السبت، 28 أغسطس 2021

حكم أخذ مصرف الأمان عمولة على سحب علاوة الأبناء بنسبة مئوية عن طريق مكتب الخدمات والتجار

 

حكم أخذ مصرف الأمان عمولة على سحب علاوة الأبناء بنسبة مئوية عن طريق

مكتب الخدمات والتجار

 

ما نشهده اليوم من تحايل مصرف الأمان على شرك مصرف ليبيا المركزي, وعلى الناس في مستحقاتهم (علاوة الأبناء), التي تكيف على أنها إيداع من مصرف ليبيا المركزي إلى مصرف الأمان فأصبح مصرف الأمان مدينا.

ووجه التحايل: أنهم كانوا فيما سبق يأخذون العمولة -التي هي في مقابل إيصال الأموال- من الناس مباشرة مع مخالفتهم لشرط مصرف ليبيا المركزي

والآن أصبحوا يأخذونها عن طريق الوكالة التي يعطونها لمكاتب الخدمات أو ميزة نقل المال من حساب العميل الذي هو صاحب العلاوة إلى التاجر!

وهذه العمولة التي يأخذونها في مقابل: إيصال المبلغ إلى المستفيد الزائدة على الخدمات الفعلية, ليست من باب الربا؛ لأن المصرف مقترض لا مقرض إلا أنه بالنظر إلى الواقع نجد أن فيها استغلالا لضعف المستفيد وحاجته إلى المال, وهو ينافي التيسير والرفق, فقد جاءت نصوص الشريعة بالحث على الرفق بالناس, كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280].
وحرم الربا؛ لمنافاته الإحسان والإرفاق ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130]
واستغلال الناس وقت حاجتهم يتنافى مع مقصد الشارع من الرفق, وفيه شبهة أكل أموال الناس بالباطل.

ونجد أيضا أنها منافية لقيود مصرف ليبيا المركزي, وهي من أكل أموال الناس بالباطل؛ إذ يأخذها المصرف من غير عمل وجهد يقابلها مع انتفاعه بالمال الذي في ذمته.
وأما ما يفعله مكاتب الخدمات والتجار  من تحويل المال من حساب صاحب العلاوة إلى حساب التاجر أو المكتب عن طريق رسائل الهاتف

وبمجرد دخوله في حسابه يقوم مصرف الأمان بخصم العمولة من حساب التاجر التي تفوق الخدمات الفعلية

ثم يعطي التاجر المستفيد مبلغا أقل من الذي أودعه, فهذه الصورة محرمة.

وتكييف العلاقة بين الأطراف الثلاثة (صاحب العلاوة والتاجر والمصرف) أنها من قبيل حوالة الحق, فالعميل الأول الذي هو صاحب العلاوة دائن, ومصرف الأمان مدين, فيقوم العميل الأول بنقل الحق منه إلى التاجر, ويكون التاجر قد سدد دين المصرف وأصبح هو دائنا للمصرف.

وأما العلاقة بين العميل الأول والتاجر فعلاقة قرض؛ لوقوع الضمان على التاجر, فوجب رد المثل من غير نقص إلا بما تقتضيه الخدمات الفعلية للبنك, وما زاد فهو ظلم وهو من أكل أموال الناس بالباطل.

وقد تكيف على أنها صرف؛ لأن التاجر يضمن المال بعد تحويله إلى حسابه, وليس هو مجرد ناقل, ومقصود صاحب العلاوة مبادلة مال نقدي مقبوض حقيقة بمال مقبوض حكما.

وفي الصرف تجب المماثلة والتقابض, وإلا كان ربا, ويعفى عن الخصم الذي يتم من المصرف بقدر الخدمات الفعلية.

وعليه فإن ما يخصمه التاجر من المبلغ هو زائد على الخدمات الفعلية فيكون التعامل معه حراما.

ولا يصح تكييف العلاقة على أنها وكالة -بأجر أو بغير أجر-؛ لكون التاجر يضمن المال بعد دخوله في حسابه, والوكيل لا يضمن, ثم إن العقد يكون وكالة إذا قبض المحال له الحق من المدين باسم المحيل الذي هو صاحب العلاوة لا أن يقبض الحق باسم التاجر.

وحتى نصحح هذه المعاملة يجب أن يقبض التاجر أو المكتب الحق من المصرف باسم المحيل الذي هو صاحب العلاوة لا أن يقبض الحق باسم التاجر.

 

فالتعامل مع المكاتب لا يجوز اللهم إلا إذا وجدت مكاتب خدمات تقوم بتحويل بيانات المستفيد إلى المصرف ثم يقوم المصرف بتحويل المال إلى المكتب ثم إلى المستفيد, فيتم سداد دين الذي على المصرف عن طريق المكتب.

فالقول بالتحريم يصعب؛ لوجود مصلحة ومفسدة, أما المصلحة فهي في التسهيل على الناس ورفع الحرج عنهم, وأما المفسدة فهي في إعانة المصرف على هذا الاستغلال والمجاوزة.

والنظر المقاصدي يقتضي: أنه لا ينظر إلى عظم المفسدة الذي تقتضي المنع إلا وينظر معها إلى ما يقابلها من حاجة الناس ومقصد الشارع من رفع الحرج عنهم وعدم قصده إعناتهم.

ومادام أن باب البيوع مقصد الشارع فيه التوسعة على الناس ورفع الحرج عنهم بما لا يتعارض مع مفسدة راجحة

فيجوز للناس أن يتعاملوا مع مكاتب الخدمات؛ لرفع الحرج عنهم, وإن كنا لا ننصح التجار ابتداء بالتعامل مع المصرف ولا إعانته.

ولا أظنها موجودة واقعا.

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

الثلاثاء، 24 أغسطس 2021

هل لأهل السنة صياغة خاصة في أصول الفقه

هل لأهل السنة(أهل الحديث) منهج خاص بهم  في الصياغة الأصولية؟

الصياغة الأصولية لها عدة استمدادات، فما كان مستمدا من لغة العرب فليس هناك اختصاص لأهل الحديث

وما كان مستمدا من عرف الشارع ونصوص الوحيين فكذلك -في الجملة-

وأما ما كان مستمدا من الاعتقاد فهنا لأهل الحديث صياغة خاصة تختلف عن صياغة المتكلمين

وقد ألفت متنا أصوليا راعيت فيه الاستمداد العقدي سميته"متن في أصول الفقه على اعتقاد أئمة السلف"

وكذلك الصياغة الأصولية يؤثر فيها النظر إلى الثمرة العملية وعدمها، فلأهل الحديث صياغة خاصة بهذا النظر، فلا يذكرون من المسائل الأصولية إلا ما تحته عمل وله أثر في الاستنباط والترجيح، بخلاف الصياغة الكلامية

وقد ألفت كتابا بعنوان" القواعد الأصولية التي تحتها ثمرة عملية"

ومن أجل الكتب في الصياغة السنية كتاب الرسالة للشافعي


فمن لم يراع هذين الأمرين فليس له أن يخص تأليفا في أصول الفقه على صياغة أهل السنة

كتبه د أحمد محمد الصادق النجار

الثلاثاء، 17 أغسطس 2021

الأحوط في الصيام عند الاختلاف في تحديد يوم عاشوراء

 

الأحوط في الصيام عند الاختلاف في تحديد يوم عاشوراء

إن الله شرع صيام يوم عاشوراء وجعله ثوابه كفارة للسنة الماضية, واحتاط له من الفوات بتشريع صيام اليوم الذي قبله, فمن حِكم الله في صيام اليوم الذي قبله خشية فواته.

وقد كان هناك خلاف قديم مهجور في تحديد يوم عاشوراء أهو التاسع أو العاشر؟

فصح صيام اليومين؛ احتياطا ليوم عاشوراء.

وقد دل على هذا المعنى –الاحتياط ليوم عاشوراء-: ما أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 552) عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل، لأصومن اليوم التاسع» قال أبو علي: رواه أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب، زاد فيه: مخافة أن يفوته عاشوراء

وفي مصنف ابن أبي شيبة (2/ 313) حدثنا زيد بن حباب، عن نافع، عن ابن طاوس، عن أبيه، «أنه كان يصومه ويصوم قبله وبعده يوما، مخافة أن يفوته»

وصام أبو إسحاق عاشوراء ثلاثة أيام: يوما قبله ويوما بعده في طريق مكة، وقال: (إنما أصوم قبله وبعده كراهية أن يفوتني). عمدة القاري شرح صحيح البخاري (11/ 117)

قال ابن عبد البر في الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار 463 (10/ 138): (وقال قوم من أهل العلم: من أحب صيام يوم عاشوراء صام التاسع والعاشر.

وأظن ذلك احتياطا منهم.

وممن روي عنه ذلك: ابن عباس أيضا، وأبو رافع صاحب أبي هريرة، وابن سيرين. وقاله الشافعي، وأحمد، وإسحاق.

وروى القطان، عن ابن أبي ذئب، عن شعبة، مولى ابن عباس، قال: كان ابن عباس يصوم يوم عاشوراء في السفر ويوالي بين اليومين مخافة أن يفوته، وكان ابن سيرين يصوم العاشر، فيبلغه أن ابن عباس كان يصوم التاسع والعاشر، فكان ابن سيرين يصوم التاسع والعاشر).

 

ولصحة هذا التعليل: إذا اختلفت بلدان المسلمين في تحديد دخول شهر المحرم؛ مما يترتب عليه اختلافهم في تحديد يوم عاشوراء, كان الأحوط صيام يومين يتحقق بهما قطعا إصابة يوم عاشوراء وإدراك فضله,

وفي عامنا هذا يتحقق إصابة يوم عاشوراء بصيام يومي الأربعاء والخميس, فالأربعاء هو التاسع عند قوم, والعاشر عند آخرين.

وليس مدار الحديث هنا من يتبع أهل البلد؟, فأهل كل بلد يتبعون ما تعلنه بلدانهم المعتمدة على الرؤية, وإنما مدار الحديث عن الأحوط لإصابة اليوم, وقد عرفنا مستنده.

 

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ مادة العقيدة

في كلية علوم الشريعة

 

الاثنين، 16 أغسطس 2021

[تأصيل دقيق نبه عليه أهل العلم الراسخون]

 

[تأصيل دقيق نبه عليه أهل العلم الراسخون]

عندما يأتي دليل شرعي له أفراد, ونجد أن السلف تركوا العمل ببعض أفراده أو كان عملهم به قليلا , مع وقوع العمل الكثير بغير تلك الأفراد, علمنا أن السنة المتبعة للكثير لا للقليل, ويجب حمل الدليل عليه, قال الشاطبي في الموافقات: (فإن إدامة الأولين للعمل على مخالفة هذا الأقل لابد أن يكون لمعنى شرعي تحروا العمل به)

فيكون العمل بالقليل أو النادر الذي يحتمله الدليل الشرعي هو في حقيقة الأمر مخالف للسلف الأولين؛ إذ لا يعدوا أن يكون رأيا لبعضهم لم يتابعوا عليه, فكيف إذا تركوا العمل به على كل حال؟

وهذا من دقيق الاستنباط, وليس هو من قبيل الرأي.

أضف إلى ذلك -مما هو بعيد عن فقه الكثير - أننا ننظر في عمومات النصوص الشرعية على الأصل الاستعمالي كما عبر بذلك الشاطبي في الموافقات, بمعنى: أن نفهم عمومات النصوص على ضوء النظر إلى مقصد الشارع لا إلى مجرد الوضع.

وبالمثال يتضح هذا التأصيل: عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»

فقوله:" ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن" يدخل فيه أفراد وصور, فيدخل فيه بذل الجهد بنصح الحكام سرا, وبإنكار فعلهم وبيان حكمه في الشرع, وبالإنكار عليهم عندهم وأمامهم, وبالإنكار عليهم حال غيبتهم بذكرهم وذكر منكراتهم

إلا أن العمل الكثير الدائم من السلف هي الصور الثلاث الأولى, وأما الصورة الأخيرة فإن سلمنا أن السلف عملوا بها فهي قليلة, والعمل بالقليل أو النادر مما يحتمله الدليل الشرعي هو في حقيقة الأمر مخالف لعمل السلف الأولين؛ إذ لا يعدوا أن يكون رأيا لبعضهم لم يتابعوا عليه, ونكتة المسألة: أنهم لم يعملوا بهذا القليل لوجود معنى راعوه وهو إفضاء الفعل إلى مفسدة أكبر, فالصورة الأخيرة هي مظنة الخروج بالسيف والفوضى العامة, كما صرح بذلك السلف والأئمة.

قال ابن الصلاح: (وما ورد في هذا الحديث من الحث على جهاد المبطلين باليد واللسان فذلك حيث لا يلزم منه إثارة فتنة, على أن هذا الحديث مسوق فيمن سبق من الأمم وليس في لفظه ذكر لهذه الأمة) شرح النووي على مسلم (2/ 28) فلم يحمل الحديث على كل صوره, وإنما حمله على الصور التي لا تكون مظنة الخروج, بل أخرج الحديث عن العمل به؛ لكونه شرعا لمن قبلنا.

ثم إن عموم اللفظ لجميع الصور وضعا لا يفيد عمومه استعمالا؛ لأن نصوص الكتاب والسنة مبنية على تحصيل المصالح وتعطيل المفاسد, فيجب فهمها على هذا النحو, ولهذا لم يكن الخروج بالسيف داخلا في عموم جهاد الحكام باليد؛ بالنظر إلى العموم الاستعمالي, وكذلك الإنكار باللسان حال غيبة الحاكم لا تدخل في العموم بالنظر إلى عموم الاستعمال.

ولما ذكر ابن رجب هذا الحديث قال في جامع العلوم والحكم (2/ 248): ( وقد ذكرنا حديث ابن مسعود الذي فيه: «يخلف من بعدهم خلوف، فمن جاهدهم بيده، فهو مؤمن» الحديث، وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد. وقد استنكر الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبي داود، وقال: هو خلاف الأحاديث التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالصبر على جور الأئمة. وقد يجاب عن ذلك بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال. وقد نص على ذلك أحمد أيضا في رواية صالح، فقال: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح، وحينئذ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات، مثل أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك، وكل هذا جائز، وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه، فإن هذا أكثر ما يخشى منه أن يقتل الآمر وحده).

فبين استنكار الإمام أحمد لهذا الحديث من جهة أن عموم معناه مخالف لما تواترت به النصوص, ومخالف لمقصود الشارع والنظر الكلي للشريعة.

إلا أن ابن رجب حمل الحديث على بعض صوره, وأفرغه من عمومه؛ ليستقيم مع روح الشريعة وما تواترت به النصوص, فحمل جهادهم باليد على التغيير الفردي الذي أعظم ما يخشى منه أن يقتل المنكر من غير أن يسبب فتنة عامة.

ونظيره الإنكار باللسان فهو محمول على الصور الخاصة الفردية التي أعظم ما يخشى منها أن يقتل المنكر, وهذا المعنى لا يتحقق في الإنكار العلني الموجه إلى العامة حال غيبة الإمام.

فلله درهم ما أفقههم

 

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

 

الخميس، 5 أغسطس 2021

من الصحابة الذين صرحوا بحكم الإنكار العلني حال الغيبة:

 

من الصحابة الذين صرحوا بحكم الإنكار العلني حال الغيبة:



1. أسامة بن زيد رضي الله عنه: في الأثر المشهور المخرّج في "الصحيحين" أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلّمه؟ فقال: "إنَّكم لترون أنّي لا أكلمه إلَّا أُسمعكم، إنّي أكلمه في السرّ دون أن أفتح بابًا لا أكون أوَّلَ من فتحه"

2. عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: قال سعيد بن جُهمان البصري: أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر، فسلمت عليه، قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جُمْهان، قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة، قال: لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كلاب النار، قال: قلت: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال: بل الخوارج كلها. قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم، قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: "ويحك يا ابن جُمهان! عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، ‌إن ‌كان ‌السلطان ‌يسمع ‌منك فأته في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلّا فدعه، فإنك لست بأعلم منه".

3. عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس: آمر إمامي بالمعروف؟ قال: "إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت ولا بدّ فاعلا ‌ففيما ‌بينك ‌وبينه ولا تَغْتَب إمامك" .

4. عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة: قال عبد الله: "إذا أتيت الأمير المؤمَّر فلا تأته على رؤوس الناس"

فهذه أقوال-من باب المثال لا الحصر- صريحة لا محتملة، والأقوال أقوى من الأفعال، وهي مشتملة على منع ما عداها، فإهمالها وعدم النظر إليها في تحرير المسألة شين

كما أننا نستخرج منها حكمة المنع، وهي الإفضاء إلى الخروج ووقوع المفسدة الكبرى

فقد أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى (6/ 170) عن هلال بن أبي حميد قال: سمعت عبد الله بن عكيم يقول: لا أعين على دم خليفة أبدا بعد عثمان.

فيقال له: يا أبا معبد أو أعنت على دمه؟ فيقول: إني أعد ذكر مساويه عونا على دمه.

فنمنع كل صورة هي مظنة تحقق الحكمة.

ومن عدم تحرير المسألة أن نأتي إلى صورة ليست مظنة تحقق الحكمة فنعمم بها الحكم على كل الصور، كما لو أنكر رجل بين جلسائه على حاكم جاهر بفسقه، فهذه الصورة ليست مظنة تحقق الحكمة ولذا جازت غيبته، وهي ليست من باب ذكره بما يكره؛ لأنه مجاهر به

بخلاف الصورة التي فيها التأجيج والتشهير والسب ومخاطبة العامة، فكيف يأتي من يجعل الصورتين صورة واحدة ويعطيها حكما واحدا؟! أو يستدل بالصورة الأولى على جواز الصورة الثانية

وهذا غريب

كمن يستدل بقول كعب لمن حوله وهو ينكر على امامه يخطب جالسا...

فإنكاره دائر بين أن يكون إمامه قد سمعه إن كان الإنكار بصوت عال فيكون إنكارا بين يدي الإمام وهو أفضل الجهاد، وبين أن يكون بصوت منخفض فيكون إنكارا يسمعه بعض الخواص، لمجاهرته بالمعصية، وليس هو مظنة الحكمة.

فالخلط بين الصور مصيبة، وتعميم الحكم مصيبة أعظم.