الخميس، 29 ديسمبر 2022

مناط التكفير عند أئمة الدعوة النجدية

 مناط التكفير عند أئمة الدعوة النجدية

إن التكفير بالنوع أو بالعين يجب أن يكون بمناط شرعي صحيح؛ لأن التكفير حكم شرعي، والحق فيه لله سبحانه وحده, قال أبو حامد الغزالي:(الكفر حكم شرعي كالرق والحرية مثلا، إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار، ومدركه شرعي)فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة ١٢٨
وقال ابن تيمية:( الكفر حكم شرعي متلقى عن صاحب الشريعة)درء تعارض العقل والنقل (١/٢٤٢)
فمن كفر بمناط شرعي صحيح لم يكن معتديا على حق الله سبحانه، ومن كفر بغير مناط شرعي كان متعديا على حق الله.
ولما تجاوز الخوارج هذا الحق وكفروا بما ليس بمكفر شرعا جاء الوعيد الشديد فيهم، وأنهم كلاب أهل النار.

ويجب أن يعلم أن الخلاف الحقيقي مع الخوارج إنما هو في مناط التكفير, وليس في العذر بالجهل (بمناط شرعي صحيح للتكفير بالنوع) أو في عدم العذر؛ إذ الخلاف في العذر وعدمه خلاف دائر بين أهل السنة والجماعة, وإن كان هناك من شذ فأخرج الخلاف عن دائرة أهل السنة.
دعاني إلى هذا ما وجدته من التلبيس الحاصل بالتسوية بين من لا يعذر بالجهل بمناط شرعي صحيح للتكفير وبين من لا يعذر بمناط غير صحيح، فأراد أن يسوي بين المختلفين؛ بجامع عدم العذر والتكفير!!

وإن الناظر في تراث أئمة الدعوة يجد منه ما يتعلق بالتأصيل ومنه ما يتعلق بالتنزيل
والخطأ في التنزيل لا يدل على الخطأ في الأصول، فقد اختلف الصحابة في التنزيل وحصل بينهم اقتتال رضوان الله عليهم ولا يدل ذلك على خطأ أصولهم، كما أن ما يقع من أخطاء فردية بحكم واقع متعين لا يدل أيضا على نقض دعوة وطعن في أصولها
وهذا بخلاف الخطأ في الأصول؛ فإن الخطأ في الأصول ينقض الدعوة ويحكم بضلالها.
ومن الأصول المهمة عند النظر في أقوال العلماء عدم إعفال حمل مطلقها على مقيدها، وعدم إغفال الواقع المتعين وملابساته، فلا نخرج القول عن سياقه وواقعه الذي يجب أن يفهم وفقه، ومن استدل بإطلاقٍ له سياقه وواقعه وملابساته على أمر فقد أخطأ وأخذ بالمتشابه.

والمتأمل في تراث أئمة الدعوة النجدية يجد أن مناط التكفير عندهم يرجع إلى:

1-مناط الشرك الأكبر الذي هو جعل ند مع الله في العبادة.

وهذا المناط: مناط صحيح للتكفير, فالشرك بالله كفر أكبر كمن سجد لقبر أو استغاث بميت استغاثة شركية ونحو ذلك
وهذه الأفعال كفر بنفسها وإن لم يصحبها اعتقاد فاسد في الربوبية، كما هو مبسوط في موضعه.
وأما مسألة هل يعذر المعين فيها بالجهل أو لا؟، فهذه من مسائل التنزيل بمناط صحيح، وقد وقع فيها خلاف بين أئمة الدعوة أنفسهم
والخلاف فيها من الخلاف الدائر بين أهل السنة، وقد أبعد من جعلها من مسائل الأصول، أو اتهم أئمة الدعوة بالغلو بسببها.
وإن كنت أميل إلى العذر بالجهل المعتبر، وفصلت في رسالة:"الأصول التي ترجع إليها مسألة العذر بالجهل"

قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: (وأخبرتهم ببراءة الشيخ من هذا المعتقد والمذهب، وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسله، أو بشيء منها، بعد قيام الحجة، وبلوغها المعتبر، كتكفير من عبد الصالحين، ودعاهم مع الله، وجعلهم أندادا له، فيما يستحقه على خلقه، من العبادات، والإلهية، وهذا مجمع عليه أهل العلم والإيمان) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 467)

وقال: (وأما تكفير من أجاز دعاء غير الله، والتوكل على سواه، واتخاذ الوسائط بين العباد وبين الله في قضاء حاجاتهم، وتفريج كرباتهم، وإغاثة لهفاتهم، وغير ذلك من أنواع عباداتهم، فكلامهم فيه، وفي تكفير من فعله أكثر من أن يحاط به ويختصر; وقد حكى الإجماع عليه غير واحد ممن يقتدى به، ويرجع إليه من مشايخ الإسلام وأئمته الكرام
ونحن قد جرينا على سنتهم في ذلك، وسلكنا مناهجهم فيما هنالك، لم نكفر أحدا إلا من كفره الله ورسوله، وتواترت نصوص أهل العلم على تكفيره، ممن أشرك بالله وعدل به سواه ; أو عطل صفات كماله، ونعوت جلاله، أو زعم أن لأرواح المشايخ والصالحين تصرفا وتدبيرا مع الله؛ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.). الدرر السنية في الأجوبة النجدية (12/ 339)

وقال الشيخ عبد الله أبابطين: (فإذا عرفت مذهبهم أن أصله التكفير بالذنوب، وكفروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحلوا قتلهم، متقربين بذلك إلى الله، فإذا تبين لك ذلك، تبين لك ضلال كثير من أهل هذه الأزمنة، في زعمهم: أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأتباعه خوارج؛ ومذهبهم مخالف لمذهب الخوارج، لأنهم يوالون جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتقدون فضلهم على من بعدهم، ويوجبون اتباعهم، ويدعون لهم، ويضللون من قدح فيهم، أو تنقص أحدا منهم، ولا يكفرون بالذنوب، ولا يخرجون أصحابها من الإسلام، وإنما يكفرون من أشرك بالله، أو حسن الشرك؛ والمشرك كافر بالكتاب، والسنة، والإجماع، فكيف: يجعل هؤلاء مثل أولئك؟!.) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 362)

2-مناط الاستحلال العقدي أو الامتناع فيما ليس كفرا بذاته, وهو أيضا تكفير بمناط شرعي صحيح.
وقد أرجعوا التكفير في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله إلى هذا المناط.
وأرجعوا نوعا من أنواع التكفير بموالاة الكفار إليه.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (لا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم به فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر؛ فإنه ما من أمة إلا وتأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه كإبراهيم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم كسوالف البادية، وأمر المطاعين، ويرونه أنه هو الذي يبتغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر إذا عرفوا ما أنزل الله فلم يلتزموه، بل استحلوا الحكم بغيره فهم كفار، وإلا كانوا جهالا كما تقدم). مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الثاني عشر) (ص: 147)
وقال الشيخ عبد اللطيف: (وما ذكرته عن الأعراب من الفرق بين من استحل الحكم بغير ما نزل الله، ومن لم يستحل، فهو الذي عليه العمل وإليه المرجع عند أهل العلم) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (3/ 311)
وقال عبد الله أبابطين: (إن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد، وهو أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحودا وعنادا من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه التي أصلها توحيده وعبادته -وحده لا شريك له-، وهذا مضاد للإيمان من كل وجه. وأما كفر العمل فمنه ما يضاد الإيمان كالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه. وأما الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة، فهذا كفر عمل لا كفر اعتقاد، وكذلك قوله: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "  وقوله: " من أتى كاهنا فصدقه، أو أتى امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" . فهذا من الكفر العملي وليس كالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (الجزء الثالث) (ص: 14)
وسئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: هل يجوز التحاكم إلى غير كتاب الله؟
فأجاب: (لا يجوز ذلك، ومن اعتقد حله فقد كفر) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 252)
وسئل أيضا، الشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن، عما يحكم به أهل لسوالف من البوادي وغيرهم من عادات الآباء والأجداد، هل يطلق عليهم بذلك الكفر بعد التعريف ... إلخ؟
فأجاب: (من تحاكم إلى غير كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعد التعريف، فهو كافر) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 426)
 وقال حمد بن عتيق: (وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [سورة المائدة آية: 104] ، فَبَيَّن: أن الامتناع عن التحاكم، وإلى ما بعث الله به رسوله، من طاعة الشيطان، ومن الموجبات لعذاب السعير). الدرر السنية في الأجوبة النجدية (14/ 229)

