الاصطلاحي.

فإذا أقبل شهر رمضان فمن الفقه أن يبين للناس ما ورد فيه من فضل خاص وأن يُذَكروا بأحكام خصها الله بهذا الشهر، وإذا دخل شهر ذي الحجة ذُكِّر الناس بأحكام الحج، وإذا دخل شهر محرم بُيِّن للناس فضل صيام عاشوراء، وإذا زار مريضا ذكره بأحكام المرضى، فهو بيان لما شرعه الله في الأزمنة الخاصة والأحوال الخاصة..

وكذا إذا أقبل على الناس مناسبة غير شرعية فمن الفقه أن يبين للناس حكمها..

إلا أن هذا الفقه المضاف إلى المناسبة المتعلقة بالزمن أو المكان أو الحال قد يكون مشروعا وقد يكون غير مشروع؛ مما تطلب بيان الضابط في المشروع وغير المشروع.

ففقه المناسبات يكون مشروعا في حالين:

الحال الأولى: أن تكون المناسبة قد ورد فيها فضل خاص أو أحكام  شرعية خاصة

فهنا من الفقه تخصيص الكلام عنها إذا جاء وقتها، كتخصيص الكلام في شهر رمضان عن شهر رمضان. وتخصيص الكلام عن أحكام الحج إذا دخل شهر ذي الحجة

فلما كان الباعث على التخصيص شرعيا كان الفقه المضاف إلى المناسبة الشرعية شرعيا بقيد ألا يتجاوز التذكير ما ورد في النصوص الشرعية

فيوم الجمعة لما كان يوما فاضلا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخصيصه بما لم يرد به الشرع، كتخصيص يومه بصيام أو ليله بقيام؛ ذلك أنه لما كان فضل هذا اليوم مظنة لاعتقاد أن صومه أفضل من صوم غيره جاء النهي عن تخصيصه بصوم، وهذا فيه عدم تجاوز المشروع. 


الحال الثانية: إذا كانت المناسبة غير شرعية بمعنى لم يرد في زمنها ولا مكانها فضل خاص ولا تعلق بها أحكام شرعية فهنا لاىيتعلق بها فقه ولا تذكير؛ لأنه تنشأ مفسدة من تخصيص ما لا خصيصة له؛ إذ تخصيص هذه المناسبات بالدروس فضلا عن الاحتفال؛ مظنة لاعتقاد أن فيها فضلا خاصا، فلما كان التخصيص مظنة لاعتقاد فضل، ولا فضل فيه كان التخصيص داخلا في الابتداع؛ إذ ما من تخصيص إلا ولابد أن يكون له باعث.

واعتقاد الفضل فيما لا فضل فيه مستلزم إما عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم به أو كتمانه، وكلاهما منتف..

ولو كان التخصيص خيرا لما أهملته الشريعة.

وأمثل هنا بمن يخص ليلة الإسراء والمعراج بتذكير الناس بها

ومن يخص يوم الثاني عشر من ربيع الأول أو شهر ربيع بذكر سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشمائله

فهذا ليس من فقه المناسبة المشروع؛ لأن التخصيص مظنة اعتقاد أن ذكر سيرته صلى الله عليه وسلم في هذا الزمن أفضل من غيره

ومولد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر لا يدل على فضل الشهر نفسه

وحتى لو سلمنا جدلا أنه يدل على فضل الشهر فهو لا يدل على فضل العمل فيه.

فإن قال قائل: أنا لا أعتقد الفضل، وإنما هو زمن كغيره من الأزمنة، ولا اعتقد أن الفرح فيه والعمل أفضل من العمل في غيره.

قيل: إن سلمتَ من اعتقاد الفضل -وهو بعيد- فلن تسلم من موافقة من يعتقد الفضل أو خوف اللوم منهم أو اتباع عادتهم، فرجع الأمر إلى التشبه أو التدين لغير الله.

فإن قال: الباعث هو التذكير.

قيل: التخصيص يمنع من أن يكون هذا هو الباعث؛ لأن التذكير يكون في كل وقت، ولا يحتاج إلى تخصيص، فلو خلت النفس من اعتقاد الفضل امتنع أن تعظمه وإذا امتنع التعظيم امتنع التخصيص.

فإن قال: لما كانت المناسبة حاضرة ناسب التذكير بها.

قيل: التذكير بها في الوقت المخصوص هو فرع اعتقاد فضله أو موافقة عادة من اعتقد فضله فرجع الأمر إلى أن الباعث غير ديني.

والمناسبة ليسب سببا باعثا للتخصيص؛ لأن التخصيص المتكرر ينشأ من اعتقاد فضل.

وما من مصلحة تقدرها إلا والمفسدة راجحة عليها

فمصلحة التذكير بالسيرة، وإذكاء المحبة, يقابلها مفسدة، الابتداع في الدين، واعتقاد ما ليس فيه فضل بأن له فضلا

ولازم الابتداع اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بخيانة الأمانة، وفيه فتح الباب لأهل الغلو أن يغلوا في النبي صلى الله عليه وسلم ويرفعوه فوق منزلته, وهذه المفسدة أرجح من المصلحة المتوهمة, ودفع المفسدة الراجحة مقدم على جلب المصلحة المرجوحة، فكيف بالمتوهمة؟!!


كتب

د.أحمد محمد الصادق النجار 


الأربعاء، 5 أكتوبر 2022

 من الفتاوى غير المنضبطة ما سمعته من أحد المشايخ في برنامج مع #دار_الإفتاء

أرسله لي أحد طلبة العلم 


يُجَوّز فيه تخصيص أكلٍ في يوم معين مقصود، ويمنع من تخصيص احتفال في يوم معين مقصود، وهو #الاحتفال_بالمولد 


مع أن التعليل الذي يعلل به الراسخون في العلم واحد، فتعليل المنع من الاحتفال بالمولد هو تعظيم اليوم وقصده بالاحتفال، وهذا التعليل يقتضي المنع من تحصيص أكل؛ لأن تخصيص أكل إنما كان لأجل تعظيم اليوم وقصده. 


قال الونشريسي المالكي تحت فصل : ( بدعة اتخاذ طعام معلوم في بعض المواسم ) من كتابه : {المعيار المعرب و الجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية و الأندلس و المغرب} : (( و منها – أي من البدع - اتخاذ طعام معلوم في ميلاد النبي صلى الله عليه و سلم و في بعض المواسم )) (2/489) 


فإن قلت: الأكل عادة.

قلنا: والاحتفال يراه طائفة بأنه عادة.

فإن قلت: الاحتفال باليوم تعظيما للزمن يخرجه من كونه عادة.

قلنا: وكذلك الأكلة المعينة التي جعلت تعظيما لليوم تخرجها عن كونها عادة.

فإن قلت: علة المنع من الاحتفال ترك الصحابة مع وجود مقتضيه ولا مانع.

قلنا: وكذا من علل منع تخصيص أكلة تعظيما لليوم ترك الصحابة مع وجود مقتضيه ولا مانع. 


فهناك فرق بين أن يكون اليوم مقصودا بالتعظيم ولأجله وقع الفعل

وبين أن يكون اليوم غير مقصود كمن خصص يوما للدرس لأجل أنه يناسبه، ومن خصص أكلة في يوم لأجل أنه يحبها... 


لكن الذي لفت انتباهي في المقطع أنه هون من الخلاف في حكم الاحتفال حتى صور أن المسألة من باب الأولى والأسلم حيث قال:( فمنهم من رأى أن السلامة الابتعاد عن هذه الأمور؛ لأنه لم يعهد عن العلماء السابقين من سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم ...فالاولى الابتعاد عنها هكذا رأى بعض العلماء...)

مع أن المسالة صنفها المانعون على أنها من البدع، وليس هو مجرد منع، فضلا عن أن يكون أولى..

فلا أدري أمثال هؤلاء كيف يصدرون للفتوى وهم لا يدركون مآخذ الأقوال وما الذي ينتج عنها؟!! 


ولا يلزم من تصنيف المسألة بكونها داخلة في باب البدع: التضليل والحكم على المعين بالابتداع كما هو معلوم عند المحققين... 


ثم نسب صاحب هذا المقطع لابن تيمية ما لم يقله فقال:( إن شيخ الاسلام ابن تيمة الذي رأى أن الاحتفال بالمولد النبوي لا يجوز على رأيه الفقهي قال إن بعض الناس قد يصنع الأطعمة فرحا بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ويطعمها الناس ويكون له فيه أجر نظرا لتعظيمه رسول الله صلى الله عليه وسلم) 


وهذا لم يقله شيخ الإسلام وإنما مفاد كلامه أن الجاهل بحكم المولد إذا احتفل بالمولد تعظيما ومحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد يؤجر على نية التعظيم لا على فعل الاحتفال، ولم يتكلم عن الأطعمة قال ابن تيمية في الاقتضاء (٢/١٢٣): (وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع)

وقال في (٢/١٢٤): ( وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع ما لهم من حسن القصد والاجتهاد اللذين يرجى لهم بهما المثوبة)

وقال في (٢/١٢٦): (فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم) 


والأعجب أنه منع من الاحتفال بالمولد ثم جعل من الغلو تحريم كل ما يسمى احتفالا ولو كان عادة كأكل العصيدة

وهذا تناقض بين؛ إذ إن منع الاحتفال لأجل اليوم يقتضي منع كل مظهر من مظاهر الاحتفال لأجل اليوم

فالاحتفال ليس مجرد فرح، وإنما كل ما فعل لأجل اليوم يسمى احتفالا ولو كان في الأصل من باب العادة.  


ثم ذكر صورة تحرم فيها أكل العصيدة وهو إذا صاحبها اعتقاد أنه لو لم يصنعها ستصيبه مصيبة ...

وهذا التقييد منه بالاعتقاد -لو كان يدرك-يقتضي المنع من أكل العصيدة في يوم المولد؛ لأن الذي يصنع العصيدة في هذا اليوم إنما يصنعها لاعتقاد فضل في هذا اليوم، وهذا لا يكاد يخلو منه أحد، ولا يقبل أحد ممن يصنعها في هذا اليوم صنعها في يوم آخر!!

فلما قام غي القلب اعتقاد فضل انبعث القلب للتخصيص؛ فإن الترجيح من غير مرجح ممتنع

ولما كان هذا الاعتقاد لا ينفك عن آكل العصيدة اقتضى المنع مطلقا. 


وفي الختام من الخلل أن يسلط الضوء على حكم الاحتفال فيهون منه بذكر أنه مسألة خلافية من غير نظر إلى واقع الاحتفال

فواقع من يحتفل أنه جمع مع احتفاله أنواعا من الشرك والبدع

فتراه يستغيث بغير الله

ومع ذلك لا نجد من هؤلاء من يحرم بصريح العبارة تلك الاستغاثات الشركية!! 


ومقام الفتوى مقام عظيم يحتاج فيه المفتي إلى قوة في الحق وشجاعة وحكمة.. 


كتبه 

د. أحمد محمد الصادق النجار

علة المنع من تخصيص يوم تعظيما له

 يستشكل بعض الإخوة المنع من تخصيص قراءة السيرة في شهر ربيع الأول

مع أن تخصيص رمضان بالدروس ويوم غزوة بدر  بذكر الحادثة لا إشكال فيه

وهذا الاستشكال منزعه عدم النظر إلى الباعث؛ ذلك أنه مما علم بالضرورة الفطرية أنه ما من تخصيص إلا ولابد له من مرجح
فلا تخصيص إلا ويجب أن يكون معه باعث على التخصيص
ولو خلت النفس من اعتقاد فضل في شيء امتنع معه التعظيم وزال التخصيص.
فالباعث على تخصيص رمضان بالدروس ما ورد في رمضان من فضل وما ورد أيضا فيه من عظم الأجور عند الله
فلما كان الباعث شرعيا كان التخصيص شرعيا..

وأما تخصيص يوم بدر بذكر الحادثة فهنا إذا كان ذلك على سبيل تعظيم اليوم حتى يجعل يوم بدر موسما
فحكمه المنع؛ لأن الباعث هو اعتقاد فضل لذلك اليوم اقتضى التعظيم ثم التخصيص
ولا فضل فيه
واعتقاد الفضل مستلزم إما عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم به أو كتمانه، وكلاهما منتف..
ولو كان خير التذكير بيوم بدر وحعله موسما راجحا لما أهملته الشريعة.
نعم فيه منفعة لكن مرجوحة؛ بدليل إهمال الشريعة له.
قال ابن تيمية في الاقتضاء ٢/١٢٣):( وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة مثل يوم بدر وحنين والخندق وفتح مكة ووقت هجرته ودخول المدينة وخطب متعددة يذكر فيها قواعد الدين
ثم لم يوجب ذلك ان يتخذ أمثال تلك الأيام عيدا وإنما يفعل مثل ذلك النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى أعيادا او اليهود وإنما العيد شريعة )

وهكذا القول في تخصيص السيرة والشمائل في شهر مولده صلى الله عليه وسلم، فهذا التخصيص لابد أن يكون له باعث
ولا باعث له إلا اعتقاد أن في هذا الشهر فضيلة ترتب عليه التعظيم ثم التخصيص
ولافضيلة فيه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر شيئا في فضل هذا الشهر.
ومن أراد التذكير بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم فأيام السنة كلها محل للتذكير.

فإن قيل: ما تقولون في تخصيص شهر محرم بالتذكير بيوم عاشوراء؟
قيل: يوم عاشوراء ورد فيه استحباب صيامه، فالتذكير بهذا اليوم وما ورد فيه من فضل لا إشكال فيه؛ لأن الباعث على التذكير ما ورد في هذا اليوم من فضل، لكن لا يجوز أن يتعدى ما شرعه الله في هذا اليوم ...

كتب
د.أحمد محمد الصادق النجار 

الاثنين، 3 أكتوبر 2022

حلوى المولد

 #حلوى_المولد


شيخ احمد سلام عليكم 


ماحكم صنع حلوى المولد، أو أخذها منهم وأكلها واذا كنت موقنا ببدعية المولد لكني احبها ؟ 


وعليكم السلام

الأصل في صنع الحلوى الإباحة.

ومتى ارتبط الصنع بمحدثة كالاحتفال بالمولد فلا يخلو من أحوال:

الأولى: أن تتخذ دينا يتعبد الله بها، فهنا تخرج عن أصل الإباحة إلى البدعة؛ لأنها خُرج بها عن بابها، وألحقت بباب العبادة، وباب العبادة الأصل فيه التوقيف، قال تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله. 

الثانية: أن يعتقد أن فيها فضلا ، أو مزية، أو تأثيرا خفيا بسبب هذا اليوم وفضله، فهنا تكون محرمة؛ لما صاحبها من اعتقاد فاسد.

وهذا الاعتقاد قد يجر الى الشرك الاكبر؛

فمن جعل الاحتفال سببا لجلب نفع او دفع ضر فإنه يكون قد اتخذ ما ليس بسبب شرعي ولا قدري في جلب منفعة او دفع مضرة فيكون قد وقع في الشرك الاصغر ان اعتقد أنه سبب، اما ان اعتقد أنه يؤثر بذاته فيكون قد وقع في الشرك الأكبر.

الثالثة: ان تصنع وتؤكل لأجل المولد من غير أن يصاحبها اعتقاد فاسد، ولا تتخذ دينا

فهنا أيضا تمنع؛

١-سدا لذريعة الشرك والبدعة.

٢- لأجل التشبه بمن يتخذها دينا أو يعتقد فيها اعتقادا فاسدا.

والمشابهة تثبت بمجرد الظاهر، لا القصد.

٣- لما كانت تابعة لمحرم وهو الاحتفال أخذت حكمه، فالتابع تابع.

٤- أنه بني على سبب محرم، وما بني على سبب محرم فهو محرم، وما تولد عن حرام فهو حرام.

٥-لما في ذلك من الاحتفال المبتدع، والإقرار به، والاعانة عليه.


وكذلك أخذها منهم وأكلها: فيه نوع معاونة، والله يقول ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.

كما أن الأكل للحلوى ومحبته قد يجر الى محبة الاحتفال ووقوعه، فيمنع سدا لهذا الباب.


الرابعة:من اعتاد صنع الحلوى وأكلها في يوم معين وصادف ذلك اليوم: اليوم الذي يحتفل فيه بالمولد البدعي فهذا جائز .


ومن زعم أن أكل الحلوى المخصصة للمولد منفك عن بدعة الاحتفال فقد أبعد النُّجعة: لاختصاصها بالمولد، وتقييدها به، وقد لا توجد إلا فيه.


أجاب عنه

د. أحمد محمد الصادق النجار

١٧-١٢-٢٠١٥

جواب أسئلة أثيرت حول #الاحتفال_بالمولد

جواب أسئلة أثيرت حول #الاحتفال_بالمولد

طلب مني بعض طلبة العلم أن أجيب عن هذه الاسئلة
فلبيت طلبه؛ رجاء النفع.

السؤال الأول: هل هي من مسائل العقائد أو هي من مسائل العبادات أو هي من مسائل العادات؟

إذا نظرنا إلى مسألة الاحتفال من حيث هو احتفال من غير تعلقه باعتقاد المحتفل ولا ما يصاحب الاحتفال من أقوال وابتهالات شركية
وجدنا أنها تدرس في باب البدع، ولذا من ألف في البدع وأفرد لها تصنيفا ذكر  منها مسألة الاحتفال بالمولد...
والبدع منها ما يتعلق بالأصول، ومنها ما يتعلق بالفروع
والبدع في الفروع منها ما يخالف إجماع السلف كمسألة الاحتفال بالمولد
ومنها ما تحتملها الأدلة كقنوت الفجر إلا أن بعض الأئمة يطلقون عليها البدعة

وإذا نظرنا للاحتفال من جهة العادات والعبادات والاعتقادات
نقول: هو من العادات التي دخلتها شائبة العبادات
فهي ليست من جنس العقائد المحضة وليست من جنس العبادات المحضة وليست من جنس العادات المحضة
فهي عادة باعتبار ما اعتاده الناس من الاحتفال
ودخلتها شائبة التشريع من جهة تخصيص زمن مقصود للتعظيم
فالزمن وهو اليوم الثاني عشر مقصود لا يقبل الناس أن يتغير
وهذا التخصيص الناشئ عن تعظيم اليوم هو من جنس التشريع الذي لا يكون إلا لله
فالله هو الذي خصص زمن رمضان وخصص مكان عرفة ...
وأما إذا نظرنا للاحتفال وما يصحبه من استغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وطلب التفريج منه فينتقل هنا إلى كونه مسألة عقدية
وإذا نظرنا إليه من جهة اعتقاد المحتفل استحبابه وفضله فينتقل إلى كونه مسألة من مسائل العبادات، والأصل فيها التوقيف.

السؤال الثاني: هل تدخل في باب البدع أو في باب المصالح المرسلة؟ أو في باب المباحات

تقدم في جواب السؤال الأول أنها ليست من العادات المحضة فلا تدخل في باب المباحات، ولا في أن الأصل في العادات الإباحة...

ولما كان جنس المنفعة في الاحتفال بالمولد قد دل عليه الشرع وهو محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره والاحتفاء به
فالاحتفال بالمولد يجلب هذه المنفعة إلا أن في أدلة الشرع ما يجعل اعتبار هذه المنفعة في المولد ملغيا
وهذا الدليل هو الترك الوجودي التشريعي..
فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وبعده وأهل القرون الثلاثة الاحتفال مع وجود داعيه ولا مانع
فهذا الدليل الخاص أخرج الاحتفال بالمولد من المصلحة المرسلة وأدخله في باب البدعة
فكيف إذا أضفنا إليه الأقوال الشركية التي تصاحب الاحتفال وهي تناقض الشرع من كل وجه؟!!

السؤال الثالث: هل هي مسألة خلافية؟ أو هي مسألة إجماعية؟

ترك الاحتفال مع وجود مقتضيه ولا مانع مسألة أجمع عليه أهل القرون الثلاثة
وهذا يجعلنا نصنف المسألة على أنها مسألة إجماعية، فكل من جوز الاحتفال يكون قد خرق الإجماع، وتعد هذه زلة منه.
ولا عبرة بجمهور المتأخرين إذا خالفوا إجماع القرون الثلاثة
فالعالم المتأخر مهما علت منزلته في العلم والفضل لن يبلغ قدر أصغر صحابي...
ولا يلزم من كون العالم المجتهد وقع في بدعة أن يكون مبتدعا
ننبه على هذا؛ لأن هناك من يخلط بين الحكم على المسألة بالبدعة وبين الحكم على المحتفل بأنه مبتدع.

السؤال الرابع: هل الاحتفال بالمولد من قبيل الوسائل أو هو من قبيل المقاصد؟

هو من قبيل الوسائل،  لكن ليس كل وسيلة يكون لها حكم المقصد
فالوسيلة يكون لها حكم المقصد بقيود:
١-ألا تكون الوسيلة منهيا عنها، فاذا كانت منهيا عنها فإنها تكون محرمة ولو أفضت الى عبادة
٢-ألا تكون وسيلة الطاعة موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها مع عدم وجود المانع فعدم فعلها يدل على أنها بدعة
ألا ترى أن الصحابة منعوا من الأذان لغير الصلوات الخمس مع أنه لم يرد فيه نهي خاص
٣-ألا تكون الوسيلة سبب إحداثها تفريط منا فتكون أيضا بدعة.

فالاحتفال بالمولد وسيلة وجد داعيها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ولم يفعلوها وليس هناك مانع يمنعهم، وهذا يقتضي المنع.

السؤال الخامس: هل كل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم هو بدعة؟
الجواب: لا، لأن عدم فعلهم قد يكون لعدم وجود سببه، وقد يكون لوجود مانع كصلاة التراويح، وقد يكون عدم فعلهم للجبلة، كترك أكل الضب
وإنما يكون عدم فعلهم يدل على المنع إذا كان تركهم مقصودا وهو الذي يطلق عليه الأصوليون فعلا
ويكون تركهم مقصودا إذا تعلق بالتشريع ووجد سببه ولا مانع يمنع من فعله، كالاحتفال بالمولد، فتعلقه بالتشريع؛ لأنه تخصيص يوم مقصود تعظيما له، وهذا لا يكون إلا بتشريع من الله
ووجد داعيه وهو المحبة والتعظيم
وليس هناك مانع يمنع من الاحتفال، ومع ذلك لم يحتفلوا
فهو ترك وجودي بمعنى الكف عن الفعل، وليس تركهم أمرا عدميا بمعنى أنه لم يخطر على بالهم الاحتفال لعدم وجود داعيه
بل وجد داعيه ووجد الاحتفاء بيوم مولده ومع ذلك لم يحتفلوا
ولا يقال ما تركه معفو عنه ويدل على الجواز
فالترك يكون معفوا عنه في الأمور المباحة التي لا تعلق لها بالتشريع ..

وهذه الأجوبة كلها في حكم الاحتفال من غير نظر للأقوال والابتهالات التي تصاحب الاحتفال
والتي لا تخلو من الشرك بالله

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة

https://t.me/dr_alnjar

http://abuasmaa12.blogspot.com/2022/10/blog-post_3.html


السبت، 1 أكتوبر 2022

مناقشة من جعل #الاحتفال_بالمولد وسيلة للطاعة والوسائل لها أحكام المقاصد

#تصحيح_مفاهيم

مناقشة من جعل #الاحتفال_بالمولد وسيلة للطاعة والوسائل لها أحكام المقاصد

يصح الاستدلال بقاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد إذا كان الوسيلة غير موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
أو وجد لها مانع يمنع من استعمالها
بمعنى ألا يكون تركها مقصودا للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة..
ومتى يكون تركها مقصودا؟
إذا وجد الداعي إلى فعلها ولا مانع يمنع من فعلها ومع ذلك لا تفعل
فهنا يدل الترك على المنع من الفعل
والترك هنا يدل على مقصد الشارع في عدم الزيادة على المشروع.

فعندما ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح جماعة لم يكن تركه مقصودا وإنما كان هناك مانع وهو خشية أن تفرض على الأمة
وعندما ترك جمع القرآن لم يكن الترك مقصودا وإنما وجد مانع وهو أن القرآن ينزل

لكن عندما نأتي للاحتفال بالمولد نجد أن الداعي إلى الاحتفال تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته والشكر على نعمة الله
وقد أشاد النبي صلى الله عليه وسلم بيوم مولده عندما قال (...ذاك يوم ولدت فيه) فلم يغفله بالذكر مما يدل على أنه مستحضر في قلبه صلى الله عليه وسلم وقلوب الصحابة
ومع وجود هذه الأسباب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين  واستحضارها  لم يحتفلوا ولا أرشدوا إليه ولا نبهوا من بعدهم إليه
مما يدلنا على أن الترك مقصود؛ لعدم وجود مانع
وهذا الترك بهذه القرائن في منزلة تصريحهم بالمنع وأنه بدعة في دين الله
ولا خلاف بين العلماء أن الاحتفال لم يفعل في القرون الثلاثة وإنما أول من أحدثه الفاطميون...
ولهذا نقول: منع النبي صلى الله عليه وسلم من الاحتفال بمولده وكذا الصحابة ...
وكل مصلحة يقدرها المجوز للاحتفال فقد كانت ثابتة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ومستحضرة في أذهانهم
ومع ذلك لم يشرع الاحتفال
وكل مصلحة يقدرها المجوز ناتجة عن تفريط منا فلا عبرة بها.
قال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام: "ثم إطلاقه القول بأن الترك لا يوجب حكما في المتروك، إلا جواز الترك = غير جار على أصول الشرع الثابتة).

فإن قيل: ألا تقوى الأدلة العامة الدالة على التعظيم والمحبة على الدليل الخاص الذي هو الترك الوجودي المقصود.
قيل: المقرر في الأصول أن الدليل الخاص يقضي على الدليل العام.
والترك المقصود يخرج الصورة الخاصة من عموم الأدلة العامة.

- فالوسيلة يكون لها حكم المقصد بقيود:
١-ألا تكون الوسيلة منهيا عنها، فاذا كانت منهيا عنها فإنها تكون محرمة ولو أفضت الى عبادة
٢-ألا تكون وسيلة الطاعة موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها مع عدم وجود المانع فعدم فعلها يدل على أنها بدعة
ألا ترى أن الصحابة منعوا من الأذان لغير الصلوات الخمس مع أنه لم يرد فيه نهي خاص
٣-ألا تكون الوسيلة سبب إحداثها تفريط منا فتكون أيضا بدعة.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار