الجمعة، 12 مارس 2021

حكم التسويق الشبكي واليونيسيتي

حكم التسويق الشبكي واليونيسيتي

اختلف في حكم التسويق الشبكي: الفقهاء المعاصرون...

والصورة التي أسلط عليهاالضوء باختصار: أن يشتري الزبون بضاعة حقيقية موجودة حلالا-والشراء: شرط- ثم يأتي هذا الزبون الذي هو المستهلك بزبون آخر ليشتري سلعة, فإذا اشترى كان للزبون الأول عمولة مباشرة – وهي فوائد التسويق-, وإذا أتى الزبون الثاني بعد شرائه بزبائن كانت له عمولة مباشرة وللأول عمولة غير مباشرة, وهكذا ...

وهنا يرد سؤال مهم يترتب عليه تكييف المسألة ثم بيان حكمها, وهو: هل البضاعة مقصودة أو أن المقصود هو زيادة المسوقين والعمولة؟

فهنا احتمالان:

-أن تكون البضاعة مقصودة.

-ألا تكون مقصودة.

فإن كانت البضاعة هي المقصودة فسيكون الإتيان بالزبون ليس أمرا مقصودا عند شراء السلعة, ولن تكون هناك مبالغة في ثمن السلعة, ولا يقوم التسويق على الاقناع على العمولة.

فيكون المقصود على هذا: ترويج السلعة والخدمات, ويجب عدم اشتراط الشراء على الزبون, ويكون الربح مقابل الجهد والعمل, وأن يأخذ من الربح بقدر الجهد الذي بذله.

وعليه, فيكيف التسويق على أنه جعالة, ويكون الحكم هو الجواز.

وأما إن كانت البضاعة ليست مقصودة, وإنما المقصود العمولة فتكون البضاعة وسيلة, ولذا لا يلتفت إلى غلاء السلعة وجودتها, ولا ينظر إلى حاجة الزبون لشرائها, فتكون حقيقة التسويق: وضع مال وأَخْذ فائدة عليه مع التأخير, وهو الربا.

كذلك نجد أن فيها مخاطرة؛ مما يجعل المسألة ميسرا؛ لكونه وضع مالا وخاطر به لحصول ربح وقد يخسره كله.

وفيها أيضا غرر؛ لجهالة الربح زمنا وقدرا.

وفيها أيضا إغراء الناس بضخامة الفوائد والربح.

وتندرج تحت أكل أموال الناس بالباطل.

فمن أعظم إشكالية التسويق الشبكي هو: أن المستفيد ملزم بشراء البضاعة المبالغ في ثمنها؛ مما جعلها صورية, , وقد يكون ملزما بدفع مبلغ اشتراك.

وعليه فحكمها: التحريم؛ لكون البضاعة فيه غير مقصودة, ولا يصح تكييفها على أنها سمسرة جائزة ؛ وذلك أنه ليس في السمسرة الإلزام بشراء السلعة, ولا مقصودها ترويج العمولة والفائدة, وإنما المقصود في السمسرة ترويج السلعة, وباختلاف المقصودين تختلف الحقائق.

ثم اعلم أن وجود السلعة لا يمنع من الحكم بالربا والغرر والقمار؛ لأن وجودها صوري غير مقصود, كما تقدم.

ولا يصح تكييفها على أنها جعالة؛ لكون الجعالة تقوم على الجهد, وأما التسويق الشبكي فيقوم على المال المدفوع في صورة شراء سلعة, ولذا عندما يخسر يخسر هذا المال لا مجرد الجهد كما في الجعالة.

وأما كون بعض المستفيدين قد يكون مقصوده السلعة, فهذا نادر وقليل والقليل مع الغالب لا حكم له.

وحكم اليونسيتي حكم التسويق الشبكي المحرم؛ لأنها تقوم على شرط الشراء, وعدم قصد السلعة, وللمحاذير الأخرى التي تقدمت.

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 10 مارس 2021

حكم نبش القبور لاستخراج السحر

 

حكم نبش القبور لاستخراج السحر

هذه المسألة كثر حولها الجدل في بلدنا, وتكتنفها عدة أصول؛ مما قوى الخلاف فيها, بعيدا عن سوء الظن.

فالأصل أن المؤمن محترم في حياته وبعد مماته, فلا يجوز لأحد أن يقدم على نبش قبره مادام الميت فيه إلا أن تكون هناك ضرورة تتعارض بسببها مصلحة الحي الضرورية مع مصلحة الميت, فهنا تقدم المصلحة الضرورية للحي؛ لقوتها ورجحانها.

ولهذا استثنى الفقهاء صورا تتحقق فيها الضرورة.

وقد أخرج مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، أنه بلغه «أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما، وكان قبرهما مما يلي السيل، وكانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه، فدفن وهو كذلك. فأميطت يده عن جرحه، ثم أرسلت فرجعت كما كانت، وكان بين أحد، وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة»

قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 156): (وفيه لا بأس باستخراج الموتى من قبورهم إن وجد إلى ذلك ضرورة فأريد به الخير وأن ذلك ليس في باب شيء من نبش)

وضابط الضرورة: ما يحصل بعدمها موت أو مرض يهلك به الإنسان أو يقارب الهلاك.

والضرورة تقدر بقدرها, فلا يتوسع في ارتكاب محرم الأصل.

وإذا نظرنا إلى أثر السحر على الإنسان وجدنا أنه قد تحقق فيه وصف الضرورة فهو قد يقتل الإنسان أو يقارب على هلاكه, خصوصا مع انتشاره في بلدنا وفشوه, وما سببه من انتحار ونحوه.

ولا ننظر إلى تعينه طريقا للشفاء أو لا مادام قد بلغ حد الضرورة وكثر انتشاره وعظم إهلاكه.

وقد جاء في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 304): (قال البرزلي وسئل ابن زيادة - رحمه الله تعالى - عمن أوصى أن يجعل في أكفانه ختمة قرآن أو جزء منه أو جزء من أحاديث نبوية أو أدعية حسنة هل تنفذ وصيته أم لا؟ وإذا لم تنفذ وقد عمل ذلك فهل ينبش ويخرج أم لا؟ فأجاب: لا أرى تنفيذ وصيته وتجل أسماء الله تعالى عن الصديد والنجاسة فإن فات فأمر الأدعية خفيف والختمة يجب أن تنبش وتخرج إذا طمع في المنفعة بها وأمن من كشف جسد الميت ومضرته والاطلاع على عورته).

وجوز فقهاء الشافعية النبش فيما هو أدنى من الضرورة, كما لو دفن من غير غسل, فالظاهر  عندهم أنه ينبش القبر ويغسل, وكما لو دفن في أرض مغصوبة وترك المالك إخراجه فإن حق الحي أولى بالمراعاة. الوسيط في المذهب (2/ 390)

وجاء في المغني لابن قدامة الحنبلي (2/ 414): ( وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخرج قال أحمد : إذا نسي الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها وقال في الشيء يسقط في القبر مثل الفأس والدراهم : ينبش قال : إذا كان له قيمة يعني ينبش قيل : فإن أعطاه أولياء الميت ؟ قال : إن أعطوه حقه أي شيء يريد وقد روي أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال : خاتمي ففتح موضع منه فأخذ المغيرة خاتمه فكان يقول : أنا أقربكم عهدا برسول الله صلى الله عليه و سلم)

فإذا جاز في هذا ففي الضرورة من باب أولى.

لكن يجب عدم الإقدام على نبش القبر الذي الأصل فيه التحريم إلا إذا تُيقن أن فيه سحرا, فلا نقدم على مفسدة النبش المعلومة لتحقيق مصلحة مظنونة أو متوهمة.

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 4 مارس 2021

مسألة اليمين بالطلاق ( الطلاق يلزمني لأخرجن من العمل)

 

مسألة اليمين بالطلاق

كثرت أسئلة المتصلين في طلاق من جعل الطلاق يمينا, كأن يقول قائل: الطلاق يلزمني لأكلمن أخي.

وفي حكمه أن يعلقه على شيء, كأن يقول: إن خرجت من البيت فعلى الطلاق.

وقد اختلف فيه الفقهاء, هل يقع الطلاق بالحنث أو تجزيه الكفارة؟

فمنهم من قال بوقوع الطلاق وهو مذهب الجمهور, ومنهم من قال: تجزيه الكفارة, ونسب إلى أشهب من المالكية, ونصره ابن تيمية.

 

والأقرب: أنه إن قصد وقوع الطلاق وقع, وإن قصد الحلف فلا يقع الطلاق ويكفر كفارة يمين.

وذلك:

1-أن الحالف بالطلاق التزم الحلف لا إيقاع الطلاق, فيكون داخلا في قوله تعالى: { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم }.

2-أن العبرة بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والمباني, فهو حالف بلفظ الطلاق ولا يقصد إيقاع للطلاق, ولذا تجده يكره وقوعه ولا يريده ابتداء.

3-أن الأصل الذي ترجع إليه: النظر إلى مراد المتكلم, وحمل كلامه على مراده.

4-أنها في منزلة من قال: هو يهودي إن لم يفعل كذا, وهو يكره الدخول في اليهودية فينزل منزلة اليمين, ففي مصنف عبد الرزاق عن ابن التيمي عن أبيه عن بكر بن عبد الله المزني قال: أخبرني أبو رافع قال: (قالت مولاتي ليلى بنت العجماء: كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق زوجتك أو تفرق بينك وبين امرأتك، قال: فأتيت زينب بنت أم سلمة، وكانت إذا ذكرت امرأة بفقه ذكرت زينب، قال: فجاءت معي إليها، فقالت: يا زينب -جعلني الله فداك- إنها قالت: كل مملوك لها حر، وهي يهودية ونصرانية، فقالت: يهودية ونصرانية؟ خلي بين الرجل وامرأته، قال: فكأنها لم تقبل ذلك، قال: فأتيت حفصة، فأرسلت معي إليها، فقالت: أم المؤمنين -جعلني الله فداك- إنها قالت: كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية، قال: فقالت حفصة: يهودية ونصرانية؟ خلي بين الرجل وامرأته، فكأنها أبت، فأتيت عبد الله بن عمر فانطلق معي إليها، فلما سلَّم عرفت صوته، فقالت: بأبي أنت وبآبائي أبوك، فقال: أمن حجارة أنت أم من حديد أم من أي شيء أنت؟ أفتتك زينب، وأفتتك أم المؤمنين فلم تقبلي منهما، قالت: يا أبا عبد الرحمن، جعلني الله فداك، إنها قالت: كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية، قال: يهودية ونصرانية؟ كفِّري عن يمينك، وخلِّي بين الرجل وامرأته).

وفي رواية عند الدارقطني والبيهقي: (فسألت عائشة وابن عباس وحفصة وأم سلمة رضي الله عنهم، فكلهم قالوا لها: أتريدين أن تكوني مثل هاروت وماروت؟ فأمروها أن تكفِّر عن يمينها، وتخلي بينهما)

 

ويجب التنبيه إلى أن هذا الحكم لا يشمل ما لو تكلم بلفظ الطلاق تنجيزا من غير تعليق, كأن يقول: أنت طالق أو إمرأتى طالق ونحو ذلك فهذا يقع به الطلاق إجماعا.

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار