الخميس، 30 مارس 2023

[فقه الضرورة عند الخليفة الراشد علي رضي الله عنه]

 [فقه علي رضي الله عنه في مراعاة حال الضرورة]


إن فقه الضرورة فقه عظيم يلجأ إليه المجتهد عند تحقق دواعيه وتوفر أسبابه, ومن الغلط البين إغفال هذا الفقه وتناسيه؛ مما يؤدي إلى فتن عظيمة ومفاسد كبيرة.

فعند وجود العجز, أو ترتب مفاسد كبيرة على جلب مصلحة يأتي فقه الضرورات, ومنه ما حصل في زمن علي لما قتل عثمان رضي الله عنهم وتولى علي رضي الله عنه الخلافة.


 وتقرير هذا الفقه المقاصدي من الخليفة الراشد علي رضي الله عنه على النحو الآتي: 


لما قُتل عثمان رضي الله عنه من قِبَل من خرج عليه من غوغاء الناس وسفهائهم, وتنادى الناس بمبايعة علي رضي الله عنه, حصل خلاف بين بعض الصحابة في التعجيل بالقصاص من قتلة عثمان أو تأخير ذلك.

فاقتضى فقه علي رضي الله عنه التأخير؛ إذ كان جماعة منهم في جيشه, ولم يستقر له أمر الخلافة على كماله وتمامه.


فبنى علي رضي الله عنه اجتهاده على ما تدعو إليه الشريعة من فقه المآلات والموازنة بين المصالح والمفاسد, وعدم الاعتناء بجلب المصلحة إذا كان جلبها يفضي إلى مفسدة أكبر وفتنة أشد, وراعى أيضا حال الضرورة, فهو لم يكن متمكنا من القصاص منهم إلا بما فيه مفسدة أكبر؛ لأنهم كانوا أصحاب شوكة ولهم قبائل تغضب لهم, فأخذ بأدنى المفسدتين, قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/ 407): (...بل لم يكن علي مع تفرق الناس عليه متمكنا من قتل قتلة عثمان إلا بفتنة تزيد الأمر شرا وبلاء، ودفع أفسد الفاسدين بالتزام أدناهما أولى من العكس؛ لأنهم كانوا عسكرا، وكان لهم قبائل تغضب لهم)

وقال محب الدين الخطيب في تعليقه على العواصم من القواصم لابن العربي (ص: 165): (ليس في أهل السنة رجل واحد يتهم عليا بقتل عثمان، لا في زماننا ولا في زمانه. وقد مضى الكلام على ذلك في هذا الكتاب. وكل ما في الأمر وجود قتلة عثمان مع علي، وموقف علي منهم، وعذره بينه وبين الله في موقفه هذا. فنحن جميعا على رأي القعقاع بن عمرو بأن موقف علي موقف ضرورة).


وهذا الفقه العالي المقاصدي منه مع أن معاوية رضي الله عنه كان معارضا له, فقد طالب عليا بدم قتلة عثمان إلا أنه لما تولى الخلافة رجع إليه, قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/ 407): (ومما يبين ذلك أن معاوية قد أجمع الناس عليه بعد موت علي، وصار أميرا على جميع المسلمين، ومع هذا فلم يقتل قتلة عثمان الذين كانوا قد بقوا.

بل روي عنه أنه [لما قدم المدينة حاجا فسمع الصوت في دار عثمان: " يا أمير المؤمنين اه، يا أمير المؤمنين اه " 

، فقال: ما هذا؟ قالوا: بنت عثمان تندب عثمان. فصرف الناس، ثم ذهب إليها فقال: يا ابنة عم إن الناس قد بذلوا لنا الطاعة على كره، وبذلنا لهم حلما على غيظ، فإن رددنا حلمنا ردوا طاعتهم؛ ولأن تكوني بنت أمير المؤمنين خير من أن تكوني واحدة من عرض الناس، فلا أسمعنك بعد اليوم ذكرت عثمان).


كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 29 مارس 2023

الإجماع المحكي عن السلف في المسائل المحتملة ظني

 [من المنهجية الصحيحة في الاستدلال] 


عند حكاية إجماعٍ عن السلف أو عن الصحابة في المسائل المحتملة والتي وُجد فيها خلاف

يجب أن يلاحظ أنه إجماع ظني محتمل ولا ينهض لأن يكون إجماعا قطعيا... 

مثل إجماع الصحابة المحكي في ترك الصلاة تكاسلا...


ولا يصح أن يعبر عنه بفهم السلف ومنهج السلف... 


وإلا لزم من ذلك أن تكون مخالفة من خالف من الأئمة الكبار لهذا الإجماع خروجا عن الإجماع القطعي

وأن قولهم بدعة لا يسوغ لأحد المصير إليه

وأن تجعل المسألة من نوع مسألة الإيمان قول عمل، والقرآن غير مخلوق...


وهذا من المبالغة في الترجيح بين المسائل، وعدم سبر لطريقة الأئمة المحققين، وعدم فهم لدرجات الإجماع وأنواعه

وما الذي تسوغ مخالفته والتي لا تسوغ مخالفته؟!!. 

وعدم إدراك لتساهل المتأخرين عن السلف في حكاية الإجماع..


وغاية ما يصل إليه هذا الإجماع المحكي عن السلف أن يكون مرجحا من المرجحات...

كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الثلاثاء، 28 مارس 2023

حكم التسبيح بين الركعات في صلاة التراويح

 حكم التسبيح بين الركعات في صلاة التراويح

(من البدع الإضافية)

إذا جئنا نحلل صورة التسبيح بين الركعات في صلاة التراويح وجدنا أنها تشتمل على:
١-تخصيص الذكر بعد كل ركعتين لأجل زمنها
بمعنى أن زمنها مقصود لا تفعل إلا فيه ، فخُص الذكر لأجل هذا الزمن(عقب كل ركعتين).
٢-الاجتماع على الذكر بصوت واحد.
٣-المداومة على ما كان الزمن فيه مقصود.
فهذه الصورة المركبة يحتاج كل جزء منها إلى دليل خاص؛ لتكون مشروعة، فضلا عن الصورة المركبة؛ إذ هي من جنس العبادات وداخلة في التشريع، وما كان كذلك فإن الأصل فيه التوقيف
ومن الأدلة التي يصح استعمالها للدلالة على المنع: ترك النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي وزوال المانع
وكذا ترك الصحابة...
وإنما صح الاستدلال بدليل السنة التركية والإجماع التركي؛ لأن المسألة من جنس العبادات وداخلة في التشريع وليست هي من باب العادات...
فالتخصيص لأجل الزمن تشريع؛ إذ الأوقات كلها متساوية لا فضل لبعضها إلا ما فضله الشرع وخصه بعبادة
والكيفية الخاصة وهي الاجتماع على صوت واحد تشريع
وجعلها عادة راتبة تفعل بين كل ركعتين في جميع ليالي رمضان لأجل زمنها تشريع...

ولا يصح الاحتجاج بالأدلة العامة في فضل الذكر؛ لأن الأدلة العامة صادمها دليل خاص وهو ترك النبي صلى الله عليه وسلم وترك الصحابة
وكل ما صادمه دليل خاص دخل في البدع.
فتكون صورة التسبيح بين الركعات في قيام رمضان من البدع المحدثة
قال ابن الحاج المالكي -رحمه الله- في كتابه: المدخل (293/ 2):
(وينبغي له أن يتجنب ما أحدثوه من الذكر بعد كل تسليمتين من صلاة التراويح، ومن رفع أصواتهم بذلك، والمشي على صوت واحد؛ فإن ذلك كله من البدع … والحدث في الدين ممنوع ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم الخلفاء بعده، ثم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، ولم يُذكر عن أحدٍ من السلف فِعلُ ذلك، فيسعنا ما وسِعهم)

وأما إذا فعلها الإنسان في نفسه أحيانا فسبح وهلل بين الركعات  لا لأجل زمنها ومن غير أن يعتقد فيها فضلا خاصا وإنما لكون الذكر من جملة الخيرات التي لا تختص بوقت ولا هيئة فلا بأس بذلك ولا يدخل في حد البدع الإضافية

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة/المرقب 

الاثنين، 27 مارس 2023

حكم #إغلاق_المصابيح_في_صلاة_الليل

 حكم #إغلاق_المصابيح_في_صلاة_الليل


إغلاق المصابيح في صلاة الليل وسيلة متعلقة بعبادة، وقاعدتها: أن ينظر إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أو تركه مع وجود المقتضي أو عدمه ووجود المانع أو تخلفه.

وعلى مقتضى القواعد الشرعية فإن حكمه الجواز، وللصلاة في الظلام أصلٌ من فعل النبي ﷺ ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلاَيَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ.

ثم إنه وسيلة لتحقيق مقصد شرعي وهو الخشوع وحضور القلب.

لكن متى أفضى إلى نقيض المقصد الشرعي كالنعاس فإنه لا يجوز.


والخلاصة: أن الحديث المتقدم يدل على جواز الصلاة في الظلام

واما تعمد الاطفاء فأُخِذ جوازه من كونه وسيلة لمشروع.


فإن قيل: ليس في الحديث تقصد الإطفاء، والصحابة كانوا يتقصدون إنارة المساجد.

قيل: نعم ليس في الحديث التقصد، وانما استدللت به لبيان جواز الصلاة في الظلام؛ لأن إطفاء المصابيح مبني على مقدمتين:

الأولى: جواز الصلاة في الظلام.

الثانية: جواز تقصد إطفاء المصابيح.

فأردت فيما سبق أن أثبت المقدمة الأولى لأنطلق منها الى إثبات المقدمة الثانية.

ولما كانت قاعدة هذه المسألة النظر إلى وجود السبب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والمانع كان لزاما إثبات أصل مشروعيتها، وهي المقدمة الأولى.

ثم انتقلت إلى المقدمة الثانية، وأثبتها من جهة كونها وسيلة

وأما كون الصحابة ومن بعدهم يوقدون السرج فَلِما في ذلك من المصلحة، وليس مقصودا لذاته.

وكذا تقصد الإطفاء ليس مقصودا لذاته.

واذا اتفقا في عدم القصد الذاتي أرجعنا الحكم الى ما كانا وسيلة له.

فإن قيل: هل الظلام يحصل به الخشوع؟

قيل: لا شك أن الخشوع سببه وجالبه محبة الله لذاته والتدبر في كلامه واستحضار عظمته

وهناك صوارف، ومن الصوارف: كثرة الإضاءة

قال ابن القيم: ( كثرة إيقاد النيران بالشموع وغيرها المفرق للقلوب، القاطع لها عن جمعيتها على الله، حتى لو كان في الصلاة لفرق القاب وشتته)


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

١٠-رمضان-١٤٣٩

الأقوال الشاذة بين الإفراط والتفريط

#الأقوال_الشاذة

إن الناظر في كلام أهل العلم عند حكمهم على الأقوال بالشذوذ يجد تفاوتا بينهم في المعنى الذي روعي فيه الاستعمال.
فتارة يستعملونه في مخالفة الواحد لسائر العلماء
وخُرج على أن الإجماع يثبت بمخالفة الواحد والاثنين ولا يكون ذلك قدحا فيه..
ونوقش أن مخالفة الواحد أو الاثنين لسائر العلماء لا يلزم منها مخالفة الحق، فقد يكون الحق مع الواحد
ولا يتحقق معه الإجماع عند أكثر أهل العلم
ثم هو منقوض بتفرد بعض الصحابة عن سائرهم كتفرد أبي بكر ببعض المسائل قبل أن يرجع الصحابة إلى قوله.

وتارة يستعملونه في مخالفة الإجماع المنضبط أو النص الصريح أو القياس الجلي..
وتارة يستعملونه في مخالفة الحق..
وتارة يستعملونه فيما ضعف مدركه...
وتارة يستعملونه استعمالا خاصا فيطلقونه على ما خالف المستقر في المذهب سواء كان مخالفا للمشهور أو الراجح...
ولا يلزم من إثبات الشاذ بالمعنى الخاص إثبات الشاذ بالمعنى العام..

قال أبو محمد ابن حزم في الإحكام: (الشذوذ في اللغة ــــ التي خوطبنا بها ــــ هو الخروج عن الجملة، وهذه اللفظة في الشريعة موضوعة باتفاق على معنى مّا، واختلف الناس في ذلك المعنى. فقالت طائفة: الشذوذ هو مفارقة الواحد من العلماء سائرهم، وهذا قول قد بينا بطلانه في باب الكلام في الإجماع من كتابنا هذا، والحمد لله رب العالمين، وذلك أن الواحد إذا خالف الجمهور إلى حق فهو محمود ممدوح، والشذوذ مذموم بإجماع، فمحال أن يكون المرء محموداً مذموماً من وجه واحد، في وقت واحد، وممتنع أن يوجب شيء واحد الحمد والذم معاً في وقت واحد، من وجه واحد، وهذا برهان ضروري، وقد خالف جميع الصحابة رضي الله عنهم أبا بكر في حرب أهل الردة، فكانوا في حين خلافهم مخطئين كلهم، فكان هو وحده المصيب، فبطل القول المذكور. وقال طائفة: الشذوذ هو أن يجمع العلماء على أمر مّا، ثم يخرج رجل منهم عن ذلك القول الذي جامعهم عليه، وهذا قول أبي سليمان وجمهور أصحابنا، ...
والذي نقول به ــــ وبالله تعالى التوفيق: إن حد الشذوذ هو مخالفة الحق، فكل من خالف الصواب في مسألة ما فهو فيها شاذ، وسواء كانوا أهل الأرض كلهم بأسرهم أو بعضهم، ...)

والذي يظهر أن مجرد المخالفة ليس هو مناط الحكم على القول بالشذوذ ولا مطلق التفرد؛ لنقضه بتفرد بعض الصحابة عن سائر الصحابة..
ولا عدم الشهرة...
فهذه ليست مناطات صحيحة للحكم بالشذوذ
وإنما مناطه: المخالفة للإجماع الثابت أو النص الصريح الذي لا معارض له أو الدليل القطعي
فتخرج المسائل الاجتهادية المبنية على الدلالة المحتملة والأدلة المتعارضة
قال الشاطبي:(وإنما يعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة كانت مما يقوى أو يضعف، وأما إن صدرت عن مجرد خفاء الدليل او عدم مصادفته فلا)
ويخرج أيضا اختيار المتأخر قولا لمن سبقه وإن قل القائل أو خفي على كثير من الناس ...
ولما ذكر برهان الدين بن محمد ابن القيم الجوزية اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية قال:(لا تعرف له مسألة خرق فيها الإجماع، ومن ادعى ذلك فهو إما جاهل أو كاذب، ولكن ما نسب إليه من الانفراد ينقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الاول: ما يُستغرب جدًّا فيُنسب إليه أنَّه خالف الإجماع، لندور القائل به، وخفائه على كثير من الناس، ولحكاية بعض الناس الإجماع على خلافه...)
وقد كان ابن تيمية معتنيا بالفقه العالي
والمقصود منه: فقه الصحابة والتابعين
فلسعة علمه بالآثار واعتنائه بفقه الإمام أحمد وإلمامه بمقاصد الشريعة وإعماله للقواعد والأصول جعل اختياراته قد تخرج عن المألوف والمشهور مما يظنها بعضهم أنها مخالفة للإجماع!!

ثم إن التوسع في حكاية الإجماع عند المتأخرين؛ مما استدعى الإمام أحمد تكذيب من ادعاه
يتطلب مزيد عناية بالتثبت من الإجماعات المحكية
وكذا خفاء القائلين من التابعين وتابعي التابعين على كثير من الناس بالقول غير المألوف والمشتهر لا يجعل المسألة شاذة لا يسوغ لأحد أن يقول بها.

فتحصل لنا مما سبق أن القول الشاذ ينتظم بأمرين، هما مناط الحكم على القول بالشذوذ:
الأول: مخالفة الحق.
ومنه في المعنى قول ابن مسعود:( الجماعة ما وافق الحق وَلَوْ كنتَ وَحدَكَ) صححه الْألبانِيُّ كما في تعليقه على مشكاة المصابيح(1/61)
الثاني: مخالفة الإجماع الثابت أو النص الصريح الذي لا معارض له أو الدليل القطعي.
وإن كان الثاني ينتج عنه الأول، فمن خالف الإجماع الثابت أو النص الصريح الذي لا معارض له، أو الدليل القطعي استلزم ذلك مخالفة الحق.

وما عدا هذين الأمرين فلا ينضبط معه الحكم بالشذوذ الذي يلزم منه الخطأ قطعا.

وأما توسع بعض من ينتسب إلى المذاهب الفقهية فيه فغير محمود؛ إذ لا يلزم من مخالفة مشهور المذهب أو راجحه الوقوع في الخطأ قطعا وعدم إصابة مراد الله.

وختاما: من وقع في قول شاذ من الأئمة -على النحو الذي ينتظم فيه القول الشاذ- فإنه لا يطعن فيه ولا ينتقص من أجله ولا يصح نسبته إلى التقصير
قال الشاطبيّ رحمه الله عن زلة العالم : (لاينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير ولا يشنّع عليه بها ولا ينتقص من أجلها ، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً ، فإن هذا كله خلاف ما تقتضيه رتبته في الدين) 

كتبه منبها
د. أحمد محمد الصادق النجار
أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة/المرقب

الاثنين، 13 مارس 2023

هل ثبت الإجماع على كفر تارك الصلاة كسلا؟ وهل يسوغ فيها الخلاف؟

هل ثبت الإجماع على كفر تارك الصلاة كسلا؟
وهل يسوغ فيها الخلاف؟

إن الناظر في أقوال أهل العلم في هذه المسألة يجد أن من الأئمة من حكى الإجماع على كفر تارك الصلاة
ومن تلك الإجماعات المحكية قول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ : " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " رواه الترمذي (2622)
وقول إسحاق بن راهويه :" هو رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا "
"الاستذكار" (2 /150) .
وقول أيوب السختياني:(ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه) تعظيم قدر الصلاة للمروزي(٢/٩٢٥)
ومنهم من حكى الخلاف فيها...
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" أجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر يقتل إن لم يتب من كفره ذلك ،
واختلفوا في المقر بها وبفرضها التارك عمدا لعملها ، وهو على القيام بها قادر " انتهى من "الاستذكار" (2 /149) .

ولما كان الإجماع أنواعا ويختلف قوة وضعفا
أمكن حمل الإجماع المحكي في هذا الباب على نوع من أنواع الإجماع بالنظر إلى الآثار المنقولة في الباب
لأن ظاهر المنقول عن بعض الصحابة هو تكفير تارك الصلاة
ولا يعلم لهم مخالف من الصحابة
وهذا يعد إجماعا سكوتيا في الصنعة الأصولية...
وهذا النوع من الإجماع اختلف العلماء في حجيته
وهو عند من احتج به ظني وليس قطعيا؛ لاحتمالية وجود المخالف واحتمالية أن يكون سكوته على غير رضا.
ولذا لم يجمع أصحاب الحديث على هذا الإجماع المحكي في كفر تارك الصلاة كما أجمعوا على أن القرآن غير مخلوق وأن الإيمان قول وعمل...
فيخطئ من يسوي بين الإجماعين ويعاملهما معاملة واحدة
كمن يسوي بين مسألة إثبات استواء الله على عرشه
ومسألة الخلو من العرش!!
وهو منشأ الغلط عند من نفى تسويغ الخلاف في هذه المسألة-كفر تارك الصلاة-!!
فعدم إجماع من صحت عقيدته ولم يدخلها الإرجاء مع احتمالية الأدلة ووجود المخالف من الصحابة يجعل المسألة ظنية ويجعل الإجماع المحكي فيها ظنيا...
ومن العلماء من تعامل مع هذه الإجماعات المحكية إما بإثبات علة تقدح في حجية بعضها
أو بنقضها بإثبات وجود المخالف في بعضها الآخر.

فيتلخص لنا أن الإجماع المنقول ليس قطعيا، وأن المسألة يصح فيها الخلاف من أوجه:
١-أنه إجماع لا يخلو من نظر، وأما آثار الصحابة فتحتمل الإجماع السكوتي..
٢-أن أصحاب الحديث المعتنين بالآثار لم يجمعوا على كفر تارك الصلاة، قال محمد المروزي في تعظيم قدر الصلاة (٩٣٦):(قد حكينا مقالة هؤلاء ابذين أكفروا تارك الصلاة متعمدا، وحكينا جملة ما احتجوا به، وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث
وقد خالفهم جماعة أخرى من أصحاب الحديث...)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (4/ 73):(وهو المنقول عن جماهير السلف لقول الله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة ... )
وقال في المجموع (20/ 97):(وتكفير تارك الصلاة هو المشهور المأثور عن جمهور السلف من الصحابة والتابعين)

٣-ممن نقل عنه عدم تكفير تارك الصلاة: ابن شهاب الزهري كما ذكر ذلك المروزي (٩٥٦) الذي كان من أعلم الناس بآثار الصحابة
عن صالح بن كيسان: "كنت أطلب العلم أنا والزهري، فقال: تعال نكتب السُّنن، قال: فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: تعال نكتب ما جاء عن الصحابة، قال: فكتب ولم نكتب، فأنجح وضيَّعت.

٤-جمهور أصحاب مالك والشافعي ينسبون إليهما عدم التكفير بترك الصلاة، وأهل المذهب أدرى بروايات صاحب المذهب من غيرهم
وسواء صح عنهما أو لا فقد ثبت ذلك عن جماعة من أهل الحديث؛ مما ينفي قطعية المسألة، ويثبت نقض الإجماع بوجود المخالف من السلف.

٥-استقر الأمر عند الفقهاء على حكاية الخلاف وتسويغه.

وليس المقام مقام ترجيح وإنما المقام مقام تنبيه على نوع المسألة.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار


الأحد، 12 مارس 2023

القاضي عبد الوهاب على طريقة الأشاعرة

 

#القاضي_عبد_الوهاب_المالكي من المدرسة المالكية العراقية
التي تميزت بالتدليل والتعليل والمناقشة..

وشرحه للرسالة من أعظم الشروح فائدة...

إلا أنه سار في شرحه للمقدمة العقدية لابن أبي زيد على طريقة #الأشاعرة!!
فقد درس الكلام على القاضي أبي بكر الباقلاني
ونقل عنه في الشرح، وكان يقول: قال شيخنا...
ويقول استدل أصحابنا المتكلمون...

وقرر في شرحه:

١-التعليل بنفي حلول الحوادث، ولذا نفى تعلق كلام الله بالمشيئة
وهذا التعليل هو من خصائص تعليلات أهل الكلام..
ولأجل ذلك يثبت السمع والبصر والقدرة والكلام على أنها صفات أزلية وينفي عنها الحدوث من جهة آحادها!!

٢-نفي الظاهر الذي يدل عليه الوضع اللغوي ويجعله غير مراد؛ لأنه يقتضي التجسيم عنده؛ تأثرا بطريقة المتكلمين
وحتى لما أثبت الإستواء أثبته على غير ظاهره الذي في نظره يقتضي التجسيم

٣-مال إلى التفويض في المعنى، ولم يكن يرى التأويل؛ لأنه لا حاجة تضطر إليه..
فالقاضي لا يؤول ولا يجري النص على ظاهره؛ لأن الظاهر عنده موهم للتجسيم
وهذا النظر من خصائص المتكلمين..

٤-يرى أن نفي الكيفية نفي للقدر المشترك
وهذه طريقة المتكلمين، فلم يفهموا من القدر المشترك إلا إثبات المماثلة.

إلى غير ذلك...

كتبه منبها
د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 10 مارس 2023

هل للألباني -رحمه الله- سلف في تحريم صيام يوم السبت للتطوع؟

هل للألباني -رحمه الله- سلف في تحريم صيام يوم السبت للتطوع؟ 


إن هذه المسألة من المسائل الفقهية التي اعتنى بذكر الأقوال فيها كتب الخلاف العالي

ومن الأقوال التي حكوها من غير وصف لها بالشذوذ: التحريم, كما فعل ذلك ابن رشد في البداية والنهاية وغيره

ولولا وجود من قال به واحتمالية أن يكون القول -وإن ضعفت- صوابا ما حكوه على أنه قول معتبر...

ثم إن احتمالية حديث الصماء لهذا القول يقتضي أن يكون له قائل عند من صححه..


فعندما يأتي من يتحدى أن يكون للشيخ الألباني سلف واحد يقول بتحريم صيام يوم السبت من غير الفرض ويجعل المسألة من جنس القطعيات في الشريعة

فاعلم أنه تحد ممن لا يدري ما يقول!!

وربما كان باعثه مناكفة الخصوم ومحاولة الظهور عليهم!!


والقول بتحريم صوم يوم السبت تطوعا – وإن كنت لا أقول به بإطلاق- قد نسبه العيني إلى بعض التابعين كـ:

1-مجاهد. 

2-طاووس. 

3-إبراهيم النخعي.

4-خالد بن معدان.

وذكر الطحاوي -الذي هو في القرن الرابع- أنه قد ذهب إليه قوم من أهل العلم أي: ممن سبقه.

قال العيني: (قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرهوا صوم يوم السبت تطوعًا. 

ش: أراد بالقوم هؤلاء: مجاهدًا وطاوس بن كيسان وإبراهيم وخالد بن معدان؛ فإنهم كرهوا صوم يوم السبت تطوعًا، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور). [نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار 8/ 434]

والمراد بالكراهة هنا التحريمية..


وقد اختلف العلماء في حديث الصماء بنت بسر عن النبي صلى الله عليه و سلم: ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم...)

فمنهم من أعل الحديث أو حكم عليه بالنسخ, كالزهري والاوزاعي ومالك وأبي داود والنسائي وغيرهم

ومنهم من صححه كالترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الملقن والألباني..

واختلف المصححون في دلالته؛ فمنهم من حمل المنع على إفراده بالصوم, ومنهم من منع مطلقا في غير الفرض...

والمسألة مبسوطة في محالها.


ومن غير الفقه أن نأتي لمسائل ثبت الخلاف فيها بين الأئمة المعتبرين فنلغي الخلاف بدعوى الإجماع!!

وهذا الفعل لا يقتضيه النظر الصحيح؛ لأن المسائل المجمع عليها مقطوع بها في الشريعة؛ لدلالة الإجماع..

ومن أحكامها: عدم جواز الاجتهاد فيها, وإذا اجتهد مجتهد فيها فأخذ بقول يخالف الإجماع عُد قوله غلطا وبدعة...

ولذا كان الخلط بين المسائل المجمع عليها والمسائل المختلف فيها خلطا يقدح في أهلية الناظر وتمام نظره..

فمن يجعل المسألة المختلف فيها من جنس المسائل المجمع عليها يكون قد خلط بين ما يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ فيه الخلاف, ومعلوم أن لكل واحد من النوعين أحكامه المختصة...


وأما قاعدة "الكتاب والسنة على فهم السلف", فهي سيقت لبيان مذهب السلف في الأصول والعقائد

والذي طريقه النقل.

ولم تُسّق لمسائل الاجتهاد التي اختلف فيها السلف.

بمعنى إذا اختلف الأئمة في فهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون طريقة أحدهم في الفهم هي فهم السلف؛ لوجود الخلاف بين السلف في فهم الحديث

وبالتالي من أخذ بأحد الأقوال ليس له أن ينسب قوله للسلف؛ لمجرد فهمه.


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار


http://abuasmaa

الثلاثاء، 7 مارس 2023

(ما أشد تكفير المعين عند أهل السنة)

(ما أشد تكفير المعين عند أهل السنة)


من حفظ القواعد والأصول من غير فقه مقدماتها

لم يصب التنزيل ولم يحمد له اجتهاده(تسميته مجتهدا من باب التجوز). 


لتكفير المعين في الفعل المحتمل للكفر وعدمه ثلاث مقدمات:

١-أن يقع فيه ويتلبس به.

٢-تحقق المناط الكفري في الفعل المحتمل.

٣-انتفاء المانع مع قصد المعنى الكفري وإرادته (وليس المراد بقصد المعنى الكفري: قصد الكفر وإرادة الخروج من الإسلام، فهذا القصد لا يلتفت إليه في الحكم بالتكفير)

فلا يكفي في التكفير أن يقع المعين في الفعل المحتمل

ثم إذا وقع ينظر هل علم وقصد وأراد المناط الكفري في الفعل المحتمل أو لا؟

فقد يفرغه عن معناه الكفري إلى غيره

ثم إذا علم وقصد وأراد المناط الكفري ينظر هل وجد مانع أو لا؟

لأنه يحتاج مع قصده وإرادته المعنى الكفري زوال المانع كالتأويل والإكراه.

فالقضية مركبة وليست بسيطة 


والفعل الذي ظاهره الكفر لابد أن يلاحظ فيه المعنى الكفري الذي استوجب أن يكون ظاهر الفعل كفرا


فمثلا: (السجود لغير الله) ظاهر الفعل أنه كفر أكبر

لكن لابد من ملاحظة المعنى الذي استوجب أن يكون ظاهر (السجود لغير الله) كفرا أكبر 

فالسين والجيم والدال

قد يراد بها خضع..

وقد يراد بها انحنى..

والمعنى الكفري الذي روعي في السجود الشرك هو غاية الخضوع والذل وغاية المحبة

وهذا لا يتصور ممن سجد تحية وتعظيما، بمعنى مجرد الانحناء تحية وتعظيما، فليس هذا هو مناط السجود الشركي، وإن كان الفعل محرما في شريعتنا 


نعم، إطلاق أن السجود لغير الله شرك: صحيح

لكن السجود الذي هو غاية الخضوع والتذلل، والذي يكون لغير الله...

وهذا التحرير يفيدنا في تنزيل الحكم على المعين

ثم إن الإنسان إذا سجد أمام شيء سجود خضوع وذل ومحبة

فهنا يحتمل احتمالين في المعين لا في الفعل:

الأول: أن يكون السجود لأجل الشخص محبة وتذللا وخضوعا، فهذا تحقق فيه المعنى الكفري للسجود.

الاحتمال الثاني: أنه سجد لله عنده، فهذا لم يتحقق فيه المعنى الكفري للسجود... 


والخلاصة في تكفير المعين بالسجود أننا نحتاج أن نتحقق من المعنى الكفري في سجوده

ثم إذا تحققنا نحتاج إلى إزالة المانع المعتبر إن وجد.


وهذا يدل على أنه ليس كل اجتهاد في هذا الباب يكون مقبولا... 


وأنبه هنا إلى: 


أن الكفر يكون بالعمل كما يكون بالاعتقاد خلافا للمرجئة 

إلا أن من كفر ظاهرا في نفس الأمر لابد وأن يكون كفر باطنا؛ للتلازم في الأصل، فمن كفر ظاهرا في نفس الأمر يمتنع أن يكون مؤمنا في الباطن.

وهذا يجعلنا نتحقق من كون المعين كفر ظاهرا بالنظر إلى المناط الكفري وعدم المانع...

فهذا الاجتهاد يتطلب نظرا خاصا وهو منوط بالراسخين في العلم.


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار 

أستاذ العقيدة بكلية علوم الشريعة/المرقب

الأحد، 5 مارس 2023

[من يصدق عليه في عصرنا اتباع منهج السلف؟]

 [من يصدق عليه في عصرنا اتباع منهج السلف؟] 


لا يكاد يختلف اثنان من المسلمين أن ما عليه #الصحابة والتابعون - المقتقون آثار الصحابة- في الاعتقاد ومنهج الاستدلال هو المنهج الحق والاعتقاد الصواب الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم

وأن الذي يمدح بإطلاق هو ما كانوا عليه واعتقدوه.. 


لكن السؤال الذي يطرح نفسه: على من ينطبق هذا الوصف -وهو اتباع الصحابة والتابعين-؟


قد تنازع الناس في الإجابة عليه؛ لعظم مقدمته وهي حصر الحق في منهج الصحابة والتابعين واعتقادهم؛ إذ لا يخلو الأمر من احتمالين:

الاحتمال الأول: صواب ما عليه الصحابة دون غيرهم وأنه هو الحق وما عداه نقيضه.

والاحتمال الثاني: خطأ ما عليه الصحابة وأنه غير الحق

بناء على أن الحق لا يتعدد، فالتقابل في الصحابة من باب تقابل النقيضين اللذيْن لا يرتفعان معا ولا يجتمعان معا، فلا يجتمع في الصحابة والتابعين الحق ونقيضه ولا يرتفعان عنهم؛ بدلالة الشرع والعقل السليم

فلما امتنع الثاني الذي هو نقيض الحق تعين الأول...

وقد أجاب عن هذا السؤال أئمةٌ أعلام لا يكاد يختلف اثنان في علمهم وعدالتهم وديانتهم 

وقد وثق الناس في إمامتهم مع قرب زمنهم بزمن الصحابة والتابعين كيزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني والبخاري وغيرهم 

كلهم نصوا أن الطائفة التي لا تخطئ الحق هم #أهل_الحديث...

وهم في تحقيق مناط الفرقة الناجية وبثه بين الناس كانوا يدركون تمام الإدراك أن الكفار يتربصون بهم بل كانوا يغزونهم بين فترة وأخرى

ومع ذلك نبهوا على الجهة المحقة؛ لأن نصر الله معلق بحفظ دينه ونصرته...

بل جعلوا من مناط البدعة مخالفة ما كان عليه أهل الحديث 

ولا يعلم لهؤلاء الأئمة مخالف...

فتقابل الحق ونقيضه في أهل الحديث من باب تقابل النقيضين.


وليس المقصود بأهل الحديث أهل الصنعة الحديثية...

وإنما هو لقب يطلق على من استمسك بالآثار واستقى منها عقيدته وفق دلالة النصوص الشرعية

وقد عُرفت كتب أهل الحديث بكتب السنة والشريعة ...

وقد جمع جملة منها اللالكائي في كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة

وتميزت بذكر ما تواترت به النصوص تواترا معنويا

ونقلت في ذلك آثار الصحابة والتابعين.. 


فالطائفة الناجية في كل عصر هي التي اعتنت باعتقاد أهل الحديث ومنهجهم في الاستدلال..

وهم في هذا العصر: #السلفية_الحقة


وكون الطائفةِ ناجيةً؛ لسلامة أصولها 

ولا يلزم منه إصابة الحق في كل فرد انتسب إلى الطائفة؛ لكونه بشرا يَرِد عليه الخطأ، لكن خطؤه في الغالب في تنزيل الأصول الاستدلالية على المسائل لا في الأصول نفسها؛ إذ لو كان خطؤه متعلقا بأصول الاستدلال ما صح نسبته للطائفة الناجية. 

وقد كان من أعظم من اناسب إليها في العصر الحديث : المشايخ الثلاثة من جهة أصول استدلالهم واعتقادهم... 


ومن يشكك في تحقيق المناط بعد التسليم بالمقدمات 

فعليه أن يثبت خلاف ذلك في الطائفة...


كتبها منبها ومذكرا

د. أحمد محمد الصادق النجار 

أستاذ العقيدة بكلية علوم الشريعة

السبت، 4 مارس 2023

السحب من بطاقة إيفاء(بطاقة منحة الزوجة في ليبيا)(

 السحب من بطاقة إيفاء

صورة بطاقة إيفاء: هي بطاقة مشحونة بمال من وزارة الشؤون الاجتماعية
أصدرها مصرف الجمهورية تُمَكن صاحبها من شراء السلع والحصول على النقد...
فصاحب البطاقة يقوم باستيفاء المال من مصرف الجمهورية...
والسحب يكون من حساب البطاقة المخصص لا من حساب المصرف، ولذا يخصم من حساب البطاقة،
فبطاقة إيفاء هي من قبيل البطاقات الداخلية المغطاة، وهذه لا قرض فيها، ولا حرج أن يأخد البنك المُصدِّر للبطاقة أكثر من تكلفة الخدمة الفعلية..
وهي وسيلة وفاء ودفع، ووسيلة استيفاء القرض عند السحب من الصراف الآلي لدى مصرف الجمهورية، وليست هي من باب الاقتراض ولا الائتمان؛ لأن السحب يكون من حساب العميل لا من حساب المصرف.
ويعد مصرف الجمهورية وكيلا عن صاحب البطاقة في الاستيفاء منه عند التعامل مع غير البنك المصدر سواء كان في السحب أو في البيع والشراء..

والخلاصة في تكييف هذه البطاقة أنها: وفاء ودفع في نقاط البيع، واستيفاء للقرض من مصرف الجمهورية باعتبار أن فتح الحساب في المصرف قرض.
ولا حرج على المصرف -الذي يعد مقترضا من جهة ووكيلا من جهة أخرى- أن يأخذ أجرة على الخدمات التي يقدمها.

ويجوز استعمال هذه البطاقة لشراء الذهب والفضة عن طريق أجهزة نقاط البيع في المحلات التجارية؛ لأنها بطاقة وفاء ودفع ..
وتكيف العلاقة بين صاحب البطاقة والتاجر على أنها علاقة بيع (صرف)، وأن المصرف يسدد بالوكالة للتاجر قيمة المشتريات
وخلاصة العملية أنه يخصم من حساب صاحب البطاقة المبلغ ويقيد باسم التاجر فورا -على هذا الشرط-، والقيد في الحساب يعد قبضا في العرف، فيتحقق به التقابض الحكمي...
ولما كانت بطاقة إيفاء لها رصيد كانت في حكم النقد؛ لأن لها قيمة مضمونة..

وأما الذهاب إلى التاجر وإعطائه البطاقة المشحونة ب 900 دينار على أن يعطيهم التاجر 880 أقل مما في البطاقة
فهنا العقد عقد صرف بين صاحب البطاقة والتاجر بالنظر إلى أن البطاقة تقوم مقام النقد، والتاجر قد قبض المال حكما وأما صاحب البطاقة فيقبضه حالا نقدا ...
وإذا كانت عقد صرف والعملة واحدة فهنا يجب التماثل والتقابض، وإلا كان ذلك من ربا البيوع...

وإذا استعمل حامل البطاقة ماكينة نقاط البيع -التي تكون عند التاجر- للسحب النقدي؛ بأن يأخذ من التاجر نقدا
فهنا توجد عدة محاذير شرعية منها:
١-الكذب والتدليس؛ لأنها تسجل على أنها نقاط بيع وشراء لسلعة، بينما هي في الحقيقة مبادلة نقد نقد.
ومن ضمن شروط العقد التي اطلعت عليها: أنه يمتنع على التاجر قبول أية بطاقة تقدم إليه للحصول على مبالغ نقدية إلا بإذن كتابي من البنك.
وإذا كان كذلك فلا يجوز للتاجر مخالفة شروط العقد، ولا يجوز لصاحب البطاقة إعانته.
٣-في نقاط البيع يأخذ البنك عمولة من التاجر لأجل التسويق له؛ زيادة على الخدمات الفعلية
فيأتي التاجر ويحملها على صاحب البطاقة
ومعلوم أن السحب ببطاقة إيفاء يكيف شرعا على أنه صرف، وتأخذ أحكام الصرف
ولابد في الصرف إذا كان بنفس العملة التماثل وإلا كان ربا
ويستثنى من ذلك تكاليف الخدمة الفعلية؛ لأنها أجرة في مقابل عمل والمنتفع به صاحب البطاقة.
فعندما يحمل التاجر صاحب البطاقة فوق الخدمات الفعلية لم يتحقق التماثل، ودخلت فيها شبهة الربا.

ولا يجوز أيضا شراء الدولار بالبطاقة؛ لمخالفة شروط العقد.

وأما تكييف المعاملة في السحب من التاجر عن طريق أجهزة نقاط البيع بأنها وكالة بأجر
فتكييف غير صحيح؛ لأن التاجر ليس مأذون التصرف في استعمال الجهاز لأجل السحب
وليس وكيلا للبنك في هذا التصرف...
ولأن العقد عقد صرف لا عقد وكالة؛ لتحقق صورة الصرف في هذه المعاملة.

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار
  

الخميس، 2 مارس 2023

[حكم إحداث الكنائس في البلدان التي فتحت عنوة كطرابلس الغرب]

[حكم إحداث #الكنائس في البلدان التي فتحت عنوة كطرابلس الغرب] 


مقدمة

نعيش هذه الأيام مشروعا يحاول دعاته تمريره في جميع بلدان المسلمين؛ بشعار التعايش السلمي والأخوة الأنسانية!!

وهذا يقتضي من الفقيه التشديد في أمر الكنائس وعدم تهوين الأمر للحكام ونوابهم 

بل يستوجب عليه تعظيم شأن إحداث أماكن يقيم فيها الكفا ر شعائر كفرهم؛ إذ لا يجتمع في أرض واحدة بيت رحمة وبيت عذاب.

ولا يجوز للحاكم أن يصالح الكفار في دار الإسلام على بناء أماكن الكفر والشرك... 

إذ الواجب عليه حفظ الدين وصيانته من أسباب الكفر، وعدم معارضة شعائر الإسلام بإظهار ما يناقضها من شعائر الكفر..

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة القبرصية: (... والمدينة التي يسكنها المسلمون والقرية التي يسكنها المسلمون وفيها مساجد المسلمين لا يجوز أن يظهر فيها شيء من شعائر الكفر لا كنائس ولا غيرها)


وأما فتح باب التسويغ للحكام بإظهار شيء من الروايات لبعض المذاهب فهذا قد يفتح باب شر عظيم يصعب إغلاقه... 


فكيف وقد تساهل بعضهم فنسب جواز إحداث الكنائس في الأرض التي فتحت عنوة بإذن ولي لأمر إلى مذهب مالك بإطلاق؟!! 


بعد هذه المقدمة أقول:

من المعلوم تاريخيا أن طرابلس فتحت عنوة

وما فتح عنوة من الأمصار حكى بعض العلماء الإجماع على عدم جواز استحداث كنائس فيها، قال ابن الهمام في فتح القدير (٦/٥٨):(ما فتح المسلمون عنوة فلا يجوز فيها إحداث شيء بالإجماع، وما كان فيها شيء من ذلك هل يجب هدمه؟ فقال مالك والشافعي في قول وأحمد في رواية: يجب ...)

وإن كان هذا الإجماع غير مقطوع به

إلا أن القول بالمنع هو منصوص مالك كما في المدونة (٣/٤٣٥)

وغيره كالشافعي وأحمد...

وقال ابن الماجشون في كتب ابن حبيب:(أما أهل العنوة فلا يترك لهم عند ضرب الجزية كنيسة إلا هدمت ثم لا يحدثوا كنيسة وإن كانوا معتزلين عن بلاد الإسلام) التبصرة للخمي(١٠/٤٩٧٠)

وجاء في مواهب الجليل شرح مختصر خليل (٣/٣٨٤):(قال عبد الملك:لا يجوز الإحداث مطلقا ولا يترك لهم كنيسة

وهو الذي نقله في الجواهر وهو الذي رآه البساطي)

وهذا الذي يتوافق مع الآثار والشروط العمرية ويتواءم مع مقاصد الشريعة 

وقد روى أحمد عن الحسن البصري أنه قال:(من السنة أن تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة) 


وذهب بعض المالكية إلى جواز الإحداث للعنوي بقيد إذا شرطوا ذلك، كما في مختصر خليل

قال الخرشي في شرح مختصر خليل (٣_١٤٨):( يعني أن العنوي يجوز له أن يحدث كنيسة في بلد العنوة المقر بها أهلها وفيما يختطه المسلمون يسكنوه معهم إذا اشترط ذلك عند ضرب الجزية ويوفى له بشرطه، فإن لم يشترط ذلك عند الضرب فإنه يمنع من إحداث الكنيسة ولا يتعرض لهم في كنائسهم القديمة وإن بلا شرط)

ومنهم من فسر الشرط هنا بإذن ولي الأمر وقت ضرب الجزية

ففي حاشية الصاوي على بلغة السالك(٢/٣١٤):(والحاصل أن العنوي لا يمكن من الإحداث في بلد العنوة، سواء كان أهلها كلهم كفارا أو سكن المسلمون معهم فيها إلا باستئذان من الإمام وقت ضرب الجزية) 

وإذا جوزنا رواية جواز الإحداث إذا شرطوه أو أذن ولي الأمر

فهذا لا ينطبق على واقع عصرنا؛ إذ المحل مختلف

فأين هم النصار ى في ليبيا حتى يحافظ لهم على شرطهم أو يعطوا؟!!

ولا تقدر نسبتهم إلا ثلاثة في المائة من الأفارقة والأقباط المصريين ونحوهم.. 


وهل يباح لولي الأمر أن يسمح بإقامة شعائر الكفر في بلده المسلم، وأن تضرب الأجراس ويرفع الصليب؟!!

خصوصا مع ما نشهده من حملة ترويج الدين الإبرا هيمي أو وسيلته وهو البيت الإبرا هيمي

وما تشهده بعض من بلدان المسلمين من التطبي ع!!


وهل من مصلحة شرعية في إعطاء النصا رى فرصة لإظهار دينهم في بلدان المسلمين؟!! 


ثم إن من المتقرر أن المدن التي يسكنها المسلمون وفيها مساجدهم لا يجوز إظهار شعائر الكفر فيها

فكيف وهذه المدن نسبة المسلمين فيها ٩٧ في المائة وربما أكثر؟! 


فإن قيل: منع إحداث الكنائس في بلدان المسلمين يلزم منه التضييق على المسلمين في بلدان الكفر.

قيل: اعتناء الشريعة بدرء المفاسد أولى من اعتنائها بجلب المصالح، فمفسدة إظهار شعائر الكفر وتمكين الكفر من بلاد المسلمين والتمهيد لجمع الأديان في دين واحد وإلغاء أصل الولاء والبراء أعظم من مصلحة عدم التضييق على المسلمين في بلدان الكفار

والواجب على المسلمين في بلاد الكفر أن يهاجروا منها وألا يساكنوهم إلا للضرورة...

كتبه 

د. أحمد محمد الصادق النجار

http://abuasmaa12.blogspot.com/2023/03/blog-post.html