الثلاثاء، 30 يناير 2018

الصورة الواقعية لشراء الدولار بالشيك المصدق



الصورة الواقعية لشراء الدولار بالشيك المصدق

تقدم في جواب سابق بيان جواز شراء الدولار بالشيك المصدق, وأن عدم السيولة النقدية في المصارف لا ينقل الحكم من الجواز إلى التحريم.
لكن بقي بيان الصورة الواقعية لشراء الدولار بالشيك المصدق.
ولتنزيل الحكم السابق على لواقع يتطلب أن نسلك مسلك السبر والتقسيم, وهو على النحو الآتي:
1-الصورة الأولى: أن يتم العقد بالكلمة إيجابا وقبولا- مع تأخير التسليم والاستلام أو أحدهما.
ومن أمثلتها: أن يتم العقد بالهاتف كأن يقول له: تم ونحوها ويقبل البائع, ثم يذهب المشتري إلى المصرف ﻻستصدار صك.
فهذه صورة محرمة ربوية؛ لعدم التقابض في مجلس العقد لا حسا ولا حكما, فعن مالك بن أوس بن الحدثان، أنه قال: أقبلت أقول من يصطرف الدراهم، فقال طلحة بن عبيد الله وهو عند عمر بن الخطاب: أرنا ذهبك، ثم ائتنا إذا جاء خادمنا نعطك ورقك، فقال عمر: كلا والله، لتعطينه ورقه أو لتردن إليه ذهبه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء.
2-الصورة الثانية: المواعدة بين الطرفين وعدا ملزِما, بأن يتوعدا بعد أجل يتم فيه التسليم والاستلام مع عدم الخيار.
فهذه المواعدة في قوة العقد؛ لترتب أثر العقد عليها, واتفاقهما في المعنى؛ فتكون الصورة صورة محرمة ربوية؛ لعدم التقابض في المجلس.
وهي حيلة يحتال بها على الربا, ويعامل المحتال بنقيض قصده.
وذريعة للربا فيجب سدها.
3-الصورة الثالثة: المواعدة بين الطرفين وعدا غير ملزِم مع تجديد العقد وقت التسليم والاستلام.
فهذه المواعدة جائزة والبيع صحيح؛ لوجود الخيار مع تجديد العقد.
4-الصورة الرابعة: سلامة التقابض في العقد مع شراء الدولار بالصك بسعر أزيد من شرائه نقدا؟
وهذه صورة جائزة؛ لاختلاف الثمن ووجود التراضي.
لكن لو ترتب عليها: عينة, أو ضرر عام على المجتمع فتحرم من هذه الجهة.
5-الصورة الخامسة: أن يتواعد الطرفان وعدا غير ملزم, ثم يذهب المشتري لاستصدار الشيك فيتغير سعر الدولار في السوق,  فهنا كلاهما مخير, فإن تراضيا على السعر الأول مع العقد الجديد جاز, وإلا فللمشتري أن يلغي الشيك.
كتبه:

أحمد محمد الصادق النجار

الاثنين، 29 يناير 2018

شراء الدولار بالشيك المصدق




السلام عليكم
حياكم الله وأحسن إليكم شيخ أحمد
كثير من الناس يسأل ما حكم شراء الدولار بالصك المصدق وذلك لحاجتهم للسيولة؟
فما تعليقكم حفظكم الله.
وعليكم السلام ورحمة الله
حياكم الله وبياكم
الدولار عملة تقوم مقام الذهب والفضة؛ لعلة الثمنية.
وبيع الأثمان بعضها ببعض يشترط فيه التقابض في المجلس قبل الافتراق إذا اختلفت الأجناس, وإما إذا اتفقت فيشترط المماثلة مع القبض.
والبحث في سؤال السائل يكون على شقين:
الأول: هل الشيك المصدق ثمن للأشياء, فيقوم مقام الذهب والفضة أو لا؟
الثاني: هل عدم السيولة في المصارف وصف مؤثر في الجواز وعدمه؟
أما الشق الأول فحقيقة الشيك المصدق: حبس مبلغ من مال للعميل لصالح المستفيد, مع مصادقة البنك على صحة وجود رصيد للعميل.
فيحصل به نقل الملكية والتمكن من التصرف فيه.
وهو في قوة الأوراق النقدية وحكمها؛ لجري العرف بذلك, وقد اصطلح الناس على كونه ثمنا للأشياء ووسيلة لتملكها.
وعليه يكون بيع الدولار بالشيك المصدق جائزا, ويقوم مقام التقابض الحسي إذا كان ناجزا في مجلس العقد.
فالتكييف الشرعي لاستلام الشيك المصدق أنه: قبضٌ للثمن؛ لكونه ثمنا وحصل به نقل الملكية والتمكن من التصرف فيه.
وكيفية القبض المطلوبة شرعا لم يحددها الشرع فيُرجع فيها إلى العرف.
ومن الباحثين من كيفيه: حوالة, والحوالة كالقبض .
وأما الشق الثاني, وهو: هل عدم السيولة في المصارف وصف مؤثر في الجواز وعدمه؟
فالقول فيه:
المراد بالسيولة: قدرة المصرف على التسديد نقداً جميع التزاماته.

فعدم السيولة أو ضعفها في المصارف وصف يمنع من كمال القبض؛ لأن القبض نقل للملكية, والتمكن من التصرف فيه مطلقا.
وعدم السيولة لا يمنع من نقل الملكية وإنما يحدد من كمال التصرف لعارض مؤقت, فربما يقصره في جانب دون جانب, كالحوالات ونحوها دون سحبها واستلامها نقدا من البنك.
وهذا التحديد العارض المؤقت لا يمنع من جوازها, -والله أعلم-
وفي جوازها تحقيق لمقاصد شرعية كرفع الحرج, والتيسير..
بخلاف ما لو منع من أصل القبض, فامتنع التصرف مطلقا, فهنا لا يجوز وهو ربا؛ لذهاب معنى القبض.
وأنبه في الختام إلى: أن تجويزي لشراء الدولار بالشيك المصدق مقيد بما إذا لم يحصل ضرر عام ومفسدة راجحة, فإذا توقف حصول الضرر العام أو المفسدة الراجحة على شراء الدولار بالشيك المصدق, فيمنع لا لذاته وكونه ربا, وإنما لما يفضي إليه.
والنظر إلى المآلات المبنية على اليقين أو غلبة ظن معتبر شرعا, والشريعة جاءت لتعطيل المفاسد ودرئها.

أجاب عنه:
د. أحمد محمد الصادق النجار
12-جمادى الأولى-1439هـ


الاثنين، 22 يناير 2018

(يا من تعلق بمن ليس أهلا للكلام في النوازل بماذا ستجيب الله إذا سألك عن تفريطك وتقصيرك في ذلك؟!!)



إن الواجب على عامة الناس -ممن ليسوا أهلا للاستنباط والترجيح- أن يسألوا العلماء في شؤونهم وتصرفاتهم؛ لقوله تعالى:[فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون].
 فقد أمر الله بسؤال أهل الذكر  سؤالا مطلقا ولم يقيده بقيد, كما لم يخصص واحدا بعينه من أهل الذكر بالسؤال.
وهذا يعطينا حكما وهو: وجوب سؤال العالم في كل ما يعرض على الإنسان من غير تخصيص عالم دون غيره بالسؤال؛ إذ إن تخصيص واحد بعينه ليس من شرع الله سبحانه في شيء.
ووجوب السؤال علقه الشارع بوصف, فيجب أن يكون المسؤول من أهل الذكر.
ولا يجوز للسائل الإقدام على سؤال من شاء إلا بعد الاجتهاد منه في حال المسؤول وعلمه إذا كان الاجتهاد -بالتمييز بين الرجال- في وسعه.
ووجه وجوب هذا الاجتهاد على العامي:
1-أنه في مقدوره .
2- أن الوصول إلى حكم الله يتطلبه, وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
3- أنه احتياط للدين.
وإن من المشاهد في عصرنا اعتماد جماعة ممن انشغلت بالولوج في الأعراض على من ليس أهلا للفتاوى العامة وتخريج المناط وتحقيقه في الأعيان
فجعلوهم حجة بينهم وبين ربهم من غير تحرٍّ واجتهاد في أهليتهم, وإنما اكتفوا بالدعايات والإغراءات والدعاوى الكاذبة, فنتج عنه ما لا يحمد عقباه, ولا يرتجى خيره؛ فتفرقوا قبل أن يفرقوا وبعد أن فرقوا, وتنازعوا قبل أن يناصبوا العداء لغيرهم وبعده, وسرى الانشقاق والتفرق والخلاف والعداوة بين صفوفهم, بل رؤوسهم.
ولم يلتفوا -ولو للحظة- إلى تحذير المنصفين أهل الوسط والاعتدال, فحبهم المبني على العاطفة الجياشة أنساهم الواجب عليهم, وأعماهم عن طريق الحق والهدى.
فالرجوع الرجوع إلى الحق والهدى.
ومن أقبل على الواجب بالواجب اهتدى ورشد, وأما من أقبل على غير الواجب بغير الواجب, أو أقبل على الواجب بغير الواجب فقد ضل وغوى.
والسعيد من أمَّر السنة وسيلة وغاية, بداية ونهاية.
كتبه ناصحا:
أحمد محمد الصادق النجار


الاثنين، 15 يناير 2018

معنى القَزع وحكمه



معنى القَزع وحكمه
السلام عليكم
س/ما حكم القزع؟ وهل منه جَعْلُ بعض الشعر أقصر من بعض دون أن يصل إلى الحلق؟

وعليكم السلام ورحمة الله

القَزَع منهي عنه إلا لعذر شرعي؛ لما جاء عن نافع، مولى عبد الله: أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القزع» قال عبيد الله: قلت: وما القزع؟ فأشار لنا عبيد الله قال: إذا حلق الصبي، وترك ها هنا شعرة وها هنا وها هنا، فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه. قيل لعبيد الله: فالجارية والغلام؟ قال: لا أدري، هكذا قال: الصبي. قال عبيد الله: وعاودته، فقال: أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما، ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر، وليس في رأسه غيره، وكذلك شق رأسه هذا وهذا. أخرجه البخاري
فهذا تصريح من الصحابي بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
ولما جاء أيضا عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: «احلقوه كله، أو اتركوه كله» أخرجه أبو داوود
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بما يقابل القزع, وهو: حلقه كله أو تركه كله, والأصل في الأمر أنه للوجوب, كما أن في الأمر بالحلف أو الترك نهي عن ضده وهو: القزع.
والنهي في الحديث محمول على التحريم من جهتين:
الأولى: الأصل؛ ذلك أن الأصل في النهي التحريم.
الثانية: ضد الأمر الواجب؛ ذلك أن الأمر في قوله :" احلقوه كله، أو اتركوه كله" للوجوب؛ للأصل, فيكون ضده محرما.
أضف إلى ذلك: أنه مخالف لمقصد من مقاصد الشريعة وهو: العدل.
فمراعاة لهذا المقصد نهى عنه, كما نهي عن المشي في نعل واحدة.
وحمله جمهور العلماء على كراهة التنزيه.
فالحكم: التحريم أو الكراهة, والوصف: القزع.
وأما الحكمة من النهي: فقد قال النووي: ((قال العلماء: والحكمة في كراهته: أنه تشويه للخلق, وقيل لأنه زي أهل الشرك, وقيل لأنه زي اليهود ))
وأما معنى القزع فقد جاء مفسرا في حديث ابن عمر عن نافع: ... قال: قلت لنافع وما القزع قال: «يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض» أخرجه مسلم
وفي البخاري قال عبيد الله: قلت: وما القزع؟ فأشار لنا عبيد الله قال: إذا حلق الصبي، وترك ها هنا شعرة وها هنا وها هنا، فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه. قيل لعبيد الله: فالجارية والغلام؟ قال: لا أدري، هكذا قال: الصبي. قال عبيد الله: وعاودته، فقال: أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما، ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر، وليس في رأسه غيره، وكذلك شق رأسه هذا وهذا.
فالقزع يرجع معناه إلى الحلق لا إلى التقصير, ولهذا جاء في تفسيره :" ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر، وليس في رأسه غيره".
بل هو تفسير النبي صلى الله عليه وسلم, وذلك في الحديث المتقدم الذي أخرجه أبوداود عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: «احلقوه كله، أو اتركوه كله» أخرجه أبو داوود
كما أنه يرجع معناه أيضا إلى شعر الرأس لا شعر القفا, فيجوز حلق شعر القفا وإن تُرك شعر الرأس.
يدل عليه: أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم مقيد بشعر الرأس, وأيضا تفسير نافع للقزع, حيث قال: ( أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما، ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر، وليس في رأسه غيره )
قال ابن حجر: ((قوله أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما القصة بضم القاف ثم المهملة والمراد بها هنا شعر الصدغين والمراد بالقفا شعر القفا والحاصل منه أن القزع مخصوص بشعر الرأس وليس شعر الصدغين والقفا من الرأس )) (10/ 365)
وللقزع صور يجمعها حلق بعض الرأس وترك بعضٍ؛ قال ابن القيم: ((وأما حلق بعضه وترك بعضه فهو مراتب: أشدها أن يحلق وسطه ويترك جوانبه كما تفعل شمامسة النصارى، ويليه أن يحلق جوانبه ويدع وسطه كما يفعل كثير من السفلة وأسقاط الناس، ويليه أن يحلق مقدم رأسه ويترك مؤخره.
وهذه الصور الثلاث داخلة في القزع الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضها أقبح من بعض  )). أحكام أهل الذمة (3/ 1294)
فإذا اتضح لنا معنى القزع المنهي عنه تبين لنا أن جَعْلَ بعض الشعر أقصر من بعض لا يدخل في معنى القزع ولا في حكمه؛ لاختلاف الحقيقة.
لكن قد تكون بعض صوره محرمة؛ للتشبه بالكفار, لا لكونه قزعا, أو إذا بالغ في تقصير بعض الجوانب؛ حتى أذهب العدل.

أجاب عنه:

د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 6 يناير 2018

حقيقة ما يجري في الدعوة السلفية


(مكاشفات)
(لله ثم للتاريخ)

إن الدعوة السلفية دعوة مباركة طيبة؛ لسلامة مصدر التلقي عندها، فهي تستقي عقيدتها وفقهها من الكتاب والسنة والإجماع.
أعلامها: الصحابة والتابعون ومن سار على نهجهم كمالك والشافعي وأحمد.
وقد كانت هذه الدعوة تنتشر انتشارا عظيما بين الناس، فما إن يتولى العلماء نشرها وإظهارها بين الناس إلا ويعتنقها كثير من الناس؛ حتى أصبح المخالفون ينسبون ما هم عليه للسلفية؛ ترويجا لباطلهم.
وعلى مر العصور نجد الدعوة السلفية ظاهرة واضحة ذائعة الصيت واضحة المعالم ، مع تكالب الأعداء على إضعافها.
فنور مصدر التلقي عندها لا ينطفئ ولا يزول، وهو حجة الله على خلقه.
وهذا من فضل الله ورحمته.
وبعد هذه التوطئة سأسلط الضوء على من ينتسب لهذه الدعوة في عصرنا:
فقد كان العلماء( ابن باز والألباني والعثيمين) " أبرز "من يمثل الدعوة الى المنهج السلفي في هذا العصر، وقد كانت هذه الدعوة -لما دعا هؤلاء العلماء إلى نورها الصافي، ومعينها النابض، مع محو الذات والانتصار إليها، وجَعْلهم الولاء والبراء على الكتاب والسنة والإجماع ولازم ذلك-: منتشرة، لا يسمع بها أحد عرف صفاءها ونورها إلا ودخل فيها، وسعى إلى نصرتها، والذب عنها.
وهكذا استمرت الدعوة في الظهور والانتشار، وتحقق فيها قوله تعالى:(ليظهره على الدين كله).
وكانت في وئام مع كل مذهب وطريقة لا يعارض نورها الصافي، ولا يبطل ضوءها الساطع، فاعترفت بالمذاهب الفقهية الأربعة لا على وجه التعصب المقيت، واعتبرت كل وسيلة صحيحة تحقق المقصود الصحيح سواء كان ذلك في الدعوة او في السياسة او نحو ذلك.
ولا أريد أن أطيل في مزاياها فليس هذا محله.
وكان هؤلاء العلماء الثلاثة هم المرجع لنوازل الأمة لكل من كان سلفيا- عالما أو طالب علم أو عاميا-، فكانوا حقيقةً نِعم الأهل، فقد نظروا في النصوص الجزئية والمقاصد الكلية، فكانت فتاويهم محققة لرفعة الأمة وحفظها في دينها وعرضها وأموالها.
ولا يعني ذلك عصمتهم، وإنما كلامٌ في المجموع على المجموع.
نعم. كانت لهم إطلاقات لكنها مناسبة لما مرت به الأمة من أزمات، ولا يصح أن تؤخذ على إطلاقها في كل حال.
لكن وُجد قوم أخذوا بإطلاقها فرجعت إلى نقض انتشارها .
وقد عصفت الأمة في زمانهم رياح عاتية، فبينوا حكم الله فيها بحسب اجتهادهم، فخاطبوا الأمة بما يصلح معهم وبما هم مخاطبون به، وخاطبوا الحكام خطابا تقتضيه النصوص الشرعية والمصالح العامة، وبما هم مخاطبون به.
وليس العالم مخاطبا برفع المنكر وإزالته فيما لا يستطيعه، وإنما هو مخاطب بإنكاره وفق ما تقتضيه النصوص الشرعية.
فكانوا خير عون، وقالوا كلمة الفصل وفق مقاصد الشريعة وكلياتها، فوثق الناس بعلمهم، ورفع الله كلمتهم.
وكان مما عصف بالأمة في وقتهم ما يعرف بفتنة الخليج
وظهر بسبب ذلك مشايخ عرفوا بردهم على المخالفين( المخالف أعم من المبتدع) كأمثال الشيخ ربيع
ولم يكن التفات السلفيين في البلدان إليه التفاتا كبيرا، وإنما حصل الالتفات إليه بعد حصوله على تزكيات المشايخ( ابن باز والألباني والعثيمين) ؛ لما رأوا منه من ردٍّ على بعض المخالفين زمن الفتنة
إلا أنهم او بعضهم لاحظوا الشدة في ردوده، والحكم باللازم في بعضها؛ مما جعل بعض المشايخ الثلاثة يشير في بعض المواطن إلى ذم هذه الشدة.
وهكذا استمر الالتفات إلى الشيخ ربيع والنظر في ردوده أيام حياة المشايخ الثلاثة، وازداد بعد موتهم، بل صار ذلك علامة على سلفية الرجل وعدمها،
فبدأ للدعوة السلفية عهد جديد محدث كان سببا لإضعاف انتشارها.
فبعد موت المشايخ الثلاثة حصل هناك انزلاق خطير في مسار الدعوة، أدى إلى خروجٍ جزئي عن أصول الدعوة السلفية ومقاصدها، وإطفاءٍ لبعض نورها، وطمس لبعض معالمها.
إذ ظهر في بعض المنتسبين للدعوة السلفية: تقديس الأشخاص، والعدول من الاستدلال للرجال إلى الاستدلال بهم وجعلهم فيصلا بين الحق والباطل، فعظموا مشايخ معينين تعظيما طغى على تعظيم النصوص وأقوال السلف، فجعلوهم هم المرجع لفهم النصوص دون غيرهم فيما سموها منهجا وجرحا وتعديلا.
وساهم في هذا من تصدر للدعوة، وجُعلوا مرجعا للدعوة السلفية كالمشايخ المتناحرين في وقتنا -علنا أو سرا- وهم الشيخ عبيد الجابري ومحمد بن هادي وعبد الله البخاري
فأفهموا الأتباع -اقتضاء أو إشارة- أنهم هم الموافقون للسلف دون غيرهم من مشايخ أهل السنة، وأنهم يسيرون على نهج المشايخ الثلاثة، و
وأن المنهج لا يعرف إلا عن طريقهم، وأن من تكلموا فيه جرحا لا يكون إلا مخالفا مجروحا عدوا للسنة، ذا نية فاسدة، وأن الشدة على المخالف هو علامة سلوك منهج السلف.
وبنوا أحكامهم على قواعد غير مطردة، ورتبوا عليها الولاء والبراء.
فخرج علينا جيل لا يعرف من السلفية إلا الشدة والجرح والكلام فيما سموه منهجا، ولا يراعون مصلحة ولا يحققون مقصدا
فحصلت البلية ، واختصم الإخوة، وذهبت الأخوة، وحصل الاقتتال بين الأحبة.
(والتاريخ يسجل)
وصار اسم #السلفية عند من لم يذق حلاوة الدعوة السلفية مشوها، لا يحمل في طياته إلا العداوة والبغضاء والشحناء.
وهذه جناية على السلفية، والسلفية منهم براء.
فنتج عن هذا العهد الجديد المحدث ما لا يحمد عقباه، وما إن تسلط بعضهم إلا وأثخن في الأمة، وأعمق جراحها، وسلب حقوقها.
فلا تصفية ولا تربية.
والله المستعان
شهادة أُسأل عنها بين يدي الله سبحانه
اللهم قد بلغت