الثلاثاء، 30 أغسطس 2022

لا يصح عن الصحاية تأويل لآيات الصفات

لا يصح عن #الصحابة تأويل لآيات #الصفات

لم يثبت عن الصحابة أنهم أولوا آية من آيات الصفات, وكل ما ذكر عنهم أنهم أولوه إما أنه لم يصح عنهم أو أن النص ليس من آيات الصفات.

ومن ذلك: تفسير ابن عباس لقوله تعالى[ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ] بالشدة, فهذه الآية بمفردها ليست من آيات الصفات؛ لأن الساق جاءت منكرة لا مضافة إلى الله سبحانه ولا معرفة.
وكذا تفسيره قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}  بقوة, فهي ليست من آيات الصفات؛ لأن أيد ليست جمع يد, وإنما هي من آد فهو أيد, أي: قوي.

وأما تفسيره النسيان في قوله تعالى: [ نسوا الله فنسيهم] بالترك, فليس هذا تأويلا؛ لأن نسي كما قال ابن فارس في مقاييس اللغة (5/ 421): (النون والسين والياء أصلان صحيحان: يدل أحدهما على إغفال الشيء، والثاني على ترك شيء). والذي يحدد أحد المعنيين: السياق.

وأما تأويل ابن عباس الكرسي بالعلم, فلم يصح عنه, قال ابن كثير في " تفسيره " (1/ 457): ( وعن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قالا في قوله – تعالى – {وسع كرسيه السموات والأرض}، أي: علمه، والمحفوظ عن ابن عباس كما رواه الحاكم في مستدركه وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، من طريق سفيان الثوري، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال: " الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله – عز وجل – )
وهو من رواية جعفر بن أبي مغيرة وهو ليس بالقوي عن سعيد بن جبير, وقد خولف.

وكذا تأويله للمجيء بمجيء أمره, ولأعيننا بمرأى منا, وللوجه بـأنه عبارة عنه: لا أصل له وليس له سند.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
أستاذ العقيدة بكلية علوم الشريعة/المرقب

اعتقاد الصحابة في الصفات

  بيان اعتقاد الصحابة:

1-عن ابن عمر رضي الله عنه قال: ( خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش والقلم وعدن وآدم,  ثم قال لسائر الخلق: كن فكان ) أخرجه اللالكائي والآجري والبيهقي

فابن عمر خص خلق أربعة أشياء بيد الله دون غيرها؛ مما يدل على أنه يثبت اليد حقيقة لله وفهم منها المعنى الكلي من غير أن ينقدح في ذهنه هيئة وشكلا, فلو لم يثبت لها معنى لما أثبت لها حكما اختصت به.

2-قيل لعبدِ الله بنِ مسعود  أبَلَغَكَ أنَّ اللهَ يَعجَبُ ممن ذكَرَهُ؟ فقال: (( لا,  بلْ يَضحَكُ)).

فمغايرته بن العجب والضحك يدل على أنه يثبت لهما معنى على حسب مقتضى لغة العرب.

3-عن ابن عباس: {وسع كرسيه السماوات والأرض} [البقرة: 255] قال: «موضع القدمين، ولا يقدر قدر عرشه» أخرجه  الطبراني في المعجم الكبير (12/ 39)

فجعل الكرسي موضع قدمي الله سبحانه؛ مما يدل على أنه يثبت للقدمين معنى بحسب وضع اللغة.

4- عن أبي رزين قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِه )) قال: قلت يا رسول الله أوَ يضحك ربنا ؟ قال: (( نعم )) قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا"  [ أخرجه ابن ماجه في سننه ]

فهذا الصحابي الجليل لما أثبت للضحك معنى رتب عليه أثرا, فقال: (( لن نعدم من رب يضحك خيرا )).

فهذا وغيره يدل على أن الصحابة يثبتون للصفات معاني بحسب مقتضى لغة العرب, فالصحابة يثبتون المعنى, وهذا المعنى الذي يثبتونه فهموه من الوضع اللغوي مع إثباتهم أن القدر المميز المختص لا يدرك.

فخرج التفويض أن يكون هو اعتقاد الصحابة, وكذلك التأويل الذي هو خروج باللفظ عن ظاهره.

:ولما كانوا أبعد الناس عن التمثيل لم يفهموا من هذه الصفات عضو المخلوق أو الهيئة التي عليها المخلوق, وإنما فهموا معاني كلية بها فهموا معنى صفات الله.

فإن قيل: ما الوضع اللغوي لليد والوجه والقدم؟

اليد في لغة العرب: يرجع معناها إلى المقبض.

قال الليث: (( يد الفأس ونحوها: مقبضها, ويد السيف: مقبضه )).اهـ

ومنه سميت يد الباب يدا؛ لأن بها يقبض, ويد الإنسان سميت يدا؛ لأن بها يقبِض. 

فالمرجع إلى المقبض سواء كان يَقْبِض أو يُقْبَض.

الوجه: مأخوذ من المواجهة، سمي بذلك، لأنه يواجه به.

القدم: مـأخوذة من السبق والتقدم, وسميت فدم الإنسان قدما؛ لأن بها يكون التقدم والسبق.

وهكذا الأمر في بقية الصفات ينظر فيها للمعنى الكلي الذي لا يختص بأحد أفراده, والصحابة عندما يثبتون الصفات يلاحظون المعاني الكلي مع إثباتهم أن لها قدرا مميزا أُخذ من الإضافة, فهم ثبتون المعاني التي يفهمون بها خطاب الله ولا يخوضون في الحقائق والكيفات؛ لأنها خارجة عن المعاني وتابعة لحقيقة الذات.

الأحد، 28 أغسطس 2022

[مناقشة الشيخ #مولود_السريري في جوابه على من أثبت القدر المشترك في الصفات الخبرية لله سبحانه]

[مناقشة الشيخ #مولود_السريري في جوابه على من أثبت القدر المشترك في الصفات الخبرية لله سبحانه]

إن مما يلاحظ على الشيخ خروجه عن أدب الخلاف في النقاش فتراه يرمي خصومه بالسفه وأنه لا يعرف ما يقول, ويضحك استهزاء ...
وهذا صنيع من لا حجة له, والمرجو منه أن يترفع عن هذا الأسلوب في الخطاب, ويسلك مسلك العلماء الناصحين, وإلا فالمخاطبة بهذا الأسلوب يسهل فعلها من كل مناقش, لكننا نترفع عنها, فحجتنا يكفي في إقناع من يريد الحق مجرد عرضها؛ لقوتها في نفسها, ولا نحتاج معها إلى تجهيل الخصم والاستهزاء به.

وإذا نظرنا في كلام الشيخ وجدنا أن الخلل عنده - لما أجاب على من أثبت القدر المشترك- في تحديد الجنس الدال على متعدد مختلف الحقائق
فالشيخ يشترط في القدر المشترك: اتحاد الجنس, ويمنع من الاشتراك فيه بين الخالق والمخلوق
ثم يحدد هذا الجنس, فيزعم أن الجنس الذي تتحد فيه يد الله ويد المخلوق هو العضو.
فاستعمال القدر المشترك يفيد إثبات العضو والمشابهة, والعضو والمشابهة ممتنعان في حق الله؛ لأنه يفيد الجسمية كانت النتيجة  استعمال القدر المشترك في الصفات الخبرية ممتنع.

وقبل الرد عليه أقدم بمقدمة مهمة وهي: لما كانت ألفاظ العرب وضعت لها معاني, كان المقصود بالقدر المشترك: مدلول هذه الألفاظ بحسب الوضع اللغوي, فواضع اللغة وضع اللفظ على القدر المشترك الذي هو معناه الكلي, وهو أمر ثابت في الذهن, ولا يوجد في الخارج إلا معينا.
فمثلا: لفظ الوجه مدلوله بحسب الوضع اللغوي هو: ما يواجه به, فهذا هو مسماه الذهن, وهو ما نقصده بالقدر المشترك.
فإذا قلنا: وجه الله ووجه المخلوق كان مورد التقسيم أمرا مشتركا, وهو الوجه الذي وضع للقدر المشترك وهو: ما يواجه به, فمع اشتراكهم في المعنى العام إلا أنهم يختلفون في الحقائق.
فأهل الحديث يرون أن القدر المشترك هو مدلول اسم الصفة بحسب الوضع اللغوي, فالمسمى الذهني للوجه هو القدر المشترك, والمسمى الذهني لليد هو القدر المشترك, والمسمى الذهني للوجود هو القدر المشترك, وهكذا...
ولا يلزم من الاشتراك فيه التماثل في الحقائق

ويُرد على الشيخ بعد أن أخرجنا من الدلالة اللغوية إلى التعريفات المنطقية :
أولا: لا نسلم أن الجنس هو العضو؛ لأن المقصود بالجنس هو مدلول لفظ الصفة, فهذا المدلول يشترك فيه كل من أضيف إليه اللفظ.
ولا يلزم من الاشتراك تماثل الحقائق
ثانيا: لو سلمنا جدلا أن الجنس هو العضو, فيحتمل أن يكون المراد: العضو المدرك الذي عليه المخلوق.
فيكون الشيخ قد وقع في هفوة عظيمة وهي جَعْل المقصود بالجنس في القدر المشترك: الحقيقة المختصة المتميزة
ولا يستقيم جعل العضو المتميز المعين جنسا؛ لأن الجنس العام المشترك لا وجود له خارج الذهن, وإنما يوجد في الخارج متميزا مختصا.
وهذه الهفوة لم تنقدح في أذهان أهل الحديث؛ لأن المقصود بالقدر المشترك هو إثبات قدر يتفقان فيه لا إثبات الحقائق المتميزة
فالشيخ على هذا الاحتمال يجعل الحقائق المتميزة هي القدر المشترك, ثم يعود على القدر المشترك بالنفي.

ويحتمل أن يكون المراد بالعضو أمرا ذهنيا كليا, فليس في إثباته على المسمى الذهني الكلي ما يقتضي حدوثا ولا نقصا؛ لأن الكلي الذهني ليس من موضوعه ما يختص به الممكن المحدث، ولا ما يختص به الواجب القديم, وليس هناك ما يمنع من تشابه الحقائق المختلقة في شيء ما, ليس فيه شيء من خصائص الممكن ولا شيء من خصائص الواجب.
مع أن أهل الحديث لا يثبتون هذا اللفظ ولا ينفونه.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
أستاذ العقيدة بكلية علوم الشريعة/المرقب

الأربعاء، 24 أغسطس 2022

[مناقشة الشيخ #مولود_السريري في الانتقال من المعاني العربية إلى التعريفات المنطقية وفي دعوى أن الصفات الخبرية جزء من كل فيقتضي إثبات الجسمية]

[مناقشة الشيخ #مولود_السريري في الانتقال من المعاني العربية إلى التعريفات المنطقية

وفي دعوى أن الصفات الخبرية جزء من كل فيقتضي إثبات الجسمية]

إن الملاحظ على الشيخ مع غلبة القواعد المنطقية على ذهنه أنه انتقل من الأسلوب العربي في فهم ألفاظ القرآن وآيات الصفات إلى تعقيد المناطقة في الحدود!!
ففي #التعريف_بالحد عند #المناطقة لابد فيه من جنس ذاتي وفصل ذاتي

وهذا مع أنه دخيل على العربية لا يستقيم في صفات الله؛ لأنه لا يتوصل إلى الذاتي إلا بتصور #ماهية_الصفات وحقيقتها الخارجية، فمعرفة الذاتيات التي لا تتصور الماهية إلا بها متوقف على معرفة ماهية الموصوف، فإذا لم نعرف ماهية الموصوف فكيف نعرف الذاتيات؟!
وهم يرون أن الماهية الذهنية هي نفس الماهية الخارجية، فماهية الوجه -مثلا- الذهنية هي نفس ماهية الوجه خارج الذهن..

فانتقل الذهن عند الشيخ من #الحد_الأرسطي إلى المفهوم العربي فجعل الوضع في لغة العرب قائما على تصور الماهية الخارجية وذاتياتها، فلا يتوصل إلى المعنى إلا بإدراك الماهية، ولما كان المدرَك المشاهد في الصفات الخبرية ماهية الإنسان جعل ألفاظ صفات الأعيان كالوجه دالة عليها.
ولما كان يظن أن الكليات المطلقة لا تثبت في الخارج إلا جزءا من المعينات، فيكون المعين قد ركب من ذلك الكلي المطلق ومما يختص به
جعل الوجه -الذي عليه المخلوق باعتبار أن هذا هو المعنى الكلي له- جزءا من الله إذا أثبتنا له معنى الوجه
فيكون وجه الرب تعالى مركبا من وجه محسوس وما اختص به
هذا هو تصوره، فنفى المعنى والكيفية!!

فبعض القواعد المنطقية الفاسدة التي تشربت نفسه بها أوقعته في الضلال والتناقض؛ إذ لم يعملها في بعض صفات المعاني والوجود وأعملها في صفات الأعيان.

وغاب عنه تحقيق أن ما في الذهن ليس هو حقائق الأشياء في الخارج، فالمفهوم الذهني لا يفيد تصور الحقيقة الخارجية لمن كان يجهلها
ولهذا لم يكن المطلوب شرعا معرفة حقيقة الملائكة والجن والجنة والنار ...
وإنما المطلوب تصور معانيها الكلية وأسمائها؛ لأن معانيها غير حقائقها
فالذي في أذهان أهل الحديث قضايا عامة كلية فإذا خاطبنا الله بأمر غيبي فهمنا ما خاطبنا الله به، فلو لم ندرك المعنى العام لما فهمنا ما خاطبنا الله به من نعيم الجنة، فنفهم معنى عسل الجنة ولبنها ولحمها وحريرها، أما حقائقها في الخارج فلا نعلمه..
وبهذا تميزت عقيدة المسلمين عن عقيدة #الفلاسفة الذين ربطوا الحدود بتصور الحقائق الخارجية، فلم يتصوروا الجنة والنار وجعلوها خيالات!!

ولتعلم أن عقيدة #أهل_الحديث قامت على المعنى الكلي الذهني، فلا اشتراك بين الله وخلقه في الوجود الخارجي، فلله وجه يخصه متميز بنفسه وكيفيته، وإنما الاشتراك ذهني.

بقي إشكال يورده الشيخ وأتباعه وهو أنه لو أثبتنا أن الله متصف بالوجه واليد لكان جسما؛ لأن هذه أبعاض وأجزاء، فهي جزء من كل، وكل ما تركب من أجزاء فهو جسم.

قيل لهم:
أولا: لا نسلم، فلا يوجد في لغة العرب أن كل ما ركب من أجزاء يسمى جسما، فالهواء مركب من أجزاء ولا يسمى جسما، وكذلك الروح.
فلم يكن عندكم لغة تحتحون بها، فصرتم أجانب عن لغة العرب.
ثانيا: ان الملائكة وصفوا في الشرع باليد والعين ... وهي على قولكم أجزاء ومع ذلك هم ليسوا أجساما، وهذا نقض.
فليس معكم لغة ولا شرع ولا إجماع..
ويظهر من هذين الوجهين أنه ليس كل ما كان له أجزاء يسمى جسما
وأنتم إنما أبطلتم اتصاف الله بالوجه واليد لأنه يلزم منها أن يكون جسما.
فبطلت حجتكم.
ثالثا: قولكم بأن الوجه وبقية الصفات الخبرية أجزاء، فنقول لكم: كلمة جزء هو اصطلاح منكم ويحتمل حقا وباطلا
ولا يلزمنا
وأما الذي يعتقده أهل الحديث أن الصفات الخبرية صفات لازمة لله يمتنع وجوده بدونها فهو الذي اتصف بها، وليس هناك ما يمنع من الاتصاف بها
وإذا كان الله واجبا بنفسه، وصفاته داخلة في مسمى اسمه: لم يكن موجودا إلا بها، وليس هو مفتقرا إليها كما يظنه المتوهمون!!
فأهل الحديث يثبتون الصفات الخبرية ولا يتعرضون لمصطلح التركيب والجسم والجزء بنفي ولا إثبات؛ لأنها ألفاظ مبتدعة.
وكما أن سمعه وبصره وقدرته وحياته لا يكون موجودا إلا بها، فكذلك وجهه ويده وقدمه لا يكون موجودا إلا بها؛ لان الإثبات واحد في النصوص.
ويكفر من يعتقد ان الله ركبه مركب، أو كان متفرقا فجمع، فهذا كفر صريح، وليس هو لازما لمن أثبت الصفات الخبرية .
رابعا: قولكم الوجه إذا اتصف به الحي وجب أن يكون عضوا وجارحة وله طول وعرض وعمق
قيل لا يلزم ان يكون كذلك في الخالق؛ لانه كان عضوا وجارحة بالنظر إلى الإنسان الذي أضيف إليه الوجه، فكان الوجه مساويا لذات الإنسان ومن جنسه؛ لان نسبة الوجه إلى الإنسان من نسبة الجزء إلى الكل
وأما الوجه المضاف إلى الله فإننا ننسبه إلى الله كما ننسب الذات إلى الله، فإذا كانت ذات الله لا يوصل إلى ماهيتها وحقيقتها الخارجية فكذلك الوجه.

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار
أستاذ العقيدة بكلية علوم الشريعة/المرقب

الثلاثاء، 23 أغسطس 2022

مناقشة الشيخ مولود السريري في دعواه أن إثبات معنى الصفات الخبرية ونفي الكيفية تناقض

 مناقشة الشيخ مولود السريري في دعواه أن 

إثبات معنى الصفات الخبرية ونفي الكيفية تناقض


إن ما كنا نخشاه أن تُجعل المذهبية والتدرج في الفقه المالكي قنطرة لتغيير عقائد طلبة العلم والتلبيس عليهم, فقد انتُقل بالطلاب من كون التمذهب سلما للتدرج في الفقه إلى تبني عقائد متأخري مدوني المذهب, وهذا أمر عظيم يجب التصدي له.


وإن من الإشكالات التي وقعت للشيخ مولود والتي تبع فيها متأخري الأشاعرة أن إثبات المعنى الكلي للصفات الخبرية كالوجه يلزم منه التجسيم, والتزم في ذلك أن البحث في المعني بحث في الكيفية؛ لأنه لا يتصور منه - على حسب دعواه- بحسب الوضع اللغوي إلا الهيئة المحسوسة, فإثبات المعاني يرجع إلى إثبات ما وضع له اللفظ في اللغة وهو عنده إنما وضع للهيئات المحسوسة, فإثبات اليد في وصع اللغة إثبات لعضو من الجسم المحسوس, فيرى أن اللغة فرضت عليه إثبات هذا الأمر, فإذا أثبت عضوا لزم إثبات محل له وجسم.

وبالتالي لا يصح أن تثبت المعنى وتنفي الكيفية؛ لأن البحث في المعنى لغة بحث في الكيفية والهيئة المحسوسة التي هي طول وعرض وعمق, فمن أثبت المعنى ونفى الكيفية فقد تناقض.

هكذا تصور المسألة, ورتب على ذلك أن إثبات الصفات الخبرية يلزم منه التجسيم.


وهذا التصور خلاف ما عليه أهل الحديث وما انبنى عليه معتقدهم من دلالة اللغة, 

والرد المجمل -عندنا- أنه لما كان مذهب أهل الحديث حقا قطعا؛ لدلالة الأدلة القطعية على كونه حقا كان كل ما خالفه خطأ قطعا, ويكفي هذا الرد المجمل لكل من تشرب عقيدة أهل الحديث.


وأما تفصيل الرد فنقول: إن اللفظ في اللغة يكون وضعه على القدر المشترك الذي هو المعنى الكلي الذهني, ثم قد يغلب استعماله على أحد الأفراد التي يصدق عليها القدر المشترك, 

فليس في الاستعمال خروجٌ عن الوضع, بل لا يكون الكلام خارج الذهن إلا مستعملا, وأما الوضع فهو أمر ذهني يستفاد منه في الاستعمال.

إلا أن الاستعمال له جانبان: جانب يتحدد فيه المعنى اامراد بالنظر إلى القرائن والسياق, وجانب تكون فيه الحقيقة  الخارجية تابعة للإضافة.

وأقرب ذلك بمثال: اليد في لغة العرب وضعت لمعنى المقبض, واستعملت في اليد الحقيقية, والنعمة, والقدرة, وكل هذه الاستعمالات روعي فيها الوضع الذي هو القدر المشترك, 

وفي كل استعمال أقيمت القرائن التي تدل على مراد المتكلم, وإن كانت في بعضها أكثر استعمالا من بعض, وكثرة الاستعمالات ليس هو ما وضع له اللفظ, فالتبس الأمر على الشيخ مولود كما التبس على بشر المريسي وغيره 

ولذا كان تحقيق المسألة عند أهل الحديث: أن الصفات التي أضافها الله إلى نفسه من جهة الوضع والاستعمال على النحو الآتي:

ألفاظ الصفات وضعت على القدر المشترك, فالسمع مثلا: وضع لمعنى إدراك المسموعات, والاستواء وضع لمعنى العلو والاعتدال, والوجه وضع لما يواجه به, واليد وضعت للمقبض, والقدم وضعت على السبق ومنه سميت قدم الإنسان قدما؛ لأنها  للتقدم والسبق.وهكذا.

ثم يأتي الاستعمال المقيد فيناسب الحقائق الخارجية, فتختلف يد الباب عن يد الإنسان ويد الفيل...


فهذه الألفاظ جعلت دالة على القدر المشترك, وهي إنما تفهم على هذا الوجه, فالذهن يلاحظ اللفظ ويتصور معناه كليا بحسب ما وضع له في لغة العرب, 

وهذا ما فهمه الصحابة من ألفاظ القرآن وآيات الصفات, والأمثلة عليه كثيرة ومن ذلك ما ثبت عن ابن عمر -وهو صحيح- أخرجه اللالكائي والآجري والبيهقي أنه قال: ( خلق الله أربعة أشياء بيده: العرش والقلم وعدن وآدم,  ثم قال لسائر الخلق: كن فكان ) 

فخص خلق أربعة أشياء بيده دون غيرها؛ مما يدل على أنه يثبت اليد حقيقة لله وفهم منها المعنى الكلي من غير أن ينقدح في ذهنه هيئة وشكلا, فلو لم يثبت لها معنى لما أثبت لها حكما.


والخلاصة أن الذي نفهمه من إضافة الله الوجه لنفسه: المعنى الكلي للوجه وأنه غير السمع والبصر والذات ... 

إلا أنه لما استعمله مقيدا- بمعنى أنه لم يطلق الوجه من غير إضافة- تطلب في الخارج كيفية, وهذه الكيفية تصورها يكون تبعا لتصور الذات, ولما كان تصور الذات ممتنعا كان تصور حقيقة الوجه ممتنعا, ولذا كان المطلوب منا شرعا إدراك المعنى العام لا حقيقة الوجه الخاص المقيد.

ولو كان الأمر كما يدعيه الشيخ مولود لكان الله قد خاطبنا بما معناه في لغة العرب كفرا, ولكان الصحابة الذين رتبوا الأحكام على صفات الله قد وقعوا في الكفر, كما فعل ابن عمر, فابن عمر لما خص خلق أربعة أشياء بيده سبحانه لم يتصور من اليد إلا ما دل عليه الوضع اللغوي, فيكون قد نسب إلى ربه ما لا يليق به.

وهذا اللازم لا يقوله مسلم عاقل.

ولكي أوضخ أكثر للشيخ مولود عقيدة أهل الحديث أقول له: إن الله لما وصف نفسه بالوجه واليدين والاستواء هو يريد منا أن نفهم معانيها التي وضعت لها مع إثبات القدر المميز, لكن لما كان القدر المميز تابعا للذات, وقد جهلت حقيقة الذات, أثبت أهل الحديث المعنى ونفوا الكيفية

ولما كان المعنى العام لا يوجد خارجا إلا مقيدا, وقد جهلت حقيقة وكنه هذا التقييد مع القطع بأنه ليس مثل حقيقة صفة المخلوق, أثبت السلف المعنى ونفوا الكيفية

فأين التناقض؟!!

ثم ما الذي تعتقده في الصراط والمبزان والحوض, ألا تثبت معانيها بحسب الوضع اللغوي وتنفي الكيفية؟!

أو تريد منا نعتقد أنه لا معاني لها!!.


ثم استدرك الشيخ مولود فزعم أن إثبات القدر المشترك مخصوص بصفات المعاني التي تكون في الخالق واجبة وفي المخلوق جائزة.

قيل: لا وجه للتفريق بين صفات المعاني والصفات العينية؛ لأن بحثنا في المفهوم, والعرب لم تفرق في المفاهيم بين ما كان معني ـأو عين. 

ثم إن السمع في المشاهد لا يكون إلا بآلة مخصوصة, 

فإن قلت: الهيئة المخصوصة في السمع  خارجة عن المعنى الكلي

قلنا: وكذلك هيئة الوجه المخصوصة المحسوسة خارجة عن المعنى الكلي.


وأخيرا:  ليس هناك ما يمنع من إثبات الصفات الخبرية كاليد حقيقة لله؛ لأن ذات الله قابلة للاتصاف بالصفات على وجه الحقيقة, وارتفاع الصفات ارتفاع للذات, فإذا صح ارتفاع اتصاف الله بالوجه واليدين فليصح ارتفاع اتصاف الله بالسمع والوجود؛ لأن إثبات الوجه واليدين لله، ثابت على خلاف ما هو ثابت للمخلوق, كما أن إثبات العلم والقدرة لله ثابت على خلاف ما هو ثابت للمخلوق.

ثم إن ما دفعوا به إثبات الوجه واليد يصح أن ندفع به إثبات الذات؛ لأن الإثبات فيهما واحد, ونحن إنما نثبت يدا تليق بالذات, فنسبة اليد إلى الله كنسبة الذات إلى الله.


كتبه د. أحمد محمد الصدق النجار

أستاذ العقيدة بكلية علوم الشريعة المرقب




الأحد، 21 أغسطس 2022

هل اعتناق علماء خدموا الدينولمعتقد ما يدل على صحته؟

 إن من #المغالطات أن تجعل الحجة على صحة معتقد متأخري #الأشاعرة أن من اعتنقه وأخذ به علماء في التفسير والحديث والفقه ...

ووجه كونها مغالطة: أنها مركبة من مقدمة فاسدة تشتبه بالحق

فكونهم علماء خدموا جزءا من دين الله لا يعني أنهم معصومون لا يقعون في الخطأ ولو تعلق الخطأ بأصول الدين

فمقدمة كونهم علماء صحيحة لكن التبست بباطل نتج عن خلط الذهن له بكونهم لا يخطئون ولا يتصور مع علمهم خطأ في أصول الدين أو فيما علم من الدين بالضرورة

وهذه المغالطة الغرض منها تغليط الخصم وإيقاعه في الحيرة.

فهم بدل أن يقيموا الدليل البرهاني لجئوا إلى المغالطات. 


والعلماء مهما علا كعبهم في العلم يتصور منهم الوقوع في خطأ متعلق بالأصول 

وهو واقع، فقد وقع من بعض الصحابة كما في قصة قدامة بن مظغون، فقد أخرج النسائي في السنن الكبرى وغيره عن ابن عباس ، أن قدامة بن مظعون ، شرب الخمر بالبحرين فشهد عليه ، ثم سئل فأقر أنه شربه ، فقال له عمر بن الخطاب : ما حملك على ذلك ، فقال : لأن الله ، يقول : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ( المائدة : 93 ) } وأنا منهم أي من المهاجرين الأولين ...

إلى آخر القصة

والشاهد أنه قد أخطأ فيما علم من الدين بالضرورة. 


فكون العلماء لا يتصور منهم خطأ في أصول الدين أو فيما هو معلوم من الدين بالضرورة منقوض بقدامة رضي الله عنه

ومنقوض أيضا بمن خدم جزءا من الدين من علماء المعتزلة الذين هم خصوم الأشاعرة ويبدعونهم

وكذا من الخوارج ووو

فللمعتزلة جهود في التفسير والأصول واللغة مع ما عندهم فيها من ضلال

ومع ذلك لا يصححون مذهبهم بناء على وجود علماء منهم خدموا الدين!! 


ثم إن البرهان قائم على أن الله عصم الصحابة في مجموعهم

وتواترت النصوص بتزكيتهم 


فيصح أن نُكون دليلا قطعيا على صحة اعتقاد ما بأن الله عصم مجموع الصحابة واعتقاد المعصوم حق

فينتج أن اعتقاد مجموع الصحابة حق

وعليه فكل من اعتقد ما اعتقده الصحابة فقد اعتقد الحق

فيجب أن يكون ميزاننا في الحكم بصحة معتقد أن يكون موافقا لاعتقاد الصحابة لا لغيرهم من العلماء 


فهمهما كثر في نظرك من اعتقد اعتقاد الأشاعرة من العلماء إلا أن ذلك لا يغني شيئا إذا خالف معتقدهم معتقد الصحابة ومن اتبعهم بإحسان.

بل لو فرضنا أن علماء الأمة اعتقدوا اعتقادا خالفوا فيه معتقد الصحابة لحكمنا بصحة اعتقاد الصحابة دون غيرهم؛ لدلالة الأدلة القطعية على أنهم اعتقدوا الحق

.

ولو نظرت إلى تأويلات متأخري الأشاعرة للصفات لما وجدت حرفا منها يصح عن صحابي واحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

وإنما تجدها مأخوذة عن غيرهم ممن عرف عنه انحرافه العقدي. 


ولو قلت لم ينقل عنهم التأويل كما لم ينقل عنهم الأخذ بالظاهر .

قيل لك: هذا غلط ظاهر، فهم نقلوا لنا القرآن وفسروه، فلو كانت آيات الصفات على غير ظاهرها لأولوها ولنقل لنا؛ لأن هذا من حفظ الله لدينه

كيف وقد جاءت عنهم روايات تدل على إثباتهم المعاني الظاهرة للصفات من غير أن ينقدح في أذهانهم تشبيه. 


فهذا إشارة وتنبيه، والكلام يطول 


كتبه د أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ العقيدة بكلية علوم الشريعة


السبت، 6 أغسطس 2022

[هل يشترط في منع الفعل؛ لعلة التشبه: القصد؟]

 [هل يشترط في منع الفعل؛ لعلة التشبه: القصد؟]


من علل التحريم في الشريعة: #التشبه


فإذا أحدث الكفار أو أهل البدع أمرا مبنيا على اعتقاد فاسد أو كان في أمر ديني،

بل ولو كان عاديا مختصا بهم ولا مصلحة راجحة فيه

فإن الشريعة تحرمه وتنهي عنه

ولو لم يقصد المسلم التشبه بهم ولا خطر على باله..


ومن أدلة عدم اشتراط قصد التشبه بهم:

ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين فقال له : ( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها )

فجعل علة النهي مجرد التشبه بالكفار في الصورة الظاهرة، فقد رتب الحكم على أنها لباس الكفار ولم ينظر في النهي إلى القصد.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب وجعل علة الأمر عدم التشبه باليهود مع أن الشيب يقع من غير فعل الإنسان ولا قصده

قال المناوي: "وإذا نهى عن التشـبه بهم في بقاء بياض الشيب الذي ليس من فعلنا فلأن ينهى عن إحداث التشـبه بهم أولى"

كما قد علل النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من الأوامر والنواهي بمخالفة الكفار وعدم التشبه بهم في الصورة الظاهرة، كالنهي عن قيام الرجل للقاعد، وعدم الصلاة في النعال، والنهي عن الاشتمال بالثوب، والنهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها، وتغيير الشيب، والأمر بتعجيل الفطر في رمضان، والنهي عن الوصال، والأمر بإعفاء اللحية وحف الشارب، والخضاب، والنهي عن الإشارة بالسلام، والنهي عن لباس الحرير والديباج إلى غير ذلك...

وهناك أدلة أخرى كثيرة...


فعلى المسلم أن يبتعد عن التشبه بهم، فمن تشبه بقوم فهو منهم


وهذا التشبه يفضي إلى مفسدة ولا مصلحة راجحة فيه

فينهى عنه

كما نهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها.


ومن حكمة عدم التشبه بهم: بقاء أمر الدين والسنة ظاهرا لا يشوبهما شيء


وأما حديث:(إنما الأعمال بالنيات) فهو متعلق بترتب العقاب على الفاعل

فالفاعل لا يكون مستحقا للعقاب إلا إذا كان قاصدا ذات الفعل مع علمه أنه من فعل الكفار أو أهل البدع

وأما الفعل نفسه فيحكم عليه بالتحريم لمجرد التشبه في الصورة الظاهرة.


وأخيرا: هناك صورة تشتبه على بعض طلبة العلم وهي: الفعل العادي الذي أحدثه أهل البدع بناء على اعتقاد فاسد ثم زال عنه الاختصاص فصار يفعله عامة المسلمين من غير أن يعتقدوا الاعتقاد الفاسد

فهل يباح أو يبقى على التحريم؟

والجواب أنه يبقى على التحريم؛ لأن الفعل صار مظهرا من مظاهر الاعتقاد الفاسد وشعارا له، ولما يلزم على ذلك من عدم بقاء السنة صافية نقية، ولما يجر إليه من اندراسها.

والشريعة تمنع المشابهة مطلقا في كل ما كان سبب إحداثه اعتقادا فاسدا

وتأملوا معي حديث النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس

فمع أنه لا يخطر على بال مسلم أنه يسجد للشيطان نهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها ومنعت التشبه مطلقا، ولم يعلق الحكم على القصد والعلم.


ويعجبني في هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ١/٥٥٢:(وأما عمل لم يعلم الفاعل أنه من عملهم فهو نوعان:

أحدهما: ما كان في الأصل مأخوذا عنهم، إما على الوجه الذي يفعلونه، وإما مع نوع تغيير في الزمان أو المكان أو الفعل ونحو ذلك، فهذا غالب ما يبتلى به العامة: في مثل ما يصنعونه في الخميس الحقير والميلاد ونحوهما، فإنهم قد نشئوا على اعتياد ذلك، وتلقاه الأبناء عن الآباء، وأكثرهم لا يعلمون مبدأ ذلك، فهذا يعرف صاحبه حكمه، فإن لم ينته وإلا صار من القسم الأول).


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار