الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

المؤسسات الافتائية وتحديد الكليات والأصول التي خالفتها

المؤسسات الافتائية وتحديد الكليات والأصول التي خالفتها

 

إن للشريعة كليات وأصولا أمرت بالمحافظة عليها وأقامت قطعيات الأدلة عليها, ونفت تسويغ الخلاف فيها.

هذه الكليات والأصول مأخوذة من استقراء مقتضيات الأدلة, ولا يتصور الخلاف فيها؛ لقطعيتها.

ولما كان الأمر كذلك لم يقبل من أي جهة كانت مخالفتها وعدم المحافظة عليها بأي تصرف وقع ومن أي منطلق كان إلا في حدود ضيقة؛ مراعاة لمقتضى الضرورة, وله فقه خاص وقيود معتبرة ليس هذا موطن ذكرها. وكليات الشريعة تطلق على: الضروريات والحاجيات والتحسينيات, فلا كلي فوقها, وعليها أصول الشريعة وفروعها.

وأما أصول الدين فنعني بها: أصول الاستدلال وما دلت عليه الأدلة القطعية من الاستقراء التام والتواتر المعنوي والإجماع القطعي.

وأما العقل فهل ينتج قطعا؟ الذي نعتقده أن العقل لا يستقل بنفسه وإنما يستند في كلياته وقطعياته على الفطرة أو الشرع, فهو ينتج قطعا من ورائهما, فلا يسرح العقل إلا مقيدا بهما ومعتمدا عليهما.

فأما مخالفة بعض المؤسسات الإفتائية لكليات الشريعة فيظهر من خلال استصدار فتاوى ومقالات تؤول إلى التضييق على الناس في شعائر دينهم وتؤول أيضا إلى إزهاق الأنفس والتعدي على الأعراض؛ إذ لا تجد مؤسسة إفتائية تنكر الكليات من حيث هي كليات وإنما يكون الخلل فيها من جهات ما تؤول إليه فتاويها من نقض هذه الكليات أو إضعاف تحصيلها.

ومن ذلك: الإفتاء بما تسبب واقعا في التضييق على المسلمين في دينهم وإزهاق أنفسهم, والإصرار مع ذلك على أن هذا هو طريق للإصلاح.

ومن ذلك أيضا: الإفتاء بتحريض شعوب المسلمين على دول الغرب والضغط على حكامهم بما يعجز المسلمون عنه فيؤدي إلى الاعتداء على بلدانهم واستنزاف ثرواتهم وإذكاء نار الحروب بينهم, وهذا مما يشهد به الواقع.

وكذا الإفتاء بالذوبان مع الغرب والركون إليهم ورفع شعار الذل معهم. فباب السياسة إن لم يتعامل معه وفق كليات الشريعة من الحفاظ على الضروريات والحاجيات وإعمال فقه السلف فيه وما راعوه من تغليب جانب درء المفاسد على جلب المصالح فسيؤدي إلى هدم الكليات وإذهاب الضروريات, فبعض المؤسسات لما سلكت في هذا الباب غير هذا المسلك, وغلبت جانب جلب المصالح ولم تلتفت إلى باب درء المفاسد ولا مراعاة حال الضرورات والنظر إلى ضعف الأمة وبعد كثير من أفرادها عن تطبيق الإسلام تطبيقا يؤول إلى عز الأمة أضرت بالمحافظة على الضرورات وتسببت في مفاسد كبرى.

وأما مخالفتها أصول الدين فيكون بالأخذ بعقيدة المتكلمين واعتناقها ودعوة الناس إليها أو تبني مناهج باطلة إما في أصول استدلالها أو ما تؤول إليه مواقفها وما ترتكز عليه في مخالفة كليات الشريعة.

ومن الانحراف العقدي الأصولي أيضا لبعض المؤسسات ما يروجه بعضهم من تسويغ الخلاف في القطعيات بين مذهب أهل الحديث وبعض مذاهب المتكلمين؛ مما ينقض الأصول ويضعف دلالتها.

ومن الانحراف أيضا تسويغ ما يفعله بعض حكام المسلمين من هدم عقيدة الولاء والبراء مع اليهود الغاصبين المعتدين.

إلى غير ذلك ...

فهذا الهدم للكليات نتعامل معه وفق ما تقتضيه مقاصد الشريعة وكلياتها على ما ذكرته في مقال سابق بعنوان: "المؤسسات الافتائية بين الحفاظ على المصالح وهدمهاوالموقف منها"

وقلت فيه:" لما وضع الله الشريعة لمصالح العباد كان الاجتهاد في النصوص الشرعية على النظر المقاصدي هو تطبيق لما وضع الشارع الشريعة عليه.

إلا أن المصالح قد تتعارض لما يفرضه الواقع من هذا التعارض, فهو تعارض بالنظر الواقعي لا التشريعي, فيحصل تعارض بين المصالح نفسها, أو بين المصالح والمفاسد, أو بين المفاسد نفسها, وهذا يتطلب من الفقيه الموازنة والترجيح بالنظر إلى طريقة الشارع والأقرب إلى مراده من حيث ما بنيت عليه الشريعة وشرعت عليه الأحكام, أو بالنظر إلى مراتب المصالح والمفاسد في نفسها أو في أثرها.

وإن النظر إلى المؤسسات الإفتائية من جهة حفاظها على المصالح وما يعتريها من نقص بحسب بُعد فتاويها ومواقفها عن كليات الشريعة وجزئياتها: يقتضي في التعامل معها وبيان الموقف منها أن نزن بين مصالح ومفاسد السكوت عن فتاويها باعتبار كونها مؤسسة يحصل بها حفظ لمصالح العباد من حيث هي مؤسسة إفتائية وبين الكلام عن مخالفاتها بقدر ما ندفع به المفاسد ولا يتعدى ذلك إلى إهدار المصالح.

فالنظر الدقيق فيما إذا خالفت المؤسسات الإفتائية أصولا عامة للشريعة وقواعد كلية هو أن يكون التحذير من المخالفات بقدر ما يدفع مفاسد السكوت من غير إهدار لمصلحة كونها مؤسسة إفتائية إذا ما حافظت المؤسسة على مصالح وجودها.

وتطبيق هذا في الواقع بالنظر إلى المخاطَب يحتاج من المتكلم بيان موطن الزلل والخطأ وتحديده مع إرشاد الناس إلى سلامة ما عداه؛ ليتوجه الناس في الأخذ عنهم فيما لا لبس فيه ولا زلل دون ما كان فيه زلل .

وبهذا نحافظ على بقاء المؤسسة الإفتائية وتوجه الناس إليها مع الأمن من مفاسد تضليل الناس فيما خالفوا فيه أصول الشريعة وكلياتها ومقاصدها. فالأصل في المؤسسة الإفتائية أن تحمي الضروري وتحافظ عليه, فمتى هدمت الضروريات وأضرت بالقطعيات وشوشت على الناس أصول دينهم حتى يغلب عليها هذا التشويه والهدم فهذه خرجت عن كونها حامية لضروريات الدين, ولابد من التحذير منها بإطلاق؛ حفاظا على كليات الدين وأصوله وقطعياته, ودرءا لمفسدة تشويه الدين,

وما روعي في المؤسسة الإفتائية من مصالح أصبحت في هذه المؤسسة مفاسد.

وأما إذا أضرت بقطعيات بعض أبواب الدين وهدمت أصوله وحافظت على قطعيات في أبواب أخرى, فيكون التحذير هنا بقدر ما هدمت من أصول وخالفت من كليات مع المحافظة على رجوع الناس إليها في غير تلك الأبواب, فتتحقق بذلك المصالح وتتوازن."

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار http://www.alngar.com/user/Re_article.aspx?id=9154


الاثنين، 28 ديسمبر 2020

كلمة موجهة إلى العالِم

 

كلمة موجهة إلى العالِم

·    أيها العالم عليك أمانة حفظ الدين وتبليغه, وهي أمانة عظيمة تصاحبها مشاق عظيمة, ولذا كانت منزلتك عالية متى ما حافظت على هذه الأمانة, وإذا ضيعتها وقعت في ظلم كبير وكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

·    أيها العالم إظهار ك للبدع والمعاصي يصرف قلوب الناس عن اتباعك ويكون سببا لمنع ظهور الحق, وهو ذنب عظيم وظلم كبير.

·       أيها العالم إظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب الواجبات, ونفعه عام للأمة.

·    أيها العالم إنما تقبل أقوالك وفتاويك إذا استقامت على أصول الشريعة وكلياتها, ومتى خرجت أحكامك عن جهتها لم يستقم الأخذ بأقوالك, ولا تقليدك في اجتهاداتك.

·    أيها العالم الأفضل في حقك حال إعزاز الدين أن تقول قولة الحق ولا تترخص, فإن ضعفت فلك مندوحة في الترخص والسكوت عن كلمة الحق.

·    أيها العالم إن خشيت أن يترتب على قولة الحق منكر أعظم وفساد على الأمة فيجب عليك السكوت إلى أن يكون في الكلام مصلحة راجحة, بخلاف ما لو خشيت على نفسك فالأفضل وأعظم الجهاد أن تقول قولة الحق,

واسمع لنصيحة ابن القيم في كلام له قيم يقول فيه: (فـ"من سئل عن علم فكتمه ألجمه اللَّهُ يوم القيامة، بلجامٍ من نار" ، هذا إذا أَمِن المفتي غائلة الفتوى، فإن لم يأمن غائلتها، وخاف من ترتُّب شرٍّ أكبر من الإمساك عنها، أمسك عنها ترجيحًا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وقد أمسك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن نقض الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم ؛ لأجل حَدَثان عهد قريش بالإسلام، وإن ذلك ربما نفَّرهم عنه بعد الدخول فيه) إعلام الموقعين عن رب العالمين (6/ 42)

·    أيها العالم لما كانت أقوالك وأفعالك تجري مجرى الاقتداء كان زللك عظيما وخطؤك جسيما, فانتبه وراقب الله في أقوالك, واطلب من الله الإعانة والتوفيق, وعليك أن تحتمل النقد العام المعلن في الخطأ العام المعلن.

 

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

الأحد، 27 ديسمبر 2020

المؤسسات الافتائية بين الحفاظ على المصالح وهدمها والموقف منها

 

المؤسسات الافتائية بين الحفاظ على المصالح وهدمها

والموقف منها

 

لما وضع الله الشريعة لمصالح العباد كان الاجتهاد في النصوص الشرعية على النظر المقاصدي هو تطبيق لما وضع الشارع الشريعة عليه.

إلا أن المصالح قد تتعارض لما يفرضه الواقع من هذا التعارض, فهو تعارض بالنظر الواقعي لا التشريعي, فيحصل تعارض بين المصالح نفسها, أو بين المصالح والمفاسد, أو بين المفاسد نفسها, وهذا يتطلب من الفقيه الموازنة والترجيح بالنظر إلى طريقة الشارع والأقرب إلى مراده من حيث ما بنيت عليه الشريعة وشرعت عليه الأحكام, أو بالنظر إلى مراتب المصالح والمفاسد في نفسها أو في أثرها.

وإن النظر إلى المؤسسات الإفتائية من جهة حفاظها على المصالح وما يعتريها من نقص بحسب بُعد فتاويها ومواقفها عن كليات الشريعة وجزئياتها: يقتضي في التعامل معها وبيان الموقف منها أن نزن بين مصالح ومفاسد السكوت عن فتاويها باعتبار كونها مؤسسة يحصل بها حفظ لمصالح العباد من حيث هي مؤسسة إفتائية وبين الكلام عن مخالفاتها بقدر ما ندفع به المفاسد ولا يتعدى ذلك إلى إهدار المصالح.

فالنظر الدقيق فيما إذا خالفت المؤسسات الإفتائية أصولا عامة للشريعة وقواعد كلية هو أن يكون التحذير من المخالفات بقدر ما يدفع مفاسد السكوت من غير إهدار لمصلحة كونها مؤسسة إفتائية إذا ما حافظت المؤسسة على مصالح وجودها.

وتطبيق هذا في الواقع بالنظر إلى المخاطَب يحتاج من المتكلم بيان موطن الزلل والخطأ وتحديده مع إرشاد الناس إلى سلامة ما عداه؛ ليتوجه الناس في الأخذ عنهم فيما لا لبس فيه ولا زلل دون ما كان فيه زلل .

وبهذا نحافظ على بقاء المؤسسة الإفتائية وتوجه الناس إليها مع الأمن من مفاسد تضليل الناس فيما خالفوا فيه أصول الشريعة وكلياتها ومقاصدها.

فالأصل في المؤسسة الإفتائية أن تحمي الضروري وتحافظ عليه, فمتى هدمت الضروريات وأضرت بالقطعيات وشوشت على الناس أصول دينهم حتى يغلب عليها هذا التشويه والهدم فهذه خرجت عن كونها حامية لضروريات الدين, ولابد من التحذير منها بإطلاق؛ حفاظا على كليات الدين وأصوله وقطعياته, ودرءا لمفسدة تشويه الدين, وما روعي في المؤسسة الإفتائية من مصالح أصبحت في هذه المؤسسة مفاسد.

وأما إذا أضرت بقطعيات بعض أبواب الدين وهدمت أصوله وحافظت على قطعيات في أبواب أخرى, فيكون التحذير هنا بقدر ما هدمت من أصول وخالفت من كليات مع المحافظة على رجوع الناس إليها في غير تلك الأبواب, فتتحقق بذلك المصالح وتتوازن.

 

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 25 ديسمبر 2020

من هو الفقيه حقا الذي له النظر في الأدلة والترجيح؟

 

من هو الفقيه حقا الذي له النظر في الأدلة والترجيح؟

لاشك أن باب النظر في الأدلة والترجيح باب تقحمه من ليس أهلا للنظر ولا يملك الملكة الاستنباطية الترجيحية؛ إذ إن الاستنباط والترجيح مبني على مقدمات استدلالية تحتاج في تصورها وتحقيق مناطاتها إلى دربة وملكة.

فالشريعة أوامر ونواهي وتخيير والاجتهاد فيها بتهذيب المناط وتخريجه؛ حتى يصل إلى المناط الذي علق الشارع عليه الأحكام , وأما أفعال العباد فالاجتهاد فيها يكون بتحقيق مناطات النصوص (المناط العام الذي هو لمكلف ما بعيدا عن المتعلقات الخارجية, والمناط الخاص, وهل الاقتضاء أصلي أو تبعي؟).

ولذا كان الفقيه حقا من اعتنى بتخريج المناط وتهذيبه وتحقيقه, لا التكثر من جمع الأدلة مجردا, ولا التكثر أيضا من أقوال الفقهاء وتحرير مذاهبهم بما لا يحقق أنواع الاجتهاد( تخريج المناط-تهذيب المناط-تحقيق المناط) على ما درج عليه أهل التخصص.

ومعرفة هذه الأمور الثلاثة ( تخريج المناط-تهذيب المناط-تحقيق المناط) مبني على معرفة العلل التي تفضي إلى معرفة مقاصد الشريعة, فمن لم يعرف طرق استخراج الحِكَم والأوصاف ومظنة الحِكَم لم يكن أهلا للاستنباط والترجيح, ولا يكون محل اقتداء.

وكما أننا نعيب التعصب إلى المذاهب وقصر الاجتهاد في الاجتهاد المقيد بمذهب_( مجتهد التخريج) نعيب أيضا الانفلات الذي وصل إليه بعض من ينادي بفقه الدليل والترجيح وإطلاق باب الاجتهاد؛ حتى تسور الباب من لا عناية له بأصول الفقه الذي هو آلة الترجيح والاستنباط ولا اهتمام له بالنظر المقصدي الكلي الذي تنسجم معه أحكام الشريعة ويتوافق مع روحها والحكمة من تشريعها.

واعتناء الفقيه بتخريج المناط (الحكمة-الوصف-المظنة) طريق لمعرفة علل الشريعة وحِكمها الذي يستطيع بذلك تعدية الحُكم, ويتحقق به عموم الشريعة ويظهر سماحتها ورحمتها, وهو الطريق لمعرفة أحكام النوازل, فكما صح القياس على الجزئيات صح -من باب أولى- القياس على الكليات وبناء الأحكام عليها, وهذا يُمَكِّن المجتهد من توسيع اجتهاده واستيعابه لكل ما يحتاج إليه الناس من أحكام وما يحقق مصالحهم الدنيوية والأخروية.

وهذا يتنافى مع الجمود على منطوق النص, ويتنافى أيضا مع الجمود على أحكام وفروع المذهب وكذا قواعده الخاصة به.

لكن الرزية حقا أن يغطي الجوانب المشرقة في النظر الاجتهادي الأصولي المقصدي أولئك الذين توسعوا فيه حتى هدموا النصوص الشرعية وألغوها, وكذا من لا يفقه باب الأصول والمقاصد ويحاول أن يجاري أهله المتمكنين فيه فيكون سببا لتشويههم.

والله المستعان

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

 

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2020

نظرية قصر الاجتهاد في زماننا على الاجتهاد المقيد بمذهب ,وبيان حالها مقاصديا

نظرية قصر الاجتهاد في زماننا على الاجتهاد المقيد بمذهب

وبيان حالها مقاصديا

إن وجود مجتهد مقيد بمذهب لا يتعداه- والمراد به المتمكن من تخريج الوجوه على نصوص إمامه-, فضلا عن مجتهد الفتيا – وهو المتمكن من ترجيح قول على آخر في مذهب إمامه-: لا يتحقق به فرض الكفاية في إحياء أصول الاستدلال, وبيان أحكام المستجدات التي تنزل بالناس, وإعمال القواعد والأصول التي لا تختص بإمامه, ولذا جاء في الإبهاج في شرح المنهاج (3/ 256) للسبكي أنه قال: (قال ابن الصلاح والذي رأيته من كلام الأئمة يشعر بأنه لا يتأدى فرض الكفاية بالمجتهد المقيد, قال: والذي يظهر أنه يتأدى به فرض الكفاية في الفتوى وإن لم يتأد به فرض الكفاية في إحياء العلوم التي منها الاستمداد في الفتوى)

ولا يتحقق به تحقيق مقصد عموم الرسالة؛ إذ يتوقف على وجود مجتهدين غير مقيدين بالمذهب لاستنباط أحكام ما يحتاج الناس إليه في كل زمان, فالمسائل المستجدة تتوقف على الاجتهاد الذي يتوقف على الخروج على أصول المذهب الخاصة به, وهو من باب توقف المسبَّب على السبب, فإذا انتفى السبب انتفى المسبب, ويترتب على انتفائه خروج الناس عن مقصد تحقيق العبودية لله سبحانه, ويكونون متبعين لأهوائهم.

وحيث إن وجود مجتهد مقيد بالمذهب لا يتحقق به فرض الكفاية فإنه يؤدي إلى تأثيم الأمة؛ لتفريطها في إعداد مجتهد غير مقيد بالمذهب, وكذلك يوقع الأمة في الحرج؛ لعدم وجود من يعتمد على الأصول العامة التي لا تختص بمذهب في بيان أحكام أفعالهم وما يستجد في واقعهم, كما يُنتج مفاسد عظيمة كتقحم هذا الباب من ليس أهلا, فترى من لم يتقن علوم الآلة ولا يعرف من أصول الفقه إلا ساحله, ولا من المقاصد إلا رسمه ثم يقحم نفسه في مسائل واستنباطات وضوابط لا يصل المتمكن إلى حكمها والنظر في كلياتها التي ترجع إليها إلا بعد جهد وإنعام نظر واستغراق بحث.

وهذا يبين لنا مدة خطورة نظرية نفي وجود مجتهد غير مقيد بمذهب, وأن غاية ما يصل إليه من ترقى في العلم أن يكون مجتهدا مقيدا بمذهب, ويبين لنا أيضا خطورة ما يضعه هؤلاء من شروط عسرة في تحقق وجود مجتهد غير مستقل ولا مقيد بمذهب كأن يكون بلغ الغاية في العلوم التي يحتاج إليها في الاستدلال والاستنباط, فيشترطون أن يكون كمالك والشافعي, ولو تفطن هؤلاء لعلموا أن مالكا والشافعي وغيرهما من الأئمة لم يسلموا من تقليد في بعض مقدمات الاستدلال أو في بعض الأحكام, كما سيأتي.

بينما الأمر -مقاصديا وأصوليا- يستدعي اشتراط أصل العلوم وكمالها الواجب بما يتمكن به المجتهد من الاستنباط والاستدلال ونفي دلالة المعارض؛ ليتحقق به فرض الكفاية, ويتناسب مع ما يحتاج إليه المسلمون في مستجداتهم التي تتوقف على الاستنباط من الأدلة وإعمال القواعد والأصول.

ولا يلزم المجتهد أن يكون مجتهدا في كل علم يتعلق به الاجتهاد؛ وإلا لم يكن هناك مجتهد إلا في زمن الصحابة, قال الشاطبي في الموافقات (5/ 46): (...ونحن نمثل بالأئمة الأربعة؛ فالشافعي عندهم مقلد في الحديث لم يبلغ درجة الاجتهاد في انتقاده ومعرفته، وأبو حنيفة كذلك، وإنما عدوا من أهله مالكا وحده، وتراه في الأحكام يحيل على غيره كأهل التجارب والطب والحيض وغير ذلك ويبني الحكم على ذلك والحكم4 لا يستقل دون ذلك الاجتهاد).

فقد يقلد الفقيه مجتهدي علم الحديث ومع ذلك يوصف بالاجتهاد, فالأئمة بعد الصحابة كأبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم لم يكونوا مجتهدين في جميع أحكامهم ولا كان ذلك شرطا في وصفهم بالاجتهاد وإنما كانوا يقلدون في بعض الأحكام والمقدمات الاستدلالية, قال ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين (6/ 125): (...العالم بكتاب اللَّه وسنة رسوله وأقوال الصحابة، فهو المجتهد في أحكام النوازل، يقصد فيها موافقة الأدلة الشرعية حيث كانت، ولا ينافي اجتهاده تقليدُهُ لغيره أحيانًا، فلا تجد أحدًا من الأئمة إلا وهو مقلد من هو أعلم منه في بعض الأحكام، وقد قال الشافعي [رحمه اللَّه ورضي عنه في موضع  من الحج: "قلته تقليدًا لعطاء")

فلابد من الالتفات إل العلل والمقاصد الكبرى في هذا الباب وإعمال باب الاستصلاح والاستحسان؛ للمحافظة على المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية.

ولا ريب أن الأحكام والشروط يراعى فيها الزمان والحال, فليس ما كان مراعى في زمن الاجتهاد المستقل كان هو المراعى في زمن الاجتهاد غير المستقل, فكانت الشروط مناسبة للزمان؛ حفاظا على وجود رتبة الاجتهاد, وهذا الذي يجب أن نسير عليه في عصرنا خصوصا مع ظهور العلمانية والقوانين الوضعية التي أبهرت بزيفها ودعاويها ومن يزخرف لها بعض الناس في استيعابها لما يحتاجه الناس في الحياة, وصورت أصحاب المذاهب أنهم يعيشون حقبة زمنية قديمة تناسب ذلك الزمن.

وإذا نظرنا للشروط التي وضعها العلماء للاجتهاد نجد أنهم وضعوها بعد خروج الناس عن سليقتهم لضبط الاجتهاد, فمنهم من تشدد ومنهم من  توسع, وهذا يدل على أن الاجتهاد في وضع شروط الاجتهاد يراعى فيه الزمان وما يتحقق به مقصود الشارع.

ثم ما نراه اليوم من إقبال أهل العلم على الاجتهاد الجماعي في النوازل والمستجدات وإيجاد حلول ومخارج شرعية عجز المجتهد المقيد بالمذهب أن يأتي بها: يقوي ما ندعو إليه من الاجتهاد الفردي القائم على أصول علمية صحيحة من غير تقيدٍ بمذهب معين.

ومما ينبغي أن يعلم: أن الاجتهاد في مسائل العلم يختلف بحسب ما تتعلق بالمسألة من علوم, فلو كانت المسألة تتعلق باللغة فقط كان لابد في المجتهد في هذه المسألة أن يكون له علم باللغة دون غيرها كالاجتهاد في معنى القرء, وإذا تعلقت بالحديث كان لابد له من علم بالحديث دون غيره من العلوم, وهو ما يعرف بتجزؤ الاجتهاد.

وقد يكون مجتهدا في باب ومقلدا في باب آخر فيجمع بين الوصفين.

 

وختاما لمسألة قصر الاجتهاد في زماننا على الاجتهاد المقيد في المذهب أقول: هو في نظري خطأ يهدم كليات شرعية, ومتى انبنى الخطأ على مخالفة أمر كلي وقواعد الشريعة فإنه يعد زلة؛ إذ هو أخذ بجزئي في هدم كليات الشريعة.

 

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار


الاثنين، 21 ديسمبر 2020

[ألفاظ الشرع تحمل على المعنى الشرعي فإن لم يكن فالعرفي زمن الخطاب فإن لم يكن فاللغوي]

 

[ألفاظ الشرع تحمل على المعنى الشرعي فإن لم يكن فالعرفي زمن الخطاب فإن لم يكن فاللغوي]


لما كان من شرط الاستدلال بالنصوص الشرعية: فهم معاني الألفاظ, والألفاظ لها معان من جهة الشرع والعرف واللغة كان لزاما معرفة كيفية التصرف فيها إن كان لها معنى في الشرع ومعنى في العرف ومعنى في اللغة.

بمعنى: أن الألفاظ التي ترتبت عليها أحكام شرعية وغلب عليها استعمال الشرع أو العرف, فعلى أي شيء تحمل عند عدم القرينة؟

ومناطها: مراعاة الأسبق إلى الذهن والمتبادر إلى الفهم بالنظر إلى كثرة الاستعمال وغلبته.

ومحل البحث: ما الأسبق إلى الذهن والمتبادر إلى الفهم؟

وتقرير ذلك: أن هذه الألفاظ لها حالان:

الحال الأولى: أن تقترن بها قرائن توضح معناها, فتحمل بالنظر إلى القرينة على المعنى الشرعي أو العرفي أو اللغوي, وهذا واضح؛ إذ اقترن باللفظ ما يدل على مراد المتكلم, فيكون الأسبق إلى الذهن والمتبادر إلى الفهم ما دلت عليه القرينة.

الحال الثانية: أن يأتي اللفظ مطلقا بدون قرائن, فهنا يحمل مباشرة على المعنى الشرعي؛ لأنه الأسبق إلى الذهن من جهة أن المتكلم به الشارع وله عرف خاص في ألفاظه, وهو إنما يبين أحكامه لا أحكام اللغة, وجاء ليبين الشرعيات لا اللغويات, وقد أرادها إرادة شرعية, فهذه الإرادة تقضي على الاحتمال الوارد على اللفظ بين حملة على الحقيقة اللغوية أو الشرعية وترجح الأسبقية إلى الذهن.

فإن لم يكن حُمل على المعنى العرفي زمن الخطاب؛ لأن التكلم بالمعتاد عرفا أغلب من المراد عند أهل اللغة فيسبق إلى الذهن, فيكون هو المراد.

فالألفاظ وإن كانت عامة من جهة الوضع اللغوي إلا أن عرف الاستعمال زمن الخطاب يكون مخصصا؛ لأن الناس لا يفهمون منها إلا ما جري عليه عرفهم.

قال الشيخ الشنقيطي في مذكرة في أصول الفقه (ص: 210): (واعلم أن التحقيق حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية ثم العرفية ثم اللغوية ثم المجاز عند القائل به ان دلت عليه قرينة).

ومثال ذلك: لفظ الصورة, فلا يدخل فيها الصورة الفوتغرافية, على تفصيل بينته في مقال مستقل.

هذا ما درج عليه كثير من الأصوليين, ولا يتعارض مع ما ذكره جماعة من الفقهاء لما قالوا: ما ليس له حد في الشرع، ولا في اللغة، يرجع فيه إلى العرف.

إذ مقصود الأصوليين: بيان معنى اللفظ, بالنظر إلى العرف زمن الخطاب, فلا يتبادر إلى الذهن سواه, ومقصود الفقهاء: ضوابط اللفظ وحده لا معناه, وذلك بالنظر إلى العرف الطارئ, كالفرق بين معنى لفظ: "الدابة" وضابط "السفر" الذي يترخص فيه بقصر الصلاة.

لكن يجب التنبه إلى أمر مهم عند تقرير هذه المسألة, وهي: أن اختصاص اللفظ بمعنى أضيق من إطلاق اللفظ لغة لا يلزم منه عدم إعمال العموم بالنظر إلى عموم العلة, فمع كون اللفظ خاصا إلا أن عموم العلة تعممه, فيكون التعميم من جهة العلة لا من جهة اللفظ.

ومثاله: لفظ الجورب, فلو قلنا بتخصيص العرف لمسماه, إلا أن عموم العلة تقتضي تعميمه, على تفصيل ذكرته في مقال مستقل.

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

 

الخميس، 17 ديسمبر 2020

حكم المشاركة في الانتخابات

 

حكم المشاركة في الانتخابات

من المعلوم أنه لا قيام للدين والدنيا إلا بالولايات, ولذا قد وضع الشارع لها طرقا تتحقق بها مصالح الدين والدنيا, فكانت هذه الطرق عند الاختيار وعدم الاضطرار هي المسلك الشرعي الذي يجب سلوكه والأخذ به.

والانتخابات في نفسها ليست طريقة شرعية ابتداء, وإنما أخذت من نُظم كفرية راعت أصولها واعتقاداتها, كما أنها تتصادم مع جاء به الشرع من أن يكون المختار بصفات وشروط خاصة, وتتصادم أيضا مع جاء به الشرع من أن الاختيار إنما يكون لأهل الحل والعقد, وعدم التسوية بين المسلمين في الاختيار, فالانتخابات تقوم على الرجوع إلى جميع الناس وتسوي بينهم في الأصوات ويُبنى الاختيار على الأغلبية لا على توفر الشروط الشرعية للإمام, ولكن لما تعينت الانتخابات (واقعا) لحفظ ضروري أصبح حكمها مناسبا لحكم الضروري الذي توقف وجوده عليها, وإن كانت في أصلها محرمة, ونظير ذلك: أكل الميتة للمضطر.

فهي وسيلة لا مقصد.

والحكم الذي يتناسب مع ما توقف عليه حفظ الضروري هو وجوب الاشتراك في الانتخابات, لكن هذا الحكم قد يتخلف فيما لو استغني على الانتخابات بغيرها في حفظ الضروري أو ثبت عدم صلاحيتها لحفظ الضروري واقعا, هذا بالنظر إلى الحكم المطلق, وأما بالنسبة لما يتعلق بالمعين فقد يثبت في حقه الوجوب, وقد لا يثبت, فمتى كانت مشاركته يتوقف عليها حفظ الضروري تعينت عليه, ومتى كانت مشاركته وعدم مشاركته سواء؛ لأسباب كالتزوير أو عدم وجود الأصلح في نظره, ونحو ذلك لم تتعين؛ لأن وجوب المشاركة معلق بتوقف حفظ الضروري عليه.

ويغلط -في نظري- من يطلق الحكم على كل معين فيوجب عليه المشاركة مطلقا ويؤثمه.

وإنما التحقيق أن ينظر المعين في مصلحة مشاركته؛ لأنه سيُقدِم على فعل في الأصل أنه محرم, وهو وسيلة, فإذا غلب على ظنه أن في مشاركته تحقيقا لمصلحة حفظ الضروري أقدم ولم يسعه إلا الإقدام.

وإذا شارك وجب عليه اختيار الأصلح, والأصلح أعم من أن يكون المختار المنتَخَب في نفسه صالحا عادلا, ولا يجوز له أن يختار ما يتوافق مع هواه؛ لتقديم المصلحة العامة على الخاصة.

 

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار


الأحد، 13 ديسمبر 2020

دعوى العموم في الأفعال المثبتة المجردة

 

دعوى العموم في الأفعال المثبتة المجردة

خرج  بالمثبتة: المنفية, كأن تكون في سياق النفي أو النهي او الشرط أو الاستفهام.

وخرج بالمجردة ما عمت بالقرينة, كقرينة الامتنان, ودخول "كلما"و "كان", وترك الاستفصال عن أحوال الفعل, وتعليقه بعلة من باب القياس.

وتحريره: هل الفعل يعم الأحوال التي يمكن أن يقع عليها من حيث هو فعل؟

والأظهر أنه لا يعم لأمرين:

1-الفعل يقع على حال واحدة, وصفة واحدة, واستغراقه لجميع الأحوال محتمل ومشكوك فيه؛ لأنه يحتمل أن يقع على الأحوال كلها ويحتمل أن يقع على حال واحدة منها, ومع الاحتمال والشك لا يثبت العموم, فمثلا لو قيل: صلى النبي صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة، فلا يعم الفرض والنفل ولا يتعين إلا بدليل.

2-الفعل متضمن لمصدر, والمصدر لا يقتضي استغراقا, فالنكرات لا استغراق شموليا فيها.

قال الشيرازي في اللمع في أصول الفقه (ص: 28): (وأما الأفعال فلا يصح فيها دعوى العموم؛ لأنها تقع على صفة واحدة, فإن عرفت تلك الصفة اختص الحكم بها, وإن لم تعرف صار مجملا مما عرف صفته)

ومع كون الفعل في دلالته على أحواله من حيث هو فعل لا يفيد العموم إلا أنه متى ما دل على التعميم دليل فإنه يفيد العموم بدلالة الدليل, كالقياس, قال الشاطبي القائل في الموافقات (3/ 242): (إذ لا معنى له- يريد القياس- إلا جعل الخاص الصيغة كالعام الصيغة في المعنى، وهو معنى متفق عليه، ولو لم يكن أخذ الدليل كليا بإطلاق؛ لما ساغ ذلك).

وقد تشتبه هذه المسألة: "لا عموم في الأفعال" بمسألة حكاية الفعل باللفظ العام, وبينهما فرق فالمسألة الأولى لا صيغة لها, والمسألة الثانية لها صيغة, فتكون الحجة في المسألة الثانية -على الأصح- في لفظ الحاكي لا المحكي, فتقتضي الحكاية العموم إذا كانت باللفظ العام, وهو محل إجماع من الصحابة.

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 11 ديسمبر 2020

[حكم المسح على الجوربين من نظرة مقاصدية أصولية]

 

[حكم المسح على الجوربين من نظرة مقاصدية أصولية]

 

قال أبو داود في سننه (1/ 224): (ومسح على الجوربين: علي بن أبي طالب، وابن مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث, وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس).

قد ثبت المسح على الجوربين عن عدد من الصحابة, ولا يعلم لهم مخالف فيكون إجماعا, والإجماع السكوتي إجماع وحجة على أصح أقوال الأصوليين, فيكون ثبوت جواز أصل المسح على الجوربين من جهتين: مذهب الصحابي وهو حجة على أصح الأقوال, ومن جهة حجية الإجماع السكوتي.

واختلف في كون المسح على الجوربين منصوصا عليه باللفظ من جهة السنة الفعلية عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وإن كان التحقيق أن الجوربين خفان معنى وتعليلا أو تعليلا فقط, فقد أخرج الدولابي في الكنى والأسماء (2/ 561) بسنده عن الأزرق بن قيس قال: " رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه، ومسح على جوربين من صوف فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خفان ولكنهما من صوف "

فجعل الجوربين لغة من الخفين؛ إذ ليس من شرط الخفين أن يكونا من الجلد.

وفي مصنف عبد الرزاق (1/ 200) قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أنه كان يمسح على الجوربين قال: " نعم، يمسح عليهما مثل الخفين.

فجعل الجوربين تعليلا من الخفين.

ولا أريد التفصيل من هذه الجهة؛ لأنها ليست مدار المقال, وإنما مدار المقال على حكمه مقاصديا وأصوليا, فحكم المسح على الجوربين: رخصة, وسبب الرخصة: الحاجة, ومقصود الشارع من مشروعية الرخصة: الرفق بالعبد عن تحمل المشاق.

وإنما دخله أحكام الرخص؛ لأن القول بعموم غسل الرجلين مع لبس الجوربين يؤدي إلى الحرج والضيق, فحمل الغسل على عمومه أو إطلاقه يؤدي إلى مفسدة اعتنى الشارع بإلغائها ومنعها, وهذا يتطلب تقييدا وتخصيصا بما يرفع الحرج والضيق, ولهذا جاءت الشريعة بالترخيص بالمسح على الجورببين.

ورخصة المسح على الجوربين مستمد من مقصد رفع الحرج, فقوة الأخذ بالحكم مبني على قوة الأخذ بالمقصد ودلالة الأدلة عليه.

والشريعة في أحكامها راعت مصالح العباد, فاستثنت أحكاما طلبا لدرء مفسدة وقوع العبد في الحرج والمشقة الخارجة على المعتاد؛ مما يدل على مقصد رحمة الله بعباده.

وكذا درء مفسدة الانقطاع عن الاستباق إلى الخير، والسآمة والملل، والتنفير عن الدخول في العبادة، وكراهية العمل، وترك الدوام.

والرخصة المتعلقة بالمشاق تدخل تحت باب الحاجيات لا الضروريات؛ لقدرته على عدم فعلها وإن لحقته مشقة, وباب الحاجيات مكمل للضروري وحام له.

ولما كان حكم المسح على الجوربين: الرخصة كان لابد من الاقتصار فيه على موضع الحاجة وما يرفع الحرج والمشقة؛ لأن الرخصة مستثناة من حكم ثابت أصلي, فالحكم الأصلي هو المقصود الأول, وأما الرخصة فهي مقصود ثان شرعت لتحقيق مقصد رفع الحرج, فرخصة المسح على الجوربين شرعت للمحافظة على مصلحة تحسينبة.

ثم مما ينبغي أن يعلم: أنه إذا تعارض عندنا أو تردد الأخذ بالعزيمة أو الرخصة بما لا يغلب على الظن أحدهما كان الواجب الأخذ بالعزيمة؛ لأنه حكم أصلي كلي بخلاف حكم الرخصة فهي حكم ثانوي أو تبعي جزئي.

وكذا حكم العزيمة حكم راتب, وأما حكم الرخصة فعارض, فيقدم الراتب على العارض.

والأصل هو البقاء على الأصل من العزيمة, والخروج عنه لا يكون إلا بسبب قوي .

ومع هذا متى وجدت مظنة الترخص كان اعتبار جانب الرخصة أولى من اعتبار جانب العزيمة؛ لأن الظن معتبر, وأصل الترخص قطعي في الشريعة.

واعتبارها أيضا من جانب إيماني وهو قبول إحسان الله وفضله وتمننه, وهو بهذا الاعتبار يقوى على الأخذ بالعزيمة, فيقوى الأخذ برخصة المسح على الجوربين على عزيمة غسل الرجلين.

كما أن الأخذ بها أخذٌ بما يعين على طاعة الله والإقبال عليه والمسارعة في الخيرات الذي هو طريق محبة الله سبحانه, فالله أعلم بما ينشط النفس وما يدعو إلى المداومة.

إذا تقرر هذا فيجب في تحرير وتحقيق إثبات رخصة المسح على الجوربين من بيان الحقيقة الشرعية للجورب, وأنواعه؛ للنظر في تحقق مصلحة الرخصة فيها أو لا.

الجورب لغة, قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط (ص: 67): (والجورب: لفافة الرجل)

فيدخل فيه كل لفافة ثخينة أو رقيقة.

أما الحقيقة الشرعية للجورب فهي: ما لُبس على القدمين محل الفرض لحاجة.

وللجورب أنواع بحسب المصنوع منه وما يترتب على ذلك من حكم.

1-الجورب المجلد, وهو: الذي وضع الجلد أعلاه وأسفله.

2-الجورب المنعل, وهو: الذي وضع الجلد أسفله.

3-جورب الصوف, وهو: الذي يتخذ من غزل الصوف.

4-جورب الكتان والقطن والشعر وهو: الذي يتخذ من الكتان أو القطن أو الشعر بشرط كونه كثيفا يمكن متابعة المشي فيه

هذه الأنواع في:

- معنى الخف, فصح إلحاق غيره به بطريق الدلالة وهو أن يكون في معناه، ومعناه: الساتر لمحل الفرض, وتعليق حكم المسح بالخف ليس لصورته وإنما لمعناه ورفع الحج, فمن الجمود حصر المسح في الصورة, وهو ينافي عموم الشريعة واتساع أحكامها.

-تدعو الحاجة إلى لبسها التي هي سبب الرخصة.

-تتحقق فيها المصلحة التي من أجلها شرعت رخصة المسح تحققا ظاهرا.

فالحاجة التي تدعو إلى المسح من الخف الذي هو من جلد هي الحاجة التي تدعو إلى المسخ من الجورب المجلد, وهي نفسها الحاجة التي تدعو إلى المسح من الجورب المنعل وجورب الصوف, وكذا تحقق المصلحة, ومع التساوي في الحاجة وتحقق مقصد الشارع -الذي تقدم ذكره- يكون التفريق بينها تفريقاً بين المتماثلات، فهذه الأوصاف (مجلد ومنعل وصوف وكتان..) أوصاف طردية لا يرتب الشارع عليها تأثيرا في الأحكام.

وقد جاء في مصنف عبد الرزاق الصنعاني (1/ 190) عن الثوري، عن الأعمش، عن سعيد بن عبد الله بن ضرار قال: رأيت أنس بن مالك «أتى الخلاء، ثم خرج وعليه قلنسوة بيضاء مزرورة فمسح على القلنسوة وعلى جوربين له مرعزا أسودين ثم صلى».

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (2/ 344)  وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الطيب محمد بن عبد الله الشعيرى، حدثنا محمش بن عصام، حدثنا حفص بن عبد الله، حدثنى إبراهيم بن طهمان، عن سفيان الثوري، عن الأعمش أظنه، عن سعيد بن عبد الله أنه قال: رأيت أنس بن مالك أتى الخلاء فتوضأ، ومسح على قلنسية بيضاء مزرورة وعلى جوربين أسودين مرعزىن.

والمرعزى: الزغب الذي تحت شعر العنز، قاله الجوهري، وجعل سيبويه المرعزى صفة عنى به اللين من الصوف. انظر: تاج العروس (15/ 157)

5-الجورب الرقيق المصنوع من القماش ونحوه (الشراب), وهو نوعان:

فهذا النوع:

-ساتر لمحل الفرض, فتحقق فيه مسمى الجورب وصورة الخف ومعناه.

-تدعو الحاجة إلى لبسه, فتحقق بذلك سبب المسح في الخف والجورب الثخين

-تتحقق به مصلحة تشريع الرخصة تحققا ظاهرا, فتحقق مقصد الشارع من الرخصة.

فظهر أن تعلق رخصة المسح به ظاهر, ولذا يلحق بالخف والجورب الثخين لتحقق مناطه وحكمته.

 وليس مناط المسح: الثخانة, ولا متابعة المشي به وحده مسافة طويلة, وإنما مناطه: ستر محل الفرض وأن تدعو الحاجة إلى لبسه كالدفء به وبذلك تتحقق المصلحة التي لأجلها شرعت الرخصة.

قال ابن جريج: فقلت لعطاء: «أترى الرخصة في المسح على الخفين لئلا ينزع الرجل دفاه؟» قال: «نعم» مصنف عبد الرزاق الصنعاني (1/ 198)

وفي هذا المعنى أخرج أحمد في مسنده (37/ 66)عن ثوبان قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين "

قال البغوي في شرح السنة (1/ 452): (قيل: أصل التساخين كل ما يسخن القدم من خف، وجورب، ونحوه).

فالجورب الرقيق يحصل به اتقاء البرد ويمكن متابعة المشي به مع النعلين مسافة طويلة, فقد تحقق فيه مناط الخف.

وقد كان غالب خفاف الصحابة وجواربهم مخرقة ومشققة ومع ذلك يمسحون عليها مادام أنها ساترة ويتحقق بلبسها دفع الحاجة من البرد ونحوه, وفي حكمها: الجوارب الرقيقة.

قال النووي في المجموع شرح المهذب (1/ 500): (وحكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقا وحكوه عن أبي يوسف ومحمد واسحق وداود وعن أبي حنيفة المنع مطلقا وعنه أنه رجع إلى الإباحة)

فإن قيل: يحكي بعضهم الإجماع استنادا على الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 10): (وأما المسح على الجوربين، فإن كانا مجلدين، أو منعلين، يجزيه بلا خلاف عند أصحابنا وإن لم يكونا مجلدين، ولا منعلين، فإن كانا رقيقين يشفان الماء، لا يجوز المسح عليهما بالإجماع، وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف، ومحمد يجوز).

قيل: خفي على الناقل أن الكاساني يريد بالإجماع إجماع أصحاب مذهبه, ولو صح الإجماع في المسألة عن غيره فهو محمول على الرقيق الذي ترى منه البشرة.

فإن قيل: الجوارب المعهودة وقت الخطاب أن تكون ثخينة.

قيل: المعهود وقت الخطاب اختلاف أحوال الجوارب فتجد منها المخرق والمقطوع والذي لان بكثرة لبسه ومع ذلك أطلق الصحابة جواز المسح وعلقوه بالاسم(الجورب)؛ مما يدل على إطلاقه وعمومه, فواقع حال الصحابة يفهم منه تعميم اللفظ وإطلاقه, ففي مصنف عبد الرزاق مصنف عبد الرزاق الصنعاني (1/ 194): قال الثوري «امسح عليها ما تعلقت به رجلك، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة) هذا من جهة.

ومن جهة أخرى النظر إلى توسيع اللفظ من جهة التعليل؛ إذ إن سبب الرخصة الحاجة, ومناطه: ستر القدم لحاجة, والمقصد رفع الحرج, وهذا يتحقق وجوده في الثخين والرقيق, فيتعدى حكم الأصل في الفرع؛ لوجود معنى الأصل في الفرع.

فإن قيل: لم ينقل عنهم المسح على الجوارب الرقيقة.

قيل: ولم ينقل عنهم عدم المسح أيضا, وإن كان نقل مسح ما لان من كثرة المشي, هو في حكم نقل المسح على الرقيق.

ولو فرضنا أنه لم ينقل عنهم ما يفيد المسح وعدمه؛ لعدم وجوده, فالتعليل يقتضي المسح على الرقيق.

النوع الثاني: رقيق ترى منه البشرة.

فهذا لا يمسح عليه ولا تتعلق به الرخصة؛ لأنه لا يعد ساترا لمحل الفرض ولا يحصل به الاتقاء والتدفئة فلا تندفع به الحاجة.

ولأنه موطن تردد, فيقوى جانب العزيمة على الرخصة.

وإذا وجب غسل ما تحت اللحية التي ترى منها البشرة في الوضوء فهذا من باب أولى.

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 4 ديسمبر 2020

تحرير مسألة الأخذ بالقول الضعيف لمقتضى الضرورة

 

تحرير مسألة الأخذ بالقول الضعيف لمقتضى الضرورة

القول الضعيف أحد أقسام القول المرجوح؛ ذلك أن المرجوح إما أن يكون من جهة ضعف دليله, وإما أن يكون من جهة عدم القائل به, وهو الشاذ,

والدليل إما أن يكون صحيحا في ذاته ضعيفا بالنظر إلى ما يعارضه, فهذا الضعيف النسبي, وإما أن يكون ضعيفا في نفسه بمخالفته الإجماع, وقواعد الشريعة, والقياس الجلي والنص السالمين من المعارض؛ فهذا هو ضعيف المدرك.

فالإفتاء بالمرجوح إما:

1- بما ضعف دليله عند الفقيه تضعيفا نسبيا, فهذا الأصل فيه أنه حرام؛ لأنه خيانة وغش, قال ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين (6/ 74): (ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي اللَّه سبحانه أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلًا فتحمله الرياسة على أن يقتحم الفتوى بما يغلب على ظنه أن الصواب في خلافه فيكون خائنًا للَّه ورسوله وللسائل وغاشًا له، واللَّه لا يهدي كيد الخائنين، وحرَّم الجنة على من لقيه وهو غاش للإسلام وأهله، والدين النصيحة، والغش مضادٌّ للدين كمضادة الكذب للصدق والباطل للحق، وكثيرًا ما ترد المسألة نعتقد [فيها خلاف المذهب، فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده)

2- بضعيف المدرك, فحرام باتفاق؛ لأنه ليس من الشرع, قال القرافي في الفروق للقرافي (2/ 109): (كل شيء أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الإجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس ولا يفتي به في دين الله تعالى, فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه, وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد, وهذا لم يتأكد فلا نقره شرعا, والفتيا بغير شرع حرام ,فالفتيا بهذا الحكم حرام)

3-بالشاذ, فالشاذ إما أن يكون مخالفا للإجماع فيكون من صور ضعيف المدرك, ويأخذ حكمه, وقال الشاطبي في الموافقات (5/ 136): (زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة7 ولا الأخذ بها تقليدا له وذلك؛ لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدا بها؛ لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها)

وإما أن يكون في مقابل المشهور في مذهب ما, ولا يلزم أن يكون ضعيف المدرك أو حتى داخلا في أقسام المرجوح في غير المذهب.

 

بقي أن نرجع إلى أصل مسألتنا وهي: الإفتاء بالقول الضعيف لمقتضى الضرورة,

ونعني بالضرورة هنا ما تبيح المحظور.

فالذي يستقيم وينسجم مع أحكام الضرورة أن القول المرجوح من جهة ضعف دليله أو قلة القائلين به تنتفي عنه صفة المرجوحية باعتبار أحكام الضرورة, فلا يصبح القول مرجوحا بل لا يلتفت إلى القول من أصله وإنما يراعى في الحال أحكام الضرورات.

فمثلا: لا يقال: جواز أكل لحكم الميتة مرجوح إلا أنه يؤخذ بالقول المرجوح ويعمل به فيمن شارف على الهلاك.

فحقيقة الأمر أن المفتي يخرج من الأحكام الجزئية إلى الأحكام الكلية, ومن النظر الجزئي إلى النظر الكلي, ولا مدخل هنا إلى مرجوحية الأقوال ورجحانها؛ لأن النظر إليها جزئي.

وبسبب هذا النظر الكلي ينتقل من المعلوم من الدين بالضرورة تحريمه إلى الجواز, كما في أكل الميتة للمضطر؛ لكونه انتقل من مناط جزئي إلى مناط كلي, فالمناط الكلي يعطي لجزئياته أحكام تناسبه, وهذا تجاوز لمسألة الإفتاء بالقول الضعيف.

هذا إذا نظرنا إلى المسألة من جهة أنها ترجع إلى أحكام وجزئيات قاعدة الضرورات.

وإذا توسعنا قليلا ونظرنا في تعليلات المجوزين وجدنا أن جماعة منهم يرون جواز الإفتاء بالضعيف لمقتضى دليل آخر, فيدخل تحت باب الاستحسان, فيكونون قد عدلوا بالمسألة عن نظرائها لدليل, وبهذا يخرج القول عن كونه ضعيفا ومرجوحا إلى كونه راجحا, فوصفه بالضعف باعتبار أصله في المذهب لا بالنظر إليه بعد دلالة الدليل.

فمثلا: قال العلمي: "ولم يزل أهل الفتوى والقضاء يختارون الفتوى بقول شاذ ويحكمون به لدليل ظهر لهم في ترجيح...."

قال الشاطبي في الموافقات (5/ 190): ( ...نظرا إلى أن ذلك الواقع وافق المكلف فيه دليلا على الجملة، وإن كان مرجوحا، فهو راجح بالنسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه؛ لأن ذلك أولى من إزالتها مع دخول ضرر على الفاعل أشد من مقتضى النهي، فيرجع الأمر إلى أن النهي كان دليله أقوى قبل الوقوع، ودليل الجواز أقوى بعد الوقوع، لما اقترن به من القرائن المرجحة)

ويقوى الخلاف ويظهر فيما إذا جُعل مناط المسألة ما لو وقع المكلف في الحرج والضيق فهل يفتى هذا المعين بالمرجوح رفعا للحرج الواقع عليه, أو يفتى بالراجح مع وقوع الحرج عليه؟

فيكون معنى الضرورة أن يقع على العبد حرج وضيق إذا أخذ بالقول الراجح.

وقريب منه مراعاة الخلاف عند المالكية.

ومع كون أن الإفتاء بالمرجوح هنا ليس أصلا وإنما استثناء لا يتكرر في حق المعين إلا أنه لا يصح؛ لأن العبرة في الإفتاء بالأقوى دليلا في النظر الجزئي.

وملاحظة هذا المناط له تعلق من وجه بمسألة الترخص بمسائل الخلاف, فيفتى الواقع في الحرج بالأيسر من أقوال الفقهاء من غير اعتبار لرجحان القول أو عدم مرجوحيته

وقد اختلف فيه الأصوليون, فهناك من جوز بإطلاق وهناك من منع بإطلاق, وهناك من فصل, والأقرب: المنع إلا إذا اختلف المناط وتعلق بما تقتضيه كليات الشريعة  وما جرى عليه التشريع.

والمفني المجتهد يجب عليه أن يجمع حال إفتائه بين النظر الجزئي والنظر الكلي لتنسجم فتاويه مع مقاصد الشريعة, ولا يقع في هدم الكليات بالأخذ ببعض الجزئيات, ولا يقع أيضا في الإعراض عن جزئيات الكلي.

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار