الجمعة، 24 يوليو 2020

الإخوان المسلمون وإلزامهم الناس بتحكيم الشريعة الإسلامية


الإخوان المسلمون وإلزامهم الناس بتحكيم الشريعة الإسلامية

يطلب بعض إخواننا دراسة نقدية تفصيلية لجماعة الإخوان المسلمين, وينتقد علينا الإطلاقات والتعميمات, خصوصا وأن جماعة الإخوان المسلمين حوربوا من قِبَل حكومات بعض الدول الإسلامية, وسُلِّط عليهم الإعلام العلماني مدعوما ببعض الشخصيات الدينية التي فجرت -حقيقة- في الخصومة, فاستدعى هذا نقدا تفصيليا, ولاشك أن النقد التفصيلي يحتاج إلى مجلد لا مقال مختصر, لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله.
ولن يكون حديثي في هذا المقال المختصر عن التجميع القائم على غير أصل الولاء والبراء على عقيدة أهل الحديث.
ولن يكون حديثي أيضا عن تضييع إنكار المنكر فيما يخص المنكر المقطوع به, كإنكار علو رب العالمين...
وإنما سينصب حديثي عن بعض مواقفهم السياسية؛ ردا على دعوى أن الجماعة: سياسية, قامت على معارضة أنظمة ودكتاتورية حكومات الدول الإسلامية, ومادام أنها فرقة سياسية لا دعوية فلا يلزمها تصحيح العقيدة ولا الولاء والبراء عليها.
وهذا -والله- من أعجب ما يسمع ويكتب, كأن السياسة منفصلة تماما عن العقيدة, والعقيدة منفصلة عن السياسة, وكأنهم جهلوا أن السياسة تقوم على تحكيم الشريعة -كليها وجزئيها, مطلقها ومقيدها-, وأعظم ما يُحَكَّم ما دلت عليه النصوص في صفات رب العالمين وأفعاله وأحكامه, وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يوقف جيشا كاملا ليقول لمن طلب شجرة يتبرك بها: قلتم والذي نفسي بيده كما قال بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.
وعلى كلٍّ فالإخوان المسلمون بداية رفعوا شعار عدم فصل الدين عن السياسة, ووجوب تحكيم الشريعة؛ حتى فسر سيد قطب ومن يؤيده كلمة التوحيد بلا حكم إلا لله.
ولما رفعوا راية تحكيم الشريعة التي هي سبب تنظيمهم وانخراطهم في العمل السياسي كما يقول حسن البنا: “أيها الإخوان المسلمون، أيها الناس أجمعون، إن الله بعث لكم إماماً، ووضع لكم نظاماً، وفصل أحكاماً، وأنزل كتاباً، وأحل حلالاً، وحرم حراماً… فهل اتبعتم إمامه، واحترمتم نظامه، وأنفذتم أحكامه؟
كونوا صرحاء في الجواب، وسترون الحقيقة واضحة أمامكم، كل النظم التي تسيرون عليها في شؤونكم الحيوية نظم تقليدية بحتة لا تتصل بالإسلام، ولا تستمد منه ولا تعتمد عليه), وهو السبب في تعاطف جماعة من المسلمين معهم..
 كان المتوقع بعد وصولهم للحكم أن يلزموا الناس بالشريعة, لكن الواقع أثبت خلاف ذلك, ففي السودان لما سيطروا على الحكم لسنوات لم نر منهم تحكيما للشريعة.
وكذا حزب النهضة في تونس, قال الجبالي: «إن حركة النهضة تنتهج خيار النظام الجمهوري الديمقراطي في الحكم السياسي الذي يستمد شرعيته الوحيدة من الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة تحترم الحريات والحقوق والتداول السلمي للسلطة نحو بناء مجتمع ديمقراطي تعددي ومدني».
وكذا عهد مرسي في مصر الذي عد فكرة الوطنية بوصفها إطاراً أعلى من الشريعة يجمع كل المصريين ...
وليس من فقه الأولويات الدعوة أو تبني تحكيم دسنتور فيك كفر ..
بل نجد متقدميهم في خطاباتهم يتلونون ولا ينادون بتحكيم الشريعة بوضوح, يقول السباعي: “أما الزعم بأن النص على دين الدولة تفرقة بين أبناء الشعب، وإثارة للنعرة الطائفية فهو زعم باطل لأننا لا نريد بهذا النص تمييز المسلمين عن غيرهم ولا افتئاتاً على حقوق المواطنين المسيحيين، وحسبكم أن ترجعوا إلى نص المادة كما جاءت في المشروع، لتعلموا أنها كتبت بروح نبيلة تشعر بالإخاء بين المواطنين. وليس القصد منها إلا تحقيق أهداف سياسية وقومية واجتماعية هي في مصلحة هذا الشعب مسلمه ومسيحيه على السواء، ولو كان النص على دين الدولة يؤدي إلى التفرقة بين أبناء الوطن الواحد لما جاز لكثير من دول أوروبا وأمريكا أن تنص عليها في دساتيرها
ويقول في جلسة صياغة القسم للنواب في برلمان 1949 تحدث عن النظام الجمهوري قائلاً بتاريخ 27 كانون أول سنة :1949وإننا نعلن بكل إيمان وصراحة ووضوح بأننا لا نريد عن النظام الجمهوري بديلاً: إننا نريد لوطننا نظاماً شعبياً ديموقراطياً ، يقوم على ارادة الشعب ، وتتمثل فيه إرادة الشعب .
فهذا يبين لنا موقف الغيوريين من هذه الجماعة, فليس للناصحين أجندة ولا يتبعون سياسة مغرضة لما حذروا منها, وإنما ينطلقون من واقع هذه الجماعة وبعدها عن الهدي النبوي, وما جنوه على الأمة.
ومن أراد المزيد فلينظر إلى واقعهم وتحالفاتهم من عهد الملك فاروق عندما كانوا يوالونه ويمجدونه ثم غدروا به مع الضياط الأحرار إلى عهد حسني مبارك فسيظهر له جليا تلونهم في مواقفهم.
وعندما نبين بعض المواقف السياسية للإخوان وتلونهم نريد أن نصل إلى أنهم لا يحملون المشروع الإسلامي الذي جاءت به النصوص, ولذا رحبت بهم بعض الدول الغربية كأمريكا, وقبل ذلك بريطانيا.
ويجب أن ننبه هنا إلى أننا لا نرضى العلمانية التي تقوم عليها بعض الحكومات ولا الاستبداد والدكتاتورية التي يرعاها من يرعاها من الدول الإسلامية, ولا الانقلابات, وليس غرضنا تقوية العلمانيين على المسلمين, ومتى كانت الحرب قائمة بين العلمانيين والإسلاميين فنحن مع الإسلاميين بما يجلب المصلحة ويدرأ المفسدة وما تدعو إليه الحاجة والحفاظ على الأمة الإسلامية.
كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 22 يوليو 2020

حكم أخذ المضحي من شعر رأسه وبشرته


حكم أخذ المضحي من شعر رأسه وبشرته
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فإن الناظر في نصوص هذه المسألة يجد أن أصلها نصان ظاهرها التعارض, وهما: حديث أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «إذا أراد أحدكم أن يضحي ودخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئا» مع حديث عائشة: «كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يبعث به وهو مقيم لا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم»
ففي حديث أم سلمة النهي عن الأخذ من الشعر والبشرة لمن أراد أن يضحي, وأما حديث عائشة فيه بيان عدم تحريم ما يحرم على الحاج على من يرسل هديه وهو لا يريد الحج, فهنا تعارض أمره وفعله صلى الله عليه وسلم.
ووجه من جعلهما متعارضين مع أن الأول في الأضحية والثاني في الهدي هو: طرد العلة, فإن العلة: حصول المغفرة والتطهير لجميع أجزائه فيبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار وقيل للتشبيه بالمحرمين وضُعِّف, والعلة إذا لم تطرد مع مساويها فهذا يدل على فسادها.
لكن الأقرب هو إعمال النصيين؛ لأن قياس أحد النصين على الآخر ينقضه النص الآخر.
وإعمال النصين إما بـ:
1-حمل حديث عائشة في اجتناب المحرم على النساء, فلا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم في النساء, لا في الأخذ من الشعر والبشرة, ويؤيد هذا ما جاء في في البخاري (5566) أيضًا عن الشعبي عن مسروق: أنه أتى عائشة، فقال لها: يا أم المؤمنين، إن رجلًا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر، فيوصي أن تُقلَّد بدنته، فلا يزال من ذلك اليوم محرمًا حتى يحل الناس، قال: فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب، فقالت: «لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبعث هديه إلى الكعبة، فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله، حتى يرجع الناس». وروى مسلم (1321) عن القاسم، عن أم المؤمنين، قالت: «أنا فتلت تلك القلائد من عِهنٍ كان عندنا، فأصبح فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالًا، يأتي ما يأتي الحلال من أهله، أو يأتي ما يأتي الرجل من أهله»
2-حمل حديث عائشة على من يرسل هديا, وحمل حديث أم سلمة على المضحي, قال أحمد ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديث أم سلمة وحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث الهدي لم يحرم عليه شيء فبقى ساكتا ولم يجب
وذكرته ليحيى بن سعيد فقال ذاك له وجه وهذا له وجه وحديث أم سلمة لمن أراد أن يضحي بالمصر وحديث عائشة لمن بعث بهديه وأقام
قال أحمد وهكذا أقول حديث عائشة هو على المقيم الذي يرسل بهديه ولا يريد أن يضحي بعد ذلك الهدي الذي بعث به فإن أراد أن يضحي لم يأخذ من شعره شيئا ولا من أظفاره على أن حديث أم سلمة هو عندي على كل من أراد أن يضحي في مصره.
حكى ذلك كله عنه الأثرم. [الاستذكار (4/ 85)]
فبالنظر إلى مقتضى ما تقدم يتبين لنا أن المضحي منهي عن أن يأخذ شيئا من شعره ولا من بشرته, ففي شرح مشكل الآثار من طريقه عن كثير , أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان: أن الرجل إذا اشترى أضحيته وسماها، ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره حتى يضحي. قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: نعم، قلت: عمن يا أبا محمد؟ قال: عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم " فهذا هو القول عندنا في هذا الباب.
لكن يبقى هل النهي للتحريم أو الكراهة؟
فذهب المالكية إلى الكراهة.
قالوا: والنهي إذا لم يقتض التحريم حمل على الكراهة. ودليلنا على نفي الوجوب حديث عائشة المتقدم في كتاب الحج: فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسل بيدي، ثم بعثت مع أبي فلم يحرم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أحله الله له. ولا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسل ضحى في ذلك العام.[ التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (3/ 279)]
فعمدتهم في صرف النهي عن التحريم: حديث عائشة, وقد تقدم بيان وجهه.
وذهب الحنابلة إلى التحريم.
قالوا: ظاهر هذا تحريم قص الشعر.  [المغني لابن قدامة (9/ 436)]
والأقرب هو القول بالتحريم؛ لأن الأصل في النهي التحريم, وأما حديث عائشة فقد تقدم الكلام عليه, ثم إن حديث أم سلمة أخص من حديث عائشة, فما يحرم على الحاج أعم من الأخذ من الشعر والبشرة, والخاص يقضي على العام, فيتناول حديث عائشة ما عدا الأخذ من الشعر والبشرة.
ولا يصح القياس؛ لأن النص يبطله.
ولو فرضنا تعارض حديث أم سلمة مع حديث عائشة من كل وجه, فحديث أم سلمة قول وحديث عائشة فعل, والقول أقوى من الفعل في غير بيان الهيئات.


الجمعة، 10 يوليو 2020

حكم تعدد الجمعة في المسجد الواحد في ظل فايروس كورونا


حكم تعدد الجمعة في المسجد الواحد في ظل فايروس كورونا
س\ هنا في بريطانيا فتحوا المساجد لكن هناك ثلاث جمعات للتقليل من الازدحام, ماتعليقكم على هذا بارك الله فيك دكتورنا الفاضل؟
ج\ إن النظر في هذه المسألة يعتمد على النظر في كون التعدد هل ينافي مقصود الجمعة أو لا؟
ويعتمد أيضا على النظر في ازدحام المصالح: مصلحة حضور الجمعة وإدراك فضلها, ومصلحة المحافظة على هيئة صلاة الجمعة في المسجد, فالهيئة الشرعية لصلاة الجمعة في المسجد أن تصلى جماعة واحدة وراء إمام واحد في المسجد الواحد.
ولاشك أن الأصل هو المحافظة على الهيئة الشرعية؛ إذ يظهر به مقصود الشارع من الاجتماع في صلاة الجمعة, قال تقي الدين السبكي في فتاويه: (والمقصود بالجمعة اجتماع المؤمنين كلهم، وموعظتهم، وأكمل وجوه ذلك أن يكون في مكان واحد لتجتمع كلمتهم، وتحصل الألفة بينهم)
لكن هل نحرج عن هذا الأصل؛ إدراكا لمصلحة الصلاة من كل من تجب عليه, ولتوقف إدراك هذه المصلحة على هذا التعدد؛ إذ إن ضرر فايروس كورونا يمنع من كثرة الجماعة الواحدة في المسجد؟
والأقرب: أن مصلحة اجتماع الناس على إمام واحد في المسجد الواحد أقوى وإن لم يتمكن غيرهم من الصلاة معهم؛ لما قد علم في الشريعة من إجازة صلاة الخوف على ما فيها من مخالفة هيئة الصلاة؛ حفاظا على اجتماع الناس على إمام واحد, وهذا الذي يتحقق معه مقصد الشارع من تشريع صلاة الجمعة.
وعليه فيكتفى بالجماعة الأولى, فيتحقق بها إعمار المسجد وإقامة في الجمعة في البلد, ومن عداهم فإما أن يصلوا في مسجد آخر أو مكان تصح فيه إقامة الجمعة, وإلا فهم معذورون يصلونها ظهرا في بيوتهم.
فإن قيل: لا فرق بين أن يصلوا في مسجد آخر أو أن يصلوا في نفس المسجد بإمام مختلف, فإذا جاز الخروج عن الأصل في البلد؛ لوجود الحاجة, فيجوز أيضا الخروج عن الأصل في المسجد الواحد؛ لوجود الحاجة.
قيل: لم يؤثر عن السلف والأئمة في حال ضيق المسجد أنهم صلوا جمعتين في مسجد واحد ولا جوزوا ذلك, وهذا إجماع منهم, فإجماعهم على الترك أقوى من القياس.
كتبه: د. أحمد محمد الصادق النجار

حكم ركوب البحر والسباحة فيه


حكم ركوب البحر والسباحة فيه
إن ركوب البحر والسباحة فيه يختلف حكمه باختلاف مظنة إهلاك النفس وإغراقها من عدمه, فمتى كان الركوب والسباحة مظنة غرق النفس صار الركوب والسباحة محرمين, ولا يجوز للإنسان أن يركب ويسبح في البحر؛ لأن حفظ النفس مقدم وواجب.
وحكي عليه الإجماع, قال ابن بطال في شرح صحيح البخارى (6/ 204): (فأما إذا كان أبان ارتجاجه فالأمة مجمعة أنه لا يجوز ركوبه؛ لأنه تعرض للهلاك، وقد نهى الله عباده عن ذلك بقوله: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (وبقوله: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا )
ويكون البحر مظنة الغرق إذا ارتج وكثرت أمواجه, وقد جاء في مسند أحمد بسند فيه مقال وصححه بعض العلماء  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ومن ركب البحر عند ارتجاجه فمات، فقد برئت منه الذمة"
وأما إذا لم يكن مظنة الغرق فجائز.

الأربعاء، 8 يوليو 2020

الحكم الشرعي فيما سنته القوانين الوضعية في باب الإمامة


الحكم الشرعي فيما سنته القوانين الوضعية في باب الإمامة

إن الناظر في القوانين الوضعية يجد أنها:
1-قامت على الانتخابات ولم تنظر إلى الشروط الشرعية في المنتخِب ولا المنتخَب.
2-حددت العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس التعاقد على أداء الواجبات.
3- حددت مدة تنتهي فيها ولاية الحاكم.
وهذا كله يحصل التوافق عليه حال تعيينه حاكما.
والإمامة بهذه الطريقة لم تثبت شرعيتها من جهة الابتداء, فلا توصف بكونها شرعية من جهة بدايتها؛ لأن طريقة التنصيب فيها ليست شرعية؛ إذ لم تأت بها النصوص الجزئية ولا معانيها الكلية وهي تفضي إلى التحزب والنزاعات وشراء الأصوات والدعايات الكاذبة وتحصيل المصالح الخاصة... كما أنه لم يعرف الاختيار على مر عصور المسلمين إلا من أهل الحل والعقد وبعد اختياره منهم تأتي البيعة العامة والرضا به,
أضف إلى ذلك أن الشروط المذكورة مخالفة لمقتضى الشرع, كما تقدم بيانه في عدة مقالات,
ثم إنه ليس في الشرع تحديد البيعة بمدة معينة, وقد تمسك عثمان بخلافته لما أراد من ثار عليه أن يعزلوه, ويقطعوا مدة ولايته.
وهذه الطريقة هي نتاج الديمقراطية.
وعليه فإنه في حال الاختيار وقوة المسلمين وتمكنهم لا يجوز اعتماد هذه الطريقة, ولا التعاقد على هذا الأصل, ولا الرضا بهذه الشروط.
فإن قيل: الشريعة لم تحدد طريقة يقع بها اختيار الحاكم ولا وضعت شروطا.
قيل: الشريعة وإن لم تنص على طريقة محددة إلا أنها علقت الأمر على تحصيل المصالح وتعطيل المفاسد, فكل ما كانت مفسدته راجحة فإن الشريعة نهت عنه, وما قامت عليه القوانين الوضعية فإنه يجر إلى مفاسد كبرى أثبتها الواقع, ولهذا كان الطريق الذي يحقق المصلحة ويدفع المفسدة هو طريق الخلفاء الراشدين.
هذا في حال الاختيار, وهو الحكم الأصلي.
أما في حال ضعف المسلمين وتمكن الأعداء من قراراتهم, ولم يمكن سلوك طريق الشرع, فنقول: إذا تمكن رجل بهذه الطريقة حتى استتب له الأمر أو لم يمكن تنصيب إمام إلا بهذا التعاقد فهنا تثبت أحكام الضرورات ويصبح حاكما له أحكام الإمامة؛ تحقيقا لواجب تنصيب إمام تتحقق به مقاصد الإمامة, ودقعا للمفاسد الكبرى.
لكن تبقى مسألة الالتزام بما حصل التوافق عليه من انتهاء الولاية بعد مدة معينة, والعزل إذا أخل بحقوقه الذي هو مقتضى التعاقد على أداء الحقوق.
فكلا الأمرين جاء الشرع بخلافهما, ولا يحققان مصلحة راجحة؛ فالنصوص لم تحدد مدة تنتهي بها الولاية؛ إذ لم تجعل موجبا لنزع الولاية منه إلا الكفر البواح.
وهو يدخل في معنى الغدر.
وأجمع الصحابة ومن بعدهم على أنه ليس للولاية مدة تنتهي بها, فكان القبول بهذين الشرطين قبولا بشرط مخالف للشرع, والعقد متى اشتمل على شرط فاسد فإن العقد صحيح والشرط ملغي, فيكون القبول بهذه الشروط فاسدا إلا إذا ترتب على ذلك مفسدة أكبر, أو لم يمكن انعقاد الإمامة إلا بالقبول بهذه الشروط, فهنا تجرى أحكام الضرورات ودفع المفسدة الأكبر.
وقد أثبت الواقع أن تجدد الحكم للحاكم تجدد صوري تترتب عليه أمور مخالفة للشرع, فهو شرط صوري لا حقيقي.
وبالتالي فإن هذا الشرط لا يقطع الاستبداد ولا يمنع الفساد, فلم يبق له وجه لمشروعيته.
كتبه: د أحمد محمد الصادق النجار

التوصيف الشرعي للحاكم


التوصيف الشرعي للحاكم
يعتبر الحاكم نائبا عن الله من جهة كونه مطبقا لأحكام الله, فهو نائب عن الله في تنفيذ أحكامه, وهو بهذا التوصيف تنتفي عنه الاستقلالية في الحكم, فليس له أن يستقل بالأحكام؛ لأن تحكيم شرع الله واجب, فمن لم يحكم الشريعة كليا أو جزئيا انتفى عنه هذا التوصيف بقدر ما أنقص من تحكيم الشريعة.
ويعتبر الحاكم أيضا وكيل الأمة على أنفسها.
وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 251): (فإن الخلق عباد الله والولاة نواب الله على عباده وهم وكلاء العباد على نفوسهم؛ بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر؛ ففيهم معنى الولاية والوكالة)
فليست العلاقة علاقة وكالة فحسب؛ حتى يتسنى للأمة الفسخ والعزل, كما يريد أن يروج له البعض من أن العلاقة علاقة تعاقد على أداء الواجبات؛ فرارا من استبداد الحاكم بالحكم, فوقعوا في معالجة الأمر بما هو أشد منه, كما هو واقع, وخرجوا عن مقتضى نصوص الشرع في هذا الباب المبنية على تغليب جانب درء المفاسد.
وإنما العلاقة علاقة وكالة وولاية, فللأمة التوكيل, ثم ينتقل الأمر إلى كونه ولاية, فلا يتم العزل إلا بما شرعه الله سبحانه, وهنا يظهر تحقيق العبودية لله, فالحاكم والمحكوم كلاهما متعبد لله في هذا الباب, فيتعبد الله بأداء ما أمره الله سبحانه تجاه الآخر.
ويلبس البعض فيجعل من التفريق بين محل العقد وأثره أو أحكامه المترتبة عليه سبيلا لإثبات التعاقد على أداء الواجبات مع أن الشرع لم يدل على هذا التعاقد أصلا, ولو فرضنا سكوت الشارع عنه فأثره المترتب عليه يقتضي منعه شرعا؛ إذ إن الشريعة اعتنت بدفع المفاسد أعظم من عنايتها بجلب المنافع.
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

السبت، 4 يوليو 2020

هل #الولاية في الشرع تقوم على #التعاقد بين الراعي المسلم والرعية على أداء الواجبات؟


هل #الولاية في الشرع تقوم على #التعاقد بين الراعي المسلم والرعية
على أداء الواجبات؟
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فإن الناظر في الكليات الشرعية والنصوص الجزئية المتعلقة بباب الإمامة وما جرى عليه عمل الصحابة ومن اتبعهم بإحسان يجد أن الولاية لم يقمها الشارع على أصل التعاقد على أداء الواجبات، ولا جعلها التزاما تعاقديا ينقص الالتزام بتقصير أحدهما،
وإنما أقامها الشارع على العبودية لله والعهد بالطاعة في المغروف، وأناطها بباب دفع المفاسد الكبرى، والنظر إلى المآلات.
نعم، أوجب الشارع على الراعي أمورا، وأوجب على الرعية أمورا، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً
لكن لم يبن علاقة تلازمية بينها في اعتبار الولاية من عدمها، وهذا يتضح جليا لمن استقرى أحاديث الولاية ونظر إلى كليات الشريعة
وعلى سبيل المثال: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّه ﷺ:إنَّهَا ستَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: يَا رسُولَ اللَّهِ، كَيفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذلكَ؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ متفقٌ عليه.
فأمر الرعية بأداء الحق الذي عليهم كاملا مع وجود التقصير والنقص من الراعي المسلم، ولو كانت العلاقة علاقة تعاقد لما أمرهم بأداء الحق الذي عليهم مع تقصير الحاكم في الحق الذي عليه.
وقريب منه حديث: عن أبي هُنيدة وائل بن حُجر t قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول ﷺ فقال: يا نبي الله، أرأيتَ إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فقال رسول الله ﷺ: اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم[1]، رواه مسلم
فإن قيل: إن نظام الحكم في الشريعة يقوم على بيعة، وهذا يقتضي تعاقدا.
قيل: لو سلمنا أنه تعاقد؛ لوجود البيعة، لكنه ليس تعاقدا على أساس أداء الحقوق؛ لما تقدم في الأحاديث، وهو الذي جرى عليه عمل الصحابة كابن عمر وغيره مع عبد الملك والحجاج إلى غير ذلك
وجري عليه العمل في عصر الإمام أحمد مع أئمة شرعوا الكفر وهو القول بخلق القرآن وإنكار الرؤية ووو
فإن قيل: ما العلاقة بينهما؟
قيل: علاقة استمداد من الشارع من وجه ووكالة على الأمة من وجه آخر.
وليس في هذا: إثباتٌ لعصمة الحاكم ولا سكوت عن أخطائه وتقصيره، ولا إثبات لطاعة مطلقة للحاكم، وإنما يحقق هذا التقرير ما دعت إليه كليات الشريعة من درء المفاسد الكبرى وتحقيق المصالح العامة.
ومما يلزم من جعل العلاقة علاقة تعاقد على الواجبات: أن للرعية فسخ العقد؛ لحصول التقصير في الواجبات.
وهذا يلزم منه الفوضى وتحقق المفاسد الكبرى وفتح باب شر على الأمة المكلومة.
ومن هنا قلنا: إن الشريعة لم تبن العلاقة على التعاقد على أداء الواجبات.
وأما قول القائل أن القول بأن العلاقة علاقة تعاقد لا يعني الخروج على الحاكم المسلم فهذا بعيد؛ لأنه لازم له، وإلا فما الفائدة من توصيف العلاقة بأنها علاقة تعاقد على الحقوق؟!
نعم، ليس هو اللازم الوحيد لكنه من لوازمه التي لا تنفك عنه.
فإن قيل: يلزم على هذا أن تكون أحاديث الطاعة للحاكم ناسخة لنصوص أداء الأمانة.
قيل: لا نسخ؛ لعدم ترتب نصوص أداء الأمانة على نصوص السمع والطاعة في المعروف، فالشريعة لم تعلق هذا على هذا، وإنما أوجبت السمع والطاعة مع حصول التقصير والنقص في الأمانة، كما تقدم، وهذا هو مقتضى العدل بالنظر إلى المصلحة العامة الكلية، ومعارضة الحاكم بالطرق الشرعية لا يلزم منها عدم السمع والطاعة في المعروف، فيسمع له ويطاع في المعروف ويعترض عليه إذا ارتكب منكرا.
لكن يجب ألا تؤدي المعارضة إلى نقض الأصل الذي بني عليه باب الولاية وهو مراعاة درء المفاسد الكبرى.
واخيرا أكتفي بهذه المباحثة المختصرة التي أرجو منها نيل ما عند الله سبحانه


الخلاف بين الشريعة والدساتير الوضعية في أصل باب الإمامة


الخلاف بين الشريعة والدساتير الوضعية في أصل باب الإمامة
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فإن الناطر في النصوص الواردة في الإمامة الكبرى يجد أنها تواترت تواترا معنويا على أمر وهو: أن فساد نزع اليد من الطاعة أعظم وأرجح, فليس في عزل الحاكم المسلم أو في الخروج عليه أو عدم السمع والطاعة مصلحة راجحة.
ولذا أمرت بالصبر, وسؤال الله حق الرعية إلى غير ذلك.
وإذا كان أعظم وأرجح بدلالة النصوص, فلا يحق لأحد أن يُسوِّغ بحجة وجود المصلحة الراجحة, أو احتمالية المصلحة الراجحة.
قال ابن تيمية: (فإن الحاكم إذا ولاه ذو الشوكة لا يمكن عزله إلا بفتنة، ومتى كان السعي في عزله مفسدة أعظم من مفسدة بقائه، لم يجز الإتيان بأعظم الفسادين لدفع أدناهما، وكذلك الإمام الأعظم.
ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة, فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما, ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو  أعظم من الفساد الذي أزالته). منهاج السنة النبوية (3/ 391)
فهذا الباب لم تلتفت الشريعة فيه إلا على المفسدة الراجحة, ولم تعتبر المصلحة؛ لكونها مرجوحة على كل حال, أو في الأغلب.
ومن هنا يظهر خطأ من يعلق هذا الباب على المصالح والمفاسد, فإن هذا مخالفا للدلالة القطعية للنصوص؛ إذ إنها لم تعلق الحكم إلا على المفسدة الراجحة.
فهكذا بنت الشريعة هذا الباب, وسدت كل ذريعة تؤدي إلى الفوضى العامة, وانتهاك الضرورات الخمس.
بينما نجد الدساتير القائمة على الفكر والتي هي من وضع البشر لم تعتمد أصل الشريعة في بناء باب الإمامة على درء المفسدة الراجحة, فجوزت التعاقد على أداء الحقوق, وأن للأمة برشيدها وسفيهها حق اختيار الإمام وأن لهم عزله وفسخ إمامته إذا قصر في حقوقه.
ولذا كان الرضا والتوافق على ما نصت عليه الدساتير مخالفا للشريعة, ويقود إلى الفتنة.
هذا بالنظر إلى أصل الباب, فكيف إذا كان النظر خاصا جزئيا؟
وفي الصحيحين عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: " تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»
قال ابن تيمية تعليقا على هذا الحديث:( فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأمراء يظلمون ويفعلون أمورا منكرة، ومع هذا فأمرنا أن نؤتيهم الحق الذي لهم، ونسأل الله الحق الذي لنا، ولم يأذن في أخذ الحق بالقتال ولم يرخص في ترك الحق الذي لهم). منهاج السنة النبوية (3/ 392).
فتبين لنا أن ما قامت عليه الدساتير مخالف لما راعته الشريعة والتفتت إليه, فكيف يقال: إن القوانين الوضعية في هذا الباب لم تخالف أصلا شرعيا؟!!
أو يقال: ما قامت عليه القوانين الوضعية يحقق مصالح عامة؟!!
والحق أنه لا يمكن حفظ الدين والضرورات إلا بمراعاة أصل الشريعة في باب الإمامة, وكان أحظ الناس بهذا هم أهل الحديث.
أكتفي بهذا, والله أعلم.