وفي فتوى للشيخ سليمان بن سحبان تكلم فيها عمن ينصب حكما وهو يرى أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، أو لم يعتقد وجوب ما أنزل الله, أو استحل, أو يرى تقديمه على حكم الكتاب والسنة؛ فبين أن هذا كفر أكبر.
ثم انتقل إلى الكلام عمن يعرض عن حكم الله وعتقد أن تحكيم شريعة الإسلام، يفضي إلى القتال والمخالفة، وأنه لا يحصل الاجتماع والألفة، إلا على حكم غير الله, وإذا قيل لهم: اتركوا,  قالوا: إنا لا نفعل ذلك إلا خوفا من أن يقتل بعضنا بعضا، فإني إذا لم أوافق صاحبي، على التحاكم إليها قتلني أو قتلته.
فلما كان التحاكم بهذه الصورة التي هي كفر أكبر منع منه لأجل الدنيا, وذكر أنه إذا كان هذا التحاكم كفرا، والنّزاع إنما يكون لأجل الدنيا، فكيف يجوز لك أن تكفر لأجل ذلك؟
فلو ذهبت دنياك كلها، لما جاز لك المحاكمة إلى الطاغوت لأجلها، ولو اضطرك مضطر وخيرك، بين أن تحاكم إلى الطاغوت، أو تبذل دنياك، لوجب عليك البذل
والفتوى كاملة موجودة في الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 502-511)
وقال الشيخ حمد بن عتيق:(من استحل موالاة المشركين ومظاهرتهم وإعانتهم على المسلمين فكفره اعظم من هذا..) سبيل النجاة والفكاك ص ١٠٧

3-مناط التشريع الذي يستلزم الاستحلال العقدي أو الامتناع, فجعلوا فعل التشريع كفرا باعتبار كونه مظنة للمناط الحقيقي؛ للتلازم بين الظاهر والباطن، فحكموا على الفعل بالكفر الأكبر؛ لكونه يستلزم مناط الاستحلال العقدي أو الامتناع، فأنزلوا المظنة منزلة المئنة.
فهو في الحقيقة استدلال بفساد الظاهر على فساد الباطن، ولم يجعلوا ذات التشريع كفرا أكبر من جنس السب والاستهزاء الذي يدل بالضرورة على كفر الباطن، فكفر الظاهر في السب يدل قطعا على كفر الباطن، ولذا لم يلتفت في السب إلى الاستحلال.

وهذا المناط محل خلاف بين أهل السنة، وإن كنت لا أراه مناطا صحيحا، فقد يفسد الظاهر ولا يزول الباطن بالكلية وإنما يضعف، فالتلازم في القوة بين الظاهر والباطن ليس كالتلازم في الضعف، ويشهد لهذا قصة حاطب، وسعد بن عبادة لما جادل عن منافق رضي الله عنهما.
ولأن فعل التشريع لا يدل بالضرورة على الاستحلال أو الامتناع كما هو الشأن في السب والاستهزاء، وإنما يحتمل صورا ينتفي فيها قصد الاستحلال أو الامتناع، وما احتمل في القصد صورا كفرية وغير كفرية لا يجعل بذاته كفرا أكبر.
فإن قيل: ما الفرق بينهم في هذا المناط وبين مناط الجماعات الجهادية؟
قيل: يفارقونهم في هذا المناط من جهتين:
الجهة الأولى: أنهم لا يجعلون ذات التشريع كفرا أكبر وإنما يراعون فيه كونه يدل على الاستحلال أو الامتناع.
فالمناط الحقيقي عندهم هو الاستحلال أو الامتناع وليس ذات التشريع، فنظروا فيه إلى كفر الباطن، وبالتالي متى تُحقق من أن المشرع لم يستحل ولم يمتنع كأن يعترف بضلاله وخطئه ويحذر الناس من تشريعه... فلا يكون فعله كفرا أكبر؛ لتخلف المناط الحقيقي وتخلف كفر الباطن فيه.
ولو كان ذات التشريع مناطا للتكفير لما صح التفريق بين من حكم في مسألة بتشريع وبين من استبدل الشريعة، ولا بين أن يصدر من حاكم أو قاض وبين أن يصدر من رب أسرة أو مدير مدرسة؛ لأن الكفر في نفسه جنس لا يقبل التجزأة.
ويظهر الفرق في صورة من استبدل الشريعة وهو يعتقد حرمة فعله ولا يرى منازعة الله في حقه,
فمن كفر بذات التشريع كفره عينا, ومن كفر بالتشريع لكونه يستلزم الاستحلال أو الامتناع لم يكفره عينا.

الجهة الثانية: لا يكفرون عينا بهذا المناط إلا بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع.
وفي تقرير هذا المناط:
قال الشيخ العثيمين –رحمه الله- في شرحه على كتاب التوحيد (2\326) فقال : "أما بالنسبة لمن وضع قوانين تشريعية مع علمه بحكم الله وبمخالفة هذه القوانين لحكم الله ، فهذا قد بدل الشريعة بهذه القوانين ، فهو كافر ؛ لأنه لم يرغب بهذا القانون عن شريعة الله إلا وهو يعتقد أنه الخير للعباد والبلاد من شريعة الله ، وعندما نقول بأنه كافر ؛ فنعني بذلك أن هذا الفعل يوصل إلى الكفر".
فأرجع الكفر باستبدال الشريعة لمناط التكفير وهو الاستحلال والامتناع
ولهذا قال: ( ؛ لأنه لم يرغب بهذا القانون عن شريعة الله إلا وهو يعتقد أنه الخير للعباد والبلاد من شريعة الله)
وقال –أيضا- رحمه الله- في شرحه على الثلاثة الأصول ضمن مجموع الفتاوى (6\161) وفي (2\144-145) –أيضا- : "فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق".
 ولما لم يكن ذات التشريع مناط التكفير تخلف حكم التكفير إذا تُحقق تخلف الاستحلال أو الامتناع
ولهذا قال الشيخ العثيمين : "وإذا كان يعلم الشرع ولكنه حكم بهذا أو شرع هذا وجعله دستورا يمشي الناس عليه يعتقد انه ظالما في ذلك وان الحق فيما جاء به الكتاب والسنة فأننا لا نستطيع أن نكفر هذا"

وكذلك الشيخ محمد بن إبراهيم فقد قال الشيخ محمد بن إبراهيم في (10/8/1375هـ): «واعتبارُ شيءٍ من القوانين للحُكم بها ولو في أقلِّ قليل، لا شكَّ أنه عدمُ رضا بحكمِ الله ورسوله، ونسبةُ حكمِ الله ورسوله إلى النقصِ وعدمِ القيام بالكفاية في حلِّ النزاع وإيصالِ الحقوق إلى أربابها، وحكمِ القوانين إلى الكمال وكفاية الناس في حلِّ مشاكلهم، و(اعتقاد) هذا كفرٌ ناقلٌ عن الملة، ...» اهـ، (الفتاوى والرسائل) [12/251].

وفي فتوى سنة ١٣٨٥ وهي متأخرة عن رسالته تحكيم القوانين التي كانت سنة ١٣٨٠ جاء فيها كما في مجموع الفتاوى (1/80( له :" و كدلك تحقيق معنى محمد رسول الله من تحكيم شريعته ؛ والتقيد بها؛ و نبذ ما خالفها من القوانين والاوضاع و سائر الاشياء التي ما انزل الله بها من سلطان ؛ والتي من حكم بها " يعني القوانين الوضعية " او حاكم اليها ؛ معتقدا صحة دلك و جوازه ؛ فهو كافر الكفر الناقل عن الملة ؛فان فعل دلك بدون اعتقاد دلك وجوازه ؛ فهو كافر الكفر العملي الدي لا ينقل عن الملة
وأما قول الشيخ محمد بن إبراهيم في رسالة تحكيم القوانين التي كانت سنة ١٣٨٠ه:( الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقّة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعدادا وإمدادا وإرصادا وتأصيلا، وتفريعا وتشكيلا وتنويعا، وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات. فكما أنّ للمحاكم الشرعية مراجعَ مستمدّات، مرجعها كلُّها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجعٌ، هي: القانون المُلفّق من شرائعَ شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك. فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيّأة مكملة، مفتوحةُ الأبواب، والناس إليها أسرابٌ إثْر أسراب، يحكُمُ حُكّامُها بينهم بما يخالف حُكم السُنّة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتُلزمهم به، وتُقِرُّهم عليه، وتُحتِّمُه عليهم.. فأيُّ كُفر فوق هذا الكفر، وأيُّ مناقضة للشهادة بأنّ محمدًا رسولُ اللهِ بعد هذه المناقضة).
فإما أن نرجعها بالنظر إلى مجموع كلامه إلى كون الشيخ يجعل الفعل يدل على الاستحلال، فالاوصاف التي ذكرها كالأعداد والإمداد والإلزام ... ترقى عنده إلى كون الفعل يدل على الاستحلال...
فنقدم الجمع بين أقواله
وإما أن نقول بتراجعه للفتوى المتأخرة عنه فنلجأ إلى الترجيح واعتماد المتأخر.

4-مناط الموالاة التامة للكفار، سواء كانوا كفارا أصليين أو مرتدين .
ويجب ألا نغفل هنا المناط الأول الذي تقدم ذكره.
قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51]، وقوله سبحانه: ﴿ لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المجادلة: 22]، وقوله عز وجل: ﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 57]: (فقد فسرته السنة، وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة) [الدرر السنية 1 /474]

5-مناط محبة دين الكفار ومناصرته وإعانتهم لأجله، أو تصحيح دينهم...
قال الشيخ محمد بن سليم:(النوع الأول: أن يودهم ويود ما هم عليه من الكفر، ويطمئن إلى ذلك ويرضى به فهذا كفر بلا ريب
النوع الثاني أن يودهم لغرض دنيوي مع كراهته لما هم عليه وتضليلهم فهذا قد أتى كبيرة من كبائر الذنوب)الدرر السنية (١٥/٤٧٩)

6-مناط مظاهرة الكفار ومعاونتهم على المسلمين المستلزم لظهور الكفر واندراس الإسلام والذي يدل على عدم أصل البراء من الكفر وأهله.
فنظروا إلى أن الفعل الذي يستلزم ظهور الكفر يدل على انتفاء الولاء والبراء من أصله, فجعلوا المظاهرة والمعاونة كفرا باعتبار كونها مظنة للمناط الحقيقي؛ للتلازم بين الظاهر والباطن، فحكموا على الفعل بالكفر الأكبر؛ لكونه يستلزم زوال أصل الولاء والبراء، فأنزلوا المظنة منزلة المئنة.
ولم يجعلوا ذات المظاهرة والمعاونة كفرا أكبر من جنس السب والاستهزاء الذي يدل بالضرورة على كفر الباطن، ولذا لم تكن المظاهرة كفرا في كل صورها، فأخرجوا -مثلا-الجاسوس.
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: (واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح: إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين - ولو لم يشرك - أكثر من أن تحصر، من كلام الله، وكلام رسوله، وكلام أهل العلم كلهم) [الدرر السنية 10/8)
وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ: (والمرء قد يكره الشرك، ويحب التوحيد، لكن يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك، وترك موالاة أهل التوحيد ونصرتهم، فيكون متبعًا لهواه، داخلا من الشرك في شُعَب تهدم دينه وما بناه، تاركًا من التوحيد أصولا وشعبًا، لا يستقيم معها إيمانُه الذي ارتضاه، فلا يحب ويبغض لله، ولا يعادي ولا يوالي لجلال من أنشأه وسوّاه، وكل هذا يؤخذ من شهادة: أن لا إله إلا الله) [الدرر السنية 8/396]
وقال عبدُ اللَّطيفِ بن عبد الرَّحمن آل الشَّيخ: (أكبَرُ ذَنبٍ وأضَلُّه وأعظَمُه منافاةً لأصلِ الإسلامِ: نُصرةُ أعداءِ اللهِ ومُعاونَتُهم، والسَّعيُ فيما يُظهِرُ به دينَهم وما هم عليه من التعطيلِ والشِّركِ والموبِقاتِ العِظامِ) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (3/57).
وقال رحمه الله: (من أعانهم أو جرهم على بلاد أهل الإسلام، أو أثنى عليهم أو فضلهم بالعدل على أهل الإسلام، واختار ديارهم ومساكنتهم وولايتهم، وأحب ظهورهم؟! فإن هذا ردة صريحة بالاتفاق، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 5] [الدرر السنية 8 /326].

فهذه هي مناطات التكفير عند أئمة الدعوة النجدية وهي مناطات شرعية صحيحة
ولا تتفق مع مناطات التكفير عند الجماعات الجهادية، فمناطات التكفير عند الجماعات الجهادية ومن وافقهم تعود إلى التكفير بما ليس بمناط شرعي، فتراهم يأتون إلى مناط شرعي خاص فيخرجونه عن خصوصه وما يدل عليه ويجعلونه مناطا عاما يشمل كل صورة داخلة تحت مسماه
كما هو الشأن في تكفيرهم بمطلق التشريع وبمطلق مظاهرة الكفار على المسلمين وبمطلق إعانتهم ...
ومن ذلك: قول أبي قتادة الفلسطيني في كتابه (الجهاد والاجتهاد) : "وقد أجمع الأوائل من أئمّتنا على أن مطلق التّشريع على خلاف الشّريعة هو كفر وردّة".
وقول أبي يحيي الليبي في كتابه حكم الجاسوس المسلم ص ٣٢:(وبما انه قد تقرر لدينا فيما سبق أن التجسس للكفار على المسلمين ليستعينوا بذلك في حربهم لهم يعني بالضرورة انخاذهم أولياء وأنصارا وهو من مظاهرتهم ومناصرتهم ومعاونتهم بقي أن تعرف أن حكم مظاهرتهم هو الكفر الأكبر المهرج من الملة)
وقوله ص (٥٦):(ففعل حاطب لم يكن في حقيقته لا مظاهرة ولا إعانة ولا ممالاة للكفار على المسلمين والاي هي مناط التكفير هنا)
 
ومما ينبغي التنبيه عليه: أن من ابتلي بالتكفير المنفلت يستغل ما وجده عن بعض الأئمة من تنزيل حكم التكفير على أشخاص أو بلدة في قضية معينة وواقع خاص
فيأتي فيعمم الحكم ويبنيه على مناطاته.
فلم ينظر إلى الواقع الخاص الذي ورد لأجله الحكم، ولم يراع في الإطلاقات وجود ما يقيدها.
فمثلا: لما تكلم (بعض) أئمة الدعوة النجدية في الدولة العثمانية
وصنفوا كتابي الدلائل وسبيل النجاة لم ينظر الغلاة للواقع الخاص، فقد جاء في الدرر السنية (٩/١٥٧_١٥٨) أن سبب تصنيف "الدلائل"، لما هجمت العساكر التركية على نجد في وقته، وأرادوا اجتثاث الدين من أصله، وساعدهم جماعة من أهل نجد، من البادية والحاضرة، وأحبوا ظهورهم.
وكذلك: سبب تصنيف الشيخ حمد بن عتيق "سبيل النجاة" هو لما هجمت العساكر التركية على بلاد المسلمين، وساعدهم من ساعدهم، حتى استولوا على كثير من بلاد نجد. فمعرفة سبب التصنيف مما يعين على فهم كلام العلماء، فإنه بحمد الله ظاهر المعنى؛ فإن المراد به موافقة الكفار على كفرهم، وإظهار مودتهم، ومعاونتهم على المسلمين، وتحسين أفعالهم، وإظهار الطاعة والانقياد لهم على كفرهم).

ولو كان مجرد وجود إطلاق من إمام استغله طائفة منحرفة يعد هذا الإمام مصدرا لهم وقدوتهم لما سلم إمام ولا صحابي من أن يكون رأسا لطائفة منحرفة.

ولست هنا في مقام التسويغ لأخطاء التنزيل، وإنما لدفع التهمة عن الخطأ في الأصول، ودحض شبهةالتسوية بينهم وبين الخوارج ومن وافقهم.

وأختم بقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ:(وقد بلغنا : عنكم نحو من هذا وخضتم في مسائل من هذا الباب كالكلام في الموالاة، والمعادة والمصالحة والمكاتبات وبذل الأموال والهدايا ونحو ذلك من مقالة أهل الشرك بالله، والضلالات والحكم بغير ما انزل الله عند البوادى، ونحوهم من الجفاة، لا يتكلم فيها إلا العلماء من ذوي الألباب ومن رزق الفهم عن الله وأوتي الحكمة وفصل الخطاب .
والكلام في هذا : يتوقف على معرفة ما قدمناه، ومعرفة أصول عامة، كلية، لا يجوز الكلام في هذا الباب وفى
غيره لمن جهلها و أعرض عنها وعن تفاصيلها فإن الإجمال ،والإطلاق ،وعدم العلم،بمعرفة مواقع الخطاب، وتفاصيله، يحصل به من اللبس، والخطأ، وعدم الفقه عن الله، ما يفسد الأديان، ويشتت الأذهان، ويحول بينها، وبين فهم السنة والقرآن ؛ قال : ابن القيم، في كافيته، رحمه الله تعالى :
فعـليك بالتفصيـل والتبيين فالـ إطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ أذهان والآراء كل زمان
وأما : التكفير بهذه الأمور، التي ظننتموها، من مكفرات أهل الإسلام فهذا : مذهب، الحرورية، المارقين، الخارجين على علي بن أبي طالب)

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

 

الخميس، 15 ديسمبر 2022

الحاكمية وموافقة الخوارج في الغلو فيها وإعمال لوازمه

 

الحاكمية وموافقة الخوارج في الغلو فيها وإعمال لوازمه

الحلقة السادسة

تقدم في مقالات سابقة أن الخوارج يكفرون بغير مكفر شرعي, بمعنى: أن مناط التكفير عندهم مناط باطل.

وذكرنا أن مناط التكفير بالحاكمية عندهم يرجع إلى النظر إلى مجرد الفعل من غير اعتبار استلزام الفعل: الاستحلال أو الامتناع أو لا.

ويتضح هذا جليا في صورة ما لو أن حاكما ترك حكم الله في مسألة وحكم بقانون من غير أن يستحل ولا أن يمتنع عن حكم الله, بل يعتقد حرمة فعله...

فهنا الخوارج يقولون: يكفر عينا, ولا يراعون في الفعل هل يستلزم الاستحلال والامتناع أو لا؟, بل يرون أن مراعاة ذلك هو مذهب المرجئة!!

وهذا ما قصدناه بقولنا: أن مناط التكفير عندهم: ترك حكم الله أو مطلق التشريع.

وهو غير المناط الذي يكفر به بعض أهل السنة وعليه إطلاقات بعض الأئمة ومنهم بعض أئمة الدعوة النجدية, عندما يكفرون بالتشريع المخصوص, وهو: التشريع الذي يستلزم الاستحلال أو الامتناع, كما لو كان من سن قانونا يحيطه بالرعاية والحصانة ويقيم عليه المحاكم ويرتب عليه العقوبة ويلزم الناس به إلى غير ذلك, فهذا يستلزم الاستحلال أو الامتناع عندهم.

وهذا المناط وإن كان قولا لبعض علماء أهل السنة إلا أنه مناط -عند التحقيق- ليس بصحيح, وإنما المناط الصحيح هو الاستحلال أو الامتناع ولا يكتفى بمجرد التشريع المخصوص؛ لأنه ليس من جنس ما هو مكفر بنفسه.

لكن لا يمكن بحال أن يوصف من قال إن مناط التكفير: التشريع الذي يستلزم الاستحلال أو الامتناع بأنه من الخوارج أو وافق الخوارج, فهذا الوصف وصف جائر وليس هو من قول الخوارج في شيء.

كيف ومن قال بهذا القول من العلماء المعتبرين لم يعرف عنهم جعل هذه المسألة من أولويات دعوتهم, ولا جعلوها جوهر الألوهية وأخص خصائصها, ولا نادوا بها في كل محفل, ولا أشغلوا الناس بها؟

ومن هنا يعرف خطأ من زعم أن دعوة محمد بن عبد الوهاب هي أصل خوارج العصر؛ لأن تكفير الشيخ لمن كفره كان بمناط كفري صحيح, بغض النظر عن صحة التنزيل.

 

ثم نشأت طائفة خالفت الخوارج في مناط تكفيرهم بالحاكمية إلا أنهم شاركوهم في الغلو فيها ولوازمه, وأطلقوا الأحكام؛ مما استدعى التحذير من فعلهم حتى لا ينتهي الأمر إلى التكفير بما ليس بمناط شرعي للتكفير, ومن صور هذا الغلو:

1-التكفير العيني بالمختلف في كونه مكفرا, فقد تقدم أن التشريع المخصوص اختلف في كونه مكفرا؛ لاستلزامه الاستحلال أو الامتناع أو ليس بمكفر؛ لعدم ظهور الاستحلال أو الامتناع,

والتكفير بهذا النوع من التكفير بالظن المنهي عنه, قال ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (17/ 22): (فالواجب في النظر أن لا يكفر إلا من اتفق الجميع على تكفيره, أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أو سنة).

2-الحكم على المجتمعات بوقوعها في عين شرك قوم نوح والعرب إلا قليلا, كما قال سفر الحوالي شفاه الله في ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي (ص: 20): (والآن وقد دار الزمان دورة ثالثة حتى أوشك أن يعود كهيئته يوم أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم حيث تردى الإنسان المعاصر إلا قليلاً في عين ما وقع فيه قوم نوح والعرب من شرك في التقرب والنسك، وفي الطاعة والتشريع)

وهذا الكلام قريب من قول سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن  في تفسير سورة الأنعام [قل أي شيء أكبر شهادة] الآية لما قال: ( لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية ؛ وعادت البشرية إلى مثل الموقف الذي كانت فيه يوم تنزل هذا القرآن على رسول الله)

وهو أيضا ما كان يقرره محمد قطب رحمه الله الذي أشرف على رسالتي الماجستير والدكتوراه لسفر الحوالي, فقد قال في جاهلية القرن العشرين (ص: 206): (ومن مقتضيات العبودية أن تكون الحاكمية لله وحده وأن يأخذ الناس تشريعهم عن الله..

ولقد جادلت في هذا الأمر كل جاهلية في تاريخ الناس! حتى الجاهليات التي كانت تقول: إنها " تعرف " الله.. حتى الجاهليات التي كانت تقول: إنها " تعبد " الله.. حتى الجاهليات التي كانت تظن أنها تؤدي العبادة الحقة لله.. كل الجاهليات كانت تجادل في هذا الأمر، وتظن أن العبودية لله أمر يختلف عن الإقرار بالحاكمية لله وحده وأخذ التشريع عن الله دون سواه).

فهذا الغلو في تعظيم الحكم جرهم إلى إخراج المجتمعات عن فهم حقيقة التوحيد ومقتضى العبودية وإدخالهم في دائرة الشرك, فخالفوا النصوص الشرعية وانحرفوا عن فهم حقيقة لا إله إلا الله.

3-غلوهم في الحاكمية وإطلاق أحكام التكفير والردة واستعمال ألفاظ يتبادر إلى الذهن منها تكفير المعين من غير نظر إلى تحقق الشروط وانتفاء الموانع.

وهذا الغلو هو ما أوقع بعض مشايخ الصحوة في تكفير الحكام بأعيانهم وإثبات ردتهم بإطلاق؛ لكونهم شرعوا من دون الله, ووالوا الكفار, وتحاكموا إلى طواغيت هيئة الأمم ومحكمة العدل الدولي ومجلس الأمن والنظام العالمي الجديد.

وهو عين ما كان يفعله منظرو التيار الجهاد وقادته, قال سيد إمام في كتابه الجامع (539): (إن البلاد المحكومة بقوانين وضعية كما هو الحال في شتى بلدان المسلمين اليوم لها أحكام خطيرة يجب أن يعلمها كل مسلم؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة, ومن هذه الأحكام:

-أن حكام هذه البلاد كفار كفر أكبر, خارجون من ملة الإسلام.

-أن قضاة هذه البلاد كفار كفرا أكبر, وهذه بعني تحريم العمل بهذه المهنة...

-أن أعضاء الهيئات التشريعية بهذه البلاد كالبرلمان ومجلس الأمة كفار كفرا أكبر...

-أن الجنود المدافعين عن هذه الأوضاع الكافرة هم كفار كفرا أكبر...

ويدخل في هذا الحكم: كل من يدافع عن هذه الأنظمة الكفرية بالقتال دونها كالجنود أو يدافه عنها بالقول)

4-الغلو في التكفير بالحاكمية وإعظام شأنه في القلوب؛ حتى أداهم إلى التفريط فيما يترتب على ذلك من مفاسد كسفك الدماء وانتهاك الأعراض وحصول الفوضى في المجتمعات الإسلامية.

5-الغلو في التكفير بالحاكمية؛ حتى رأوا أن من لم يكفر قد ضيع الدين ووالى أعداء الله وصار جسرا لهم, ورأوا أنهم هم الطائفة المنصورة وجماعة المسلمين.

6-الغلو في الحاكمية حتى كفروا باللوازم, فجعلوا الدخول في المعاهدات من التولي الكفري, ونحو ذلك.

7-الغلو في التكفير بالتشربع؛ حتى اعتبروا أن عدم التكفير بفعل التشريع هو من نفي وقوع الكفر بالفعل الظاهر, وقاسوه على نفي وقوع الكفر بالسب نفسه والسجود للصنم, واتهموا من قال بذلك بأنه على مذهب غلاة المرجئة, وهو ما كان يدندن حوله محمد قطب في كتبه, وذكره سفر الحوالي في كتابه ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي(475) حيث قال: (فكما أن المرجئة القدامى تصوروا وجود الإيمان في قلب من عاش دهره كله لم يسجد لله سجدة ، ولا صام له يوما ، ولا أدى من زكاة ماله درهما ، ولا عقد النية على حج بيته ، بل ربما كان معلنا بسب الله ورسوله مهينا للمصحف عمدا ، حتى لو قتلناه على شئ من ذلك قالوا ، إن كان مقرا في نفسه فإنه يموت مسلما عاصيا وإذا امتنع عن التوبة يقتل حدا لا كفرا !!

كما تصوروا ذلك جاء المرجئة المعاصرون فقالوا : إن من كان لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يقيم من شريعة الله إلا جزءا قد يقل أو يكثر، لا يقيمه لأنه من أمر الله وامتثالا له وإيمانا بدينه ، بل لأنه موافق للهوى والمصلحة الذاتية ، ومقر ممن يملك حق الإقرار والتشريع سواء كان شخص الزعيم أو الحزب أو المجلس التشريعي ، فإنه لا يكفر إلا إذا علمنا أنه في قلبه يفضل شرائع البشر على شريعة أحكم الحاكمين ، وما لم نطلع على ذلك فكل أعماله هي على سبيل المعصية ، حتى وهو يصدر القوانين تلو القوانين ويترصد للمطالبين بتطبيق الشريعة ويلاحقهم بصنوف الأذى ، ويظهر الموالاة الصريحة للكفار ، ويلغي ما شرعه الله من الفروق الجلية بين المؤمنين والكفار من الرعية ، ويرخص بإقامة أحزاب لا دينية - كل ذلك معاص لا تخرجه من الإسلام ما لم نطلع على ما في قلبه فنعلم أنه يفضل شرعا وحكما غير شرع الله وحكمه على شرع الله وحكمه ، أو يصرح بلسانه أنه يقصد الكفر ويعتقده ، وأنه مستحل للحكم بغير ما أنزل الله !!)

وهو عين صنيع التيار الجهادي, قال أبو يصير الطرطوسي في أعمال تخرج صاحبها من الملة ص 17: (فإن مشايخ الإرجاء قبحهم الله من مشايخ  ينشطون في كل مكان وفي كل اتجاه وواد بما أوتوا من علم وحفظ للنصوص يصورون للناس أن هؤلاء الطواغيت مسلمون تجب طاعتهم).

8-الغلو في الحاكمية؛ حتى جعلوها واجب العصر بإطلاق, وأولوية يجب تقديم الكلام فيها عن غيرها, وازدروا الكلام في غيرها.

9-الوقوع في الحزبية بسبب الغلو في الحاكمية, فمن تكلم في الحكام وكفرهم فهو المجاهد الذي لا يخاف, ومن سكت ولم يكفر فهو المداهن المنافق.

كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022

هل الحاكمية هي الانقياد؟

إن الأصل في تعليم الناس أن يؤخذ #التوحيد كاملا بأصوله وفروعه

وإذا ما عظم الخلل في أصل أو فرع منه استدعى ذلك زيادة اعتناء واهتمام به، كما لو انتشر في بلد ما وقوع خلل في #الأسماء_والصفات فإن ذلك يستوجب زيادة اعتناء به مع عدم ازدراء الكلام في غيره

وكذا إذا حصل خلل في #تحكيم_الشريعة فإن ذلك يستوجب كمال عناية بها؛ بما تقتضيه أصول أهل السنة..

ونحن لا ننكر على من اعتنى بجانب #الحاكمية بحسب ما اقتضاه موجبه من تحكيم غير ما أنزل الله وتشريع القوانين..

إلا أن الذي ننكره تغيير حقيقته الشرعية، وترتيب #الكفر على غير مناطه، وجعله شعارا على التحريض والعنف وإشاعة الفوضى، وأن الإسلام يقوم على هذا الشعار دون غيره.

والذي ننكره جعله سلما للوصول إلى السلطة بإثارة الشعوب وتكفير الحكام!

ولا يمكن أن يكون المفهوم الشرعي له الذي يريده الله يؤدي إلى الفوضي والتخريب وسفك الدماء في بلدان المسلمين..

كيف وشريعة الله اعتنت بجلب المصالح الراجحة ودرء المفاسد الراجحة؟

والذي ننكره التطرف في استعمال الحاكمية، وتوظيف النصوص في تحقيق أهداف خاصة.

والذي ننكره إعادة تجربة الجماعات الجهادية مع ثبوت فشلها وإشعال الفتن باسم الإسلام، وتمكين الكفار من بلدان المسلمين بذريعة محاربة الإرهاب.

والذي ننكره التكفير العيني بمناط التشريع والاستبدلال من غير اعتبار الفعل هل يستلزم الاستحلال أو الامتناع فضلا عن أن يكون المناط هو الاستحلال أو الامتناع. 


فعندما يأتي أحد المنظرين ويعرف الحاكمية الذي دار حولها الجدل بالانقياد الذي هو شرط من شروط لا إلا إلا الله

مع تغافله عن محل الجدل ومأخذه ولوازمه!!

فيفسرها بعمل القلب الذي جماعه الخضوع والانقياد للآمر.

وكأنه يريد أن يجعل مناط التكفير بالحاكمية هو ترك الانقياد أو عدمه!

فلا يتبادر إلى الذهن من زواله إلا زوال أصل الإيمان، ويتأتى بعد ذلك إطلاق التكفير بها، ويفتح الباب لمن غلا أن يكفر بمجرد ترك الحكم أو بمطلق التشريع؛ لأنه ترك للانقياد!!. 


ومن المعلوم أن الذي يضاد الانقياد: الامتناع وليس مجرد الترك، فالامتناع ترك وزيادة.

بمعنى: أن الذي لا ينقاد بقلبه للشريعة فيمتنع عنها إباء أو إعراضا أو شكا هذا الذي يكفر كفرا أكبر. 


وعندما نتحدث عن الخلل في مفهوم الحاكمية عند بعض الجماعات لا نتحدث عليه من جهة أن الله هو المنفرد بالتشريع ووجوب الخضوع له

وإنما نتحدث عليه من جهة حكم ترك الحكم، وهل يلزم منه التكفير مطلقا؟ وما مناط التكفير بها؟. 


فنتحدث عنها من جهة دفع غلو يعصف بالأمة ويخرج النصوص عن دلالاتها.


ونذكر مع ذلك بأن مناط تكفير #العلمانية التي تقصي الشريعة هو عدم الاستسلام والخضوع لأوامر الله، فمن حكم غير الشريعة لزوال الخضوع من قلبه وقع في الكفر الأكبر

وليس كل من ترك تحكيم الشريعة وحكم بتشريع آخر وقع في مناط التكفير بالعلمانية.

وإن كان على باب خطير وجرم عظيم...


يتبع بإذن الله... 


كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار


#الحاكمية بمفهومها الخاطئ ومنبعها الفكري

 #الحاكمية بمفهومها الخاطئ ومنبعها الفكري 


الحلقة الخامسة 


إن الناظر في واقع #التيار_الجهادي يجد أن اعتماده الأكبر ومصدره في العصر الحديث ما أنتجه #المودودي و #سيد_قطب رحمهما الله؛ بناء على تصريحات رموز التيار نفسه، مما يقطع الطريق على من يريد أن يلصق التيار بغيرهما، ومعلوم أنه لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح، والاعتراف سيد الأدلة.


قال أبو مصعب السوري فيما كتبه في مجلة؛ قضايا الظاهرين على الحق، العدد؛ 2، ذ والحجة/1421 هـه في مجلة بعنوان "الفجوة الفكرية المنهجية في التيار الجهادي الحالي": (فإذا أردنا تقسيم الصحوة الجهادية من حيث السمت العام، رأينا أنها أنهت مرحلتها الأولى، وهي ما يمكن وصفه بأنها "مرحلة التنظيمات السرية القطرية الهرمية المسلحة"، وابتدرت مع نهاية التسعينات وبداية القرن الحادي والعشرين مرحلة يمكن وصفها بالمواجهة الشمولية العالمية، التي بدا أن من أهم ما يميزها المواجهات الجبهوية المفتوحة والمبادرات الإرهابية الفردية المحدودة.

وأما إذا أردنا تقسيمها من حيث الأجيال والمراحل؛ فإننا نلاحظ أن الصحوة الجهادية قد مر منها جيلان، جيل الستينات والسبعينات (1960 - 1975) م، ثم جيل السبعينات والثمانينات (1975 - 1990) م، والآن الجيل الجديد الذي لحق ويلحق بركب التيار الجهادي وجمهوره، وهم جيل أواخر التسعينات وبداية القرن الحالي (1990 - 2001) م.

فأما الجيل الأول؛ فقد مضى معظمه وقضى رحمهم الله وجزاهم عنا ألف خير، وكان من أعلامهم أمثال سيد قطب وعبد القادر عودة والمودودي وسعيد حوى ومروان حديد ومن عاصر هذا الجيل، التي بدأت غريبة ثم امتدت واتسع وجودها، فجاء رواد الجيل الثاني من رواد التنظيمات الجهادية والمبادرات الجهادية في النصف الثاني من السبعينات إلى آخر الثمانينات). 


ولما قدم شباب الصحوة المتأثرون بابن تيمية وابن عبد الوهاب إلى أفغانستان عقدت لهم مراكز للحوار والمناقشات؛ لأجل إقناعهم بالفكر الجهادي..

يقول أبو مصعب السوري في الفجوة الفكرية في التيار الجهادي:( فقد صارت بيشاور ومعسكرات التدريب في باكستان وأفغانستان وتجمعاتها مراكز للحوار الفكري والصدام في كثير من الأحيان بين مختلف تلك الطروحات، وهكذا وجد التيار الجهادي ومن يمثله في ساحة الجهاد العربي في بيشاور ومعسكرات أفغانستان أنفسهم يصطدمون مع جبهتين رئيسيتين:

جبهة الإخوان المسلمين، والفكر الديمقراطي السياسي الذي كان أصحابه يروجون له عبر أبحاث ودراسات.

جبهة مدرسة الفقه السعودي الرسمي الذي كان يدعو لنبذ فكر الحاكمية وإلى اعتبار الحكام أولياء أمور شرعيين، ويدعو إلى احترام العلماء الرسميين، ولاسيما في السعودية ودول الجزيرة

وشيئا فشيئا ولنصاعة الحق وشيوع منهج اتباع الدليل بدأ الفكر الجهادي يسيطر على ساحة التجمع العربي، وبدأ يكتسب اكثرية الساحة، حيث اقتنع آلاف الشباب القادمين من معظم بلاد العالم الإسلامي بالفكر الجهادي) 


واحتاجوا إلى الاستدلال بما يقفون عليه من إطلاقات لأهل العلم الموثوقين كابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهما وأصبحوا ينزلون كلامهم في غير محله وعلى غير أهله، كما فعلوا مع كلام ابن تيمية في التتار الذي أنزلوه على حكام المسلمين وجيوشهم 

حتى قال أبو مصعب السوري في دعوة المقاومة الإسلامية:(ولعب كتاب الفريضة الغائبة الذي كتبه الشهيد عبد السلام فرج من الجماعة الإسلامية والذي شارك في اغتيال السادات وأعدن بعد ذلك.

وقد لعب ذلك الكتيب دورا هاما في تأسيس مفاهيم الفكر الخارجي رغم بساطة محتواه وأسلوبه وصغر حجمه، إلا أن المهم الجديد الذي أضافه للفكر الجهادي طان طرح فتاوى ابن تيمية في حكام التتار الذين حكموا بلاد المسلمين ومنها التتار، كما طرح مسألة المقارنة بين حكام المسلمين وأعوانهم وجنودهم اليوم وبين أولئك التتار وفتاوى العلماء في كفرهم ووجوب قتالهم ومن قاتل معهم على من فيهم من الجاهلين والمكرهين، ومن ثم إسقاط تلك الأحكام على واقع الحكومات العربية وفي بلاد المسلمين) 


وقد كان لهذا الدمج والاستدلال من الجماعات الجهادية مع ما وجدوه من إطلاقات أثر بالغ على الشباب الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني ممن كان متأثرا بابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، فوجود من يعظم ابن تيمية وغيره من العلماء استدعى من منظري الفكر الجهادي التكفيري إقحام اطلاقاتهم، وكذلك ما وجدوه أيضا من حل لإشكالات ترد على تقعيدهم.

أضف إلى ذلك أن من تربى في بيئة تعظم مشايخ معيينين سيسعى المتأثر بفكر دخيل أن يجد لهم كلاما يؤيد اعتقاده ولو كان في غير محله أو له ما يقيده.


ومن الفروق الجوهرية بين دعوة محمد بن عبد الوهاب ودعوة الخوارج:

١-أن دعوة محمد بن الوهاب قامت على أن توحيد العبادة والنهي عن الشرك هو أخص خصائص الألوهية وجوهوها، وبه يبتدأ في الإصلاح والدعوة.

بينما الخوارج يرون أن الحكم هو أخص خصائص الألوهية وجوهرها، وبه يبتدأ في الإصلاح والدعوة.

٢-أن دعوة محمد بن عبد الوهاب في التكفير بالشرك الأكبر تكفر بمناط صحيح للتكفير، فالشرك الأكبر الذي هو جعل ند مع الله في العبادة كفر أكبر

وإن أخطأ بعضهم في التنزيل وعدم الإعذار بالجهل

بينما دعوة الخوارج في التكفير بالحاكمية تكفر بمناط غير صحيح، فكفروا وفجروا وسفكوا الدماء؛ بناء على ما ليس بمكفر. 


والكلام هنا في تبرئة دعوة لا في تبرئة كل من انتسب إليها؛ إذ وجود إجمالات وإطلاقات وكلام غير محرر في بعض كلام أئمة الدعوة لا يسقط الدعوة كلها ويجعلها نواة جماعة الجهاد والتكفير المنفلت، وهو مما لا يعترف به أصحاب التيار أنفسهم.

 

وسنبين في الحلقة القادمة وجه تأثر غيرهم بهم


يتبع بإذن الله... 


كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2022

هل نهتف في مدرجات كرة القدم للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لغيظ الكفار؟

 ضاعت الأولويات في إشغال العالم الإسلامي بكرة قدم!! 


صوَّر بعض الذين ينادون بالاهتمام بقضايا الأمة والاهتمام بالغزو الفكري أن انتصار المغرب في كرة قدم انتصار للأمة ورفعة لها!!

وكأني بهم جعلوا الكرة نوعا من أنواع الجهاد في سبيل الله، أو صورة من صوره!

وتغافلوا عن المنكرات الموجودة في كرة القدم ومدرجات المسلمين فضلا عن الكفار! 


مع أنني لا أمنع الفرح المجرد بالنصر.. 


وهنا يسأل بعض الإخوة: ما حكم ما ينادي به بعضهم من جعل المدرجات موضعا للهتاف بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مبارة المغرب مع فرنسا؟


والجواب عن هذا:

يختلف الحكم باختلاف صوره 


الصورة الأولى: أن ينادى بالذهاب إلى المدرجات من أجل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لغيظ الكفار

فهنا لا يجوز؛ لأن الحضور محرم، فهذا الحضور وإن حقق مقصدا شرعيا إلا أنه وسيلة محرمة ولا يتوقف عليه نصرة النبي صلى الله عليه وسلم

وما كان محرما من كل جهة لا يكون وسيلة لمقصد شرعي.

ثم إن المشجعين ما حضروا في المدرجات نصرة لقضية، وإنما حضروا تشجيعا لفريق وتمني فوزه!! 


الصورة الثانية: أن ينادى بذلك لمن حضر وأمكن توجيهه، فمادام أنه حضر فيوجه إلى الاشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ غيظا لمن سب النبي صلى الله عليه وسلم واستهزأ به.

فهنا إذا حقق المقصود وهو غيظ الكفار، ولم يصاحبه أمر محرم ولم يترتب عليه مفسدة كأن يسب الجمهور نبينا صلى الله عليه وسلم

فلا بأس به.

لكونه يحقق المقصود بلا مفسدة راجحة، وجهة الطاعة هنا منفكة عن جهة المعصية، كالصلاة في الارض المغصوبة.

والله أعلم

د. أحمد محمد الصادق النجار

الجمعة، 9 ديسمبر 2022

الحاكمية ومناط التكفير بها عند أهل السنة والخوارج

 الحاكمية ومناط التكفير بها عند أهل السنة والخوارج

الحلقة الرابعة

ذكرنا في مقالات سابقة أن الخوارج ضلوا في مفهوم الحاكمية، وأن من الكتب التي اعتمدوا عليها في التكفير بالمفهوم الخاطئ للحاكمية: كتب المودودي وكتب سيد قطب رحمهما الله
قال العشماوي في كتاب التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين ١٥٩:( وصلتنا رسالة من سبد قطب وهو في سجنه في عشر صفحات مكتوبة بخط اليد في العقيدة، أوصانا بوحوب تصحيح الاعتقاد أولا، وبدراسة كتب معينة منها كتب للمودودي وخاصة المصطلحات الأربع)
وقال الرجل الثاني للقاعدة أيمن الظواهري في كتابه فرسان تحت راية نبي الجزء الأول ص ١٠:(فقد كانت وما زالت دعوة سيد قطب -إلى إخلاص التوحيد لله والتسليم الكامل لحاكمية الله ولسيادة المنهج الرباني- شرارة البدء في إشعال الثورة الإسلامية ضد اعداء الإسلام في الداخل والخارج، والتي ما زالت فصولها الظانية تتجدد يوما بعد يوم)
وقال ابو مصعب السوري في كتاب دعوة المقاومة الإسلامية ٣٨:(رائد الفكر الجهادي في العصر الحديث كان بلا شك سيد قطب)
وقال القرضاوي في كتابه اوليات الحركة الإسلامية ص ١٢٣:(في هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد سيد قطب التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره والتي تنضح بتكفير المجتمع وتدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع وقطع العلاقة مع الآخرين وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة...)
إلى غير ذلك
فتبين لنا بوضوح مصدر فكر خوارج العصر كالقاعدة وداعش...
ومع ذلك لم تخل كتب منظريهم من ذكر بعض إطلاقات في النصوص الشرعية وفي كلام أهل العلم التي لم يحسنوا فهمها مع بتر وإغفال الأوصاف المؤثرة.

نعود إلى موضوع الحلقة
فموضوع هذه الحلقة الذي يجب أن نركز عليه ونحققه هو: مناط التكفير بالحاكمية عند الخوارج.

مناط التكفير بالحاكمية عندهم: مجرد ترك حكم الله أو مجرد التشريع من دون الله.

فجعلوا مجرد التشريع أو مجرد ترك الحكم من الكفر العملي بنفسه الذي يضاد أصل الإيمان، ولم ينظروا فيه إلى الاستحلال والامتناع مطلقا.
وجعلوه مناط التكفير في كل صورة من صور الحكم بغير ما أنزل الله.
وذهب منظر القاعدة سيد إمام في كتابه الجامع إلى أن  المناطات ثلاثة كلها ترجع إلى أن الفعل في نفسه كفر أكبر فقال في ص٨٩٨:(المناطات المكفرة التي ذكرناها في هذه المسألة: ترك حكم الله، أو تشريع ما يخالفه، أو الحكم بتشريع مخالف)
لكن يمكن إرجاع الأخيرين إلى مجرد التشريع سواء شرع بنفسه أو أخذ بتشريع غيره.
وإذا حققنا القول وجدنا أن الحكم بغير ما أنزل الله لا ينفك عنه التشريع؛ لأنه ما من حكم إلا ويجب أن يصاحبه تشريع؛ لأن الحكم بغير ما أنزل الله يتضمن ترك شرع الله والحكم بشرع آخر سواء شرعه هو أو أخذه من تشريع غيره.

والقياس الذي نصوغه لهم؛ لبيان حكم الحكم بغير ما أنزل الله بجميع صوره عندهم هو:
الحكم بغير ما أنزل الله تشريع من دون الله، وكل تشريع من دون الله كفر في نفسه مضاد للإيمان سواء استلزم انتفاء أصل الإيمان في القلب أو لا
إذن الحكم بغير ما أنزل الله كفر في نفسه مضاد للإيمان سواء استلزم انتفاء أصل الإيمان في القلب أو لا.
وكذلك قياس آخر:
الحكم بغير ما أنزل الله بكل صوره ترك لحكم الله، وكل ترك لحكم الله كفر في نفسه مضاد للإيمان سواء استلزم انتفاء أصل الإيمان في القلب أو لا
إذن الحكم بغير ما أنزل الله كفر في نفسه مضاد للإيمان سواء استلزم انتفاء أصل الإيمان في القلب أو لا.
هذا هو قياسهم.

وقد رد عليهم أئمة أهل السنة بعدم التسليم بالمقدمة الكبرى، ووجه الغلط عندهم: أن ترك الحكم أو فعل التشريع كفر عملي منه ما يضاد الإيمان إذا تحقق مناطه وهو إذا انتقض معه أصل الإيمان الذي في القلب، ومنه ما لا يضاد الإيمان.
ولو كان في نفسه كفرا أكبر مضادا للإيمان كما ذهب إليه الخوارج ما قبل هذا التقسيم.
ثم إن التكفير بمطلق التشريع منقوض بالمبتدع، وأيضا بمن حكم غير شرع الله هوى وظلما أو في مسألة عند من يرى أنه كفر أصغر.
أضف إلى ذلك: أن التشريع الذي يقتضي التكفير ما فيه منازعة لحق الله، وهو ما كان عن تكذيب أو امتناع لا مطلق التشريع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (3/267-268)-: ((الشرع المبدل: وهو الكذب على الله ورسوله...فمن قال: إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع))
فالمنازعة تكون في جعله دينا كما قال تعالى:[أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين]

فأهل السنة لا يجعلون مناط التكفير بالحاكمية ترك الحكم أو مطلق التشريع، ولا يرون أنه كفر في نفسه مضاد للإيمان، وإن حصل بينهم نزاع في التشريع المخصوص الذي يستلزم الاستحلال أو الامتناع كما سيأتي بيانه.
قال أبو المظفر السمعاني في تفسيره [2/ 42]:( اعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية ويقولون من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وأهل السنة لا يكفرون بترك الحكم). 
فتبين لنا مناط التكفير بالحاكمية عند الخوارج قديما وحديثا
فلو أن رجلا: حكم بغير ما أنزل الله كفر عند الخوارج عينا؛ لأنه حكم بغير ما أنزل الله.
ولو سن قوانينا كفر عينا؛ لمجرد الفعل.
ولو شرع تشريعا عاما كفر؛ لمجرد أنه شرع.

ورتبوا عليه:
١-بطلان ولاية الحكام وترك طاعتهم.
٢-وجوب خلع الحاكم.
٣-أن قتال الحكام وجيوشهم مقدم على قتال غيرهم؛ لأنهم أقرب.
٤-أن الدار التي يحكم فيها بغير ما أنزل الله دار كفر وردة.
٥-أن القضاة وأعضاء البرلمان ومجلس الأمة والذين ينتخبونهم والجنود كفار كفرا أكبر.
وانظر كتاب الجامع لسيد إمام ٩٢٠ وما بعدها

ورموا خصومهم بمذهب المرجئة!!؛ لأنهم لما رأوا أن مطلق الحكم بغير ما أنزل الله كفر في نفسه كان من اشترط فيه الاستحلال مرجئا، كما قال سيد إمام في كتابه الجامع ص٨٩٧:(...القول بمقالة غلاة المرجئة الذين يشترطون الجحد في الذنوب المكفرة)
وقال سيد إمام في الجامع ص٩٣٤:(أن الذنوب المكفرة بذاتها كالحكم بغير ما انزل الله لا يشترط للتكفير بها جحد ولا استحلال، بل من اشترط هذا فقد قال بقول غلاة المرجئة).

ولا مدخل لمذهب المرجئة في تقرير أهل السنة؛ لأن مطلق الحكم بغير ما أنزل الله ليس من الذنوب المكفرة في نفسها المضادة للإيمان، ولا مطلق التشريع؛ لأن منه ما يستلزم انتفاء أصل الإيمان في القلب ومنه ما لا يستلزم.
ثم إن المرجئة لا يصفون الفعل المضاد للإيمان بكونه كفرا إلا من جهة أنه دليل على كفر الباطن، ولا يرون استلزاما بين كفر الظاهر وكفر الباطن، فقد يكفر عندهم ظاهرا ويكون عند الله مؤمنا.

ويجب التنبيه هنا إلى أن هناك فرقا بين من جعل مطلق التشريع أو ترك الحكم كفرا عمليا في نفسه مضادا للإيمان
وبين من جعل التشريع المخصوص كفرا أكبر؛ لكونه يلزم منه الاستحلال أو الامتناع كما ذهب إليه بعض علماء أهل السنة، وإن كنت لا أقول به ...
فمن جعل ترك مطلق الحكم كفرا في نفسه وهم الخوارج لم يفرقوا بين صور الحكم بغير ما أنزل الله، فيستوي الأمر عندهم في ترك حكم مسألة أو مسائل، وفي تغيير الشريعة كلها أو بعضها، وفي سن القوانين والإلزام بها أو لا...
وأما من جعل التشريع المخصوص هو مناط التكفير؛ لكونه مستلزما الاستحلال أو الامتناع خص التكفير بالتشريع العام وسن القوانين والتبديل، لا لكونها كفرا في نفسها، وإنما لكونها تدل على مناط التكفير وهو الاستحلال أو الامتناع.
وكذلك في تنزيل الحكم على المعين؛ فمن جعل ترك مطلق الحكم كفرا في نفسه أنزله على المعين من غير تحقق الشروط وانتفاء الموانع.
ومن جعل التشريع المخصوص دليلا على المناط الشرعي لم ينزله على المعين إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع.

فعلماء أهل السنة في مقابل الخوارج؛ منهم من يرى أن سن القوانين ليست كفرا أكبر إلا إذا صاحبها استحلال او امتناع ظاهر، فمجرد الفعل لا يستلزم الاستحلال او الامتناع مطلقا، ومنهم من يرى أنه كفر أكبر؛ لأنه لا يفعل ذلك إلا من استحل أو امتنع فيكون التشريع العام مستلزما الاستحلال أو الامتناع مطلقا -وهذا عندي خطأ ظاهر-
وهم كلهم يرجعون ذلك إلى مناط الكفر الحقيقي في المعين وهو الاستحلال أو الامتناع.
وهذا بخلاف ما يفعله الخوارج.

(وقد ناقشت القول الثاني في رسالتي الأصول الجامعة التي ترجع إليها مسألة الحكم بغير ما أنزل الله
( https://t.me/dr_alnjar/588

والخلاصة المهمة: أن علة التكفير عند الخوارج: مجرد التشريع، أو مجرد ترك الحكم بما أنزل الله..
فيرون أنه من الكفر العملي الذي يضاد أصل الإيمان، ولا ينظر فيه إلى استحلال أو امتناع مطلقا وبأي وجه، وهذا لم يقل به أحد من أئمة أهل السنة..

وقد تأثر بشيء من هذا الفكر بعضٌ من مشايخ الصحوة، فأخذوا بأحد مناطي التكفير عند الخوارج؛ فجعلوا مطلق التشريع كفرا أكبر عمليا يضاد الإيمان من غير نظر لكونه يستلزم نفي أصل الإيمان القلبي أو لا، ولم ياخذوا بمناط ترك الحكم بإطلاق، فيرون أن تحكيم القوانين والأعراف والتقاليد من مطلق التشريع لا من مطلق الحكم، كما قال أحدهم:(أما التشريع فهو كفر أكبر بدون تفصيل ، وهو كفر أكبر عملي لا ينظر فيه إلى الاعتقاد ، قال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } )
وهذا سيكون موضوع الحلقة القادمة.

يتبع بإذن الله...

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار 

الأربعاء، 7 ديسمبر 2022

الحاكمية والجماعات الحلقة الثالثة

 #الحاكمية  #الجماعات

الحلقة الثالثة

تتمحور فكرة أبي الأعلى رحمه الله في مفهوم الحاكمية على أن الحكم هو أصل الألوهية وجوهره، ولا يقوم إيمان الإنسان إلا به، وتفرع عن ذلك تكفير الحكومات والمحتمعات، كما فصلت ذلك في مقال مفهوم الحاكمية...

ولقد كان لأبي الأعلى المودودي الأثر البالغ على الجماعات الجهادية التحريضية في مصر وليبيا وغيرها من البلدان
ومن تأثر بها من الأفراد..

حيث إنهم اعتمدوا على ما قرره المودودي معرضين عن سبب تطرفه في هذا الباب ولم يلتفتوا إلى واقعه...

وقد اعترف بهذا الندوي في كتابه التفسير السياسي للإسلام في ص ٢٥٥ وبين تأثر سيد قطب بالمودودي فقال: (وقد أُعجِب الكاتب الإسلامي الكبير الأستاذ سيد قطب الشهيد، وهو صديق المؤلف العزيز، إعجابًا شديدًا بكتاب الأستاذ المودودي «المصطلحات الأربعة في القرآن» ووافقه كل الموافقة في الآراء والأفكار التي يتضمَّنُها، وقد جعل الحاكمية أخصّ خصائص الألوهية، وكتاباته تقلل من شناعة عبادة الأصنام والأوثان وعبادة غير الله في الجاهلية؛ لأنه يعتبرها صورة ساذجة بدائية للجاهلية الأولى).
بل اعترف التيار الجهادي التكفيري بأن المودودي هو الذي وضع أساس فكرهم في العصر الحديث
وهو واقعهم...
 قال أبو مصعب السوري: "واشتمل أحد أهم كتبه وهو (المصطلحات الأربعة) على كثير من أساسيات الفكر الجهادي المعاصر"

وقال محمد عمارة مبينا تأثر الجماعات به: (لقد بدأت هذه الجماعات من "بعض" عبارات المودودي التي كتبها في واقع هندي وهندوكي له ملابسات سياسية وحضارية خاصة، كان المسلمون فيها 25 بالمائة من سكان الهند -قبل التقسيم- وكانت الحاكمية البشرية في ذلك الواقع، إما سلطة الاحتلال الإنجليزي الكافر أو السلطة الهندوكية الكافرة، وكلتاهما عازمتان على سحق الهوية الإسلامية للمسلمين الهنود، لذلك ولهذه الملابسات الهندية الخاصة، رفض المودودي –في بعض نصوص- الحاكمية البشرية، التي رآها نقيضا للحاكمية البشرية) مقالات في الغلو ص ١٤

وترتب على الغلو في مفهوم الحاكمية: التكفير، بل أصبح هناك تلازم بين الغلو في الحاكمية والتكفير ،  ونتج عنه تكفير الحكومات ومن رضي بها في تسلسل معلوم..
فالانحراف في مفهوم الحاكمية جر إلى التكفير وإشاعة الفوضى في بلدان المسلمين...

وقد تسرب بعض هذا الانحراف إلى بعض الناس في ليبيا، وبعضهم كان متأثرا به قديما وأصبح بعضهم يحيي في الناس ذكر أقوام عرفوا بالانحراف في هذا الباب ؛ مما يستدعي توضيح مفهوم الحاكمية والتكفير على طريقة السلف، والتنبيه على وجه الخلل فيهما، وذكر من كان متأثرا بهذا الانحراف.

وأما محاولة ربط هذا الفكر بفكر ابن تيمية فهو كلام من لا بضاعة له ولا فهم
ومن أعظم أوجه الخلاف بين فكرهم وفكر ابن تيمية
١-أن مسائل الحكم والإمامة عندهم أصل، وعليها قامت كلمة التوحيد، ولا يقوم الإيمان إلا بها
بينما يرى ابن تيمية أنها فرع لأصل، وليست هي معنى لا إله إلا الله، وليست هي الألوهية ولا أخص خصائصها.
٢-التكفير بمطلق الحكم بغير ما أنزل الله وأما ابن تيمية فيرى أن مجرد الحكم  كفر دون كفر وأنه يشترط في التكفير به أن يرجع إلى الاستحلال أو الامتناع.
٣-لا ينظرون إلى تحقق الشروط وانتفاء الموانع في تكفير المعين بخلاف ابن تيمية...
وسيأتي مزيد بسط بإذن الله، وسنبين كيف تأثر غيرهم بهم..

يتبع بإذن الله...

الاثنين، 5 ديسمبر 2022

الحاكمية والخوارج الحلقة الثانية

#الحاكمية و #الخوارج

[الباعث على هذه الكتابة: تحذير الشباب من الوقوع في هذا المنزلق الخطير الذي يذهب بالدين والنفس والعرض والمال]

الوصف الجامع المانع للخوارج هو #تكفير_المسلمين بما ليس بمكفر في نفس الأمر
وأما الوصف بتكفير مرتكب الكبيرة فليس جامعا؛ لخروج النجدات عن هذا الوصف مع كونهم من #الخوارج اتفاقا.
وكذلك من كفر عليا رضي الله عنه بالتحكيم؛ إذ كان هذا هو السبب الأول لوصفهم بالخوارج مع أن التحكيم من علي رضي الله عنه ليس بمعصية أصلا.
وترتب على هذا استحلال دماء المسلمين والخروج عن قطعيات الدين وجماعة المسلمين.

ومن أعظم الشناعات الوصف بالخارجية لكل من خالف رأيه، فكم نسمع من يقول: هؤلاء خوارج العصر، من غير أن ينطبق عليهم الوصف الشرعي للخوارج.

بعد أن تبين لنا الوصف الشرعي لإطلاق لفظ الخوارج، وأن استحلال الدماء والخروج على الحكام ثمرة مترتبة على الوصف الذي هو التكفير بما ليس بمكفر في نفس الأمر
وهم في #تكفير_المعين لا ينظرون إلى تحقق الشروط وانتفاء الموانع، فما يرونه كفرا سواء كان كفرا في نفس الأمر أو معصية ينزلون حكم التكفير على المعين مطلقا من غير نظر لتحقق الشروط أو عدم تحققها
وأما من لم يتبين لهم كفره عينا؛ لعدم تبين تحقق وصف الكفر عليه فيتوقفون فيه إلا أنه يعامل في الدنيا معاملة الكفار!!
ولذا عند تنفيذ عملياتهم التخريبية لا يراعون قتل المتوقف فيهم وتفجيرهم.

فضلالهم من جهتين:
١-اعتقاد ما ليس بكفر كفرا أكبر.
٢- عدم النظر في تكفير المعين إلى تحقق الشروط وانتفاء الموانع.
ثم ترتب عليهما ضلالة أخرى وهي استحلال الدماء والخروج.

وقابلهم #المرجئة ...

والخوارج في التنزيل ما بين معلن تكفير بلدان المسلمين حكومات وشعوبا؛ لأن الحكومات حكمت بغير ما أنزل الله ومطلق الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر عندهم، وكل محكم أو راض به فهو كافر مرتد.
كما أن مطلق موالاة الكفار كفر أكبر، وكل موال فهو كافر مرتد.
وما بين متخف ومتستر يتبنى لازم التكفير ولا يصرح ، كمن قال بكفر النعمة منهم.

والناظر في نشأة #التكفير وفكرته عند الخوارج قديما وحديثا كالقاعدة وداعش يرى أن منطلقه وفكرته فهمهم الخاطئ للحاكمية
ونقلهم الحكم من كونه وسيلة لتحقيق العبودية إلى كونه أصلا وغاية...
وهذا الفهم جرأهم على التكفير والوصف بالردة والخيانة واستحلال الدماء والدعوة إلى الفوضى والمفاسد التي تذهب بالضرورات.

فتأسس على الفهم الخاطئ أن مطلق الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر، وأن استبدال(وليس التبديل) كثير من أحكام الشريعة بغيرها(في نفسه) كفر أكبر؛ لكون مطلق الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر في نفسه.

ولما كان لا فرق بين حكم مطلق ومعين عندهم جعلوا جميع الحكومات ومن رضي بها كافرة كفرا أكبر.
إلا أن منهم من سابق إلى سفك الدماء، ومنهم من ينتظر ويراعي المصالح الخاصة، فتراه يلوح بالتكفير، ويبطل مطلق المعاهدات مع الغرب...

مع أني لا أنكر تأثير الحكومات التي حكمت #القوانين وملأت #السجون وقهرت الشعوب في نشأة هذا الفكر وترعرعه في العصر الحديث
ولا نبرأ ساحتها ونسوغ أفعالها ..

يتبع بإذن الله ...