السبت، 15 يناير 2022

 

هل لبس الصليب كفر بإطلاق؟

كما ادعاه الشيخ محمد أبو عجيلة,  ونشرته قناة التناصح عنه

إن لبس الصليب محرم بالإجماع؛ لأنه شعيرة من شعائر الكفر, لكن هل لبس الصليب كفر بإطلاق؟

في مطلع الجواب عن هذا السؤال نورد ما بوبه البخاري في صحيحه, قال البخاري في كتاب الصلاة من صحيحه باب رقم (15): "بابٌ، إن صلى في ثوبٍ مصلَّبٍ أو تصاوير؛ هل تفسد صلاته؟ "

فهذا التبويب منه يبين لنا أن مجرد اللبس ليس كفرا وإلا لما تطرق أصلا لحكم صلاته, وقد رجح ابن حجر (فتح1/ 577): عدم فساد الصلاة, وإنما للكفر مناط آخر وهو تعظيم الصليب والرضا به وبدين الكفار لا مجرد اللبس, فليس الكفر راجعا لذات اللبس.

فعندما يأتي ويطلق القول بأن لابسه كافر -وإن نفى تكفيره للمعين- فقد أقدم على التكفير بما ليس بمكفر في ذاته, وفتح باب شر على المسلمين, وسلك مسلك الخوارج في إطلاق الكفر على ما ليس كفرا في ذاته.

قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 552): (فصل مشابهتهم فيما ليس من شرعنا قسمان:

أحدهما  مع العلم بأن هذا العمل هو من خصائص دينهم؛ فهذا العمل الذي هو من خصائص دينهم إما أن يفعل لمجرد  موافقتهم -وهو قليل- وإما لشهوة تتعلق بذلك العمل، وإما لشبهة فيه تخيل أنه نافع في الدنيا أو الآخرة، وكل هذا لا شك في تحريمه، لكن يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر، وقد يصير كفرا بحسب الأدلة الشرعية).

ويجب التنبه إلى أن من أطلق عليه الكفر كبعض فقهاء المالكية قيده ببلاد المسلمين؛ لأنه لما لم يكن كفرا في ذاته وإنما هو دليل على الكفر كان لا يفهم ممن لبسه في بلاد المسلمين إلا الموافقة والرضا بدين الكفار

وهذا المسلك أيضا غير صحيح؛ لأنه يحتمل أن يلبسه جهلا فيعذر, أو على وجه اللعب فيحرم عليه ولا يصل إلى التكفير.

فيجب عدم المسارعة بإطلاق لفظ الكفر والتكفير, وتربية الشباب على هذا, وإنما يجب تربيتهم على ما كان فيه تفصيلا على التفصيل وتحقيق المناط الكفري, وإلا ضاع الشباب في التكفير وما يترتب عليه من مفاسد.

كتبه أحمد محمد الصادق النجار

 

الجمعة، 14 يناير 2022

الخلاصة في انتقادات الشيخ محمد أبو عجيلة وإصرار قناة التناصح على بث حلقاته

 

الخلاصة في انتقادات الشيخ محمد أبو عجيلة

وإصرار قناة التناصح على بث حلقاته

في وقت نحتاج فيه إلى تحرير العلم وتحقيقه وإنصاف أهله وفق منهجية صحيحة بعيدة عن التعصب وردات الفعل رجاء اتحاد الكلمة ومعرفة مواطن الخلاف والإجماع وتحقيق المناطات يخرج علينا الشيخ محمد أبو عجيلة بترهات وتناقضات لا تمت للعلم المحقق بصلة, فتراه يهمز هذا ويطعن في هذا ويتكلم في النيات والمقاصد بحجج واهية, فالصفة الغالبة لانتقادات محمد أبو عجيلة الذي يخرج على قناة التناصح هي تجاوز ما يقرره أهل العلم من توقير العلماء وحفظ مكانتهم, وصاحَبَ ذلك مغالطات مضادة للأمانة العلمية وتخليط في القواعد وعدم إدراك لأصول أهل السنة ومناطات الكفر والبدعة, وطعن في جملة من أئمة الهدى, وعيب في العقيدة الصحيحة, فأساء بذلك لنفسه وللقناة التي يخرج عليها قبل أن يسيء لغيره.

ولو كان عندي وقت لكتبت ردا عليه ورتبته على خمسة أقسام: قسم في تحرير القواعد التي خلط فيها, وقسم في تراجم الأئمة الذين طعن فيهم, وقسم في مسائل انتقدها على الأئمة قد ضل فيها وسلك فيها مسلك الخوارج, وقسم في بيان العقيدة الصحيحة وما تميز به أهل السنة عن المتكلمين,وقسم في بيان ضابط البدعة والسنة وموطن خلله فيه.

فهذه الأبواب هي مواطن الخلل في جميع حلقاته التي ملأها جهلا وعدوانا وظلما.

ومن ضعف تصوره وقلة حكمته وهوسه بالرد: أن زعم أنه لا يتأتى محاربة غلاة التجريح إلا بالطعن في أكابر؛ بدعوى أن الأتباع جروه إلى ذلك, ولو أنصف لعلم أنها حجة ساقطة, ولو كان كل إمام تعدى أتباعه يطعن فيه لما تركنا مالكا ولا الشافعي ولا أحمد, بل ولا تركنا عليا رضي الله عنه

وإذا كانت حجته هذه حجة صحيحة لطعنا في علمائه بسبب قلة فهمه وتعديه على الأعلام وأصول أهل السنة.

ومن أوابده في آخر حلقة -أرسلها لي أحد الإخوة يستنكر ما فيها-: أن جعل هذه الحلقة في الطعن في شيخ فاضل وإمام نحسبه كان على هدى وتقي وورع قد أفضى إلى ربه وهو الشيخ صالح اللحيدان؛ بدعوى أن الأتباع جروه إلى ذلك, فأي علم وإنصاف وباعث هذا الذي استند إليه؟!

ومن طوامه أن زعم أن الشيخ صالحا ولي القضاء إلى أن مات ولم ينكر على حكامه.

وهذا مع ما فيه من الكذب, فالشيخ صالح معروف بصدعه بالحق, وقد منع في زمن الملك عبد الله من الخروج على قناة المجد؛ لصدعه بالحق

إلا أن القاعدة في هذا الباب أن من تولى أمرا فلم يستطع الإصلاح فإنه يبقى ويقلل المفاسد ما استطاع؛ ذلك أنه إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر. ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة؛ أو لدفع ما هو أحرم وهذا. [انظر: مجموع الفتاوى (20/ 57)]

فباب السياسة الشرعية يقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد, ويقوم أيضا على تقليل المفاسد وتخفيفها إذا لم يتأت جلب المصالح, فمن فعل ما يمكنه لم يلزمه ما يعجز عنه, فيوسف عليه السلام ولم يكن يوسف تولى في دولة كافرة ولم يمكنه أن يفعل كل ما يريد لكن فعل ما يقدر عليه من العدل.

ولله در ابن تيمية القائل في مجموع الفتاوى (20/ 55): (...بل لو كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم؛ ومن تولاها أقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها. ودفع أكثره باحتمال أيسره: كان ذلك حسنا مع هذه النية وكان فعله لما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو أشد منها جيدا. وهذا باب يختلف باختلاف النيات والمقاصد)

وحتى في باب السكوت عن المنكرات, فقد يسكت العالم عن منكر خوفا من فوات مصلحة أعظم, قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20/ 58): (ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات فيسكت عن النهي خوفا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر. فالعالم تارة يأمر وتارة ينهى وتارة يبيح وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح وعند التعارض يرجح الراجح - كما تقدم - بحسب الإمكان فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله وإما لظلمه ولا يمكن إزالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر. فالعالم في البيان والبلاغ كذلك؛ قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى بيانها).

فأنى لمن لم يحط بأصل باب السياسة الشرعية ومقاصده وباب المصالح والمفاسد أن يدرك هذا؟!

وادعى أيضا أن تكفير علماء السعودية للقذافي هو من باب إرضاء الحكومة السعودية لا أنه ارتكب ما يستوجب تكفيره!!

فما أجرأه على الكلام في النيات, فالحكم على النيات والمقاصد منكر في الشريعة, ومخالف لقواعدها, وفيه تعدٍّ على الناس, وتجنٍّ عليهم, وهو من التسرع في الحكم على الناس, ومنكر أيضا عقلا وعرفا.

واتهمهم أنهم يفهمون الكتاب والسنة في باب السياسة على فهم عروش الحكام!!

وذهب مذهب الخوارج في أن المولاة بإطلاق للكفار كفر أكبر!!

ولا أدري كيف لهذه القناة -قناة التناصح- التي تدعي العدل والإنصاف وتوقير العلماء أن تسخر حلقات لانتقاص علماء أحياء وأموات من غير أن تراعي -على أقل- تقدير المفاسد المترتبة على ذلك من افتراق الكلمة ونحوه

بل وتراها تنشر  على لسان أبو عجيلة وغيره إطلاقات كفرية؛ بدعوى الصدع بالحق, وقد ناصحناها علنا وأبت إلا المسير على ما هي عليه, والله المستعان

ولا يفوتني أن أتعجب من المقدم للبرنامج وكأنه لا يعرف الشيخ صالحا اللحيدان, وجماعة من كبار العلماء, فيطعن فيهم أمامه بما لا يصح أن يكون طعنا ويؤتى بالتناقضات وأصول فاسدة وهو ساكت, بئست الحزبية هذه, وعند الله يجتمعون مع خصومهم.

كتبه ناصحا د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 7 يناير 2022

الجمع بين الصلوات بسبب المطر

 

الجمع بين الصلوات بسبب المطر

 عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء, قال أيوب: لعله في ليلة مطيرة أخرجه البخاري

 

شرع الله الجمع بسبب المطر؛ حفاظا على الجماعة في المسجد واهتماما بها, وهذا يدلنا على أن الصلاة جمعا في المساجد أولى من الصلاة متفرقة في وقتها في البيوت.

ومن مقاصد مشروعية الجمع بسبب المطر: التخفيف والتيسير على عباد الله, وهو مقتضى رحمته سبحانه

ولو لم تراع هذه الرخصة لأدى ذلك إلى حرج ومشقة, فاقتضى ذلك استثناء مواطن الحرج, فشرع الجمع بين الصلوات بسبب المطر

وإذا كان الله سبحانه قد اعتبر جنس الحرج في رخصة الجمع للمطر, فلا فرق بين جمع الظهر والعصر وجمع المغرب والعشاء؛ لأن التعليل بعذر الحرج يقتضي تجويز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بجامع الحرج.

وليس كل مطر يقتضي جواز الجمع , وإنما المطر الذي هو مظنة إيقاع الناس في الحرج.

كتبه أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 6 يناير 2022

مصطلح علماء البلد في الميزان

 

مصطلح علماء البلد في الميزان

إن مصطلح علماء البلد مصطلح عرفي لا يترتب عليه من حيث الشرع اختصاص بأحكام, فضلا عن الولاء والبراء

وهو مصطلح يعبر عن وجود علماء في  بلد ما من غير أن تختص بهم فتوى ولا حكم

وإنما الواجب على أهل العلم قبل أن يفتوا أن يتصوروا, فمن تصور وعلم حكم الواقع باستنباط وتنقيح فله أن يفتي سواء كان في نفس البلد أو خارجا عنه, فليس من شرط الفتوى في واقع أن يكون من أهل البلد وإن كان الغالب في علماء أهل البلد أنهم أكثر إحاطة بالواقع وإدراك لمآل فتاويهم وإن لم يكن ذلك مطردا

لكننا نجد غلوا في هذا المصطلح فصار يرتب عليه الولاء والبراء, وتقصر الفتوى عليه فيمدح من استفتى علماء بلده ويذم من استفتى غيرهم, وأذكي به التعصب المذموم, والتمايز المبني على الهوى, ونحو ذلك

وهذا الغلو يرده أدنى نظر إلى ظاهر نصوص الكتاب والسنة وما سار عليه الأئمة

أما ظواهر النصوص فقد علقت السؤال بأهل الذكر من غير أن تقيده ببلد, فمن جهل حكما سأل من يثق في علمه وكان من أهل الذكر سواء كان من بلده أو من بلد غيره, فمن قيد الإطلاق -بإطلاق- دخل في التشريع.

وهو محل إجماع, قال القرافي في الذخيرة (1/ 141): (قاعدة: انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر, وأجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أن من استفتى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أو قلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما ويعمل بقولهما من غير نكير, فمن ادعى رفع هذين الإجماعين فعليه الدليل)

وأما سيرة الأئمة فنجد أن الأئمة يجيبون على أسئلة من يستفتيهم من غير بلدهم, وهو أشهر من أن يذكر.

 

فيجب أن يبتعد عن العصبية والجهوية, ولتكن العبرة بتحقق وصف العلم فيه, وكونه عالما قد يكون بإطلاق لكونه عالما شموليا سنيا, وقد يكون بتقييده بفن ونحو ذلك, وليس المقام بسط.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار