الجمعة، 30 أكتوبر 2015

وقفة مع جواب الشيخ عبيد الجابري على مسألة قطعية القرآن والسنة من جهة الدلالة


قد سألني أحد الإخوة عن جوابٍ للشيخ عبيد الجابري حول مسألة قطعية الكتاب والسنة من جهة الدلالة, ولما رأيت أن الشيخ قد أخطأ فيه وانتشر جوابه رأيت التعليق عليه بما يزيل الخطأ, ويُجلِّي المسألة؛ حتى لا يغتر بالجواب من يغتر.
ولا يلزم من ردّ الخطأ الطعن.
وفي مثل هذه المسائل – القطع والظن- لابد من التأني والمراجعة؛ لخطورتها, ولما يترتب على الخطأ فيها من المفاسد.

السؤال الذي وُجِّه إلى الشيخ وجوابه عنه:
السؤال:
شيخنا - حفظكم لله - يقول السائل: هل دلالات القرآن قطعية أو ظنية؟ وما قولُ أهل السنة في هذه المسألة؟
الجواب:

سبحان لله! النصوص كلُّها دلالتها قطعية القرآن والسُّنة الصحيحة هذا الراجح من أقوال أهل العلم.
القرآن أنا ما أظن أحدًا من أهل السُّنة قال أدلته ظنية، لكنَّ هذه من فلسفة المتأخرين من الأصوليين؛ قطعي الدلالة ظنِّي الدلالة، أهل السُّنة لا يعرفونَ هذا أبدًا، ولا يقولونَ بهذا، فما دلَّ عليه الكتاب صراحةً ظاهرًا، وما صحَّت به السُّنة صراحةً فدلالته قطعية  اهـ  من فتاوى ميراث الأنبياء. نعم.
فقد ذكر الشيخ في بداية جوابه بعد التعجب مما تضمنه السؤال: أن النصوص كلها دلالتها قطعية, وبين أنه الراجح, وهذا يشعر أن في المسألة قولين لأهل العلم.
ولا معنى للتعجب في المسائل التي يقال فيها: الراجح كذا؛ لأنه يسوغ فيها الخلاف.
ثم ذكر أنه لا يظن أن أحدا قال به من أهل السنة.
وهذا الظن إن ثبت لا يجعل المسألة اجتهادية, فكيف يقال فيها: الراجح كذا؟!.
ثم قطع الشيخ بأن قول القائل:"قطعي الدلالة ظني الدلالة" من فلسفة المتأخرين من الأصوليين, وأنه لا يعرف عند أهل السنة.
وهذا ينفي أن تكون المسألة اجتهادية.
ثم إن هذا النفي يحتاج إلى استقراء, وقد قطع الشيخ بما صرح أنه ظنٌّ.
فحصل من الشيخ تعجب مما تضمنه السؤال, ثم ترجيح, ثم ظن, ثم قطع.
ثم في آخر جواب الشيخ قيده كلامه بـ:" فما دلَّ عليه الكتاب صراحةً ظاهرًا، وما صحَّت به السُّنة صراحةً فدلالته قطعية  "
فكما هو ملاحظ حصل اضطراب في جواب الشيخ – حفظه الله-, بل تناقض, فجمع بين الترجيح والظن والقطع في مسألة واحدة, كما أنه عمم وأطلق في موطن وقيد في موطن آخر.
والجواب الصحيح أن يقال: نصوص الكتاب والسنة ليست على درجة واحدة من جهة الدلالة, فمن النصوص ما دلالتها قطعية؛ لعدم وجود الاحتمال, كدلالة قوله تعالى: [ويبقى وجه ربك] على إثبات الوجه لله, وكدلالة قوله تعالى: [تلك عشرة كاملة] على العدد.
ومن النصوص ما دلالتها ظنية؛ لوجود الاحتمال, كدلالة قوله تعالى: [أو لامستم النساء], فمن الأئمة من حمل الآية على اللمس, ومنهم من حمل الآية على الجماع.
 وقوله تعالى: [والمطلقات يتربصن بأنفسهم ثلاثة قروء], فمن الأئمة من حمل الآية على الطهر, ومنهم من حمل الآية على الحيض.
ونفي الاحتمال قد يؤخذ من النص نفسه بالوضع, وقد يؤخذ من القرائن.
وأهل السنة يفرقون بين دلالات النصوص.
والدلالات منها ما هو من قبيل النص الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا, ومنها ما هو من قبيل الظاهر الذي يحتمل معنيين أحدهما أرجح من الآخر, ومنها ما هو من قبيل المجمل, ومنها ما هو من قبيل المشترك.
فما كان من باب النص فدلالته قطعية؛ لأنه ينتج منه العلم بنفي الاحتمال, وما كان من قبيل الظاهر والمشترك فدلالته ظنية إلا إذا احتفت بهذا النص قرائن.
والأئمة المتقدمون وإن لم يستعملوا لفظ القطع والظن إلا أنهم مقرون بمعناه.
قال الشافعي في الرسالة: (( فأما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي يختلف الخبر فيه، فيكون الخبر محتملا للتأويل، وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد: فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين حتى لا يكون لهم رد ما كان منصوصا منه، كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول، لا أن ذلك إحاطة كما يكون نص الكتاب وخبر العامة عن رسول الله.
ولو شك في هذا شاك لم نقل له: تب، وقلنا: ليس لك - إن كنت عالما - أن تشك، كما ليس لك إلا أن تقضي بشهادة الشهود العدول، وإن أمكن فيهم الغلط، ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم، والله ولي ما غاب عنك منهم )).
وهنا يجب أن يعلم: أن التفريق بين القطع والظن لا أثر له في العمل, فإنه يجب العمل بالظن كما يجب العمل بالقطع, والدلالة الظنية تنزل منزلة الدلالة القطعية في العمل.

وأما الذي أحدثه المتكلمون فهو: أن قطعية النص من جهة الدلالة متوقفة على مقدمات عشرة, ذكرها الرازي في المحصول وغيره.
وهي في حقيقة الأمر ترجع إلى موافقة العقل, فلا يكتسب النص القطعية من جهة الدلالة إلا إذا كان موافقا للعقل, كما بينتُ ذلك في شرحي على منهاج الوصول للبيضاوي.
وترتب عليه عندهم: رد النصوص إذا صادمت العقل.
وهذا الضلال من المتكلمين لا يجعلنا نقول: " قطعي الدلالة ظني الدلالة من فلسفة المتأخرين من الأصوليين, أهل السنة لا يعرفون هذا أبدا", وإنما نرد جناية المتكلمين من الأصوليين, مع بيان الحق.
نعم أهل السنة لا يعرفون الباطل الذي تضمنه إطلاقهم, لا أنهم لا يعرفون هذا الإطلاق مطلقا.
واستعمال هذا المصطلح" قطعي الدلالة, وظني الدلالة" على المعنى الصحيح لا إشكال فيه, وقد استعمله بعض الأئمة, ومن ذلك:
قول شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأحاديث في مجموع الفتاوى (20/257): (( ثم هي منقسمة إلى : ما دلالته قطعية ؛ بأن يكون قطعي السند والمتن وهو ما تيقنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله وتيقنا أنه أراد به تلك الصورة . وإلى ما دلالته ظاهرة غير قطعية ...))
وقوله في مجموع الفتاوى (20/ 259): (( ... وتارة يختلفون في كون الدلالة قطعية لاختلافهم في أن ذلك الحديث : هل هو نص أو ظاهر ؟ وإذا كان ظاهرا فهل فيه ما ينفي الاحتمال المرجوح أو لا ؟ وهذا أيضا باب واسع فقد يقطع قوم من العلماء بدلالة أحاديث لا يقطع بها غيرهم ...))

وإذا كانت النصوص كلها دلالتها قطعية كما ذكر الشيخ عبيد للزم منه لوازم فاسدة, منها:
1-عدم جواز الاجتهاد؛ لأن محل الاجتهاد: الظنيات, لا القطعيات.
2-عدم عذر المخطئ, وأنه يأثم.
فلابد من ضبط هذه المسألة وإتقانها, فليس كل مصطلح نشأ من المتكلمين يرد مطلقا.
والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وكتبه
د/أحمد محمد الصادق النجار
16-1-1437هـ


الخميس، 29 أكتوبر 2015

من كثر خطؤه وفحش استحق الترك إذا انفرد



إن طالب العلم أو الشيخ إذا كثر خطؤه وفحش فإنه لا يستحق أن يعوَّل عليه، أو يعتمد على أقواله التي يتفرد بها، أو يرجع إليه في النوازل، أو يرجع إليه في تحقيق الأوصاف الشرعية على الوقائع.
وكذا من عُرِف عنه اتباعه لهواه فيُعمِل القواعد على حسب هواه، فتراه يعملها تارة ويلغيها أخرى؛ انطلاقا من الهوى، وإرضاء للجمهور، وحفاظا على المنزلة.
ومتى عُلِّق الشباب والعامة بهؤلاء فلا تعجب بعد ذلك من الفهوم الغريبة, والتأصيلات الفاسدة, والأحكام الجائرة, والأخلاق السيئة.

وكثرة الأخطاء تدل على ضعف في التأصيل، وعدم تحقيق للتصور الصحيح والتصديق الصحيح.

والذي يعتمد على فهمه وقوله: من غلب صوابه على خطئه، وكان متجردا لله لا للهوى.

ويخلط بعضهم بين مدح الرجوع عن الخطأ والأخذ عمن فحش غلطه.
فلا يلزم من مدح من رجع عن خطئه ان يؤخذ عمن كثر خطؤه إذا انفرد.

وللاسف دخلت المجاملات في تعيين طلاب العلم ومراتبهم.
فبدل أن يقوم التعيين وبيان المرتبة على الأصول الصحيحة والضوابط الدقيقة تراه يقوم على الاصول الفاسدة، وأنه من  المرضي عنه أو لا .
ومتى ما بعدنا عن الأوصاف الشرعية وتحقيقها في المعينين بالضوابط الصحيحة وقعنا في الظلم والجور.

وما نراه اليوم من البيانات التي تصدر ممن تصدى للتدريس مرة بعد مرة؛ رجوعا عن أخطائهم وقد فحشت لهو أكبر دليل على عدم الالتفات إلى أقوالهم وفهومهم.
مع مدح الرجوع عن الأخطاء إن كان الباعث على الرجوع الخوف من الله ورجاء ما عنده، لا الخوف من الناس ورجاء ما عندهم.
ولا يلزم من المدح: الأخذ، كما تقدم.

وأخيرا: الواجب الحذر من الأخذ عمن كثر خطؤه وفحش فيما انفرد به، أو أن يعتمد عليه في تنزيل الأوصاف الشرعية على الوقائع.

والدين -معاشر الأحبة- أغلى ما يملكه العبد، فعلى الانسان أن يحافظ عليه من جهة الوجود والعدم.
والدين أعلى الضرورات الخمس، وهو مقدم عليها، فضلا عن الحاجيات والتحسينيات.

أسأل الله أن يفقهنا في دينه.

الجمعة، 16 أكتوبر 2015

مناقشة (#منذر_الرمرام) في دفاعه على مجدي حفالة في عدم فقهه لدلالات الألفاظ


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فقد سمعت اليوم  (2/1/1437هـ) مقطعا لـ (#منذر_الرمرام) حاول جاهدا أن يدافع على ابن حفالة في نقدي لعبارته: (أشياخ السنة) لما ذكرتُ في ردي المعنون له: "من أحق بوصف التيه والحيرة يا ابن حفالة؟!":( أقول: "أشياخ" جمعٌ أضيف إلى معرفة فيفيد العموم, بمعنى أنه يدعي أني افتريت على جميع مشايخ السنة.
ما أكذبه؟!! 
لا يفقه دلالات الألفاظ!!
وفي رده يقول: العلماء بالجمع, وأشياخ السنة, وهو لا يريد إلا نفرا يسيرا منهم, فما هذا التدليس؟  
فزعم ابن الرمرام أني لا أفقه دلالات الألفاظ, ولا أدرك معنى الوضع والاستعمال والحمل, وأن مجدي كلامه صحيح فصيح.
وصححه من جهتين:
الأولى: أن له حق الاستعمال, , فيستعمل اللفظ في غير ما وضع له أصالة, ويطلق العام ويريد به الخاص؛ لتعظيم المشايخ.
الثانية: أن كلامه على أصل الوضع, فأشياخ جمع قلة, وجموع القلة على خلاف تطلق على اثنين إلى عشرة.
هذه ملخص ما قرره.
ولولا أنها مسالة علمية تحتاج إلى تحرير ما التفتُ إليه, ولا نظرت في كلامه.
ولكن من فوائد الردود: تحرير المسائل, والغوص في دقائقها.
الرد:
- عبارة مجدي حفالة هي :"أشياخ السنة".
أشياخ جمعٌ أضيف إلى معرفة (السنة): فأفاد الاستغراق وشمول جميع الأفراد الذي يدخل تحته.
وهو بهذه الإضافة مغاير للجمع المنكر؛ فإن الجمع المنكَّر يحمل على أقل الجمع, فلو قلت: طلاب, فهذا يصدق على ثلاثة على الراجح.
أما إذا أضيف فقيل مثلا: طلاب الجامعة, فإنه يبدأ من ثلاثة إلى أن يستغرق جميع طلاب الجامعة.
وليس مختصا بالثلاثة, ولا يصدق عليها وحدها من غير مراعاة الاستغراق.
فالمضاف: يستغرق, والمنكر: يصدق على ثلاثة.
هذا ما تدل عليه اللغة, فالإضافة إلى المعرفة حقيقتها اللغوية: الاستغراق.
فإذا استعملت في بعض أفرادها فلا يكون من باب التصديق -كما زعم ابن الرمرام الذي يحتاج أن يفقه دلالات الألفاظ, ولا أدري كيف يدرس الأصول وهو لا يفقه هذا!!-وإنما يكون من باب التخصيص, وهو خروج عن مدلولها اللغوي.
إلا إذا كنت تريد أن تميل إلى مذهب  الواقفة الذين يقولون اللفظ العام وضع في اللغة على أقل الجمع, وهو مشترك بين أقل الجمع واستغراقه لأفراده, فيجب التوقف فيه.
وعلى كل حال ابن حفالة قد أخرج اللفظ عن وضعه اللغوي, واستعمله خاصا لا عاما.
وهذا الإخراج منه لا يخلو:
1-أن يسلب عموم أشياخ السنة عن غير مَن قَصَدهم وهم: الشيخ عبيد والبخاري, وربما يضيف غيرهما ممن يزعم تعظيمهم.
فيكون فعله هذا من باب العام المخصوص.
ولا شك أن هذا منكر عظيم.
 ويكفي في معرفة نكارته: أن يخرج الشيخ صالح الفوزان واللحيدان, وهيئة كبار العلماء, والعباد, وغيرهم من أن يكونوا أشياخ سنة.
وهذا الإخراج له نوع وجه عند غلاة التبديع: في المنهج, فهؤلاء المشايخ لا يعتد بهم في المنهج إذا خالفوا أشياخ السنة! كالشيخ عبيد والبخاري, وإن كانوا لا يوصوفون بأنهم مبتدعة, أو أنهم ليسوا أشياخ سنة .
حتى قال ابن الرمرام في المقطع المشار إليه:"ثم إذا نظرنا إلى أصل الوضع كان صحيحا؛ لأن الأشياخ معروفون معدودون فيما يظهر لنا  وما أكثرهم يذبون عن المنهج ..."
فكأنه يحصر الذين يذبون عن المنهج في مشايخ معدودين, وأما غيرهم فلا يذبون عنه.
وقال:" بل الحق على الشيخ أبي مصعب أن يأتي بمثل هذا اللفظ – يعنى أشياخ السنة الأطهار- بل لو كان ثمة لفظ آخر يزيد من عظم واقع هؤلاء الأشياخ لكان أحسن"
ما هذا التعصب والتحزب المريران؟!!
نسأل الله العافية.
وإنما الواجب: تعظيم المشايخ تعظيما شرعيا.
وهذا التعظيم لا يجر إلى قبول أقوالهم مطلقا في المنهج, وإنما العبرة بالحق وما عليه السلف الصالح, فإن وافقوه كنا معهم, وإن أخطئوا في إصابته رددنا خطأهم وحفظنا لهم كرامتهم.
وهذه الطريقة عليها نور الحق, اللهم ثبتنا عليها.
2-أن يريد مشايخ مخصوصين, فلم يُرد جميع أفراد ما يتناوله "أشياخ السنة".
 فيكون هذا من باب العام الذي أريد به الخصوص.
وهنا لابد من دليل معنوي, وموجِب للتخصيص.
فإن قلت: موجب التخصيص: التعظيم.
قيل لك: التعظيم إما أن يكون شرعيا أو غير شرعي.
فالتعظيم الشرعي موجود فيمن خصصتهم ومن لم تخصصهم, فلا يكون هناك وجهٌ للتخصيص.
فالشيخ الفوزان والعباد وغيرهما على منهج واعتقاد صحيح, ويذبون عن السنة, ويحذرون من أهل البدع.
والأوصاف التي حملتك على تخصيص الشيخ عبيد والبخاري: وجودها في غيرهما كالشيخ الفوزان والعباد أولى وأظهر.
فلا يكون هناك معنى للتخصيص.
وأما التعظيم غير الشرعي وهو تقديس الأشخاص وتقديم أقوالهم في المنهج مطلقا, فهذا منكر ومعصية, والمعاصي لا تناط بها التخصيصات الممدوحة.
كما أنه استند على باطل فيكون باطلا.
فإن قلت- يا ابن الرمرام- هو من باب المجاز مع أنه لا يسلم بالمجاز.
قيل لك: على التسليم بالمجاز فلابد من تعيين وجه هذا الاستعمال, وإقامة الدليل عليه.
وقد تقدم بيان بطلان وجه الاستعمال الذي ادعيته.
وأخيرا: أقول ينبغي أن يكون الدفاع بحق, وأن يخرج المرء من حيِّز التحزب لشيخ معين, فهذا ليس من السلفية في شيء.
ومن أخطأ نقول له أخطأت مع حفظ كرامة ومنزلة أهل السنة؛ لأن الحق أحق أن يدافع عنه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتبه
د/ أحمد محمد الصادق النجار

2-1-1437هـ

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

بم يُعرف العالم (بإطلاق)؟


مما يعرف به العلماء حقيقة: رسوخهم في العلم.
ويظهر هذا الرسوخ: إذا سألتهم عن علل الأحكام, ومقاصد المسائل, والقواعد التي ترجع إليها الجزئيات.
فتجد العالم المتبحر حقيقة يجيبك بالنكت والدقائق, ويفرق بين الأشباه, ويكون ترجيحه مبنيا على مقاصد الشريعة, ويرجع المسائل الجزئية إلى قواعدها وكلياتها.
ويستنبط الأحكلام من الأدلة بناء على إحاطته بدلالات الألفاظ.
ويعرف الناسخ والمنسوخ محيطا بالأصول والقواعد والمقاصد.
بينما من يُدَّعى فيهم العالم, والعلامة, والفهامة, ونحو هذه الألقاب إذا سئل عن هذه الأمور أعرض, أو أجا ب بكلام عام لا يتعلق بالسؤال من كل وجه, أو يجيب بناء على ما سنح في الخاطر.
وربما قال: لا تسألوني إلا في كذا وكذا.
تجده بعيدا عن التعمق في الأصول والمقاصد والقواعد.

فلا تغتر يا طالب العلم بكل من قيل فيه هذه الألقاب, وإذا أردت أن تعرف علم شيخك فجالس غيره.
وأنزلوا الناس منازلهم.
واحذر أن تتتبع هواك في إنزال هذه الألقاب؛ لأن هذه ألقاب ينزَّل عليها أحكام شرعية.
ويُخشى أن ينال من أعطى هذه الألقاب من لا يستحقها: الإثم, لأن من قيلت فيه هذه الألقاب سيُقلَّد في مسائل ليس أهلا للإفتاء فيها, كالنوازل المتعلقة بالأمة.

حفظ الله علماءنا, وزادهم رسوخا في العلم والسنة.

وكتبه:
أحمد محمد النجار

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

التلقي من الكتب دون الاشياخ

من كان شيخه كتابه اكتسب المعلومة الجزئية المقروءة من غير مقدرة على تعديتها الى غيرها مما يشاركها في العلة، ومن غير معرفة الكلية التي اندرجت تحتها هذه الجزئية
ذلك أنه تلقى الجزئية من غير معرفة بكليتها، وإذا عرف كليتها لم يعرف مناط كليتها، وإذا عرف مناط كليتها لم يعرف كيف يلحق المسائل الأخرى المشتركة في هذا المناط بتلك الكلية.

ولذا ترى هؤلاء ومن في حكمهم ممن لم يتأصل تأصيلا قويا عند الأشياخ: مذبذبين، يتنقلون من مذهب إلى مذهب، ومن قول إلى قول، ومن ترجيح إلى ترجيح.
وما كان معروفا قد يصبح منكرا، والعكس.
ويحسبون أنهم بلغوا مبلغا في العلم، وأن لهم المقدرة على تدريس الطلاب، وتوجيهم.
وتراهم يتشدقون بالتأصيل والتقعيد، وعند التحصيل تجدهم يخطئون فيما ادعوا فيه أنه تأصيل وتقعيد، ويقلبون الحقائق، ويلزمون الناس بما هو مناقض للدعوى ، ويسمون الأشياء بغير اسمها؛ مما لا يدع مجالا للناظر إلا أن يقول:
وكلٌ يدعي وصلا للعلم.    والعلم لا يقر لهم بذاك

وهذه دعوة لنفسي ولأحبتي من طلبة العلم أن يتأصلوا على المشايخ والعلماء المتمكنين في العلم الذين يهتمون بدقيق العلم، ويغوصون في علل الأحكام ومقاصدها.
وليكن انتقاؤهم للمشايخ أشد من انتقائهم للذيذ الطعام وأطيبه.
وليبتعدوا ما استطاعوا عن المتلقين عن الكتب، أو الذين تلقوا عن بعض الأشياخ ولم يتأصلوا عندهم.

وأقول لأهلي في ليبيا وغيرهم: احذروا أمثال هؤلاء، وابتعدوا عنهم، فليس كل من جلس للتدرس يكون مؤهلا، ويؤخذ عنه العلم.
كما أحذر من أهل البدع والتحزب، فهؤلاء فرقوا الأمة، وخرجوا عن أقوال الصحابة ومن اتبعهم بإحسان.
وإذا كان الواحد منا اذا مرض يذهب لمن يثق في طبه بعد أن يسأل الناس عنه
فليكن هذا أشد فيمن يصحح لنا العقائد، ويعلمنا دين الله.

والله هو الموفق وحده.

وكتبه
أحمد محمد الصادق النجار