الثلاثاء، 26 ديسمبر 2023

اسم الفسق عند المعتزلة

اسم #الفسق_عند_المعتزلة

إن من الأمانة العلمية ومقتضى العدل والإنصاف نسبة القول إلى أصحابه على وفق ما يعتقدون، فمن الظلم تقويل القائل ما لم يقله.
وهذا ما دعاني لتحقيق القول في مذهب المعتزلة في اسم الفسق، فأرجو من الله أن أكون قد وفقت في ذلك.

الفسق اسم من أسماء الدنيا، وليس حكما في الآخرة
وهذا باتفاق الفرق
وهو قسيم لاسم الإسلام واسم الكفر عند الطوائف خلافا للخوارج، فليس عندهم إلا إيمان وكفر.

فإن قيل: الفسق وإن كان قسما لاسم الإسلام والكفر إلا أنه في نفسه كفر أكبر عند المعتزلة.

قيل: لا، فالفسق عند المعتزلة ليس كفرا، لأن الكفر عندهم اسم لمن تجري عليه أحكام الكفر كالمنع من الصلاة عليه والدفن في مقابر المسلمين...
قال القاضي عبد الجبار المعتزلي:(... لأن الكفر صار بالشرع اسما لمن يستحق إجراء هذه الأحكام عليه) شرح الأصول الخمسة ١٤١

ولأن الفسق عندهم لا ينافي التوحيد ولا يمنع من الثواب على الطاعة
ولذا ينتفع الفاسق بثواب ما فعل من طاعة عند الموازنة، فالكبيرة تحبط الطاعة وتوجب التخليد في النار إلا أن مقتضى العدل -على من استقر عليه مذهبهم- أن ينتفع بثواب الطاعة في تخفيف العذاب، فلا يعاقب على ما ساوى ثواب الطاعة، فهم يقولون بالإحباط مع الموازنة، ولهذا كان عذاب الفاسق في الآخرة أخف من عذاب الكافر
قال القاضي عبد الجبار:(ما وقع منه من طاعة وإيمان أفسده بفسقه وأحبط له بمعاصيه، فإنما أتي فيها من قبل نفسه...ومع ذلك فإنه لولا إيمانه لما خف عقابه، فيصير ثواب إيمانه مسقطا من عقابه ما يوازيه ويستحق الزائد) المختصر في أصول الدين ٣٨٣
وقال:(والكلام في الموازنة فإن أبا هاشم يثبته ويقول به، وصورته: أن يأتي المكلف بطاعة استحق عليها عشرة أجزاء من الثواب، وبمعصية استحق عليها عشرين جزءا من العقاب، فإن الله يعاقبه بعشرة أجزاء، فأما العشرة الأخرى فإنها تسقط بالثواب الذي استحقه على ما أتى به من الطاعة...، وهذا هو الصحيح من المذهب) شرح الاصول الخمسة ٦٢٥

فلو لم يكن موحدا وينتفع بثواب طاعته ما خفف عنه العذاب إذا ارتكب كبيرة
وهذا يفيدنا أن رفع اسم الإسلام عندهم لا يوجب أن يكون الفسق كفرا؛ إذ لو كان كفرا ما انتفع بثواب طاعته في تخفيف العذاب.
وحتى نفهم مذهبهم لابد أن ندرك أنهم يرون أن فعل الكبيرة لا ينافي التوحيد، ولا بمنع من فعل الطاعة والثواب على فعلها؛ لأن الفاسق الذي يطيع الله قد أطاع الله على الوجه الذي كلف به، فكان ارتكابه الكبيرة غير مانع من الثواب.
وبهذا يتضح لنا أن ارتكاب الكبيرة ليس كفرا عندهم بحيث إنه لا يصح معه فعل الطاعة مطلقا ويمنع ثوابها. انظر المجموع في المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار ٣/٣٩١

والخلاصة: أن اسم الفسق مغاير لاسم الإسلام والكفر، وأن وجود الفسق لا يمنع من ثبوت أحكام الإسلام ولا يمنع من الانتفاع بثواب الطاعة على وجه يخفف العذاب الدائم
إلا أن وجود الفسق قادح في العدالة وموجب للتخليد في النار
قال القاضي عبد الجبار المعتزلي:(إن الإيمان عبارة عن خصال الخير إذا اجتمعت سمى مؤمنا، وهو اسم مدح، والفاسق لم يستجمع خصال الخير ولا استحق اسم مدح فلا يسمى مؤمنا، وليس هو بكافر مطلقا أيضا؛ لأن الشهادة وسائر خصال الخير موجودون فيه ولا وجه لإنكارها) شرح الأصول الحمسة ٧٠٧

كتبه 
د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2023/12/blog-post_26.html
إن هذا العلم دين
فانظر عمن تأخذ دينك

السبت، 16 ديسمبر 2023

هل الطائفة المنصورة المقاتلة موجودة في عصرنا الآن؟

#الطائفة_المنصورة


ما هي الصفات اللازمة التي لا تنفك للطائفة المنصورة؟ 


جاء في حديث المغيرة عند البخاري ومسلم بلفظ:( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله..)

من غير ذكر يقاتلون ولا التقييد ببلد...

وأخرجه الدارمي بزيادة لفظ (يقاتلون)

وأخرجه البخاري من حديث معاوية وفيه قال مالك بن يخامر قال معاذ: وهم بالشام

قال معاوية هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: هم بالشام.

وأخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة بلفظ:( لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة)

واخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله بلفظ:( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا...)

وأخرجه مسلم عن ثوبان وسعد بن أبي وقاص بدون ذكر يقاتلون ومن غير تقييده ببلد...

وأخرجه مسلم عن عقبة بن عامر بلفظ:(لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاعرين لعدوهم...)

وأخرجه أبو داود الطيالسي من حديث زيد بن أرقم بدون ذكر يقاتلون ومن غير تقييده ببلد...

وكذا احمد من حديث أبي هريرة... وأبو داود الطيالسي من حديث عمر..

وأخرجه أبو داود من حديث عمران بن حصين بزيادة يقاتلون

وأخرجه أبو داود الطيالسي من حديث معاوية بن قرة بلفظ:(إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين...)

وأخرجه ابن ماجه بدون زيادة (إذا فسد أهل الشام..)

إلى غير ذلك من الروايات...

واخرجه عبد الله بن أحمد من حديث أبي أمامة وفيه لعدوهم قاهرين وأنهم ببيت المقدس

وجاء في رواية سعد بن ابي وقاص عند مسلم:(لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق..)، واختلف في تفسيرها، فخصها بعض العلماء بأهل الشام، وعمم غيرهم... 


وخلاصتها:

روايات مطلقة بدون ذكر القتال وأهل الشام، وروايات فيها ذكر القتال دون أهل الشام، وروايات فيها ذكر أهل الشام دون القتال... 


والوصف اللازم الذي لا ينفك هو: هو قيامهم بأمر الله وأنهم على الدين الحق ظاهرين عليه.

وأما الأوصاف الأخرى فقد توجد في وقت دوت وقت، فهي ليست صفات لازمة، ولذا لم تذكر في كل الروايات... 


وكونها طائفة وعصابة وقوم يدل على قلة عددهم، وجاء وصفها بأنها منصورة وظاهرون على الحق، وقائمة بأمر الله ومستقيمة عليه

وهذا يدل على أنهم قائمون بالدين الصحيح ومستقيمون عليه، ولذا أظهر الله حجتهم ونصرهم على مخالفيهم... 


على من تنطبق هذا الأوصاف؟ 


تنطبق على أهل الحديث، ولذا فسر الأئمة حديث الطائفة المنصورة بأنهم أهل الحديث:

قال ابن المبارك:(هم عندي أهل الحديث)

وقال الإمام احمد:(إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟)

وقال ابن المديني:( هم أصحاب الحديث)

وقال البخاري:(يعني أصحاب الحديث) 


وليس المقصود بأهل الحديث حقبة زمنية معينة ولا من اشتغل بعلم الحديث، وإنما المقصود كل من يعتقد عقيدة أهل الحديث

فقد يكون مفسرا أو فقيها أو محدثا أو طبيبا أو مهندسا أو أو...

ولذا قال القاضي عياض في شرحه على مسلم:(وإنما مراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث)

مع التنبيه على مصطلح أهل السنة عند القاضي عياض ...

فتنزيلها على غير أصحاب من اعتقد معتقد أهل الحديث ممن شاركهم في بعض الصفات غير اللازمة من الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. 


وأما تقييدها بأهل الشام في بعض الروايات فهو من باب التمثيل، ولكونهم في آخر الزمان عندما ينزل عيسى يكونون في الشام...

وليس كل من كان في الشام يكون من الطائفة المنصورة ولا كل من قاتل العدو يكون منها، بل لابد أن يكون قائما بأمر الله على معتقد أهل الحديث ومنهجهم... 


وقد دلت الروايات المطلقة والواقع على أن منهم من يكون في الشام ومنهم من يكون في غير الشام؛ وقد جاء في البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحبة إلى جحرها)

قال ابن حجر في الفتح:( لا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الارض..)

ويشهد لهذا أيضا اختلاف العلماء في تفسير رواية أهل المغرب...


وهنا يأتي سؤال: هل القتا ل في المعارك من الصفات اللازمة التي لا تنفك عن هذه الطائفة؟ 


والجواب: لا، فالنصر التي وصفت به هذه الطائفة أعم من النصر في المعارك، فقتا ل العد و بالسلاح ليس وصفا لازما وإنما يكون في أوقات دون أوقات

ولذا جاءت روايات مطلقة من غير أن تقيد بالقتال وقهر العدو.

وقد أثبت الواقع وجودهم مع عدم وجود قتال. 


هل الطائفة المنصورة المقاتلة موجودة في عصرنا الآن؟ 


توجد كأفراد وليست كطائفة 

فإذا وجد قتال للكفا ر من أفراد تحققت فيهم الصفات اللازمة للطائفة المنصورة، فهؤلاء الأفراد من الطائفة المنصورة

لكن لا يوجد طائفة الآن مجتمعة تقاتل يمكن أن يقال عنها هي الطائفة المنصورة؛ لتخلف الصفات اللازمة للطائفة المنصورة.

ولكنها ستوجد في آخر الزمان عندما ينزل عيسى عليه السلام في الشام...

قال الشيخ الألباني:(الطائفة المنصورة بالحجة فهذه موجودة دائما على وجة الأرض، أما الطائفة المنصورة بالقوة المادية فهذا قد و قد...

الطائفة المنصورة بالقوة غير موجودة اليوم ولذلك يسيطر الكفر في كل البلاد إذا عرفنا هذه الحقيقة وخلاصتها أن هناك أفراداً يمكن أن يقاسوا على بعض أفراد أصحاب الرسول مع قياس الفارق الذي ذكرناه لكن لا يوجد هناك طائفة أي أصحاب بعضهم مع بعض يمكن قياسهم على أولئك الأصحاب...) 


والمسلم عليه أن يحذر من تنزيل النصوص الشرعية على واقع لم تتحقق فيه مناطاتها  

فيدخل في الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.


وكوننا نؤيد من قا تل الكفا ر ونقف معهم حال قتا لهم لا يعني ذلك أن ننزل الأحاديث على كل من قا تل.....

فهل ح ز ب الله لكونهم قاتلوا الي ه و د يكونون من الطائفة المنورة؟!!


اللهم اهدنا

كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 15 ديسمبر 2023

أحكام_الوقوع_غير_أحكام_الشروع

 


■قاعدة صحيحة متعلقة بجلب أعلى المصلحتين ودرء أعلى المفسدتين

■وهي تدخل في إحدى جهاتها تحت قاعدة:"يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء"

ويعبر عنها أيضا" ما لا يجوز في الابتداء يجوز في البقاء" 


■فأحكام الابتداء قد تكون معلقة بشروط، وهذه الشروط قد لا يلتفت إليها بعد الوقوع ولا يمكن استصحابها؛ لذهاب محلها من جهة ولما يترتب على اعتبارها من مفسدة أكبر من جهة أخرى

●فيصبح ما لا يجوز الابتداء به يجوز البقاء عليه؛ لتعلقه بأحكام أخرى، كأحكام الضرورات... 


○إلا ان هذا مشروط بما لا يترتب على البقاء مفسدة أكبر من المفسدة التي نخشاها من عدم الدوام والاستمرار.

•كما لو ترتب على ذلك إخلال بجانب من الضرورات من غير أن يعارضه ما هو أعلى منه من المصالح الضرورية


■والخلاصة أنه يغتفر الإخلال ببعض الشروط في البقاء ما لا يجوز ذلك في الابتداء إذا كان يترتب على عدم البقاء والاستمرار مفسدة أكبر

وذلك بقيد أن يكون الفعل في أصله مشروعا لكن اختلت فيه بعض الشروط. 


■فيجب أن يلاحظ أنه إذا كان تغيير أحكام البقاء يترتب عليه مفسدة أكبر من بقائه حكم ببقائه؛ درءا للمفسدة الأكبر.

والعكس بالعكس 


■فلا وجه لإنكارها في جها د الدفع بإطلاق، ولا يصح أيضا اعتبارها فيه بإطلاق من غير نظر إلى المفسدة الأكبر.


□ولا مكان للعاطفة غير المنضبطة.... 


■فجها د الدفع يشترط في وجوب مشروعيته ابتداء القدرة الشرعية التي من مكوناتها ألا تكون مضرة الفعل راجحة

فإذا ما وقع هجوم الأعدا ء

انتقلنا إلى أحكام الوقوع وتسامحنا فيما صاحب الابتداء من خلل

بقيد ألا يترتب على البقاء مفسدة أكبر من المفسدة التي نخشاها من عدم الدوام والاستمرار. 

ودفع المفسدة الأكبر يكون بحسب الوسع والإمكان.


□كلامي تنظيري لا تنزيل على واقع معين.


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

[القول الذي يخالف ما اشتهر عن السلف]



■إن الناظر في كتب السنة المطولة التي اعتنت بذكر مسائل أصول الدين وما تعلق به 

يجد فيها بيان القول الذي اشتهر عن السلف

●وأحيانا تذكر بعض الآثار عن واحد أو اثنين أو ثلاثة تخالف في ظاهرها المعنى الذي اشتهر القول به عن السلف 

والذي حكي عليه الإجماع، وصار شعارا على السنة وأهلها٠


■فيأتي من لم يفقه طريقة أهل السنة في الاستدلال، فيثبت أن للسلف قولين معتبرين يسوغ فيهما الخلاف، أو يجعل القول الذي انفرد به القليل عن العامة هو القول المعتبر الذي ينسب للسلف!! 


■وهذا انحراف منهجي استدلالي، وهو يشبه من وجه دعاة تجديد قراءة النص الشرعي الذي يجعلون القول المهجور المندثر هو الفهم الصحيح للنص أو منه ينطلقون في تشويه التراث الفقهي!!!


●مع أن حقيقة الأمر أن هناك قولا ظاهرا معتبرا عند السلف، وقولا خفيا مهجورا. 


■والمنهج الصحيح:

أن يجعل المعنى الذي اشتهر عن السلف القول به، ونص عليه أهل الحديث في كتب السنة على أنه هو السنة اللازمة 

هو مذهب السلف


■وأما ما عداه فلا يخلو أن يكون قولا أو فعلا

□فإن كان قولا لا يمكن حمله على معنى يوافق ما اشتهر عن السلف فإنه يعد شاذا مهجورا وإن قال به أفاضل...

○ومن ذلك: تفسير مجاهد لقوله تعالى:[إلى ربها ناظرة] بمنتظرة

قال ابن عبد البر :(ومجاهد وإن كان أحد الأئمّة يتأول القرءان فإنّ له قولين مهجورين عند أهل العلم :

...

الثاني : في تأول قوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربّها ناظرة ) قال ( تنتظر الثواب ليس من النظر ) .القرطبي ج10 ص311 . 


□وإن كان فعلا 

فالأصل في الأفعال أنها لا عموم لها، فإن أمكن حملها على معنى يتوافق مع المعنى المشتهر عن السلف وجب حملها عليه

وإلا فإنها تعد شاذة مهجورة، 


●وكم من أفعال صدرت عن بعض السلف لم يتابعهم عليها أهل الحديث، بل تتابعوا على الإعراض عنها مع اختلاف أزمنتهم وأمصارهم، وجعلوا الأخذ بها ليس من السنة اللازمة وإنما هو طريق من يتبع المتشابه...


●وإذا كان العلماء تتابعوا على ترك عمل أيي هريرة وابن عباس في إسباغهم الوضوء مع أنهم صحابة

لا لشيء إلا لأنهم خالفوا ما اشتهر عن الصحابة وما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم

فكيف بمن دونهما؟!! 


■ومن المعلوم أن تتابع العلماء في القرون الثلاثة وقرن أحمد والثوري وابن المديني ...على معنى مع اختلاف أزمنتهم وأمصارهم يمتنع معه شرعا وعادة أن يكون قولهم خطأ ... 


■وهذا يقودني إلى التمثيل بما اشتهر عن أئمة أهل الحديث من الدعاء للسلطان الجائر بالصلاح، وتعليلهم ذلك بأن في صلاحه صلاحا للأمة

○قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: (مَن قال: الصلاة خلفَ كُلِّ برٍّ وفاجرٍ، والجهاد مَعَ كُلِّ خليفةٍ، ولم يرَ الخروجَ على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خَرَجَ من قول الخوارج أوله وآخره)

○وذكر  ابن بطة والصابوني والطحاوي وو ان الدعاء له هو مذهب السلف...

○وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التستري، وغيرهم، يُعظِّمون قدرَ نعمة الله به - أي بالسلطان - ويرون الدُّعاءَ له ومناصحته من أعظم ما يتقرَّبون به إلى الله تعالى) 


●ومع ذلك روي عن بعض السلف الدعاء على الحاكم الجائر وغيبته

وهنا يجب أن تفهم هذه الآثار بما لا يتعارض مع المعنى الذي اشتهر عن السلف 

■ولا شك أن هذه الافعال وردت على أحوال خاصة، وفي مجالس خاصة لا عامة اقتضتها مصلحة خاصة ولم يترتب عليها مفسدة أرجح

فيجب أن تفهم على الحال والواقع الذي وردت عليه...

من غير رفع للمعنى الذي اعتبره السلف


□ومن ذلك

قال رجل للإمام أحمد:إن المأمون قد سل سيفه ويقسم إن لم تجبه إلى أن القرآن مخلوق ليقتلنك، فجثى على ركبتيه وقال:

سيدي غرَّ حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أولياءك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته.

فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الليل.

■فهذه الرواية أخرجها أبو نعيم في الحلية وفي سندها ضعف، وفي متنها ما يتنافى مع ما نقل عن أحمد.. 


■وعلى التسليم بصحتها فيجب أن تفهم على الوجه الذي لا يتعارض مع المعنى الذي اشتهر به القول عن أهل السنة.. 


●فالقصة قد وردت في سياق خاص وهو أن المأمون قد سل سيفه وتوعد الإمام احمد بالقتل........

●فدعا عليه في مجلس خاص بما يدفع الضرر عليه 

لما تحقق من وقوع ظلمه عليه 

من غير أن يترتب على ذلك مفسدة أرجح 

ومن غير أن يؤجج العامة عليه، ولا أن يدعو عليه من فوق المنبر بما يكون سببا للفتنة العامة... 

■فالنهي عن الصورة التي يكون الدعاء فيها ملازما للفتنة لا يلزم منه النهي عن الصورة التي لا تلازم الفتنة

■ثم إن وجود المقتضي للدعاء ورجحان مصلحته في حال لا يلزم منه رجحان مصلحته في كل حال ولو وجد مقتضيه


●وكذا ما صدر من أقوال عن بعض السلف من جواز غيبته وذكر حاله

إنما ورد في مجلس خاص بمناط ظهور فسقه 

وكانت المصلحة راجحة في ذكر حاله

من غير أن يلزم منها ما يكون سببا للفتنة العامة


فهو على هذا الوجه لا يتعارض مع المعنى الذي اشتهر عن السلف من منع الإنكار العام الذي يلازم الفتنة والفوضى العامة ... 


■والجامع: أن النهي عن الصورة التي يكون فيها الإنكار العلني ملازما للفتنة لا يلزم منه النهي عن الصورة التي لا تلازم الفتنة والمفسدة الراجحة.


فالصورة التي يكون فيها الإنكار العلني على الحاكم ملازما لزوما لا ينفك في الغالب  أو الكثير عن المفسدة الراجحة والفتنة العامة منعت بإطلاق كتهييج الناس عليه بذكر مساوئه والإنكار عليه في غيبته وعدم وجوده 

والصورة التي انتفى فيها التلازم في الغالب

علق جوازها بالمصلحة والمفسدة كالإنكار العلني بين يديه، وكغيبته بذكر حاله في مجلس خاص، والدعاء عليه إذا تحقق من ظلمه له في مجلس خاص ...


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الثلاثاء، 5 ديسمبر 2023

ما هي نظرة علماء #أهل_الحديث في ولاية #حكام_زماننا؟

 في خضم شحن العواطف بإسقاط #الولايات, والحكم بالردة من جماعات الغلو في التكفير


باختصار 

ما هي نظرة علماء #أهل_الحديث في ولاية #حكام_زماننا؟


ليس حبا لذواتهم ومناصبهم ولا تأييدا لهم وإنما هو حماية الأمة وتمكينها من القيام بدينها وحفظا للأنفس والأعراض والأموال. 


[ معلومٌ أن قيام الناس بأمور دينهم ودنياهم وبما أوجبه الله عليهم من أحكام يتوقف على وجود حاكم مسلم يبسط الأمن وتستقر به حياة الناس، فالعلاقة بين الأمن وحفظ ضرورات الناس علاقة تلازم لا تنفك، وقد شاهدنا البلدان التي لا يكون فيها حاكم يطاع فوجدنا أنه لا يقام فيها حق، ولا يأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ويتسلط عليها الكفار

واسألوا الآن أهل السودان...


فاحتمل أهل السنة قصور الحاكم وتقصيره وبعده عن دينه وتسلط الغرب عليه ووو 

مادام أنه مسلم قد استقر له الأمر وحقق أدنى مصالح الإمامة في الأمة

مع وجوب نصحه وبيان الحق له وعدم إعانته على ظلمه ووو


فهم بذلك يحفظون مصالح الأمة, ولا يرسخون للاستبداد والظلم كما يتهمهم بذلك من لم يدرك حقيقة الأمور!!

وتجد من يتتبع المواقع التي يوجد فيها الصحيح والمكذوب والخبر الكامل والناقص ثم يشيع ذلك بين الناس لا لإنكار الفعل

وإنما لإسقاط الولاية

والنتيجة فوضى..!!!

فأين الفقه؟ وأين منهج أهل السلف؟!!

وقد جاء بعض الفقهاء في فتنة خلق القرآن للإمام أحمد فقالوا له: إنا نخاف على أولادنا، إذا ظهر هذا لم يعرفوا غيره ويُمحى الإسلام ويدرس.

فكانوا يخافون من تغيير الدين، وأن ينشأ الطفل على عقيدة فاسدة فترسخ في قلبه

فقال الإمام أحمد: (كلا، إن الله عز وجل ناصر دينه، وإن هذا الأمر له رب ينصره، وإن الإسلام عزيز منيع). محنة الإمام أحمد لحنبل (ص70-72)

ولو سمع هذا بعض أهل زماننا لأنكروه, وجعلوا تمييعا للدين, ومحوا له، وتزلفا للحكام...

بينما الإمام أحمد نظر إلى مصلحة الأمة...

وقد ظنت الجماعات التي عندها غلو في التكفير أن طريق إصلاح الأمة نزع ولاية الحكام والحكم !!

فكانت النتيجة فوضى وسفكا للدماء وتسلط الأعداء على بلدان المسلمين!!!]


توضيح ذلك:


الشريعة لم تُلغ منصب الولاية إلا في وجود الكفر البواح, ولم تبطل تعليق الأحكام عليه لمجرد كون الحاكم غير عدل أو ليس أهلا للولاية، أو لم يحقق المقصود الواجب شرعا للولاية بكماله، مادام أن الحاكم مسلم محقق أصل الإسلام وأدنى مصالح الإمامة في الأمة، 


بل صورت لنا الشريعة صورة تمثل غايةً في الفساد الذي يمكن أن يقع فيه حاكم مسلم، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، ويقوم منهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس، فكيف سيحكم هؤلاء بالشريعة؟ وما مقدار الظلم والجور المتعدي في ولايتهم؟ وما مدى تسلط الكفار عليهم؟

ومع هذه الولاية التي يكون فيها الحكام قلوبهم قلوب الشياطين أمر بالواجب، فلم يلغ ولايته بالكلية، إلا أنه قيد تصرفاته؛ فأمر السمع والطاعة له في المعروف، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك بغير حق، فيجب السمع والطاعة في غير الظلم الذي بسببه ضرب الظهر وأخذ المال.


فمصلحة إبقاء المنصب مع فقد الحاكم الأهلية وكون قلبه قلب شيطان في جثمان إنس أعظم من مفسدة إلغائه؛ لما يترتب على إلغائه من تفويت مصالح تتعلق بالضرورات، وتفويت ما مصلحته أعظم من اعتبار أهليته وصلاحه


وهذا ما عليه #أهل_السنة ( وعهدنا عليه مشايخ مشايخنا #ابن_باز و #العثيمين) 

في عدم إلغاء الولاية بالكلية إلا بمناط قار لا يتغير بتغير الزمان والمكان والحال وهو الكفر البواح، وراعوا في عدم إلغائه إذا لم يوجد المناط القار مصلحة إبقاء هذا المنصب في الأمة, 


قال #ابن_تيمية : (ويقولون -أي أهل السنة-: إنه قد تولى غير هؤلاء: تولى بالغرب طائفة من بني أمية وطائفة من بني علي، ومن المعلوم أن الناس لا يصلحون إلا بولاة، وأنه لو تولى من هو دون هؤلاء من الملوك الظلمة لكان ذلك خيرا من عدمهم، كما يقال: ستون سنة مع إمام جائر، خير من ليلة واحدة بلا إمام...

وكل من تولى كان خيرا من المعدوم المنتظر الذي تقول الرافضة: إنه الخلف الحجة، فإن هذا لم يحصل بإمامته شيء من المصلحة لا في الدنيا ولا في الدين أصلا، فلا فائدة في إمامته ...

والناس لا يمكنهم بقاء أيام قليلة بلا ولاة أمور، بل كانت تفسد أمورهم، فكيف تصلح أمورهم إذا لم يكن لهم إمام إلا من لا يعرف ولا يدري ما يقول؟). منهاج السنة النبوية (1/ 547)


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 29 نوفمبر 2023

هل صح عن الإمام أحمد أنه كان يرى خلع الحاكم المبتدع؟

 تنبيه مهم:

لا يصح عن الإمام أحمد أنه كان يرى خلع الحاكم المبتدع، كما ذكر ذلك أبو الفضل التميمي، ونسبه للإمام أحمد في كتاب سماه اعتقاد الإمام المنبل أبي عبد الله أحمد بن حنبل.
وإذا جئنا ونظرنا للتميمي وجدنا أنه كان يحكي مذهب أحمد لا أنه يرويه عنه وينقله بألفاظه، وقد صدر كتابه بقوله ص ١٤:(جملة اعتقاد أحمد في الذي كان يذهب إليه) فهو يحكي ما فهمه لا أنه ينقل أقواله، وقد نسب له أقوالا لا تعرف عن الإمام أحمد وتخالف منهجه وما سطره في كتبه الأخرى.
وقد كان التميمي على مذهب ابن كلاب ولهذا نسب للإمام أحمد ما كان يعتقده ابن كلاب في مواطن من كتابه،
وقد قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ٤/١٦٧: (التميمي وله في هذا الباب مصنف ذكر فيه من اعتقاد أحمد ما فهمه, ولم يذكر فيه ألفاظه, وإنما ذكر جمل الاعتقاد بلفظ نفسه, وجعل يقول: وكان أبو عبد الله, وهو بمنزلة من يصنف كتابا في الفقه على رأي بعض الأئمة ويذكر مذهبه بحسب ما فهمه ورآه, وإن كان غيره بمذهب ذلك الإمام أعلم منه بألفاظه وأفهم لمقاصده)
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

هل الأشاعرة يوافقون أهل الحديث في باب ولاية الأمر ومسألة الخروج؟

 

هل الأشاعرة يوافقون أهل الحديث في باب ولاية الأمر ومسألة الخروج؟

من يقول نعم, بإطلاق فهو لا يفهم مذهب الأشاعرة في باب الإمامة, ومن يُقَوِّل شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك فهو لم يفهم كلامه وحمَّله ما لا يحتمل, وتعجب من هذا الصنيع غير المحرر

وتوضيح ذلك:

لنبدأ بتوضيح كلام شيخ الإسلام, ثم نبين وجه مخالفة الأشعرية لأهل الحديث في باب الإمامة.

أما كلام شيخ الإسلام الذي يقول فيه: (و " المعتزلة " وعيدية في " باب الأسماء والأحكام ". قدرية في " باب القدر ". جهمية محضة - واتبعهم على ذلك متأخرو الشيعة وزادوا عليهم الإمامة والتفضيل وخالفوهم في الوعيد - وهم أيضا يرون الخروج على الأئمة. وأما " الأشعرية " فلا يرون السيف موافقة لأهل الحديث وهم في الجملة أقرب المتكلمين إلى مذهب أهل السنة والحديث. و " الكلابية وكذلك الكرامية " فيهم قرب إلى أهل السنة والحديث وإن كان في مقالة كل من الأقوال ما يخالف أهل السنة والحديث). مجموع الفتاوى (6/ 55)

فلا يدل على موافقة الأشاعرة أهل الحديث في باب الولاية، وإنما ذكر مسألة الخروج على الحاكم بالسيف وهي جزئية من جزئيات باب الولاية، وبين أن الأشعرية في الأغلب أنهم يوافقون أهل الحديث في هذه الجزئية، فيرون المنع المطلق من الخروج على الحاكم الفاسق الجائر كما يراه أهل الحديث, قال أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (ص: 451) فيما نسبه لأهل الحديث: (وقال قائلون: السيف باطل ولو قتلت الرجال وسبيت الذرية وأن الإمام قد يكون عادلاً ويكون غير عادل وليس لنا إزالته وإن كان فاسقاً وأنكروا الخروج على السلطان ولم يروه، وهذا قول أصحاب الحديث).

 

ولهذا قلت في منشوري السابق لمن يحسن فهم الدلالات: (تتعجب ممن يعتمد على علماء #الأشاعرة ومن تأثر بهم كابن عطية والقاضي عياض والقرطبي وابن السبكي ومن اتهم بالاعتزال كالماوردي في مسائل الإمامة والخلع وما يتعلق بالخروج, وهم مخالفون لأهل الحديث في هذا الباب(. فلم أقل: أنهم خالفوا أهل الحديث في الخروج, وإنما قلت فيما يتعلق بالخروج, وسيأتي توضيحه, لكن ماذا نفعل مع من لا يدقق؟

 

ومع موافقة الأغلبية من الأشعرية لأهل الحديث في المنع المطلق من الخروج إلا أنهم يخالفونهم في نوع المسألة وهل تقتضي تبديعا؟

فالأشعرية يرون أن مسألة الخروج مسألة ظنية فرعية, قال الآمدى في غاية المرام في علم الكلام (ص: 363):« واعلم أن الكلام في الإمامة ليس من أصول الديانات ولا من الأمور اللا بديات ...), وقال التفتازاني في شرح المقاصد في علم الكلام (2/ 271): (لا نزاع في أن مباحث الإمامة بعلم الفروع أليق..)

ويرون أن مسائل الإمامة لا يوصل فيها إلى يقين؛ لأن العمدة فيها الوحي لا العقل.

بينما أهل الحديث يرون أنها مسألة من مسائل أصول الدين، وتقتضي التبديع المطلق؛ قال الإمام أحمد: (ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها... ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة باي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية

 ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق).

 

ومن المسائل التي يخالف فيها الأشعرية أهل الحديث في باب الإمامة: العدد التي تنعقد به الإمامة، فذهب الأشعري إلى أنه يجوز أن يؤول أمر العقد إلى شخص واحد، وأن الإمامة تثبت بالعقد لا بالاختيار، قال الجويني في الغياثي (ص: 32): (وأقرب المذاهب ما ارتضاه القاضي أبو بكر، وهو المنقول عن شيخنا أبي الحسن رضي الله عنهما، وهو أن الإمامة تثبت بمبايعة رجل واحد من أهل الحل والعقد).

ويفرق أبو الحسن الأشعري بين الاختيار والعقد, فلا تقوم الإمامة باختيار عموم الأمة وإنما تقوم بالعقد الذي يبرمه أهل الحل والعقد وقد يكون واحدا.

بينما أهل الحديث يرون أنها لا تنعقد بالواحد، قال القاضي أبو يعلى في المعتمد(238-239): (ظاهر كلام أحمد أنها لا تنعقد إلا بجماعتهم،  ... خلافا للمعتزلة في قولهم: لا تنعقد غلا برضى أربعة يشهدون العقد, وقالت الأشعرية: تنعقد برجل واحد..) وقال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (1/ 526): (... وإن كان بعض أهل الكلام يقولون: إن الإمامة تنعقد ببيعة أربعة، كما قال بعضهم: تنعقد ببيعة اثنين، وقال بعضهم: تنعقد ببيعة واحد، فليست هذه أقوال أئمة السنة، بل الإمامة عندهم تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها)

 

ومن المسائل التي يخالف فيها الأشعرية أهل الحديث في باب الإمامة: أنهم يرون أن خلافة الخلفاء الراشدين لم تثبت بالإجماع, وإنما ثبتت بعقد من عقدها, قال ابن فورك في المقالات (193): ( وكان أبو الحسن الأشعري يقول في إمامة هؤلاء الخلفاء الأربعة أنه لم تكن إمامة واحد منهم بنص الرسول, ولا أن المعتمد في شيء من ذلك الإجماع عليه, بل تثبت إمامة كل واحد منهم بعقد من عقدها من أهل الحل والعقد), فمثلا خلافة عثمان لم تنعقد بالإجماع وإنما بعقد عبد الرحمن بن عوف.

 

ومن المسائل التي يخالف فيها الأشعرية أهل الحديث في باب الإمامة: مسألة خلع الحاكم بالفسق، فترى في موقفهم تساهلا وموافقة للمعتزلة، ولما ذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد (243) أنه لا ينخلع الحاكم بالفسق قال: (خلافا للمعتزلة والأشعرية في قوله ينخلع بذلك)

وجوزوا للأمة خلع الحاكم الفاسق إلا إذا ترتب عليه ضرر أكبر، قال الإيجي في المواقف (3/ 591): (وللأمة خلع الإمام بسبب يوجبه وإن أدى إلى الفتنة احتمل أدنى المضرتين) بينما أهل الحديث يمنعونه بإطلاق من الأمة؛ لأن المفسدة لازمة له لا تنفك، وقد قال النووي في شرح النووي على مسلم (12/ 229): (وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق, وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكي عن المعتزلة أيضا فغلط من قائله مخالف للإجماع)

وجوزوا في الخلع من أهل الحل والعقد نصب الحروب خلافا لأهل الحديث، قال التفتازاني في شرح المقاصد في علم الكلام (2/ 272): (قال إمام الحرمين وإذا جاور إلى الوقت فظهر ظلمه وغشمه ولم يرعو لزاجر عن سوء صنيعه بالقول فلأهل الحل والعقد التواطؤ على ردعه ولو بشهر السلاح ونصب الحروب)

والغريب أنك تجد عند آحاد الأشاعرة اضطرابا في هذه المسألة:

قال القاضي أبو بكر الباقلاني في التمهيد(478): (إن قال قائل: ما الذي يوجب خلع الإمام عندكم؟

قيل له: يوجب ذلك أمور منها: كفر بعد إيمان، ومنها: تركه إقامة الصلاة والدعاء إلى ذلك, ومنها عند كثير من الناس: فسقه وظلمه بغصب الأموال, وضرب الأبشار, وتناول النفوس المحرمة, وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود.

وقال الجمهور وأصحاب الحديث: لا ينخلع بهذه الأمور، ولا يجب الخروج عليه.)

ولم يرتض الجويني في الغياثي (46) انخلاع الحاكم بالفسق، فقال: (المصيرُ إلى أن الفسق يتضمن الانعزالَ والانخلاعَ بعيدٌ عن التحصيل)

ومنهم من فرق بين المبايَع والمتغلب، فلم يروا خلع المتغلب بالفسق, وأعطوا المسألة أحكام الضرورات؛ قال التفتازاني في شرح المقاصد5/245 : [ وبالجملة : مبنى ما ذُكر في باب الإمامة على الاختيار والاقتدار، وأما عند العجر والاضطرار واستيلاء الظلمة والكفار والفجار وتسلط الجبابرة الأشرار فقد صارت الرياسة الدنيوية تغلبية ، وبنيت عليها الأحكام الدينية المنوطة بالإمام ضرورة ، ولم يُعبأ بعدم العلم والعدالة وسائر الشرائط ، والضرورات تبيح المحظورات وإلى الله المشتكى في النائبات وهو المرتجى كشف الملمات ]

 

تنبيه: سلب أصل الشرعية عن الحكام لتفريطهم في شيء من حراسة الدين وحفظه؛ إذ لا أحد من الحكام انتفى فيه حراسة الدين من أصله

ليس مذهبا لأهل الحديث.

وإنما قد يؤتى المرء من سوء فهمه لكلامهم واعتماده على غير أهل الحديث، وقد نبهت في مقال سابق أن ما ورد عن الأئمة أن المقصود الواجب من الولاية إصلاح دين الخلق, وأن المقصود من الولايات حراسة الدين, وأن شرط الإمامة حماية الدين, ولم يول الحاكم إلا لنصرة الدين, وأن حقا على الإمام أن يحكم الشريعة

فهو في أحكام الاختيار والاقتدار,  وفي حال الإثبات والطرد, ولا يلزم منه الانتفاء والعكس في أحكام الضرورات, فلم يعد ينظر أهل الحديث إلى كمال شرط حراسة الدين وحفظه, بل أقروا الولاية وبنوا عليها الأحكام المنوطة بها ضرورة, فقد نفذ حكمه في رعيته قهرا, ولذا أثبت أئمة أهل الحديث الولاية للواثق والمعتصم ولم ينظروا إلى تضييعهم حراسة الدين الواجبة...

وإنما اعتمد من اعتمد في نزع الولاية وانتفائها على من في عقيدته كلام كابن عطية والماوردي وو

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 11 نوفمبر 2023

بيان حول أحداث غزة 1445هـ

 

بيان حول أحداث غزة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, أما بعد

v  مما لا ينازع فيه مسلم يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن جهاد المحتل واجب على الأمة الإسلامية، وأنه لا يرفع الوجوب إلا بإخراج المحتل من أرض المسلمين.

v   الوجوب في الجهاد بنوعيه منوط بالقدرة الشرعية باتفاق, ويراعى فيه المآلات والعواقب.

v  مقاومة المحتل من حيث هي مقاومة يجب أن تكون في الأمة, وهي فريضة شرعية سواء قام بها أهل الدين الكامل أو أهل الدين الناقص، ويبقى بعد ذلك النظر في وقت تحركها وقتالها، فيختلف التقدير باختلاف الظروف والأحوال والنظر إلى العواقب وحال الأمة ووجود القدرة التي يتحقق بها دفع ما هو أعظم من ترك القتال؛ لأن المقصود من جهاد الدفع هو دفع الإضرار بالمسلمين لا النكاية بالعدو.

v  الكلام عن تفاصيل هذا الأمر ليس الوقت وقته، مادامت السهام موجهة إلى صدور اليهود أذلهم الله, ومن القواعد المقررة عند العلماء أنه يغتفر في الدوام والوقوع ما لا يغتفر في الابتداء والشروع.

§       ولا يعني ذلك ترك التنبيه عما هو دخيل على الشريعة مما ينسبه إليها بعضهم.

v   القتال قد حصل وهجوم اليهود على المسلمين قد وقع، وهم الآن يقاتلون المسلمين ويحاولون إبادتهم،

§     فلم يبق لنا إلا تأييد المقاومة في دفعهم العدو ولا ننظر إلى غير ذلك، فدفع العدو حتى وإن قام به أهل الدين الناقص فإنهم يناصرون من أجل دفع العدو لا من أجل دينهم الناقص؛ لأن الأحكام في الشريعة تقبل التبعض, ف

v  موالاتنا للمقاومة هي من باب موالاة المسلمين بعضهم لبعض، فنحن نواليهم لإسلامهم، ودائرة الإسلام أوسع، ولا نواليهم لبدعة وجدت فيهم، بل لا مجال الآن للنظر إلى البدعة،

v  وصفهم بأنهم إرهابيون؛ لأنهم يقاتلون اليهود, فهذا فيما أحسب لم يقدم عليه أحد من المسلمين, وإنما نظر بعضهم إلى أمور أخرى ليس الوقت وقت إثارتها.

v  لا يصح رمي من قصر نظره فاهتم بالبدعة وحذر على حساب ما هو أعظم: بالنفاق والتخذيل والإرجاف, فالمخذل في النصوص الشرعية من يريد إظهار الكفر على الإيمان بنشر الشائعات ونحوها, وهذا القيد منتف في هؤلاء, فينتفي الوصف بالتخذيل لكن يحذر من فعلهم ..

v  ما يحدث بعد الهجوم والنفير لا يُكيَّف إلا على أنه جهاد دفع, ويجب على كل غزاوي أن يجاهدهم ويدفعهم بما في إمكانه, فإن عجزوا فعلى من يقرب منهم أن يعينوهم إن كانت لهم قدرة, وهكذا...

§     وإعانة من يليهم لهم مقيد بما لا يترتب عليه مفسدة أعظم, ولهذا استثنى بعض الفقهاء  إذا خشي غير المفجوئين معرة على نسائهم وعيالهم وبيوتهم من عدو بتشاغلهم بالدفع عمن فجأهم العدو.

v  لا نرى الدعوة إلى النفير العام من كل الأمة وفتح الحدود للمدنيين من غير تهيئة واستعداد وتدريب على القتال؛ حتى لا يتعرضون للإبادة العامة بالصواريخ والطائرات, فهذه الأمور تحتاج إلى تقدير خاص لا إلى عاطفة جياشة..

§     وتقييدها باستئذان الحاكم له وجهه من جهة درء مفسدة الإبادة الجماعية للمدنيين غير المستعدين للقتال, ونحو ذلك..

v  الواجب على الدول الإسلامية خصوصا دول الطوق إعانة إخوانهم بما يستطيعون، فمن قصر من الحكام في أمر هو باستطاعته فهو آثم ظالم, وعند المالكية ضامن...

v  مناصرة إخواننا في غزة في بقية أقطار المسلمين تختلف من شخص إلى شخص بحسب ما في إمكانه، والأمر الذي في قدرة الجميع هو الدعاء، وهو سلاح عظيم لا يهون منه إلا من لم يدرك حقيقته وفعاليته, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر يلح على الله بالدعاء ويطيل

·     مما يدخل في المناصرة: المقاطعة من غير أن نوجبها بإطلاق على الناس إلا إذا تعينت وتوقف عليها النصرة؛ لأنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

·       والمقاطعة لها صورتان من جهة المقاطع:

o    الأولى: ما تعلقت بالتاجر, فلا يحل للتجار أن يشتروا منهم زمن الحرب؛ لأن أموال المسلمين يستعان بها على قتل المسلمين, ويستثنى من ذلك ما كان من الضرورات.

o    الثانية: ما تعلقت بعموم المسلمين في البضاعة الموجودة في أسواق المسلمين, فهنا لا نوجب عليهم مقاطعتها, لكنه يجوز.

v  يجب على الدول الإسلامية المطبعة أن تنقض هذا الاتفاق وأن تقوم بالواجب الذي أوجبه الله عليها تجاه المسلمين وأراضيهم وأموالهم.

v  ليس من نصرة إخواننا بث الفوضى في بلاد المسلمين ومطالبة الشعوب بتغيير أنظمتهم بالقوة وإثارة الفوضى والهجوم على المؤسسات, فليس هذا طريقا للإصلاح والنصرة.

v  موقفنا من علماء أهل السنة أننا نحسن بهم الظن وأنهم ما سكتوا عن نصرة إخوانهم وأنهم يفعلون ما هو في استطاعتهم وتحت قدرتهم من غير أن يهيجوا الشعوب ويكلفوهم ما لا يستطيعون, وقد حذروا الأمة على مر عصور من مغبة الابتعاد عن الدين وعدم تحقيق التوحيد.

v  وأخيرا أكرر: ليس الوقت وقت كلام عن أحكام الابتداء وإنما الوقت وقت انشغال بأحكام الشروع والوقوع مع التنبيه على كل دخيل على الشريعة.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة

 

 

السبت، 4 نوفمبر 2023

الجهاد واشتراط القدرة فيه

 ■لايزال بعض الناس يتخبط في شرط #القدرة في الجها د، ○وسأحاول التجوز في العبارة والتسهيل 

○بعيدا عن التنزيل على حال غ ز ة: 


#القدرة_الشرعية التي اشترطها الله على العبد 

والتي هي مصححة للفعل  


■تتكون من أمرين لابد منهما معا: 


●١-#سلامة_الأعضاء بأن يكون بدنه سليما 

○وهذه متعلقة بالعبد الذي يحب عليه الفعل


○وهي مقصودة في خطاب التكليف شرعا 

•ويقابلها العجز الحسي

فمقطوع الساقين: عاجز.

 

●٢-أن يفعل بأعضائه السليمة ما لا مضرة فيه راجحة.

○فإذا كان سيترتب على فعله ما مضرته راجحة فهذا يعد غير قادر.....

○وهذه متعلقة بالفعل المكلف به.

وهي مقصودة في خطاب التكليف شرعا،

○ويقابلها العجز الشرعي

○فالذي يستطيع القيام في الصلاة مع مشقة شديدة تؤدي إلى تأخر الشفاء يعد عاجزا شرعا وإن لم يكن عاجزا حسا

○ولا يقال هو رخصة!! 

○فإن صلى والحال هذه لم يفعل الفعل على الوجه الشرعي...


◇(هذه هي القدرة التكليفية المصححة للفعل) 


●فالقدرة بمكونيها شرط في جها د الطلب وجها د الدفع...

□ولذا ترى الاصوليبن والفقهاء يذكرون شروطا ترجع إلى المكلف وشروطا ترجع إلى نفس الفعل المكلف به ...


□ومن هنا تفهم كلام الفقهاء عندما يذكرون في شروط الجها د: سلامة البدن 

○فهم يتكلمون عن الشروط التي ترجع إلى المكلف، أي: من الذي يجب عليه أن يجا هد؟ 


○ولم يذكروه شرطا لنفس الفعل المكلف به...


◇فلا تخلط

لأن هناك شروطا لمشروعية الفعل، وهي غير شروط من يجب عليه الفعل 


■ومن حصر القدرة التي هي مناط التكليف في سلامة الأعضاء لم يفهم التشريع ...


●ومن هنا تفهم لماذا بحث الفقهاء متى يجوز أو بجب التولي يوم الزحف والفرار؟

○وإذا كان جيش الكفار أكثر من ضعف جيش المسلمين...

فكل ذلك متعلق بالمكون الثاني للقدرة...


■فالمكون الثاني للقدرة وهو ألا يكون مضرة الفعل راجحة يتطلب تحصيل القوة التي يتحقق بها دفع العد و 

□وتحصيل القوة شرط وجوب مقدور عليه فيجب وجوده

فحصول القوة الذي يتحقق به الدفع الذي يتوقف عليه وجود الجها د الواجب مقدور عليه من العبد فيجب وجوده لوجوب وجود الجها د

○فحصول القوة شرط وجوب مقدور عليه.


