الجمعة، 19 نوفمبر 2021

أمانة الولاية

 أمانة الولاية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أما بعد؛ فلا دين لمن لا أمانة له, وقد أخذ الله العهد على الناس أن يطيعوه, وفرض عليهم فرائض, وأوكل إليهم حفظها, قال تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } [الأحزاب:72]

فالله عرض طاعته وفرائضه على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت، وإن ضيعت عوقبت، فأبت حملها شفقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها، وحملها الظلوم لنفسه الجهول.

وقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم أمته بنزول الأمانة -التي هي الإيمان- ورفعها, ففي الصحيحين عن حذيفة، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر حدثنا: «أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة»، ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال: " ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل الوَكت –أي: الأثر اليسير-، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل المَجل كجمر دحرجته على رجلك فنَفِط، فتراه منتبرا وليس فيه شيء - ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله - فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال للرجل: ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما ليردنه علي دينه، ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا "

بمعنى أن الأمانة تزول من القلوب شيئا فشيئا, وكلما زال منها شي زال معها نورها وخلفه ظلمة تزداد كلما ارتفع جز من الأمانة.

ومن الأمانة: الولاية, فالإمارة الصالحة والسياسة العادلة, تتوقف على أمرين أمر الله بهما في قوله: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا }

فقد أمر الله في الولاية بأمرين: أداء الأمانة والحكم بالعدل بين الناس. 

والأمانة في الولاية تدخل في تصرفات الحاكم, فيجب عليه أن يؤدي الأمانة إلى أهلها وأن يحكم في الناس بالعدل,  ففي مسلم: عن أبي المليح أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه، فقال له معقل: إني محدثك بحديث، لولا أني في الموت لم أحدثك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم، وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة.

فالولاية أمانة, وهي يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها, كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما كان أمر الولاية عظيما نهى الله عن طلبها, وهي في الحقيقة تكليف وابتلاء لا تشريف.

وكذلك تدخل الأمانة من جهة التنصيب فيجب على الناس أن يكونوا أمناء في اختيار الحاكم, وألا  ينصبوا إلا من كان أهلا للولاية, والأهل من حقق المقصود الواجب بالولايات وهو: إصلاحُ دينِ الخلقِ, وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم.

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة: تضييع الأمانة, وفسر تضييعها بالتفريط فيها وتولية من ليس أهلا لحملها فتفسد الأمة؛ ففي الصحيحين عن  أبي هريرة، قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابى فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال، فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه، قال: تمت أين السائل عن الساعة؟ - قال: ها أنا يا رسول الله، قال: تمت فإذا ضيعت الأمانة، فانتظر الساعة -، قال: كيف إضاعتها؟ قال « إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة »

وهذا يدلنا على خطر تولية من لم يكن أمينا عدلا, وهو خيانة لله ورسوله؛ فعن عمر قال: (من استعمل رجلا لمودة أو لقرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين) ذكره ابن الجوزي في تاريخ عمر1\94

فعلى المسلم أن يتقي الله في هذه الأمانة ولا يولي إلا من كان أصلح لها, ويكفي في ذلك الاجتهاد, فيجتهد في معرفة من هو أهل لتحمل أمانة الولاية؛ لأن الله يقول: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [سورة النساء: 58] ولم يقل: إلى من علمتم أنهم أهلها. 

فعلى المسلم أن يختار أصلح الموجود وقد لا يكون في الموجود من هو صالح لتلك الولاية فيختار الأمثل فالأمثل, فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو صداقة أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو عداوة بينهما فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون }