الخميس، 31 مارس 2022

 المواءمة بين دعاة الاجتهاد ودعاة التقليد المذهبي


لما كان الأمر يحتمل تقريبا ومواءمة بما يحقق مقصد الشارع في الاجتماع والائتلاف، ويتحقق معه حفظ الدين في ضروريات وحاجياته وتحسينياته

صح لنا محاولة الائتلاف ونزع فتيل الحرب بين من لم يفهم الاجتهاد على وجهه السديد ولا التقليد المذهبي على وجهه الصحيح.

هذه المواءمة تقوم على تحديد مجال الاجتهاد ومحله ومجال التمذهب ومحله

فالاجتهاد محله من ملك آلة الاجتهاد، ويكون غاية ونتيجة، وتقوم عليه الفتوى، فالإفتاء يجب شرعا أن يكون بما غلب على ظن المفتي أنه مراد الله سواء كان ذلك بالنظر الكلي أو الجزئي

فمجال إعمال الاجتهاد: الفتوى والوصول إلى مراد الله ممن هو أهل للاجتهاد.


وأما التمذهب والتقليد المذهبي فيكون وسيلة وسلما، ومحله من لم يملك آلة الترجيح، ويصح الإفتاء به  عند من لا يغلب على ظنه حكم يخالف ما عليه المذهب.

فمجال إعمال التمذهب: التدرج في سلم التعليم، ونقل قول المذهب .

ونكون بهذا قد جمعنا بين التمذهب والاجتهاد من الزاوية التي ظن أنهما لا يتلاقيان فيها، وبهذا الجمع نكون قد أعملنا التمذهب فيما يتحقق معه حفظ الدين، وكذلك أعملنا الاجتهاد والأخذ بخلاف ما عليه المذهب بالنظر إلى أقوى الدليلين: فيما يتحقق معه أيضا حفظ الدين؛ إذ إن الدين يحفظ من جهة السير على أصول صحيحة استدلالية يذهب معه العبثية في الاستدلال والتعلق بالأضعف، ويحفظ أيضا من جهة التسليم والامتثال لما ترجح أنه مراد الله يذهب معه اتباع الهوى وعدم تحقيق العبودية لله.


خاطرة

كتبها

د. أحمد محمد الصادق النجار 

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة / المرقب

#فقه_الممكن وخطر غيابه

 

#فقه_الممكن وخطر غيابه

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أما بعد, فيقصد بفقه الممكن: تنزيل الحكم على الواقع وفق القدرة والاستطاعة وما يجلب خير الخيرين ويدفع شر الشرين.

فالأحكام الشرعية تبنى على معرفة الواقع تفصيلا وما كان في المقدور وما ليس في المقدور؛ إذ الشريعة لا تكلف العبد إلا ما كان في طاقته ويقدر عليه.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 376): (  أن كلام الأئمة وفتاويهم في الاشتراط أو الوجوب إنما هو في حال القدرة والسعة لا في حال الضرورة والعجز؛ فالإفتاء بها لا ينافي نص الشارع ولا قول الأئمة، وغاية المفتي بها أنه يقيد مطلق كلام الشارع بقواعد شريعته وأصولها، ومطلق كلام الأئمة بقواعدهم وأصولهم؛ فالمفتي بها موافق لأصول الشرع وقواعده، ولقواعد الأئمة، وبالله التوفيق).

ومما يدخل تحت هذا الفقه: قواعد الضرورات والمشقة, وقواعد دفع الضرر، واحتمال ضرر لتفويت ضرر شر من, إلى غير ذلك.

وعندما يُغفَل عن هذا الفقه: يُطلب من العبد ما هو فوق الممكن وما هو خارج عن طاقته ولا هو في وسعه، أو لا يطلب منه ما في وسعه وإمكانه .

مع التنبه إلى أن العبرة قي الإمكان: الإمكان الشرعي لا الحسي، فقد يكون الفعل ممكنا حسا لكن يترتب عليه مفسدة أكبر، فلا يكون الفعل ممكنا شرعا.

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " فالشرع لا ينظر في الاستطاعة الشرعية إلى مجرد إمكان الفعل، بل ينظر إلى لوازم ذلك، فإذا كان الفعل ممكنا مع المفسدة الراجحة لم تكن هذه استطاعة شرعية" منهاج السنة النبوية 3/49

وهذا الفقه شبه غائب عن المؤسسات الدينية عندنا -في الجملة- وفي كثير من الفتاوى المتعلقة بالشأن العام, والتعامل مع القضايا الكبرى والحكومات والمجتمع الغربي, والتعامل مع المخالف والجماعات والفرق...

وهو خلل منهجي استدلالي وتنزيلي، يؤدي إلى مفاسد كبرى، ويوجب بعدا بين الحكم الشرعي وتحقيقه في الواقع.

كما أن غيابه سبب لترك الرجوع إلى الأحكام الشرعية، ويقود الناس إلى العلمانية، وقد ينتهي الأمر إلى الإلحاد, كما هو سبب لتسلط الأعداء وضعف الأمة.

والعجب ممن يذكر الأحكام المطلقة ويظن أن هذا هو الصدع بالحق وعدم الخوف في الله لومة لائم, وما يدري أنه أخطأ وترتب على خطئه مفاسد كبرى قد تذهب بالضرورات الخمس أو ببع

ضها.

[أمثلة واقعية على إغفال #فقه_الممكن]


طلب مني بعض الأخوة أمثلة توضح المقصود من فقه الممكن وتجلي الفرق بينه وبين الإستسلام والهوان؛ لوجود من رد على المقال من غير أن يتصوره ولجأ إلى الطعن في النيات والمقاصد والاتهام بعدم فقه الواقع...


تقدم بيان أن فقه الممكن يقوم على الأمر بالواجب المقيد بأصول الشريعة ومقاصدها لا بالواجب المطلق، فلا واجب على المعين إلا ما كان في مقدروره ووسعه.

ومما يدخل فيما ليس مقدورا للعبد ما ترتب عليه مفسدة أكبر.


فمثلا: الحكم المطلق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الوجوب

فلو فرضنا أن إنسانا يغلب على ظنه أنه لو أنكر على شارب الخمر الذي يراه أمامه سيقتله

فهنا فقه الممكن لا يوجب على العبد النهي عن المنكر؛ لأن مفسدة الإنكار أعظم، والإنكار ليس في مقدوره شرعا

فلو أن مفتيا ألزمه بالواجب المطلق لم يصب الشرع، وقد يدخل في معنى حديث (قتلوه قتلهم الله) لما أمروه أن يغتسل من الجنابة فمات لجرح به أو نحوه.

فهذا مثال يوضح المقصود من فقه الممكن ..


ومن ذلك أيضا: الهدنة والصلح مع الكفار، فالأصل فيه المنع

لكن لو ضعف المسلمون وترتب على عدم الهدنة ضرر أعظم فهنا يأتي فقه الممكن ...

قال القرطبي: "قال السدي وابن زيد: "معنى الآية إن دعوك إلى الصلح فأجبهم، ولا نسخ فيها. قال ابن العربي وبهذا يختلف الجواب عنه، وقد قال الله عز وجل ((فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم))

فإذا كان السلمون على عزة وقوة ومنعة وجماعة عديدة وشدة شديدة، فلا صلح.... وإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح لنفع يجتلبونه أو ضرر يدفعونه، فلا بأس أن يبتدئ المسلمون به إذا احتاجوا إليه.

وقد صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على شروط نقضوها فنقض صلحهم، وقد صالح الضمري وأكيدر دومة، وأهل نجران، وقد هادن قريشا لعشرة أعوام حتى نقضوا عهده، وما زالت الخلفاء والصحابة على هذه السبيل التي شرعناها سالكة، وبالوجوه التي شرحناها عاملة" [تفسير القرطبي (8/39-41)


والغريب أن مجلس البحوث ومن نحا نحوه ومن تبرع بالدفاع عنه لا يراعون هذا الفقه في الوقائع المتعلقة بالشأن العام فتراهم يأمرون بالأحكام المطلقة التي هي ليست في وسع الناس بالنظر إلى ضعفهم وواقعهم

وخذ هذه الأمثلة:

قولهم:

-(لا يجوز الصلح مع الدول المتحالفة مع المجرمين إلَّا بعد إلزامِها بجبر الضررِ).

فيقال لهم: هل هذا مقدور عليه؟ وهل هو في الإمكان؟ وإذا لم يفعل المخاطَب لعجزه أو لمصالح أعظم رآها أيكون آثما؟

وإذا لم تفعل الدولة أيجب على الرعية أخذ حقهم؟ وإذا لم يفعلوا أيأثمون؟

-(الصلح يكون بعد بيان الحقوق لأصحابها والتنازل عنها بطيب نفس لمن أَراد)

فيقال لهم: هل هذه أحكام الصلح حال اختيار وقوة الدولة أو أحكام اضطرار؟ وهل هذا مقدور عليه, وهل هو في الإمكان؟

- (وأخيرا فإنّ مجلسَ البحوثِ وهو يتابعُ ذلك كلّه، لَيَدعُو علماءَ الإسلامِ ودعاتَه والهيئاتِ العلميةَ والإعلاميةَ، وكلّ مَن له غَيرةٌ على هذا الدِّينِ، وأهله إلى أن يبيّنوا للمسلمين وجوبَ مقاطعة حكومة الإمارات ، وحرمةَ الاستثمارِ فيها، أو الاتجارَ معها، أو عن طريقِ موانيها ومـطاراتِها).

فيقال لهم:  هل وازنتم بين المصالح والمفاسد؟ وهل نظرتم للضرر الذي يصيب شعب الإمارات ونوعه ودرجته؟

وهل إذا لم يستجب علماء الإسلامِ ودعاته والهيئات العلمية والإعلامية يأثمون؟ وهل لهم أن يجتهدوا في تقدير المصالح والمفاسد ويخالفوكم؟


فمثل هذه الإطلاقات وغيرها لم ينظر فيها إلى حال المسلمين وواقعهم وما هو في مقدورهم وما ليس في مقدورهم, ولا راعوا تعارض المصالح وأن حفظ الموجود أولى من تحصيل المفقود؛ إذ كان في تحصيل المفقود رفع للموجود وإذهاب لبعض الضرورات الخمس أو لجميعها.

فهم ينطلقون من أحكام مطلقة لها واقعها ومناطاتها وينزلونها على حال وواقع آخر.


وللأسف أن بعض من تصدر للحكم على الواقع يرى أن هذا من الخور والضعف والتخذيل

وما التفت إلى ما يجر إليه تعنته وعدم فقهه من ويلات وحروب وفتن على المسلمين ..


ولم يميز هؤلاء بين تنازل لدفع مفسدة أعظم ورفع ضرر أكبر، وبين تنازل تكون مفسدته أعظم، وهذا هو الفرق بين فقه الممكن وبين الإستسلام والهوان.

ولو أن هؤلاء انطلقوا من موازنة بين المفاسد لا الأحكام المطلقة لما كتبت كلمة وكان الفيصل في ذلك من كان أدرى بالواقع...


وإذا كانوا هم يعترفون في واقعنا أنه مشروع لا يتمثل في أشخاص، فليبنوا أحكامهم على واقع عالمي من غير ربطه بأشخاص يحركون بها عواطف الناس.


وأخيرا: المقصود من بيان خطأ المجلس ومن وراءه ما تدعو إليه المصلحة العامة من أن يكون منطلق النظر دفع الضرر الأعظم بالممكن والميسور ، لا أن يكون المنطلق الأحكام المطلقة مع عدم القدرة على تطبيقها.


وللأسف يحاول بعضهم أن يجر البحث إلى تحالف باشاغا مع حفتر، مع أن نقدي على منهجية استدلالية تنزيلية عامة عند المجلس وغيره لها أبعادها، وليس نقدي متوجها على هذه الحادثة بعينها.


 

كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

 

الخميس، 24 مارس 2022

حكم الزينة والفوانيس فرحا بقدوم رمضان

 [حكم وضع الزينة والفوانيس في البيوت

استبشارا بقدوم رمضان]

(جائز)


أفعال العباد المحدثة بحسب نظر الشرع لها ثلاثة أقسام:

1-فعل تعبدي, فيأمر الشرع بعدم الإحداث؛ لأن الأصل في التعبد التوقيف, ومقصد الشرع فيه عدم تجاوز المشروع المحدود.

2-فعل عادي محض, فيُجّوز الشرع الإحداث؛ لأن الأصل فيه الإباحة, ومقصد الشرع فيه التوسعة والتيسير.

3-فعل عادي فيه شائبة تعبد من جهة التشريع, فيمنع الشرع الإحداث؛ لفعله على وجه لا يعقل معناه؛ فكان تشريعا.


وعليه فمن فعل الزينة لرمضان على وجه التعبد؛ فهذه بدعة حقيقية؛ إذ إنه يكون قد تعبد الله بما لم يشرعه, فخالف الأمر  وناقض المقصد الشرعي.

ومن فعلها على وجه العادة والفرح من غير أن يفهم انضمامها إلى صيام رمضان ولا أنها سنة ولا أنها صفة ملازمة للمشروع ولا ما يخرجها عن أصل العادات المحضة إلى التشريع, ولا يكون فيها تبذير, ولا يصاحبها أمر محرم كموسيقى؛ فلا حرج, وهي من جملة العادات التي الأصل فيها الإباحة, ومقصد الشارع فيها التوسعة.

وهي أشبه بما يخصصه الناس من أكلٍ في رمضان؛ بمقتضى العادة.

ولا يظهر لي إعمال باب سد الذرائع هنا؛ لأنه لا أحد يفهم من وضع الزينة أنها من شعائر رمضان ولا جزء مما شرعه الله في شهر رمضان.

ولا بأس باستعمال الفوانيس وإن كان أصلها عبيديا؛ لزوال علة الخصوصية, وانتفاء تعظيم الزمن لذاته.

ومع ذلك فاستقبال رمضان بالتوبة والرجوع إلى الله هو الذي ينبغى أن يشتغل به المؤمن ويحرص عليه.

كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ مساعد في كلية علوم الشريعة\ المرقب- ليبيا