■وأما الاعتراض على حديث أمر الله عيسى أن يكف عن قتال ياحوج وماجوج وأمره له أن يحرزهم إلى الطور

بأنه استثناء خاص بآخر الزمان، ولا حجة فيه على ترك القتال إذا انتفت القدرة.. 


فهو اعتراض عري عن التحقيق؛ فالحديث اشتمل على أمر وتعليل

●أما الأمر فهو أمر الله نبيه أن يحرزهم إلى الطور، والأمر بالشيء نهي عن أضداده

○فيكون أمره له بأن يجعل الطور لهم حرزا نهيا عن قتالهم لهم

○وأكد هذا بالتعليل بأنه لا قدرة لأحد على قتالهم

□ومعلوم أن نفي مشروعية الفعل لانتفاء شرط مشروعيته يدل على المنع.

□والعلة التي علل بها لم يدخلها نسخ في الشريعة ولا تخصيص

فتعليله بأنه لا قدرة لهم تعليل مأخوذ من أصول الشريعة.

•قال النووي في شرح مسلم:(فقوله "لا يدان" بكسر النون تثنية يد، قال العلماء: معناه لا قدرة ولا طاقة، يقال: ما لي بهذا الأمر يد، وما لي به يدان؛ لأن المباشرة والدفع إنما يكون باليد، وكأن يديه معدومتان؛ لعجزه عن دفعه. 

ومعنى "حرزهم إلى الطور" أي: ضمهم واجعله لهم حرزا)


□وقد دلت الشريعة على اعتبار القدرة وأنه يكتفى في تقديرها على غلبة الظن والاجتهاد السائغ، 

ولا يشترط في اعتبار القدرة وجود وحي خاص يدل على انتفائها في حادثة معينة، بل إن وجود وحي خاص في حادثة خاصة يدل على اعتبار جنسها في غير المحل الخاص


■وعندما نستدل بهذا الحديث إنما نستدل به على ترك القتال حال انتفاء القدرة الشرعية، ولا يلزم بالضرورة من ترك القتال: الاستسلام...


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الاثنين، 30 أكتوبر 2023

مقاطعة_البضائع حال اعتداء الكفا ر على الإسلام والمسلمين

 #مقاطعة_البضائع حال اعتداء الكفا ر على الإسلام والمسلمين 


تكون واجبة ومن الجها د في سبيل الله إذا تعينت وسيلة وتوقف الإضرار بالكفا ر عليها, ولا مضرة فيها للمسلمين، فيكون من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب...

قال الشيخ السعدي:( والمقصود أن مقاطعة الأعداء بالاقتصاديات والتجارات والأعمال وغيرها ركن عظيم من أركان الجهاد وله النفع الأكبر وهو جهاد سلمي وجهاد حربي) 


وأما إذا لم تتعين وسيلة للإضرار ولا مضرة فيها للمسلمين؛ فالأصل فيها الجواز، ولا نقول بوجوبها ولا باستحبابها... 


ومما يدل على أصل المقاطعة بالنظر إلى المعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة بدر يطلب قافلة, وحرق نخل بني النضير, وأقر ثمامة منع أهل مكة الحنطة؛ كل ذلك لإجل الإضرارا بالكفار.

فقد روى البخاري ومسلم في صحيحَيهما، عن أبي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - أنَّ ثمامة بن أثال لمَّا أسلَم سافر إلى مكَّة للعُمرة، وقال لأهل مكَّة: "والله، لا يأتيكم من اليمامة حبَّة حنطة حتَّى يأْذَن فيها النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم". 


ولا يشترط فيها إذن ولي الأمر إلا إذا توقف التحقق من القيدين السابقين عليه 

فالمقاطعة الجماعية لابد في جوازها من خلوها من الإضرار بالمسلمين، وهذا قد لا يتحقق إلا بأمر من ولي الأمر، فيتوقف الجواز على إذنه. 


وأما في المقاطعة الفردية، فللفرد أن يقاطع ما شاء من غير أن يعتقد وجوبها ولا استحبابها، 

فالنصرة وإن كانت واجبة على كل مسلم بما يستطيع إلا أن وسيلة المقاطعة لم يعينها الله وسيلة ولا دلت عليها إطلاقات النصوص الشرعية وإن تناولتها ولم تتوقف عليها النصرة، 

وقد تعلقت بباب البيع والشراء وهذا الباب لم يضيق الشارع فيه والأصل فيه التوسعة، وهذا يقتضي أن يكون الأصل فيها الجواز...

وأما جواز البيع والشراء مع اليهود فهذا في غير حال الاعتداء والحرب 


كتبه 

د. أحمد محمد الصادق النجار 

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة

السبت، 21 أكتوبر 2023

هل يشترط في جها د الدفع القدرة؟

#تصحيح_مفاهيم

[هل يشترط في جها د الدفع القدرة؟]

■انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي أن وجوب جها د الدفع لا يشترط له شرط
●ونقلوا في ذلك كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية، مع أن شيخ الإسلام ذكر أنه لا يشترط له شرط في معرض رده على من اشترط الزاد والراحلة، كما في الفتاوى الكبرى(٤/٦٠٨)...

■وغاب عنهم أن المقصود من أنه لا يشترط له شرط: الشروط التي يجب توفرها في جهاد الطلب، وأنه لا يشترط تكافؤ العدد والعدة بين المقاتلين حال هجوم العدو...

●وإنما الواجب على الإنسان أن يدفع العد و بحسب الإمكان، فإذا انتفت القدرة سقط عنه الوجوب العيني؛ لأن مناط التكليف: القدرة.
□وفي آخر الزمان عندما يهاجم ياجوج وماجوج المسلمين
يأمر الله عيسى عليه السلام ألا يقاتلهم؛ لأنه لا قدرة لأحد على قتالهم...صحيح مسلم
●فمع كونه جها د دفع ويمكن أن يوقعوا في العد و نكاية، ويعكر عليهم استقرارهم إلا أن الله منع نبيه؛ لعدم تحقق شرط القدرة على ردهم، وعدم تحقق المقصود من وجوب جها د الدفع وهو دفع الضرر عن المسلمين .

□وحتى إعد اد العدة إنما لا يكون مشروطا حال هجوم الأعدا ء.

■وليس في هذا إبطال للجها د ولا تحريمه ولا المنع منه، وإنما المقصود بيان متى يسقط الوجوب العيني؟

□جاء في مجمع الأنهر 1/633 في الغقه الحنفي: ( قال في الذخيرة : إذا جاء النفير إنما يصير فرض عين على من يقرب من العد و وهم يقدرون على الجها د...)
□وفي شرح عليش على خليل 3/141 في الفقه المالكي: ( وتعيّن ) بفتحات مثقلا أي صار الجها د فرض عين ( بفجئ ) أي هجوم ( العدو ) أي الكا فر الحربي على قوم بغتة ولهم قدرة على دفعه...)
□وفي التاج والإكليل 4/539 : ( قال ابن بشير : إذا نزل قوم من العد و بأحد من المسلمين وكانت فيهم قوة على مدافعتهم فإنه يتعين عليهم المدافعة )
□وفي أسنى المطالب أيضا 4/ 178 في الفقه الشافعي : ( ولا يجوز انتظارهم مع قدرة الحاضرين ) على القتا ل , عبارة الأصل : وليس لأهل البلدة ثم الأقربين فالأقربين إذا قدروا على القتا ل أن يلبثوا إلى لحوق الآخرين)

■أقول هذا ردا على من لا يزن الأمور بميزان الشرع ممن يحسب على المشايخ وطلبة العلم، ويتهم الناس بالنفاق...

لا تنزيلا على واقع خاص، فللتنزيل مقام آخر، أفرد له منشورا بإذن الله

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار 

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2023

تصحيح مفاهيم حول جها د الدفع

#تصحيح_مفاهيم حول جهاد الدفع

■تمر به في بعض الصفحات فيما يتعلق بأحداث غزة بعض التأصيلات والأقيسة والتعليلات التي لم يحسن أصحابها فقه مقدماتها

●فتراهم يحاولون جهدهم الجمع بين المختلفات ظنا منهم أنهم ينصرون غ ز ة

●وتراهم يخلطون بين مصالح جها د الطلب وبين مصالح جها د الدفع
فإذا ما حصلت مصلحة تتناسب مع مقصود مشروعية جها د الطلب كغيظ الكفا ر وكسر هيبتهم
وعدم النظر إلى إزهاق الأنفس في مقابل أجر الآخرة حملوها على جها د الدفع وحسبوها مصلحة وإن انتفى معها مقصود مشروعية جها د الدفع
(عدم فقه والله المستعان)

●وبعضهم يقيس حال اليوم بحال غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن الحال لا يتوافق من كل وجه مؤثر!!

○نعم
لا يشترط تكافؤ العدد والعدة في الجها د لكن هذا بين المقاتلين (بين الجيشين)
ليس بين المدنين..
○وقد ذكر الفقهاء صورة يجب على المقاتلين ألا يتركوا القتال فيها وإن كانت لا طاقة لهم بقتالهم وهي أن يهجم العدو على بلدة فيخشى إذا انصرفوا من القتال استولوا على النساء ومن يخلفون من المسلمين.
ففي الفتاوى الكبرى لابن تيمية 5/539 : ( وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يَسلموا)
لعناية الشريعة بدماء غير المقاتلين في الجها د

■وبعضهم يخون العلماء لمجرد أنهم خالفوا رأيه والجها د الذي وضع له تصورا في ذهنه وأن من لم يأت به فهو خائن مخذل، وينتهزها فرصة لتصفية الحسابات..

■ومن خلط الأوراق تنزيل حديث الطائفة المنصورة على من تلبس ببدع...!!

■وبعضهم اشتغل بذم طائفة في وقت تقاتل فيه اليهو د
●ولو تمعن هؤلاء في مقصد جها د الدفع وهو دفع الكفر والإضرار بالمسلمين وبلادهم لعلموا أنه -والحال هذه- لا ينظر إلى من يقاتل في صف المسلمين ممن وقع في فسق عقدي أو عملي؛ إذ إن مضرة الكفر وفتنته أعظم من مضرة البدعة وفتنتها.

■وينبغي أن يعلم أن النصر الذي وعد الله به لا يكون للمسلمين إلا بعد رجوعهم إلى دينهم
وهذا لا ينفي أن يحصل نصر دونه ومن بعض الوجوه بقدر ما نصروا فيه الحق وحققوا مقصود الشارع.

■ولو اكتفى هؤلاء جميعا بالتفريق بين ما قبل النفير ووقوع الهجوم من ال مح تل وما بعده وأشغلوا الوقت بواجب النصر ة؛ لتحقق النفير والهجوم الذي هو محل جها د الدفع
لحققوا المقصود من غير فتح ملفات ترجع إلى تحقيق غير المقصود.

●دعونا من هذا الخلط واشتغلوا بواجب الوقت.
فالوضع كارثي..

●اللهم انصرهم واحمهم

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة
http://abuasmaa12.blogspot.co

الأربعاء، 27 سبتمبر 2023

[مناقشة #وزارة_الشؤون_الدينيمناقشة شبهة أن مشروعية الأصل تدل على مشروعية الأثر. والانطلاق منها إلى جواز الاحتفال بالمولد من غير حاجة إلى إثبات دليل خاص]

[مناقشة شبهة مشروعية الأصل تدل على مشروعية الأثر.

والانطلاق منها إلى جواز الاحتفال بالمولد من غير حاجة إلى إثبات دليل خاص]


هل جواز الأصل يدل على جواز أثره؟

كما ذكر ذلك بعضهم

ومثلوا على ذلك بعدة أمثلة

منها أن مشروعية تعظيم المصحف يدل على مشروعية تقبيله وتجليده وطباعته

فمادام أن الأصل مشروع فآثاره كذلك، ولا يسأل عن دليها إلا إذا ورد في وسيلة معينة دليل خاص ينهى عنها.

وتوصلوا بذلك إلى أن الاحتفال بالمولد جائز ولا يسأل عن دليله؛ لأنه أثر من آثار مشروعية تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم. 


والجواب عنها: 


أن ما كان مشروع الأصل وأطلق الشارع وسائله من غير تحديد ولا تعيين(عبروا عنها بالأثر)

لم يكف إطلاق مشروعية الأصل على أن يكون دليلا على تعيين وسيلة مخصوصة وتخصيصها

بمعنى أن الوسيلة المعينة وإن كان يتناولها إطلاق مشروعية الأصل إلا أن تعيينها وتخصيصها من بين الوسائل المتعددة يحتاج إلى دليل خاص، فنطالب بالدليل الخاص على تعيين وتخصيص هذه الوسيلة دون غيرها، ولا نطالب بالدليل على دخول هذه الوسيلة في الإطلاق.

ويزداد الطلب تأكيدا وهو الذي لم يدل عليه الإطلاق الأول إذا دخل تخصيص الوسيلة في تخصيص التشريع

بأن يكون تخصيص هذه الوسيلة في زمن تعظيما  لذاتية الزمن أو في مكان تعظيما لذاتية المكان أو بهيئة تعظيما لذاتية الهيئة أو بعدد تعظيما لذات العدد، بأن يكون الزمن مقصودا والمكان مقصودا والهيئة مقصودة والعدد مقصودا.

فهذا التخصيص لم يدل عليه إطلاق المشروعية أصلا

فكيف إذا التزمه وصار يتكرر بتكرر الأوقات؟!

قال الشاطبي في "الاعتصام"(201/1): (.. فإن أتى به المكلف فِي ذلك الأمر بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو مقارناً لعبادة مخصوصة، والتزم ذلك بحيث صار مُتخيلاً أن الكيفية أو الزمان أو المكان مقصودة شرعاً من غير أن يدل الدليل عليه: كان الدليل بمعزل عن هذا المعنى المستدل عليه ) 


فمثلا الشارع وإن عظم المصحف وأطلق وسائله إلا أن من خصص التعظيم بالتقبيل احتاج إلى إثبات ذلك بدليل خاص غير الدليل المطلق

ويزداد الأمر تأكيدا إذا خصص التقبيل بيوم الأحد تعظيما ليوم الأحد، أو لا يقبله إلا في مسجد فلان تعظيما للمسجد ...

فهذا لم يدل عليه الإطلاق أصلا 


فعندما نطالب بالدليل إنما نطالب بالدليل الخاص على  مشروعية تخصيص التقبيل وإن تناوله إطلاق تعظيم المصحف.

فضلا عن تخصيص التشريع

وعندما نجد السلف قد تركوا هذه الوسيلة مع وجود داعيها ولا مانع يتأكد عندنا أنها ليست مقصودة للشارع، ولا يريدها، بل هذا الترك يخرجها من إطلاق مشروعية الأصل.

قال ابن دقيق في "إحكام الأحكام" (1/200و201): (..إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة، والفعل المخصوص: يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه.. ). 


وهكذا الأمر في الاحتفال بالمولد النبوي، فإنه وإن تناوله إطلاق تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تخصيص التعظيم بالاحتفال وتعيينه يحتاج إلى دليل خاص

كيف وهذا التخصيص قد قيد بيوم تعظيما لليوم فهو أوكد للمطالبة بالدليل؛ لأن التخصيص أصبح تخصيص تشريع فيما لا يعقل معناه.

كيف وقد التزم وتكرر بتكرر السنة؟!!

وعندما نجد السلف قد تركوا الاحتفال مع وجود داعيه وهو المحبة والتعظيم ولا مانع تأكد لنا أنه ليس مقصودا للشارع، ولا يريده، وكان هذا الترك قد أخرجه من إطلاق مشروعية التعظيم والمحبة؛ لعدم وجود دليل خاص يدل عليه. 


وأما قياس ذلك على جمع القرآن فغير سديد؛ لأنه لم يُستدل على جوازه بإطلاق مشروعية تعظيم القرآن، وإنما استُدل على جوازه بفعل الصحابة بل بإجماعهم؛ 

ونجد أيضا أن عمر رضي الله عنه لم يحتج على جوازه بإطلاق مشروعية تعظيم القرآن؛ لما تقرر عنده أن تخصيص تعظيم القرآن بالجمع يحتاج إلى دليل خاص يدل على مشروعيته، 

وإنما ذكر أمرا آخر وهو الخوف من ضياع القرآن بموت القراء وهو ينافي حفظ القرآن. 


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

http://abuasmaa12.blogspot.com/2023/09/blog-post_27.html

الاثنين، 25 سبتمبر 2023

تخصيص قراءة السيرة في شهر ربيع الأول

في المسائل التي يكون فيها قولان، والمتعلقة بالبدع

نجد من يخرج عن القولين بإحداث قول ثالث يظن أنه وسط بين القولين
●فلا تراه مع المانعين بإطلاق ولا مع المجوزين بإطلاق وإنما يفرض عليه ضغط الواقع وضعف التأصيل أن يخرج بقول يتودد به إلى الطائفتين المختلفتين.

■وهذا ما نجده في مسألة الاحتفال بالمولد النبوي، فخرج علينا من لم يمنع بإطلاق ولم يجوز بإطلاق، وإنما جوز قراءة السيرة والتذكير بها في شهر ربيع الاول أو في يوم مولده، وهو يحسب أنه بذلك خرج عن تشدد المانعين وتساهل المجوزين من وجهة نظره.!!

■فهذا الصنف من الناس في الغالب ينطلق من ضغط الواقع وما يراه من شدة النزاع.

□ولو أمعن النظر وربط المسألة بدليلها وأصلها لوجد نفسه خارجا عن الأصول الاستدلالية التي يستدل بها الطرفات المتنازعان
●فلا هو مع أصول أهل الحديث الاستدلالية ولا هو مع أصول الصوفية الاستدلالية

●وإنما يأخذ من هذا طرفا ومن ذاك طرفا آخر، ويظن أنه منتهى التحقيق، وطريق توحيد الأمة!!

■لنأصل المسألة:

●الاجتماع لقراءة السيرة والتذكير بها في تاريخ مولد النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلو من إحدى مقدمتين:

□الأولى: أن يقرأ السيرة؛ لأنه يعظم تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم لذات التاريخ، فالزمن مقصود...
وهذا المعنى هو الذي لأجله حُرم الاحتفال بالمولد، فالباب باب تشريع، والتشريع مختص بالله، فلا فرق بين أن تشرع قراءة السيرة أو تشرع شيئا آخر...

●وهذا مقطع في تأصيل مسألة الاحتفال: https://youtu.be/788mOxM197c?si=kLSMeHJcTsewZA90

□الثانية: أن يقرأ السيرة؛ لمناسبة تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم ومصلحة التذكير بها واغتنام إقبال الناس؛ قياسا على التذكير بغزوة بدر في الثامن عشر من رمضان...

■فهنا نقول له: هل لو أجلنا قراءة السيرة إلى شهر رجب يصح؟
فإن قال : لا، لأن المناسب أن نقرأها في شهر ربيع الأول
أصبح الزمن مقصودا عنده، فتكون علة قراءة السيرة تعظيم الزمن، وهذا تشريع.

■ثم إن الاجتماع لقراءة السيرة في شهر ربيع الأول؛ لمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم تنشأ عنه مفسدة تخصيص ما لا خصيصة له؛ إذ تخصيص هذه المناسبة بالدروس؛ مظنة لاعتقاد أن فيها فضلا خاصا، وأن ذكر سيرته صلى الله عليه وسلم في هذا الزمن أفضل من غيره ...

●فلما كان التخصيص مظنة لاعتقاد فضل، ولا فضل فيه كان التخصيص داخلا في الابتداع؛ إذ ما من تخصيص إلا ولابد أن يكون له باعث.

●واعتقاد الفضل فيما لا فضل فيه مستلزم إما عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم به أو كتمانه، وكلاهما منتف..
ولو كان التخصيص خيرا لما أهملته الشريعة.

■وأما القياس على من خص يوم الثامن عشر من رمضان بالتذكير بغزوة بدر، ومن خص ليلة الإسراء والمعراج بتذكير الناس به فهو قياس على فرع مختلف فيه، ولا نسلم بمشروعيته خصوصا إذا تكرر فعل ذلك كل سنة.

■فإن قال قائل: أنا لا أعتقد الفضل.

●قيل: إن سلمتَ من اعتقاد الفضل -وهو بعيد- فلن تسلم من موافقة من يعتقد الفضل أو خوف اللوم منهم أو اتباع عادتهم، فرجع الأمر إلى التشبه بهم.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
http://abuasmaa12.blogspot.com/2023/09

الجمعة، 22 سبتمبر 2023

حكم_الاحتفال_بالمولد_النبوي بلغة إقناعية

#حكم_الاحتفال_بالمولد_النبوي بلغة إقناعية

أخي القارئ يمكن أن يكون هذا هو المخرج لك، ودعنا نحسبها مع بعض:

#يشترك المانعون والمجوزون في محبة النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب نصرته واتباعه..
#يشترك المانعون والمجوزون في أن التعبد لله بالاحتفال بدعة مذمومة.
#يشترك المانعون والمجوزون في عدم إطلاق اسم العيد عليه.
#يشترك المانعون والمجوزون في منع ما يحدث في المولد من أمور محرمة.

ومعلوم أن للفكرة مصالح ومفاسد:
ما مصالح الاحتفال بالمولد ومفاسده عند المانعين؟
المصالح، منها:
التذكير بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهار محبته...
المفاسد، منها:
١-تخصيص المحتفل نفسه بفضل ومزية لم يختص به كل من لم يحتفل ومن أعظمهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون ...
٢-تعظيم تاريخ مولده بأعمال وأذكار لم يعظمه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما عظم النبي صلى الله عليه وسلم يوم مولده (الاثنين) وشرع فيه الصيام لا الاحتفال، ولم يعظم تاريخ مولده، ولذا اختلف المؤرخون في تحديده.
٣-تحقق فيه مسمى العيد بتعظيم تاريخ مولده والاجتماع فيه وتخصيص أعمال والتعنئة به، والأصل في الأعياد التوقيف.
إلى آخر المفاسد ...

فغلبوا جانب المفاسد ؛ لخطورتها ورجحانها.

ما مصالح الاحتفال بالمولد ومفاسده عند المجوزين؟
المصالح، منها:
التذكير بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهار محبته، والفرح بتاريخ مولده وإظهار السرور، ووسيلة لطاعته...
المفاسد ، منها:
التعبد لله بالمولد، أفعال محرمة واعتقادات فاسدة يرتكبها المحتفلون، اعتقاد انه سنة أو واجب ...

فغلبوا جانب المصلحة مع خطورة المفاسد...

فيا أخي
ما الأحوط لدينك؟ (والخطاب لمن أشكل عليه الأمر )

لا شك أن جوابك: عدم الاحتفال

لماذا؟

لأنك لاحظت أن المحتفل عند المانعين من الاحتفال يرون أنه ارتكب بدعة وأحدث عيدا وشرع أمورا لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم
والاحتفال متضمن لاعتقاد خطير وهو أنه خُصص بفضل لم يختص به النبي صلى الله عليه وسلم فكان أحسن منه في هذا الأمر والعياذ بالله

المفاسد خطيرة...

وأما غير المحتفل عند المجوزين فغاية ما سبحكمون عليه أنه ترك عادة وخالف ما اعتاد عليه بعض الناس.
ومن تجرأ من عوامهم فسيصفه بأنه لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لمجرد عدم الاحتفال
وهذا جاهل معتد ظالم باغ
فهل الصحابة الذين لم يحتفلوا لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم؟!!

فيا أخي المسلم
أيهما أبرأ إلى دينك، الاحتفال أو عدم الاحتفال؟
خصوصا وأن من لم يحتفل هم الصحابة وأهل القرون الثلاثة الذين شهد النبي صلى الله عليه وسلم بخيريتهم فكانوا هم المقياس لنا فيما نفعله ..

ولا يقال عدم النقل عن الصحابة لا يدل على عدم احتفالهم
لأن العلماء مجمعون على إثبات عدم احتفالهم، ولأن الاحتفال مما تدعوا الحاجة إلى نقله لو فُعِل، لا سيما وأن الاحتفال أمر ظاهر يجتمع الناس عليه وليس هو مما يخفى.

ولا يقال أيضا الاحتفال بالمولد خير، وكل خير يفعل
لأن المانعين ينازعون في كونه خيرا
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه للذين اجتمعوا على التسبيح: وكم من مريد للخير لن يصيبه.
مع أن ظاهره خير
ولا يمكن بحال أن يكون الأمر خيرا في الدين ويتركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود داعيه ولا مانع.
وضع خطا عند قولنا مع وجود داعيه ولا مانع

ولا يصح قياس الاحتفال بالمولد على صوم يوم عاشوراء ونحن أولى بموسى منهم...
لأن شكر الله بصوم عاشوراء ورد فيه دليل خاص وفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك لما كان مشروعا
فهل حصل هذا في المولد؟!

فكر يا أخي وانظر قبل أن تحتفل

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

http://abuasmaa12.blogspot.com/2023/09/blog-post_22.html

الاثنين، 18 سبتمبر 2023

كيف استخف فرعون عقول قومه؛ حتى أضلهم؟!!

 كيف استخف فرعون عقول قومه؛ حتى أضلهم؟!! 


لقد اتبع فرعون منهجا ممتلئا بالمغالطات في استجهال قومه واستخفافه بعقولهم

فلم يقابل براهين موسى عليه السلام وحججه بالنقض، وإنما تعمد الخروج عنها.

ومن نماذج خروجه عنها :

١- تعظيم نفسه؛ حتى يغلق على عقول قومه ويمنعهم من الاعتراض عليه؛ لكونه ربا، [فقال أنا ربكم الأعلى]

٢-تحقير موسى عليه السلام فقد وصفه بأنه مهين ولا يكاد يبين

فاستدل على إبطال الحجج والآيات التي جاء بها موسى عليه السلام بتحقير موسى عليه السلام.

٣-الاستدلال بفقر موسى على بطلان حجته ﴿ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾

٤-التدليس ورمى موسى بما ليس فيه فقال عنه ساحر؛ حتى تسقط حجته ويتحقق عدم اتباعه.

٥-ادرار العاطفة وتحريك الشفقة وإثارة الجمهور عليه فزعم أن موسى يريد أن يخرجهم من أرضهم، فاستدل على بطلان حجته بهذه المغالطة العاطفية.

٦-الاحتكام إلى القوة ومصادرة أقوال الآخرين فقال لقومه ما أريكم إلا ما أرى، وما علمت لكم من إله غيري.

٧-شخصنة الجدال، فيستدل على بطلان حجته بأنه رباه صغيرا.

٨-تجريح الشخص والطعن فيه، فقال عنه مجنون.

...

فنظرية فرعون تقوم على السيطرة على عقول قومه بمنهجية ترك الجواب عن الحجة ومناقشتها إلى الخروج عنها بالشخصنة والتدليس وتعظيم النفس وتحقير الغير والخروج عن الموضوع إلى السب والتجريح؛ لأجل العجز والهروب من مناقشة الحجة، وما كانت لنظريته أن تؤتي أكلها لولا أن قومه كانوا مستعدين لاستخفاف فرعون بعقولهم وقابلين له.

فالعقول مبرمجة ابتداء على تبعيتهم لفرعون وعبوديتهم له، ولذا لما دعاهم إلى الباطل بمغالطات منكقية انقادوا له.

فجاءهم العقاب...


وهذا فيه درس لكل من يسلم عقله لمن لا يملك حججا صحيحة تبرهن على صحة دعواه، وإنما يسلك مسلك فرعون في الخروج عن الموضوع إلى الحيدة والشخصنة... 


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار 



السبت، 9 سبتمبر 2023

حكم استعمال العطور التي فيها كحول

 حكم استعمال العطور التي فيها كحول


 ينظر فيها إلى نسبة الكحول، فإن كانت يسيرة مستهلكة كنسبة ٥% بحيث إنه إذا شرب الكثير منها لم يسكر؛ لكون الكحول مغمورا مستهلكا: جاز استعمالها؛ لأن الكحول فيها مستهلك ولا يصدق عليها اسم الخمر ولا حكمه ولم تتحقق فيها علة الإسكار وذهاب العقل.


وكذلك إذا وضع الكحول لإذابة الزيوت ويتبخر عند الاستعمال مباشرة ولا يبقى منه شيء فلا بأس باستعماله... 


وأما إن كانت نسبة الكحول كثيرة ليست مغمورة وتبقى 

فلا يجوز استعمالها ولا بيعها ولا حملها؛ 

١-لأنها مسكر، وقد أمر الله باجتناب المسكر مطلقا.

٢-ولأنه يصدق عليها حكم الخمر.

٣-وسدا لذريعة شربها

٤-ولفتاوى بعض الصحابة باجتناب المسكر مطلقا، قال الزهري كانت عائشة تنهى أن تمتشط المرأة بالمسكر. مصنف ابن أبي شيبة(٥/٩٨)

وروي عن غيرها من الصحابة كابن عمر وجابر بن زيد... . 


قال القرطبي : " قوله : ( فَاجْتَنِبُوهُ ) يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه ، لا بشرب ، ولا بيع ، ولا تخليل ، ولا مداواة ، ولا غير ذلك ، وعلى هذا تدل الأحاديث الواردة في الباب ". انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (6/289).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأمر باجتنابها مطلقا ، وهو يعم : الشرب ، والمس ، وغير ذلك " انتهى من " شرح العمدة " (1/109).


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 8 سبتمبر 2023

هل الخوض في الخلاف القديم الواقع في مسائل العقيدة والفقه إشغال للأمة عن قضاياها؟

محاولة تصحيحية


●هل الخوض في الخلاف القديم الواقع في مسائل العقيدة والفقه إشغال للأمة عن قضاياها؟

●هل الخوض في الخلاف في صفات الله وعلوه واستوائه ومسائل الإيمان والكفر... يشغل عن قضايا الأمة وأصول أركان الإيمان؟ 


□لنفتت السؤال ونحلله

المنع من الخوض في مسائل الخلاف العقدي والفقهي

•هذه نتيجة

تحتاج إلى دليل واستدلال. 


■ما دليلها؟

لأنه يشغل الأمة، وكل ما أشغل الأمة عن قضاياها يمنع الخوض فيه. 


وكما تلاحظون هناك إطلاق في النتيجة، فهي مطلقة غير مقيدة... 


■وأول نقد يَرِد على النتيجة ودليلها هو عدم التلازم بين الدليل والمدلول

فيحصل خوض في الخلاف العقدي والفقهي من غير أن يلزم منه إشغال الأمة عن قضاياها...

●فكم خاض علماء الأمة في الخلاف العقدي والفقهي وألفوا في ذلك كتبا وعقدوا مناظرات من غير أن يشغلهم ذلك عن قضايا الأمة!!

■ومعلوم أن الدليل يجب طرده، ويكون ملزوما للمدلول عليه. 


■فتبين لنا أن ما ذكروه دليلا -وهو إشغال الأمة عن قضاياها- على المدلول -وهو المنع من الخوض في مسائل الخلاف-

انتفى فيه التلازم، فلم يصح أن يكون دليلا. 


●فإن قيل: هل يمكن تصحيح النتيجة ودليلها؟


●قيل: نعم

بإضافة قيد الحاجة. 


■فتصاغ على النحو الآتي: 


المنع من الخوض في الخلاف العقدي والفقهي عند عدم الحاجة للخوض فيه

لأنه يشغل الأمة عن قضاياها عند الحاجة إلى الكلام فيها

وكل ما أشغل الأمة عن قضاياها عند الحاجة إلى الكلام فيها يمنع. 

وبهذا يصح التلازم بين الدليل والمدلول.

●وهو الذي ينسجم مع أصول الشريعة وقواعدها وفقه السلف. 


■وأما الإطلاق الأول فقد اتخذه قوم ذريعة إلى إماتة الخلاف العقدي القديم، والانطلاق من ذلك إلى تسويغ الخلاف، وربما نسبية الحق والصواب. 


■ثم إن الخوض في الخلاف العقدي وسيلة لتصحيح الاعتقاد ورد الحجج المتهافتة

ومصلحته راجحة

إلا في الأحوال العارضة التي تستوجب عدم الخوض فيها؛ لرجحان المفسدة

والأحوال العارضة في حكم الاستثناءات التي لا يرد بها إطلاق الحكم الأصلي. 


■والغريب أن إطلاق المنع من الخوض في الخلاف العقدي والفقهي

يحضر ويغيب !!

● فتجد من ينادي بهذا الإطلاق هو نفسه يخوض في مسائل الخلاف، ويصوب ويخطئ وينتقد ويطعن، بل وتجده يدافع عمن فرط في بعض قضايا الأمة ويلتمس له الأعذار؛ لكونه من حزبه وعلى هواه!! 


●شعارات ترفع، لا حقيقة لها واقعا.. 


■وللأسف 

استُعمل هذا الإطلاق في تشويه سمعة الخصوم؛حتى لا يقبل منهم أي تصحيح عقدي، وهذه مغالطة تسميم البئر... 


■كما استخدم هذا الإطلاق في التضليل عن تضخيم المواقف السياسية على حساب الأصول العقيدية والانحراف في صفات الله وأفعاله ومسائل الإيمان والكفر

● فجعلوا هذه المسألة ملهية عن مناقشة الموضوع الأصلي وهي أيهما أعظم: الولاء والبراء على أصول العقيدة أو الولاء والبراء على المواقف السياسية والمصالح الخاصة بحزب؟

وهي ما تعرف بمغالطة الرنجة الحمراء... 


والكلام يطول... 


فإن قلت: كلامك صحيح لكن هناك أولويات.


قيل: الأولويات لها عدة اعتبارات، فما كانت أولوية بالنسبة لشخص ليس بالضرورة أن تكون أولوية لغيره

وما كانت أولوية بالنظر إلى زمن أو مكان معينين ليس بالضرورة أن تكون أولوية في زمن أو مكان آخرين

وما كانت أولوية في نفسهاط ليس بالضرورة أن يقدم الكلام عنها مطلقا.


والجامع أن هناك أولوية لذاتها كالكلام في توحيد الله

وهناك أولوية لغيرها، اقتضى كونها أولوية ظرف خاص، كما لو أُنكر المسح على الخفين في بلد ما  فهنا الأولوية تقتضي الكلام عن مشروعية المسح على الخفين وأنه مقدم على الكلام في صفات الله مثلا.


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار



الجمعة، 25 أغسطس 2023

حكم ختم القرآن في صلاة الفريضة

 حكم ختم القرآن في صلاة الفريضة

وصورة المسألة أن يقرأ في كل عشاء مثلا جزءا من القرآن إلى أن يختمه

والذي يظهر لي أنه خلاف الأولى إذا لم يداوم عليه فيعطيه صفة التشريع.
نعم، الأصل في الصلاة التعبد، ومقصود الشارع فيها ألا يتجاوز ما حده الله وشرعه.
إلا أن قراءة القرآن في الفريضة على التأليف بأن يقرأ سورة ثم التي بعدها ثم التي بعدها ورد عن جماعة من السلف؛ لورود الإطلاق في قوله تعالى:[فاقرؤوا ما تيسر من القرآن، فقد روي عن عثمان أنه كان يقرأ بعض القرآن سورا على التأليف، وروى حرب عن أحمد في الرجل يقرأ على التأليف في الصلاة اليوم سورة الرعد وغدا التي تليها ونحو ذلك، قال: ليس في هذا شيء إلا أنه يروى عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصل وحدها.
وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ يَنْتَهِي جُزْؤُهُ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْفَرَائِضِ.

وإنما كان خلاف الأولى؛ لأنه لم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولما يستلزمه من ترك ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤه في الصلوات الخمس
إلا أنه لا يصل إلى درجة البدعة أو المنع؛ لفعل بعض السلف له.
وهو ما أشار إليه الإمام أحمد .
ولولا فعل بعض السلف لاقتضت الأصول: المنع؛ لأن الأصل في الصلاة التعبد وعدم مجاوزة ما حده الله فيها، ولإعمال قاعدة الترك مع وجود المقتضي ولا مانع.
ويستثنى من الجواز ما لو اشتمل على معنى محرم كاعتقاد سنيته وأفضليته، أو المشقة على المصلين...

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار 

الأحد، 13 أغسطس 2023

[مختصر القول في ضابط قيام الحجة]



ضابط قيام الحجة في باب تكفير أعيان المسلمين إذا وقعوا في أمر كفري: ظهور الحجة الرسالية القاطعة له.

ويكون الظهور ببلوغ النص الشرعي له وتيقينه بمراد الله منه، فيجب أن يكون البلوغ على وجهه المراد منه.....

ومن تمكن من ظهور الحجة الرسالية القاطعة له فأعرض كانت الحجة قد قامت عليه.

أما إذا لم يبلغه النص أو بلغه ولم يثبت عنده أو بلغه لم يتمكن من الوصول إلى مراد الله منه فجهل المعنى الذي أراده الله 

فهنا لا ينقطع عنه العذر، فلا تكون الحجة قد قامت عليه.


وتقام الحجة بالوسيلة التي يتحقق معها ظهور الحجة القاطعة للمخالف.

ومن وسائل ذلك: المناظرة، لكن لا يلزم بالضرورة أن تظهر الحجة القاطعة للمخالف بالمناظرة، فقد تقع المناظرة ولا تقوم الحجة؛ لعدم ظهورها للمخالف.


فإن قلت: يلزم على هذا أن تكون قيام الحجة أمرا لا يتحقق في الواقع.

قيل لك: لا نسلم بذلك وقد تحقق في الواقع في أمثال جهم وبشر وأحمد بن أبي داؤاد وحفص الفرد على قول وغيرهم ممن ظهرت لهم الحجة القاطعة فلم ينقادوا لها.

ولو سلمنا بعدم تحققه في الواقع فنحن لسنا مأمورين بالنتائج والحرص على تكفير أعيان المسلمين، 

ثم إنه لا يلزم من تطبيق الأصول والقواعد الشرعية في باب التكفير محال. 


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

الخميس، 10 أغسطس 2023

فقه الأئمة في فهم إطلاقات السلف في تكفير من قال بمقالة الجهمية

[فقه الأئمة في فهم إطلاقات السلف في تكفير من قال بمقالة الجهمية]


معلوم أن تناول الأفراد في حقيقة أي إطلاق: تناولٌ لا على سبيل التعيين

فتعيين فرد بأنه هو المقصود بالحكم المطلق قدر زائد عن حقيقة الإطلاق؛ فيحتاج إلى موجب خاص. 


فمثلا الإطلاق في تحرير رقبة يتناول رقبة لا بعينها، فلا يشمل كل رقبة، ويصدق على رقبة واحدة، ولا تكون رقبة بعينها هي المقصودة بالحكم، فإذا أردنا تعيين رقبة فلا بد من موجب خاص..


وإطلاق الأحوال والصفات قد يأتي ما يقيده 


وقد دل الشرع على أنه لا يكفي في التنزيل على المعين في باب التكفير مجرد التناول بل لابد من توفر الشروط وانتفاء الموانع في المعين.


فإطلاقات السلف في التكفير بإنكار العلو، بخلق القرآن ...

تتناول:

١-حكم المقالة، بمعنى أنها مقولة كفرية

٢-فردا لا بعينه

فهي لا تتناول حكم المسألة فقط ولذا تراهم يقولون لا يصلى عليه ولا يورث ...لأن كلامهم يتناول أفرادا غير معينين، ويصدق في الواقع على صورة واحدة تحقق فيها موجبها الشرعي الخاص..

فهم لا يقصدون شخصا بعينه لا يصلى عليه.

فإذا أردنا تنزيل الحكم المطلق على معين يكون مقصودا بالدلالة المطلقة التي لم تفصل في الأحوال فلابد من موجب خاص؛ مراعاة لدلالة الشرع. 

وهذا ليس خاصا بباب التكفير وباب الوعيد، بل هو عام في الشريعة كلها، فلابد من الموجب الشرعي الخاص.

فمثلا: قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة»

هذا حكم مطلق يتناول أفرادا غير معينين، فإذا سبح زيد لم يكن مقصودا بعينه بدلالة المطلق إلا إذا توفرت فيه الشروط وانتفت فيه الموانع

فلا يُشهد له بأنه قد غرست له نخلة في الجنة بمجرد دلالة الإطلاق، وإنما لابد من موجب خاص شرعي؛ حتى نشهد له بذلك. 


فالحكم على كل فرد بما يدل عليه الإطلاق من غير مراعاة الموجب الشرعي الخاص: خروج عن مقتضى الشرع. 


ونظيره التأصيل الذي نستعمله في رد البدع في الفروع كالذكر الجماعي بصوت واحد،  فالذكر الجماعي بصوت واحد وإن تناولته نصوص الذكر إلا أن تعيين هذه الكيفية أن تكون مقصودة للشارع يحتاج إلى دليل خاص، وقد جرى عمل السلف على ترك هذه الكيفية... 


ومما يؤكد أن الحكم المطلق في التكفير لا يتنزل على المعين إلا إذا تحقق موجبه الشرعي الخاص: ما جرى عليه عمل السلف من ترك تنزيل حكم التكفير على كل معين.


فإن قلت: لا، هي ألفاظ عامة تستغرق كل فرد، وليست هي من باب الحكم المطلق. 


قيل لك: ألفاظ العموم تستغرق أفرادها وفق عرف قائلها ومراده، فليس المرجع في الاستغراق: محض اللغة، وإنما المرجع فيه مركب من اللغة وعرف المخاطب ومقصوده. 


وإذا نظرنا لأئمة السلف وجدنا أنهم كفروا أعيانا ولم يكفروا آخرين، وأنتم تتفقون معنا أنها لا تستغرق المكره ومن سبق لسانه دون قصد؛ فدل ذلك على أن الاستغراق عند السلف لا ينظرفبه لمجرد اللغة وإنما هو محكوم بقواعد الشريعة وأصولها.


وتقييد الاستغراق بعرف الشارع ومقصوده ليس مخصوصا بمسألة خلق القرآن وإنكار العلو بل هو عام في كل المسائل الشرعية.

فمثلا

من أنكر تحريم الخمر فهو كافر؛ لأن تحريم الخمر معلوم من الدين بالضرورة

لكن هل هذا العموم مستغرق بمحض اللغة، أو هو مستغرق وفق عرف الشريعة ومقصودها

لا شك أنه الثاني، بمعنى أنه مستغرق لمن لم يكن جاهلا ولا متأولا ولا مكرها ولا مضطرا...، فمن كان جاهلا ووو لم يدخل في اللفظ العام 

ولك أن تقول: دخل من جهة محض اللغة، وخرج أو لم يدخل أصلا من حيث مقتضى الشرع وعرفه.

ولذا لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون الذي استحل شرب الخمر بتأويل..

فالحكم العام وإن كان قدامة قد دخل فيه بدلالة اللغة إلا أن الشرع منع من أن يكون دخوله مقصودا له، لأن الاستغراق مقيد شرعا بعدم وجود مانع كالتأويل. 


وكذلك العموم في قوله تعالى: [ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم]

فهل هذا العموم مستغرق بمحض اللغة فيشمل كل من قتل نفسا متعمدا؟

الجواب: لا؛ لأن العموم مستغرق وفق عرف الشارع ومقصوده، فيستغرق من استحل دون من لم يستحل..

وأمثال هذا في الشريعة كثير... 


وأنبه إلى أن القول باستغراق ألفاظ العموم من غير مراعاة استقراء فقه الشريعة وعرف الشارع ومقصوده هو مسلك الخوارج

ولهذا جاؤوا إلى ألفاظ العموم كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها..}

فاستغرقوها في كل الأفراد؛ حتى أدخلوا أهل الكبائر .


فإن قلت: كفر السلف جهما وبشرا وو فدل على أنهم يريدون بألفاظ العموم الاستغراق وشمول كل الأفراد، فيكفر كل من قال بخلق القرآن عالما كان أو جاهلا أو متأولا.... 


قيل لك: تكفير بعض الأعيان دليل على قيام الموجب الخاص للتكفير عند المكفر، فهم لم يكفروهم إلا بعد مناظرتهم وظهور السنة لهم، وقيام الحجة عليهم، وليس لأنهم يدخلون في ألفاظ العموم...

ونن شواهد ذلك ما ذكر ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية قال: كان في كتاب عن الربيع ابن سليمان قال حضرت الشافعي أو حدثني أبو شعيب إلا أني أعلم حضر عبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو بن يزيد فسأل حفص: عبد الله قال: ما تقول في القرآن؟ فأبى أن يجيبه فسأل يوسف بن عمرو فلم يجبه وكلاهما أشار إلى الشافعي فسأل الشافعي فاحتج عليه وطالت فيه المناظرة فقال الشافعي بالحجة بأن القرآن كلام الله غير مخلوق وكفر حفصا الفرد قال الربيع: فلقيت حفصا في المسجد بعد هذا فقال: أراد الشافعي قتلي. 


فإن قلت: اذكر لنا من عذرهم الأئمة بناء على جهلهم وعدم معرفتهم؛ حتى يتم استدلالك؟


قيل: قد عذر الإمام أحمد المعتصم وعلل ذلك بالجهل، ففي المحنة قال الإمام أحمد:(كان أبو إسحاق لا يعلم ولا يعرف، ويظن أن القول قولهم ولا يدري..)

وقال:(قد جعلت أبا إسحاق في حل..)

وسامح كل من حضرر وحلله إلا أحمد بن أبي دراد ومن كان مثله..

واستغفر لهم ولو كانوا مرتدين لم يجز له الاستغفار لهم...

وكانت مسامحته للمعتصم قبل ندمه، فقد سامحه بعد أن خرج منه... 


ويؤكد ما سبق وينقطع به النزاع أن عدم تنزيل الحكم المطلق على المعين إلا بعد قيام موجبه هو محل إجماع، فقد حكى ابن أبي عاصم في كتاب السنة أن مما اتفق أهل العلم على أن نسبوه للسنة وذكر أمورا إلى أن قال:(ومن قال مخلوق ممن قامت عليه الحجة فكافر بالله العظيم، ومن قال من قبل ان تقوم عليه الحجة فلا شيء عليه)

فهذا الاتفاق المحكي متعلق بفرد بعينه ولا ينفي ما يحكيه أئمة السلف بأن من قال بخلق القرآن فهو كافر؛ لأنه محكي لبيان الحكم بإطلاق، كما تقدم توضيح ذلك. 


فإن قلت: فرق السلف بين تجهيم من قال بخلق القرآن وبين تجهيم اللفظية(من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع)؛ بناء على أن السلف لم يأت في اطلاقاتهم في مسألة القول بخلق القرآن التفريق بين العالم والجاهل بخلاف تجهيم اللفظية فقد فرقوا بين العالم والجاهل.


قيل: هذه ظاهرية لا ينبغي أن يقع فيها من يفقه ما يقول، فتنصيصهم على التفريق في مسألة اللفظية بين العالم والجاهل يقيم الحجة عليك؛ ذلك أن التفريق لما كان مستقرا في نفوسهم، معلوم في الشرع بالضرورة لم ينصوا عليه في جميع إطلاقاتهم، فتنصيصهم عليه في اللفظية دليل على اعتباره في الخلقية.. 

وهذا مطرد في جميع مسائل الشريعة، وليس خاصا بهذا الباب، فهم لا ينصون على ما كان معلوما علم من استقراء نصوص الشريعة ، كما قال ابن تيمية قي مجموع الفتاوى:(" وَهَذَا الشَّرْطُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي لُحُوقِ الْوَعِيدِ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُذْكَرَ فِي كُلِّ خِطَابٍ؛ لِاسْتِقْرَارِ الْعِلْمِ بِهِ فِي الْقُلُوبِ) 


ففقه الآثار مقدم على حفظها والاستدلال بها

وإلا ضاع الشباب بوقوعهم في الغلو


هدانا الله وإياكم لسلوكه صراطه المستقيم

كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار