الأربعاء، 29 ديسمبر 2021

حكم الأذان في المساجد لغير الإعلام بوقت دخول الصلاة

 

حكم

الأذان في المساجد لغير الإعلام بوقت دخول الصلاة

شُرع الأذان في المساجد لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة, فالمقصود منه: الإعلام.

ولا يشرع الأذان لغير الإعلام إلا بما ورد به النص الشرعي؛ لأنه عبادة لا تشرع إلا لسبب مشروع.

ومما ورد به الدليل: الأذان لطرد الغيلان؛ إلا أن  الدليل لم يخصصه بمكان, وما شرع عاما لا يدل على مشروعيته خاصا.

وعليه: فلا يصح تخصيص المساجد بالأذان لطرد الشياطين؛ لأنه فعل محدث لم يدل عليه شرع.

فإن قيل: هل مع عدم التخصيص يصح أن يكون في المسجد؟

قيل: لذلك احتمالان بالنظر إلى اعتقاد المؤذن:

الأول: أن يعتقد أن في الأذان في المسجد فضلا ومزية لطرد الشياطين فهنا لاشك في المنع؛ لأن اعتقاد الفضل والمزية يحتاج إلى دليل خاص, ولا دليل.

الثاني: ألا يعتقد فيه فضلا ومزية؛ فهنا أيضا يمنع في المسجد من وجهين:

الوجه الأول: أن في الأذان في المسجد لغير الإعلام خروجا عن مقصود الشارع من الأذان في المسجد, فالمقصود الشرعي من الأذان: الإعلام وأما غير الإعلام فغير مقصود شرعا في المسجد, وإذا كان كذلك فالتأذين في المسجد لغير الإعلام بدخول الوقت ممنوع.

ولذا لم يشرع الأذان في المسجد لغير الإعلام, ولو كان الأمر في سعة لنصب الشارع عليه دليلا واضحا, وأجرى فروعا عليه.

الوجه الثاني: ترك السلف له مع وجود المقتضي ولا مانع؛ مما يدل على المنع, فعدم إقامة الأذان في المسجد من السلف عند وجود الغيلان مع وجود مقتضيه يدل على عدم مشروعيته في المسجد؛ إذ لو كان مشروعا مع احتمال الدليل له لفعلوه ونقل.

أضف إلى ذلك: أن هذا الفعل يترتب عليه مفاسد, كفزع الناس وخوفهم واختلاط وقت الصلاة عليهم, ونحو ذلك.

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

 

الخميس، 9 ديسمبر 2021

حكم قراءة القرآن بالألحان والمقامات

 

حكم قراءة القرآن بالألحان والمقامات

إن القرآن الكريم أنزله الله لتدبره والعمل به, ولشفاء القلوب من أمراضها, وحث الشرع على الاستماع إليه والتلذذ به؛ لتصل معانيه إلى القلوب, ويحل المقصود من إنزاله

ولأجل ذلك حض الشرع على التغني بالقرآن واستماعه من حسن الصوت, وقد أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة.

فالتغني به مشروع متى ما كان وسيلة لتحقيق المقصود الشرعي ولم يترتب عليه مفسدة راجحة.

ولما كان الأمر مرتبا على المصالح والمفاسد نظر إلى كيفية التغني بالقرآن, فما كان التطريب فيه يطغى على مقصد وصول المعاني إلى القلوب وتدبره, بحيث إن القلب ينشغل بالألحان ووزنها الموسيقي على المعاني, حتى يكون الإصغاء إليه لأجل الصوت الملحن لا للتدبر والانتفاع به, أو يُخرج بالكلام عن وضعه واستقامته بزيادة حروف أو مدود ونحوه, أو تشبع الحركات حتى يتولد من الفتحة ألف ومن الضمة واو ومن الكسرة ياء؛ فهنا يكون هذا التطريب وهذه القراءة منهيا عنه.

وما كان التطريب فيه يعين إلى وصول المعاني إلى القلوب وتدبره فهذا مرغب فيه.

ومظنة المنهي عنه: ما خرج عما اقتضته الطبيعة وسمحت به مما يحصل بتكلف وتصنع على نحو ألحان الموسيقى المتكلفة الموزونة، بحيث يسير فيه على نسق موزون ولا يدخل مقاما على مقام إلا إذا كان يناسبه وفي درجته فهذه مظنة التطريب الذي مفاسده راجحة وينهى عنه, والأقرب في حكمه التحريم إذا تغير الكلام بزيادة أو نق أو لم يفهم معناه, ويكره إذا كان دون ما تقدم من تغيير.

وأما القراءة بالمقامات فجائز إذا كانت القراءة من غير خروج عما اقتضته الطبيعة, ولا تنقل بينها على النحو الموسيقي, ولا كان فيها مشابهة لألحان الموسيقى المركبة على الأوزان والقانون الموسيقائي فإن هذا يلهي عن المقصود وهو: الانشغال عن المعاني وتفهمها وتدبرها, كما أن هذا التطريب والتلحين الموسيقائي من ضرورته أن يمد في غير موضع المدّ ، وينقص؛ مراعاة للوزن.

وإنما كانت القراءة بالمقامات التي لا يكون فيها محذور شرعي جائزة؛ لأن وسيلة لتحقيق المقصود من القراءة, ولأن تحسين الصوت باعث للخشوع والرقة, ولدخولها في عموم النص الحاضة على التغني بالقرآن وتحسين الصوت به.

 

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

4-جمادى الأولى- 1443هـ

الجمعة، 19 نوفمبر 2021

أمانة الولاية

 أمانة الولاية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أما بعد؛ فلا دين لمن لا أمانة له, وقد أخذ الله العهد على الناس أن يطيعوه, وفرض عليهم فرائض, وأوكل إليهم حفظها, قال تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } [الأحزاب:72]

فالله عرض طاعته وفرائضه على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت، وإن ضيعت عوقبت، فأبت حملها شفقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها، وحملها الظلوم لنفسه الجهول.

وقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم أمته بنزول الأمانة -التي هي الإيمان- ورفعها, ففي الصحيحين عن حذيفة، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر حدثنا: «أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة»، ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال: " ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل الوَكت –أي: الأثر اليسير-، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل المَجل كجمر دحرجته على رجلك فنَفِط، فتراه منتبرا وليس فيه شيء - ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله - فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال للرجل: ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما ليردنه علي دينه، ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا "

بمعنى أن الأمانة تزول من القلوب شيئا فشيئا, وكلما زال منها شي زال معها نورها وخلفه ظلمة تزداد كلما ارتفع جز من الأمانة.

ومن الأمانة: الولاية, فالإمارة الصالحة والسياسة العادلة, تتوقف على أمرين أمر الله بهما في قوله: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا }

فقد أمر الله في الولاية بأمرين: أداء الأمانة والحكم بالعدل بين الناس. 

والأمانة في الولاية تدخل في تصرفات الحاكم, فيجب عليه أن يؤدي الأمانة إلى أهلها وأن يحكم في الناس بالعدل,  ففي مسلم: عن أبي المليح أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه، فقال له معقل: إني محدثك بحديث، لولا أني في الموت لم أحدثك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم، وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة.

فالولاية أمانة, وهي يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها, كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما كان أمر الولاية عظيما نهى الله عن طلبها, وهي في الحقيقة تكليف وابتلاء لا تشريف.

وكذلك تدخل الأمانة من جهة التنصيب فيجب على الناس أن يكونوا أمناء في اختيار الحاكم, وألا  ينصبوا إلا من كان أهلا للولاية, والأهل من حقق المقصود الواجب بالولايات وهو: إصلاحُ دينِ الخلقِ, وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم.

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة: تضييع الأمانة, وفسر تضييعها بالتفريط فيها وتولية من ليس أهلا لحملها فتفسد الأمة؛ ففي الصحيحين عن  أبي هريرة، قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابى فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال، فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه، قال: تمت أين السائل عن الساعة؟ - قال: ها أنا يا رسول الله، قال: تمت فإذا ضيعت الأمانة، فانتظر الساعة -، قال: كيف إضاعتها؟ قال « إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة »

وهذا يدلنا على خطر تولية من لم يكن أمينا عدلا, وهو خيانة لله ورسوله؛ فعن عمر قال: (من استعمل رجلا لمودة أو لقرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين) ذكره ابن الجوزي في تاريخ عمر1\94

فعلى المسلم أن يتقي الله في هذه الأمانة ولا يولي إلا من كان أصلح لها, ويكفي في ذلك الاجتهاد, فيجتهد في معرفة من هو أهل لتحمل أمانة الولاية؛ لأن الله يقول: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [سورة النساء: 58] ولم يقل: إلى من علمتم أنهم أهلها. 

فعلى المسلم أن يختار أصلح الموجود وقد لا يكون في الموجود من هو صالح لتلك الولاية فيختار الأمثل فالأمثل, فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو صداقة أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو عداوة بينهما فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون }


الخميس، 21 أكتوبر 2021

شبهة أن الشريعة الإسلامية ليست هي القرآن فلا يلزم الناس الأخذ بها

 

شبهة أن الشريعة الإسلامية ليست هي القرآن

يريدون بالشريعة هنا: كتب الفقه والأحكام.

وهذه الشبهة يرددها المستشرقون ومن تأثر بهم ممن يريد صرف الناس عن تطبيق الشريعة باعتبار أنها ليست قرآنا ولا سنة, وأنها تتناسب مع الزمن التي كتبت فيه, وهي غير صالحة لكل زمان ومكان.

وهذه الشبهة لم تقم على حقيقة علمية, وإنما تقوم على توهم ومغالطة, وأصلها من أعداء الإسلام, فلا أحد من العلماء يقول: إن الشريعة الإسلامية هي هي القرآن, وليس هذا هو مربط الفرس عند المتشدقين بعدم تطبيقها, فكون الشريعة هي القرآن أو لا يراد لا يراد بها ظاهرها, وإنما يراد بها نبذ الشريعة وعدم إلزام الناس بأحكامها, واعتبار أنها نتاج فكري بشري يخطئ ويصيب, ونسبتها إلى البشر يلغي صلاحيتها لكل زمان ومكان.

وهذه الشبهة ناشئة من إغفال ما تميز به الإسلام من حفظ أحكامه بتعاقب الأجيال عليها, وحفظ الله الأمة من اجتماعها على ضلالة, فكل حكم تعاقبت الأجيال عليه واجتمعت عليه الأمة المعصومة فهو منقول عن الرسول نقلا متواترا، بل هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، كالصلوات الخمس، والزكاة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، ووجوب العدل والصدق، وتحريم الشرك والفواحش والظلم, وإيجاب الحدود والقصاص, ونحو ذلك.

فمن العبث أن يقال الشريعة ليست هي القرآن والسنة, فهذه المعاني التي تضمنتها الشريعة هي معاني القرآن والسنة, واتفقت عليها الأمة المعصومة.

وهذه الشريعة قد اتفق المسلمون على أنها دين الله وما دل عليه وحيه, فليست هي نتاج فكر بشري يحتمل الصواب والخطـأ؛ لعصمة الأمة من الوقوع في الخطأ.

ومن لم يقر بعصمة الأمة ممن ينتسب إليها فيحتاج إلى مراجعة نفسه.

والسؤال الحقيقي هل أحكام الشريعة ملزمة للناس في كل زمان ومكان؟

والجواب: أن الشريعة اشتملت على أحكام قطعية وعلى أحكام ظنية, فأما أحكامها القطعية فيجب على الناس أن يأخذوا بها؛ لكون الدليل القطعي قد دل عليها, وأجمعت عليها الأمة المعصومة, فوجوب الأخذ بها باعتبار دلالة الأدلة القطعية, وبحث كون الشريعة هي القرآن أو لا بحث في غير محله, وإنما البحث في وجوب الأخذ.

وأما ما كان منها ظنيا فيجب الأخذ به على حسب ما يترجح للآخذ من الدليل أو من التقليد؛ لدلالة الأدلة القطعية على وجوب الأخذ بالظن والعمل به, وأجمعت على ذلك الأمة المعصومة, فالقطع في وجوب العمل لا في الحكم نفسه.

وعلى كل حال فأحكام الشريعة كلها يجب الأخذ بها إما بأخذ الحكم بعينه في القطعيات أو بما ترجح في الظنيات, وهذا بإجماع الأمة المعصومة, ولا يحل لأحد أن يخرج عن الشريعة, ومن جوز الخروج عنها لم يدرك وجه الإلزام بها, وإنما نظر نظرة سطحية لاختلاف العلماء وتعدد أقوالهم.

نعم. لا ننفي وقوع أخطاء في آحاد كتب الفقه؛ لكن تلك الأخطاء لم تجمع عليها الأمة المعصومة, وإنما نجد في كتب الفقه الإسلامي بيان لخطئها, ولذا علقنا الأخذ بما هو من قبيل الظن بالراجح -دليلا كان أو تقليدا-, وتعليق الأخذ بالراجح هو مما أجمعت عليه الأمة المعصومة.

كتبه\د. أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ مادة العقيدة بكلية علوم الشريعة

الاثنين، 18 أكتوبر 2021

مناقشة الشيخ الددو في حكم الاحتفال بالمولد النبوي

قديما كتبت

مناقشة الشيخ #الددو في حكم #الاحتفال_بالمولد النبوي 


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أما بعد، فإني سأقف وقفات مختصرة مع فتوى الشيخ الددو -عفا الله عنا وعنه- في حكم الاحتفال بالمولد؛ لننظر مع بعض أهي مضطربة غير منضبطة أم لا؟ 


فأقول:

■أولا: قوله جوابا عن حكم الاحتفال بالمولد (الاحتفال بالمولد له ثلاث صور راجعة إلى اعتقاد الإنسان فيه)

فكما يلاحظ القارئ أن السؤال الموجه للشيخ عن حكم الاحتفال من حيث هو 

فجاء الجواب عن حكم الاحتفال بحسب اعتقاد المحتفل، فلم يطابق الجواب السؤال، فللاحتفال بالمولد حكم من حيث هو احتفال أو بعبارة أخرى حكم مجرد عن اعتقاد المحتفل، وهذا مما أهمله الشيخ في الجواب!!

وكأن الشيخ لا يرى وصف الفعل بأنه بدعة أو عيد إلا إذا اعتقد الفاعل انه بدعة أو عيد.

وهذا خروج عما عليه أهل الحديث في الاستدلال فهم بكتفون بمجرد تحقق الصورة الظاهرة في كون الفعل بدعة أو عيدا؛ إذ العبرة عندهم بالمسمى الشرعي للفعل لا باعتقاد الفاعل. 


ثانيا: قوله: (من اعتقده عيدا كعيدي الفطر والأضحى فقد ابتدع).

فهنا الشيخ قد بنى الابتداع على اعتقاد المحتفل كون الاحتفال بالمولد عيدا

وذكرني هذا بشيخ اشترط فيمن اعتقد اعتقاد الخارج وسفك دماء المسلمين أنه لا يسمى خارجيا إلا إذا اعتقد أنه من الخوارج!!

وهذا من العجب؛ لإهمال الشيخ تحقق مسمى العيد في الفعل

ولو لم يكن في الاحتفال بالمولد تحقق صورة العيد لما دار في ذهن المحتفل أنه عيد، فهذا التعظيم المقصود لليوم والاجتماع فيه وتكرار الاحتفال به هي مسمى العيد في الشرع

وهو اعتراف ضمني من الشيخ الدوو بأن صورة العيد متحققة في الاحتفال بالمولد، ومع ذلك لم يأخذ حكم العيد إلا بالاعتقاد، وهذا بدع من القول ولعله لم يسبقه إليه شيخ قط!

بمعنى أن ما تحقق فيه صورة الشيء لا يأخذ اسمه وحكمه إلا بالاعتقاد!!

ويترتب عليه عدم التسوية بين المتماثلات إلا بضميمة أمر خارجي وهو الاعتقاد

وهذا فيه خروج عن أصل الشريعة في التسوية بين المتماثلات

وتقريره هذا ينسحب على كل يوم معظم مقصود وتكرر بتكرر السنة، كعيد الأم وعيد الميلاد وعيد الوطن فلا يكون عيدا إلا إذا اعتقد أنه عيد!

وقريب منه ما سمعته من بعض الأشياخ أن البدعة لا تكون بدعة إلا إذا اعتقد صاحبها التشريع!

فلا تبقى هناك بدعة في الشريعة!! 


والتحقيق المتفق عليه عند أهل الحديث أنه إذا تحقق ضابط العيد في الاحتفال بالمولد تحققت البدعية 

وخرج عن كونه عادة محضة

وبطلت بقية الصور التي ذُكرت بعد ذلك. 


أما النقطة الثانية  قوله: ( من اتخذه ذكرى للنبي صلى الله عليه وسلم باعتباره نعمة من نعم الله، وشكر هذه النعمة بالأعمال الصالحة، فهذا مأذون فيه بل هو مطلوب لأنه أمر بالصيام فيه شكرا لله على ميلاده).

ففيها لبس واضح؛ إذ إن تخصيص عمل ليوم مقصود شكرا لا يكون إلا بتشريع من الله؛ لأنه من جنس التشريع, فلو أن إنسانا نجاه الله من حادث يوم السبت فأراد أن يشكر الله فبدأ يعظم يوم السبت ويحتفل به كل سنة وخصص فيه أعمالا لأجل اليوم

فهل يكون هذا من جنس الابتداع أو هو من العادات؟

لا يختلف العلماء على أنه من جنس التشريع الذي لا يكون إلا لله. 


وقد ترك الصحابة تخصيص يوم المولد باحتفال وجعله ذكرى مع وجود مقتضيه ولا مانع؛ مما يدل على المنع، لأنه من جنس التشريع الذي لا يكون إلا لله

فنحن لا نحتج بمطلق تركهم على المنع، وإنما نحتج على تركهم في أمر متعلق بالتشريع لأنه تخصيص تعظيم

وعليه فإن قياس الاحتفال على صيام عاشوراء شكرا من باب القياس الفاسد الاعتبار، لأنه مصادم للإجماع التركي الذي وجد مقتضيه ولا مانع.

ولأن الشكر بالصوم في يوم عاشوراء ورد فيه دليل خاص لولاه لما كان مشروعا.

وأما قوله: لأنه أمر بالصيام فيه شكرا لميلاده.

فأشد تلبيسا وبعدا عن التحقيق العلمي !!

لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بصيام يوم مولده, وإنما أمر بصيام الاثنين الذي من علل صيامه: أنه ولد فيه, كما أن السائل إنما سأل عن صيام الاثنين لا عن صيام يوم مولده، فجاء الجواب مطابقا للسؤال. 


وأما النقطة الثالثة (3- من اتخذ يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، مناسبة لبعض الأمور المباحات كإظهار الملابس الجديدة والمطاعم ونحو ذلك فهذا في الأصل من الأمور الجائزة لأنه ليس مما يدخل حيز البدع فالبدع لا تدخل في العادات ولا في اللباس..) 


فجوابه أنه تبع لكونه بدعة أو لا, وتبع لكونه عيدا أو لا

فإذا كان الاحتفال بدعة كان ما خصص له من لباس ونحوه تابعا له، فالتابع تابع.

والتخصيص لأجل اليوم المقصود هو من جنس التشريع...

فمنع الاحتفال لأجل اليوم يقتضي منع كل مظهر من مظاهر الاحتفال لأجل اليوم

فالاحتفال ليس مجرد فرح، وإنما كل ما فعل لأجل اليوم يسمى احتفالا ولو كان في الأصل من باب العادة.

فهذه أجوبة مختصرة لم تحتج إلى كثير تأمل

فليت الشيخ وفقه الله ينتبه لمثل هذه الفتاوى غير المحررة.

والله المستعان

الجمعة، 15 أكتوبر 2021

حكم سفر المرأة بدون محرم لمصلحة راجحة

 

حكم سفر المرأة بدون محرم

لمصلحة راجحة

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد, فالأصل في سفر المرأة بدون محرم المنع؛ لدلالة قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم) أخرجه مسلم

فهذا الحديث معقول المعنى وله ظاهر, فمنطوقه النهي عن سفر المرأة بدون محرم, ومفهومه جواز سفرها بمحرم, والمعنى المعقول: هو الحفاظ على عرض المرأة, والأمن على نفسها من وقوعها في الفتنة.

وإذا كان معقول المعنى, فالأصل أن يلتفت إلى المعاني والمقاصد مع عدم إهمال ظاهر النص.

قال النووي في شرحه على مسلم (5/ 24): (وإنما حرم الشرع مسافرة المرأة وحدها؛ لأن السفر مظنة الطمع فيها وانقطاع ناصرها والذاب عنها وبعدها منه)

وهذا المعنى وجوده في الزمن الأول ظاهر, إلا أنه ضعف وجوده في زمننا في كثير من أحواله, ومع ذلك لا يصح الإقدام على مظنته وهي السفر بدون محرم بالنظر إلى الحكمة؛ لعدم انضباطها, إلا إذا رجحت مصلحة السفر على المفسدة وأمنت المفسدة, كما سيأتي تقريره.

ومما يدل على أنه معقول المعنى ما جا في البخاري قال: وقال لي أحمد بن محمد هو الأزرقي: حدثنا إبراهيم، عن أبيه، عن جده، «أذن عمر رضي الله عنه، لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف»

وكان ابن عمر يحج معه نسوة من جيرانه، وهو قول عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن البصرى. [انظر: شرح صحيح البخارى لابن بطال (4/ 532)]

فهنا روعي أمن الفتنة بوجود الرفقة المأمونة.

ولسفر المرآة بدون محرم صور تختلف باختلاف تحقيق مقصد الشارع من الحفاظ على العرض وتحقق أمن الفتنة وبالنظر إلى ما يعارض المنع من المصلحة الراجحة على المفسدة التي يخشى منها في السفر.

ولما كان السفر يرجع إلى المصالح الحاجية كان لابد أن نراعي في المنع مقصد التيسير ورفع الحرج, ونراعي أيضا عدم تفويت المصلحة الراجحة.

وعليه فيحمل المنع على الصور التي تكون فيها مفسدة وليس فيها مصلحة راجحة, ولا يتحقق معها مقصد رفع الحرج.

والسفر له صور بحسب متعلقه, فمنه ما يتعلق بواجب, ومنه ما يتعلق بمباح.

فما تعلق منه بواجب حتى يصبح السفر في نفسه واجبا كسفر المهاجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام يكون سفر المرأة بدون محرم جائزا وهو محل إجماع.

وأما إذا تعلق بواجب من غير أن يتعين السفر واجبا كالحج, فسفرها بدون محرم محل اجتهاد, وقد جوزه المالكية قياسا على الصورة الأولى, وعدوا الجواز إلى كل سفر واجب. [انظر: مواهب الجليل (3\490)]

والأقرب: أن نحمل منع سفر المرأة في الحج ونحوه بدون محرم على وجود محرم يمكن أن يسافر معها, أو عند عدم أمن الفتنة؛ لأن المحافظة على مقصد حفظ العرض أقوى,

وأما مع أمنها عن نفسها بوجود رفقة مأمونة وتعذر سفر المحرم معها فالمصلحة الراجحة في جواز حجها مع رفقة مأمونة حتى لا تفوت على نفسها الواجب؛ إذ إن مصلحة إدراك الواجب أعظم من مراعاة مظنة المفسدة.

وقد أذن عمر رضي الله عنه، لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف.

وأما إذا تعلق السفر بمباح مع أمن الفتنة والطريق بوجود رفقة مأمونة فالأصل هو المنع؛ لظاهر النص

إلا أنه يجوز الخروج عن الأصل بالنظر إلى كون مصلحة سفرها راجحة ومتعدية النفع وتفوت بفوات سفرها ولا يمكن تحققها إلا بالسفر, كسفر الطبيبة لأخذ خبرة من الخارج لا يمكن تحصيلها إلا بالسفر, أو لعلاج لا يتأتى في البلد, أو لدراسة يحتاج إليها.

فهنا والحال هذه يجوز لها أن تسافر بدون محرم بعد إذن وليها؛ لأن ما حرم لغيره أبيح للمصلحة الراجحة, وما نهي عنه؛ سدا للذريعة  يباح للمصلحة التي لا تحصل إلا به.

وأما إذا كانت مصلحته مرجوحة, فيقوى الأصل وهو المنع.

قال ابن مفلح عن أبي العباس ابن تيمية في الفروع وتصحيح الفروع (5/ 245): ( وعند شيخنا: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم, وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة, كذا قال, ونقله الكرابيسي عن الشافعي في حجة التطوع, وقاله بعض أصحابه فيه وفي كل سفر غير واجب, كزيارة وتجارة, وقاله الباجي المالكي في كبيرة غير مشتهاة)

ولما حكى الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/ 76) قول البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت... إلى أن قال الحافظ: وأغرب القفال فطرده في الأسفار كلها, واستحسنه الروياني قال: إلا أنه خلاف النص, قلت: وهو يعكر على نفي الاختلاف الذي نقله البغوي آنفا .

 

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

 

معاهدة سيداو ومخالفتها لقطعيات الشريعة

 

معاهدة سيداو ومخالفتها لقطعيات الشريعة

تنامى لأسماعنا أن بعض وزارات الدولة تريد أن توقع مذكرة تفاهم مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين.

وهذه المعاهدة الدولية اشتملت على مخالفات لقطعيات الشريعة؛ مما يوجب على الحكومة -وفقها الله- أن تقف ضد هذه المبادرة وأن تمنع من توقيعها.

وهذه المعاهدة تقوم على فرض العلمانية على الدول الإسلامية, فبدؤوا بالمرأة وما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية, تمهيدا لفرض العلمانية في جميع جوانب الحياة.

وتقوم على المساواة المطلقة التامة بين الرجل والمرآة, وهذا أمر ترده طبيعة الرجل والمرأة, ويرده الشرع, فالشرع بنى أحكامه على العدل لا  على المساواة.

ومما خالفت فيه المعاهدة ما دلت عليه قطعيات الشريعة ونصوصها:

1-إبطال ما دلت عليه الشريعة من أحكام تميز فيها بين الرجل والمرأة,  والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة, فتمنع من أن يكون الناس منقادين لأحكام الله مستسلمين له, وتريد منهم أن يتحاكموا إلى غيرها, وهذا كفر يذهب بأصل الإيمان, والعياذ بالله.

2-تعطي الحق للمرأة حق التصرف في جسدها، والإجهاض، وتحديد النسل, وتجعل لها الحق في أن تلغي عدتها بعد الطلاق أو وفاة الزوج, وهذا كله فيه مخالفة صريحة لقطعيات الشريعة.

ولخطورة المادة  16 من الاتفاقية، التي تتحدث عن الزواج والعلاقات الأسرية تحفظت عليها الدول العربية التي وقعت على هذه المعاهدة.

ومن المعلوم أن أهل الإسلام لا يحتاجون إلى مثل هذه المعاهدة, ففي ديننا من الأحكام ما يحقق العدل للمرأة , ويحفظ لها حقوقها وعرضها.

وما تفعله بعض المؤسسات النسوية من محاولة مشابهة الغرب والارتماء في أحضانهم, وادعاء أن الإسلام لم يحفظ حقوقهن لهو عار شنيع يجب أن الحكومة أن تقف ضده, وأن توقف هزلهن.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى

كتبه/

د. أحمد محمد الصادق النجار

 

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

تصوير الخلاف بين مانعي الاحتفال بالمولد ومجوزيه بمساجلة علمية فرضية بين شيخ وأحد المستفتين:

 

تصوير الخلاف بين مانعي الاحتفال بالمولد ومجوزيه بمساجلة علمية فرضية بين شيخ وأحد المستفتين:

 

فضيلة الشيخ: ما محل النزاع بين مانعي الاحتفال بالمولد ومجوزيه؟

قلت: سؤال مهم؛ لأن كثيرا ممن يستدل على المنع أو الجواز لا يحدد نقطة الخلاف، فيكون استدلاله بعيدا عن محل النزاع أو يحتاج إلى مقدمات حتى يصل إلى محل النزاع.

فمثلا احتجاج المانع على المنع بترك النبي صلى الله عليه وسلم, وبأن الاحتفال بدعة شرعية لا يستقيم إلا بعد تحديد أن الاحتفال من الدين وأنه داخل في التشريع.

 وكذا احتجاج المجوز على الجواز بأن الأصل في العادات الإباحة, وبأنه بدعة حسنة لا يستقيم إلا بعد إثبات كون الاحتفال عادة وأنه ليس من الدين.

فضيلة الشيخ: إذن, ما هي نقطة النزاع وبدايته ؟

قلت: نقطة النزاع في الاحتفال: هل هو دين؟ وهل هو من أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو لا؟

فضيلة الشيخ: أليس من محل النزاع اعتقاد سنيته واستحبابه؟

قلت: هذا فرع كونه من الدين؛ لأن الاستحباب حكم شرعي, فمن أثبت استحبابه أدخله في الدين.

فضيلة الشيخ: أليس من محل النزاع كيفية الاحتفال وطريقته؟.

قلت: الكلام ابتداء عن حكم الاحتفال من حيث هو احتفال, ثم يأتى بحث آخر عن كيفيته وموضوعه.

فضيلة الشيخ: ظهر لنا أن نقطة البحث كونه من الدين أو لا، فهل هو من الدين أو لا؟

قلت: إثبات كون المسألة من الدين, ترجع إلى معرفة طريقة الشارع في التشريع, وعن كيفية إثبات الأمر دينا, فتخصيص ما لا يعقل معناه, هذا من خصائص الشارع وطريقته في التشريع، فمن خصص فعلا في زمن لذات الزمن دخل فعله في التشريع والتدين، وإذا نظرنا إلى حقيقة الاحتفال بالمولد ,وجدنا أنه تخصيص اليوم الثاني عشر من ربيع الأول بالاحتفال؛ لذات اليوم, وهذا من جنس التشريع.

ومما يؤكد أن التخصيص في زمن لذات الزمن تشريع ما جا أن التخصيص منهي عنه؛ فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام)

ثم ما من محتفل خصص أمرا كقراءة السيرة مثلا في الثاني عشر من ربيع الأول إلا ولابد أن يشعر بوجود فضل إن لم يعتقد الفضل والاستحباب, وهذا يجعل التخصيص من الدين قطعا، وما كان هذا حاله لا يدخل في العادة المحضة ولا في البدعة اللغوية.

وقد كفانا المؤونة من أثبت الاستحباب لفظا.

بعد تحرير أن الاحتفال من جنس التشريع والتدين يأتي الاستدلال بترك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والقرون الثلاثة, ويأتي الاستدلال أيضا بكل بدعة ضلالة.

فالاحتفال داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ؛ لأن الاحتفال ليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا دينه, وليس هو من السنة الحسنة؛ لأن الحسن وصف شرعي, فالسنة الحسنة أي: المشروعة, ولا شرع يدل على الاحتفال.

فضيلة الشيخ: نجد أن الحافظ ابن حجر يستدل على شرعيته -وهو فرع إثبات كونه من الدين- بصيام يوم عاشوراء شكرا، فالشكر بحدوث نعمة يحصل بأنواع من العبادات، والأصل في اليوم المعظم أن يتقرب فيه إلى الله بأنواع العبادات.

واستدل السيوطي بقوله صلى الله عليه وسلم: ( ذاك يوم ولدت فيه) على إحيائه بأنواع من الطاعات, فإظهار الشكر يكون بعبادة كالصوم أو يكون بالفرح والسرور.

قلت: ما استخرجه الحافظان فرع إثبات كونه من الدين، لا أنه من قبيل العادات كما يقول به من المعاصرين من لا يفهم حقيقة النزاع

وإذا كان من الدين فيمنعه ترك أهل القرون الأربعة للاحتفال؛ لأن تركهم الوجودي فيما هو من جنس التشريع والتدين يقتضي المنع والبدعية, وإلا خلا زمن من الدين والقربة مع وجود داعيه ولا مانع, وخلو زمن من الدين ممتنع شرعا.

ثم إن الشكر في حديث:" ذاك يوم ولدت فيه" بمطلق صيام يوم الاثنين لا بتاريخ مولده؛ إذ إن إغفال تاريخ مولده وعدم ذكره يدل على أنه ليس مقصودا للشارع, ثم كيف يعلق الشكر على تاريخ مختلف فيه؟!

فضيلة الشيخ ألا يقال: مصلحة الاحتفال راجحة فلا نلتفت إلى ترك القرون الثلاثة.

قلت: تركهم له يدل على أن المفسدة أرجح، ولا أظن أن أحدا يشك في أن مفسدة الابتداع أعظم من مصلحة الاحتفال، ولذا تركه السلف.

فضيلة الشيخ: ألا يقال: هو من الدين؛ لدلالة المعاني الكلية عليه, كما دلت على جمع القرآن.

قلت: الاحتفال بالمولد وإن دلت عليه بعض المعاني الكلية إلا أنه ورد فيه منع خاص, فالمنع الخاص يمنع من اعتبار المعاني الكلية في الاحتفال ويخرج عن حد المصلحة المرسلة, بخلاف جمع القرآن فلم يصادم المعاني الكلية دليل خاص, فدخل في ضابط وحد المصلحة المرسلة.

فضيلة الشيخ لو كان الإحداث في التشريع ممنوعا مطلقا لما صح ذلك من الصحابة فيما وافق الدليل العام, ففي البخاري عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه، قال: " كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمنحمده "، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما انصرف، قال: «من المتكلم» قال: أنا، قال: «رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول».

وما رواه أحمد من حديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: «بم سبقتني إلى الجنة؟ ‍» قال: ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بهذا»., ونحو ذلك.

قلت: هذا اجتهاد من الصحابة في زمن التشريع, ثم يأتي الإقرار أو الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم, فما أقره النبي صلى الله عليه وسلم كان شرعا ودينا بإقراره أو بإقرار الله لا باجتهاد الصحابي, وهذا ليس موجودا فيمن بعدهم, فغاية ما تدل عليه الآثار جواز الاجتهاد لا جواز الإحداث والتشريع.

ولو سلمنا أنه تشريع وإحداث فهو جائز في حياته وزمن الوحي لا بعده؛ لإمكان إنكار كونه من الدين.

وكما أقر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أنكر على زينب, ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا حلوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد».

فضيلة الشيخ ما تقول في أذان عثمان؟

قلت: ليست ألفاظ الأذان مقصودة, وإنما المقصود هو التنبيه والإعلام, فهو من جنس المصالح المرسلة, وهو وسيلة لتحقيق مقصد, ولا يعارضه دليل خاص بالمنع.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

 

 

السبت، 9 أكتوبر 2021

قائمة ببعض مانعي الاحتفال بالمولد النبوي:

 

قائمة ببعض مانعي الاحتفال بالمولد النبوي:

1-جميع الصحابة رضوان الله عليهم.

2-جميع التابعين.

3-جميع تابعي التابعين.

4-جميع تبع الأتباع.

5-الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.

نسب المنع إليهم؛ لأن تركهم وجودي, وجد مقتضيه ولا مانع في أمر من جنس التشريع, والتدين.

6-ابن تيمية وتلاميذه.

7-الفاكهاني المالكي.

قال في رسالته ((المورِد في عمَل المولِد)) (ص20): (لا أعلمُ لهذا المولِدِ أصلًا في كِتابٍ ولا سُنَّةٍ، ولا يُنقَلُ عَمَلُه عن أحدٍ مِن عُلماءِ الأُمَّة، الذين هُم القُدوةُ في الدِّين، المتمسِّكونَ بآثارِ المتقدِّمين، بلْ هو بِدعةٌ أحْدَثها البَطَّالون... وهذا لم يأذنْ فيه الشرعُ، ولا فعَلَه الصحابةُ ولا التابِعون، ولا العُلماءُ المتديِّنون، فيما عَلِمتُ، وهذا جوابي عنه بين يَدَيِ اللهِ إنْ عنه سُئلتُ، ولا جائزٌ أن يكونَ مُباحًا؛ لأنَّ الابتِداعَ في الدِّين ليس مُباحًا بإجماعِ المسلِمين).

8-ابن الحاج المالكي.

قال العلامة ابن الحاج المالكي - رحمه الله - في "المدخل" (2/312) (فإن خلا منه - أي من السماع - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الاخوان ,وسلم من كل ما تقدم ذكره - أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب ، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله ، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم(... 

9-الشاطبي مع تقييده بالوصف المعهود في زمانه.

10-محمد رشيد رضا.

قال: (هذه الموالد بدعة بلا نزاع، وأول من ابتدع الاجتماع لقراءة قصة المولد أحد ملوك الشراكسة بمصر) [المنار (17/ 111)].

فهذه عشرة كاملة مع اختلاف مشاربهم

أما المجوزون ففي الغالب مشربهم واحد,

 

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 28 أغسطس 2021

حكم أخذ مصرف الأمان عمولة على سحب علاوة الأبناء بنسبة مئوية عن طريق مكتب الخدمات والتجار

 

حكم أخذ مصرف الأمان عمولة على سحب علاوة الأبناء بنسبة مئوية عن طريق

مكتب الخدمات والتجار

 

ما نشهده اليوم من تحايل مصرف الأمان على شرك مصرف ليبيا المركزي, وعلى الناس في مستحقاتهم (علاوة الأبناء), التي تكيف على أنها إيداع من مصرف ليبيا المركزي إلى مصرف الأمان فأصبح مصرف الأمان مدينا.

ووجه التحايل: أنهم كانوا فيما سبق يأخذون العمولة -التي هي في مقابل إيصال الأموال- من الناس مباشرة مع مخالفتهم لشرط مصرف ليبيا المركزي

والآن أصبحوا يأخذونها عن طريق الوكالة التي يعطونها لمكاتب الخدمات أو ميزة نقل المال من حساب العميل الذي هو صاحب العلاوة إلى التاجر!

وهذه العمولة التي يأخذونها في مقابل: إيصال المبلغ إلى المستفيد الزائدة على الخدمات الفعلية, ليست من باب الربا؛ لأن المصرف مقترض لا مقرض إلا أنه بالنظر إلى الواقع نجد أن فيها استغلالا لضعف المستفيد وحاجته إلى المال, وهو ينافي التيسير والرفق, فقد جاءت نصوص الشريعة بالحث على الرفق بالناس, كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280].
وحرم الربا؛ لمنافاته الإحسان والإرفاق ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130]
واستغلال الناس وقت حاجتهم يتنافى مع مقصد الشارع من الرفق, وفيه شبهة أكل أموال الناس بالباطل.

ونجد أيضا أنها منافية لقيود مصرف ليبيا المركزي, وهي من أكل أموال الناس بالباطل؛ إذ يأخذها المصرف من غير عمل وجهد يقابلها مع انتفاعه بالمال الذي في ذمته.
وأما ما يفعله مكاتب الخدمات والتجار  من تحويل المال من حساب صاحب العلاوة إلى حساب التاجر أو المكتب عن طريق رسائل الهاتف

وبمجرد دخوله في حسابه يقوم مصرف الأمان بخصم العمولة من حساب التاجر التي تفوق الخدمات الفعلية

ثم يعطي التاجر المستفيد مبلغا أقل من الذي أودعه, فهذه الصورة محرمة.

وتكييف العلاقة بين الأطراف الثلاثة (صاحب العلاوة والتاجر والمصرف) أنها من قبيل حوالة الحق, فالعميل الأول الذي هو صاحب العلاوة دائن, ومصرف الأمان مدين, فيقوم العميل الأول بنقل الحق منه إلى التاجر, ويكون التاجر قد سدد دين المصرف وأصبح هو دائنا للمصرف.

وأما العلاقة بين العميل الأول والتاجر فعلاقة قرض؛ لوقوع الضمان على التاجر, فوجب رد المثل من غير نقص إلا بما تقتضيه الخدمات الفعلية للبنك, وما زاد فهو ظلم وهو من أكل أموال الناس بالباطل.

وقد تكيف على أنها صرف؛ لأن التاجر يضمن المال بعد تحويله إلى حسابه, وليس هو مجرد ناقل, ومقصود صاحب العلاوة مبادلة مال نقدي مقبوض حقيقة بمال مقبوض حكما.

وفي الصرف تجب المماثلة والتقابض, وإلا كان ربا, ويعفى عن الخصم الذي يتم من المصرف بقدر الخدمات الفعلية.

وعليه فإن ما يخصمه التاجر من المبلغ هو زائد على الخدمات الفعلية فيكون التعامل معه حراما.

ولا يصح تكييف العلاقة على أنها وكالة -بأجر أو بغير أجر-؛ لكون التاجر يضمن المال بعد دخوله في حسابه, والوكيل لا يضمن, ثم إن العقد يكون وكالة إذا قبض المحال له الحق من المدين باسم المحيل الذي هو صاحب العلاوة لا أن يقبض الحق باسم التاجر.

وحتى نصحح هذه المعاملة يجب أن يقبض التاجر أو المكتب الحق من المصرف باسم المحيل الذي هو صاحب العلاوة لا أن يقبض الحق باسم التاجر.

 

فالتعامل مع المكاتب لا يجوز اللهم إلا إذا وجدت مكاتب خدمات تقوم بتحويل بيانات المستفيد إلى المصرف ثم يقوم المصرف بتحويل المال إلى المكتب ثم إلى المستفيد, فيتم سداد دين الذي على المصرف عن طريق المكتب.

فالقول بالتحريم يصعب؛ لوجود مصلحة ومفسدة, أما المصلحة فهي في التسهيل على الناس ورفع الحرج عنهم, وأما المفسدة فهي في إعانة المصرف على هذا الاستغلال والمجاوزة.

والنظر المقاصدي يقتضي: أنه لا ينظر إلى عظم المفسدة الذي تقتضي المنع إلا وينظر معها إلى ما يقابلها من حاجة الناس ومقصد الشارع من رفع الحرج عنهم وعدم قصده إعناتهم.

ومادام أن باب البيوع مقصد الشارع فيه التوسعة على الناس ورفع الحرج عنهم بما لا يتعارض مع مفسدة راجحة

فيجوز للناس أن يتعاملوا مع مكاتب الخدمات؛ لرفع الحرج عنهم, وإن كنا لا ننصح التجار ابتداء بالتعامل مع المصرف ولا إعانته.

ولا أظنها موجودة واقعا.

كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

الثلاثاء، 24 أغسطس 2021

هل لأهل السنة صياغة خاصة في أصول الفقه

هل لأهل السنة(أهل الحديث) منهج خاص بهم  في الصياغة الأصولية؟

الصياغة الأصولية لها عدة استمدادات، فما كان مستمدا من لغة العرب فليس هناك اختصاص لأهل الحديث

وما كان مستمدا من عرف الشارع ونصوص الوحيين فكذلك -في الجملة-

وأما ما كان مستمدا من الاعتقاد فهنا لأهل الحديث صياغة خاصة تختلف عن صياغة المتكلمين

وقد ألفت متنا أصوليا راعيت فيه الاستمداد العقدي سميته"متن في أصول الفقه على اعتقاد أئمة السلف"

وكذلك الصياغة الأصولية يؤثر فيها النظر إلى الثمرة العملية وعدمها، فلأهل الحديث صياغة خاصة بهذا النظر، فلا يذكرون من المسائل الأصولية إلا ما تحته عمل وله أثر في الاستنباط والترجيح، بخلاف الصياغة الكلامية

وقد ألفت كتابا بعنوان" القواعد الأصولية التي تحتها ثمرة عملية"

ومن أجل الكتب في الصياغة السنية كتاب الرسالة للشافعي


فمن لم يراع هذين الأمرين فليس له أن يخص تأليفا في أصول الفقه على صياغة أهل السنة

كتبه د أحمد محمد الصادق النجار