الجمعة، 29 ديسمبر 2017

حكم الدعاء جهرا مع تأمين الحاضرين بعد الانتهاء من المناسبات


السلام عليكم ورحمة الله.
شيخ أحمد أرجو أن تكون بخير.
عندي سؤال ارجو منك التكرم بالإجابة عليه
ماحكم الدعاء بعد الانتهاء من المناسبات الاجتماعية، كالفضانية وغيرها؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إن الله سبحانه أمر بالدعاء أمرا مطلقا وأمرا مقيدا, فالأمر المطلق في مثل قوله تعالى: [ادعوا ربكم تضرعا وخفية] والأمر المقيد كالأمر الوارد في الركوع والسجود وفي تكبيرة صلاة الجنازة ونحو ذلك.
فما ورد مطلقا فإنه لا يقيد إلا بدليل, وما ورد مقيدا فيعمل به في موطنه.
والدعاء بأن يدعو أحد الحاضرين ويؤمن الآخرون بعد  الانتهاء من المناسبات يجوز من غير اعتقاد خصوصية, ولا مداومة عليه, إلا إذا ورد ما يدل على مشروعية المداومة.
ومما ورد دالا على مشروعية المداومة في بعض المناسبات: ما أخرجه الترمذي في جامعه عن ابن عمر، قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا»
وأما يعرف في ليبيا بالفضانية, وهي متعلقة بخطبة النكاح فيجوز فيها الدعاء بأن يدعو أحد الحاضرين ويؤمن الآخرون؛ بشرط عدم اعتقاد الخصوصية, وعدم المداومة عليه؛ لعدم ورود شيء يقيد, ويدل على المداومة.
وإنما الذي ورد: ما أخرجه أبو داود في سننه عن أبى هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال « بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير »
وهذا فيه دعاء من حضر لمن تزوج من غير رفع الأيدي وتأمين الحضور.

أجاب عنه: أحمد محمد الصادق النجار

الأحد، 13 أغسطس 2017

الأخذ من اللحية فيما نقص من القبضة لا يجوز اتفاقا



الأخذ من اللحية فيما نقص من القبضة
 لا يجوز اتفاقا


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن مما راج عند كثير من الناس جواز حلق اللحية؛ استنادا على ما ذهب إليه بعض المتأخرين من أن حلق الحية مكروه كراهة تنزيهية.
والقول بالكراهة التنزيهية: مخالف لدلالة النصوص والشرعية, وما اتفق عليه الصحابة والأئمة المتقدمون.
وسأقتصر في هذا المقال على بيان وجه اتفاق الأئمة على تحريم الحلق.
وبيان ذلك: اتفق الصحابة رضون الله عليهم على عدم أخذ ما كان أقل من القبضة.
فقد حكى جابر رضي الله عنه عن الصحابة أنهم كانوا يعفون اللحى ولا يأخذون منها شيئا إلا في الحج أو العمرة
فقد أخرج الرامهرمزي في المحدث الفاصل بين الراوي والواعي (ص: 433) بسنده وفيه: وقرأ أبو الزبير على جابر قال: «كنا نعفي السبال إلا في الحج والعمرة»
وأخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود
والسَّبلة تطلق على اللحية عند العرب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء أنه قال: (( كانوا يحبون أن يعفوا اللحي إلا في حج أو عمرة ))
والذي صح عن أبي هريرة أنه كان يقبض على لحيته ، ثم يأخذ ما فضل عن القبضة.
فيتركب من هذا: أن الصحابة كانوا لا يرون أخذ ما كان أقل من القبضة, ويرون أن هذا من معاني الإعفاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعلوم أن الخروج عن عملهم لا يجوز؛ لأنه تفسير للنص.
والأئمة بعدهم لم يخرجوا عما قرره الصحابة, كما أنه لم يكن معروفا حلق اللحى عن المسلمين إلا قلة تشبهوا بغيرهم.
والمنقول عن الأئمة الأربعة تحريم أخذ ما كان أقل من القبضة صراحة أو ضمنا.
وقد حكي عليه الاتفاق.
وحكاية الاتفاق هي الموافقة لما تقدم عن الصحابة.
وهذه هي أقوال الأئمة أو من نقل عنهم:
قال ابن حزم في مراتب الإجماع: ((  واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز ))
وجاء في شرح فتح القدير (2/ 348): ((وأما الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد )) .
وقال ابن رشد الجد في المقدمات الممهدات (3/ 447): (( وأما اللحية فتعفى على ما جاء في الحديث؛ لأن فيها جمالا.
وقد جاء في بعض الأخبار أن الله عز وجل زين بني آدم باللحى، فحلقها مثلة وتشبيه بالأعاجم في ذلك، إلا أن تطول فلا بأس بالأخذ منها )).
وفي حاشية الدسوقي (1/ 90): ((  يحرم على الرجل حلق لحيته أو شاربه ويؤدب فاعل ذلك ))
وقال الحطاب في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 216): (( وحلق اللحية لا يجوز, وكذلك الشارب وهو مثلة وبدعة، ويؤدب من حلق لحيته أو شاربه ))
وجاء في تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (9/ 376): (( قال الشيخان: يكره حلق اللحية.
 واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي - رضي الله تعالى عنه - نص في الأم على التحريم.
 قال الزركشي: وكذا الحليمي في شعب الإيمان وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة.
 وقال الأذرعي الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها كما يفعله القلندرية انتهى ))
وقال الخلال في الوقوف والترجل من مسائل الإمام أحمد (ص: 129): ((  أخبرني حرب قال: سئل أحمد عن الأخذ من اللحية؟
قال: كان ابن عمر يأخذ منها ما زاد عن القبضة. وكأنه ذهب إليه - قلت له: ما الإعفاء؟
قال: يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: كأن هذا عنده الإعفاء.
وقال الخلال: أخبرني محمد بن أبي هارون أن إسحاق حدثهم قال:
سألت أحمد عن الرجل يأخذ من عارضيه؟
قال: يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة.
قلت: فحديث النبي صلى الله عليه وسلم:((أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى)) ؟
قال: يأخذ من طولها ومن تحت حلقه.
ورأيت أبا عبد الله يأخذ من طولها ومن تحت حلقه )).
وقال الحجاوي في الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (1/ 20): (( ويحرم حلقها ))
وفي كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 75): (( (وإعفاء اللحية) بأن لا يأخذ منها شيئا قال في المذهب ما لم يستهجن طولها (ويحرم حلقها) ذكره الشيخ تقي الدين ))
تنبيه:
هناك من العلماء من نص على الكراهة, والأصل في لفظ الكراهة عند الأئمة أنه يراد به التحريم.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 39): ((وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم وأطلقوا لفظ الكراهة فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى وهذا كثير جدا في تصرفاتهم فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة ))
وهناك أيضا من ذكر أنه يسن إعفاؤها, ومرادهم: يسن إعفاؤها ولو طالت, لا أن أصل الإعفاء يستحب.
ومن يقدح في الاتفاق: يحتج بالمعتمد عند الشافعية, وكما تقدم أن في مذهب الشافعية خلافا في هذه المسألة.
والقول بالحرمة نسب إلى الكثير من الشافعية, قال ابن حجر في تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 178): (( ... وظاهره حرمة حلقها وهو إنما يجيء على حرمته التي عليها أكثر المتأخرين))
وهو قول الشافعي, كما تقدم.
وأما النووي فقد صرح في شرحه على مسلم بالنهي, حيث قال (3/ 149): (( وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك )).فربطها بعادة الفرس
والنهي قال عنه في شرح النووي على مسلم (3/ 188): (( ...النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحققين والأكثرين من أهل الأصول )).
وقال في المجموع شرح المهذب (1/ 292): (( يكره نتف الشيب لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم يوم القيامة حديث حسن رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيد حسنة قال الترمذي حديث حسن هكذا: قال أصحابنا يكره صرح به الغزالي كما سبق والبغوي وآخرون: ولو قيل يحرم للنهي الصريح الصحيح لم يبعد: ولا فرق ))
ثم إن القائلين بالكراهة التنزيهية من علماء الشافعية المتأخرين محجوجون بالاتفاق قبلهم.
والله أعلم.

كتبه
د. أحمد محمد الصادق النجار



الأربعاء، 2 أغسطس 2017

دور #المقاصد_الشرعية في إبطال منهج #الغلاة



إن منهج الغلاة يقوم على مخالفة مقاصد الشريعة مخالفة كلية.
وما من مقصد من مقاصد الشريعة إلا وهو يناقض منهج الغلاة مناقضة تامة من كل وجه.
فلو نظرت للمقصد الكلي وهو: جلب المصالح الشرعية الراجحة ودفع المفاسد الشرعية الراجحة لوجدت الغلاة يخالفونه ولا يراعونه.
ومن ذلك: قيام الهجر والتحذير عندهم على مجرد مخالفة ما يقررونه
فلا يراعون فيه جلب مصلحة راجحة ولا دفع مفسدة راجحة إن سلم لهم بوجود المقتضي.
ولو نظرت لمقصد حفظ الدين لرأيتهم من أبعد الناس عن حفظه، فمآل منهجهم إلى إخراج الناس من السنة بلا بينة شرعية.
ولو نظرت لمقصد تحقيق العدل ودفع الظلم لرأيت عجبا في مخالفتهم له والأخذ بضده.
فمنهجهم يقوم على الظلم -حالا أو مآلا، مباشرة أو تسببا-.
فكم ظلموا من سني فأخرجوه من السنة وكم ظلموا من يستحق الإكرام فهجروه وحذروا منه.
وفي العموم من نظر في منهج هؤلاء وتأمل في المقاصد الشرعية وجد أنهما متنافيان ولا يجتمعان.
كتبه مختصرا

أحمد محمد الصادق النجار

الأحد، 30 يوليو 2017

هل يرد حديث من فيه راوٍ مجهول مطلقا عند علماء الحديث؟

مما يدل على كلامي أن #أزهر_سنيقرة يحتاج إلى أن يتأصل في العلم قبل أن يتكلم: ما تضمنه هذا السطر من كلمة مفرغة له بعنوان: تحذيرُ الشَّيخ أزهر سنيقرة من المواقع والصَّفحات المجهولة،وأنَّ الأعداء يتربصون بنا ويأخذون منها. بتاريخ: 29 شوَّال 1438هـ
نص كلامه المفرغ: (المجهول في الأسانيد عند علماء الحديث هذا نوع من أنواع الضعيف، إذا كان في السند هو فقط مجهول يُطرَح السند لأجله وبسببه )
لن أتكلم عن عدم ترتيب الكلام وتنسيقه, وربط بعضه ببعض, وإنما أتركه للقراء.
(وأنبه إلى أن المقطع المفرغ فيه عدة هفوات لكن أكتفي بهذا النص.)
التعليق:
أولا: ليس هناك نوع من أنواع الحديث يسمى بالحديث المجهول, وإنما الجهالة وصف في الراوي , فعندما يقول الشيخ أزهر هذا نوع من أنواع الضعيف, والإشارة هنا إلى قوله: المجهول في الأسانيد.
يتبين لنا الركة العلمية في ظاهر عبارته, وإن كان- فيما يظهر - أنه غير قاصد لذلك .
ثانيا: قوله:" إذا كان في السند هو فقط مجهول يُطرَح السند لأجله وبسببه.
فأطلق القول باطراح حديثه.
وهذا الإطلاق المنسوب إلى علماء الحديث قاطبة منقوض من وجوه:
الوجه الأول: أن علماء الحديث اختلفوا في ضابط المجهول, وفي رد روايته.
فما يراه بعض المحدثين مجهولا لا يراه غيرهم كذلك, فهناك صورة اتفق عليها المحدثون, وهناك صور اختلف فيها المحدثون.
واختلافهم في ضابط المجهول مؤثر في قبول روايته وردها, فكيف يقال بالاطراح مطلقا من غير تحديد المعنى المطرَّح؟!!
قال ابن رجب: ((وقد اختلف الفقهاء وأهل الحديث في رواية الثقة عن رجل غير معروف: هل هو تعديل له، أم لا؟
وحكى أصحابها عن أحمد في ذلك روايتين.
وحكوا عن الحنيفة أنه تعديل.
وعن الشافعية خلاف ذلك.
والمنصوص عن أحمد يدل على أنه من عرف منه أنه لا يروي إلا عن ثقة فروايته عن إنسان تعديل له. ومن لم يعرف منه ذلك فليس بتعديل، وصرح بذلك طائفة من المحققين من أصحاب الشافعي.
قال أحمد - في رواية الأثرم - إذا روى الحديث (عبد الرحمن) بن مهدي (عن) رجل، فهو حجة، ثم قال: كان عبد الرحمن أولا يتساهل في الرواية عن غير واحد، ثم تشدد بعد، وكان يروى عن جابر، ثم تركه.
(وقال) في رواية أبي زرعة: مالك بن أنس إذا روى عن رجل لا يعرف فهو حجة.
وقال (في) رواية ابن هانئ: ما روى مالك عن أحد إلا وهو ثقة. كل من روى عنه مالك فهو ثقة.
وقال الميموني: سمعت أحمد - غير مرة - يقول: كان مالك من أثبت الناس. ولا تبال أن لا تسأل عن رجل روى عنه مالك، ولا سيما مدني.
قال الميموني: وقال لي يحيى بن معين: لا تريد أن تسأل عن رجال مالك كل من حدث عنه ثقة إلا رجلا أو رجلين.
وقال يعقوب بن شيبة: قلت ليحيى بن معين: متى يكون الرجل معروفا؟ إذا روى عنه كم؟
قال: إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي، وهؤلاء أهل العلم، فهو غير مجهول .
قلت: فإذا روى عن الرجل (مثل سماك) بن حرب، وأبي إسحاق؟
قال: هؤلاء يروون عن مجهولين، انتهى.
وهذا تفصيل حسن.
وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي، الذي تبعه عليه المتأخرون، أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعدا عنه.)) شرح علل الترمذي (1/ 378)
الوجه الثاني: أن من علماء الحديث من لا يرى اطراح الحديث إذا كان الراوي عن المجهول ثقة.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة، مما يقويه؟.
قال: إذا كان معروفا بالضعف ، لم تقوه، روايته عنه، وإن كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه.
قال: وسمعت أبي يقول: إذا رأيت شعبة يحدث عن رجل فاعلم أنه ثقة. إلا نفرا بأعيانهم.
وسألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن الرجل، مما يقوي حديثه؟
قال: إي لعمري.
قلت: الكلبي روى عنه الثوري.
قال: إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء، وكان الكلبي يتكلم فيه.
قلت: فما معنى رواية الثوري عنه، وهو غير ثقة عنده؟
قال: كان الثوري يذكر الرواية عن الرجل على الإنكار والتعجب، فيعلقون عنه روايته عنه. ولم تكن روايته عن الكلبي قبوله له. شرح علل الترمذي (1/ 381)
فمن علماء الحديث من لم يطرح حديث من فيه راوٍ مجهول على اصطلاح المتأخرين مع وجود الجهالة.
الوجه الثاني: أن اطراح حديث من فيه راوٍ مجهول مقيد بما إذا لم يوجد ما يقوي حديثه من قرائن.
فهو اطراح مخصوص, ولا يصح اطلاق الاطراح بمجرد أن فيه راويا مجهولا.
قال الدراقطني: (( وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر ينفرد بروايته رجل غير معروف , وإنما يثبت العلم عندهم بالخبر إذا كان رواته عدلا مشهورا , أو رجل قد ارتفع اسم الجهالة عنه , وارتفاع اسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلان فصاعدا , فإذا كان هذه صفته ارتفع عنه اسم الجهالة وصار حينئذ معروفا , فأما من لم يرو عنه إلا رجل واحد انفرد بخبر وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه غيره , والله أعلم )) سنن الدارقطني (4/ 226)
وأما الاتفاق الذي يحكيه جماعة من أهل المصطلح على رد حديثه فهو محمول على الصورة المتفق عليها في عد الراوي مجهولا مع اعتبار ما تقدم, أو هو منقوض بوجود الخلاف.
قال السخاوي: (( لكن قد رده أي: مجهول العين - الأكثر من العلماء مطلقا وعبارة الخطيب أقل من ما ترتفع به الجهالة به الجهالة أي العينية عن الراوي أن يروى عنه اثنان فصاعدا من المشهورين بالعلم بل ظاهر كلام ابن كثير الاتفاق عليه حيث قال المبهم الذي لم يسم أو من سمى ولا تعرف عينه لا يقبل روايته أحد علمناه نعم قال أنه إذا كان في عصر التابعين والقرون المشهود لأهلها بالخيرية فإنه يستأنس بروايته ويستضاء بها في مواطن كما أسلفت حكايته في آخر رد الاحتجاج بالمرسل
 وكأنه ابن السبكي في حكاية الإجماع على الرد ونحوه قول ابن المواق لا خلاف أعلمه بين أئمة الحديث في رد المجهول الذي لم يرو عنه إلا واحدا وإنما يحكى الخلاف عن الحنفية يعني كما تقدم
 وكل هذا حيث لم يعتضد بما سلف ووراء هذا كله مخالفة ابن رشيد في تسميته من لم يرو عنه إلا واحد مجهول العين مع موافقته على عدم قبوله )) فتح المغيث (1/ 320)
الوجه الثالث: لم يفرق الشيخ بين مجهول العين ومجهول الحال, وبينهما فروق من جهة المعنى ومن جهة قبول حديثه أو لا, على اختلاف بين المحدثين.
الوجه الرابع: أن رواية المستور ذهب بعض المحققين إلى التوقف فيها, لا ردها مطلقا.
قال السخاوي: (( والخلاف مبني على شرط قبول الرواية أهو العلم بالعدالة أو عدم العلم بالمفسق إن قلنا بالأول لم تقبل المستور وإلا قبلناه
 وأما شيخنا فإنه بعد أن قال وإن روى عنه اثنان فصاعدا ولم يوثق فهو مجهول الحال وهو المستور
 وقد قبل روايته جماعة بغير قيد يعني بعصر دون آخر وردها الجمهور قال والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها بل يقال هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به أمام الحرمين يعني صريحا  )) فتح المغيث (1/ 323)
والخلاصة: ضعف إطلاق الاطراح المنسوب إلى علماء الحديث.
والمتأصل في العلم المدقق يجب عليه أن ينسب إلى العلماء ما قالوه, ونطقوا به, لا أن يتجنى عليهم بنسبة شيء إليهم لم يقولوه.
هذا التعليق بالنظر إلى كلمة واحدة مفرغة له, ظهر فيها عدم الدقة والتحقيق والتأصيل
فكيف إذا نظرت إلى غير هذه الكلمة من مقاطعه الصوتية, أو تغريداته, أو مقالاته؟!!.
كتبه

د. أحمد محمد الصادق النجار

الثلاثاء، 20 يونيو 2017

مشروعية التهجد في العشر الأواخر من رمضان زيادةً على التراويح بعد الانصراف منها



مشروعية التهجد في العشر الأواخر من رمضان
 زيادةً على التراويح بعد الانصراف منها

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن الوقوف عند ألفاظ النصوص من غير نظرٍ لفهم السلف لتلك الألفاظ: يورث إشكالية عظيمة, وهُوَّة بين الألفاظ والمعاني الشرعية, وبعدا عن فقه مراد الله ورسوله صلى الله  عليه وسلم.
ويزداد الأمر إشكالية: إذا لم يُنظَر إلى عمل المسلمين قرنا بعد قرن.
فليس إدراك هدي النبي صلى الله عليه وسلم يكون بالوقوف عند الالفاظ دون النظر إلى المعاني والعلل والغايات, وإنما إدراك هديه يكون بالوقوف على الألفاظ والمعاني والمقاصد الكلية والقواعد العامة.

ومما لا ينبغي الاختلاف فيه ولا عليه أن المقصود من التهجد: الاجتهاد في العبادة, وإدراك فضيلة ليلة القدر.
وكلاهما مشروعان قد دلت السنة على الحث عليهما.
ومشروعية التهجد مبنية على جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة من جهة, وعلى جواز التعقيب من جهة أخرى, وعلى جواز زيادة التعبد بالقيام في العشر الأواخر من جهة ثالثة.
وأبدأ بالجهة الثالثة, فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره.
عن الأسود بن يزيد، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» أخرجه مسلم
وفي مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، «إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر»
ومن ذلك الاجتهاد: إحياؤه معظم ليالي العشر الأواخر.
وجاء في مسند أحمد " فكان أبو بكرة  يصلي في العشرين  من رمضان كصلاته في سائر السنة فإذا دخل العشر اجتهد "
كما قد جاء عن بعض السلف أنهم كانوا يزيدون ركعات على ما كانوا عليه قبل العشر.
ومن ذلك:
ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 164) عن وقاء قال: «كان سعيد بن جبير يؤمنا في رمضان، فيصلي بنا عشرين ليلة ست ترويحات، فإذا كان العشر الآخر اعتكف في المسجد وصلى بنا سبع ترويحات»
ووقاء فيه ضعف, فهو لين, وقد تابعه على زيادة الركعة: إسماعيل بن عبد الملك, ففي مصنف عبد الرزاق الصنعاني (4/ 266) عن الثوري عن إسماعيل بن عبد الملك قال: «كان سعيد بن جبير يؤمنا في شهر رمضان، فكان يقرأ بالقراءتين جميعا، يقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود فكان يصلي خمس ترويحات، فإذا كان العشر الأواخر صلى ست ترويحات»
إلا أن وقاء أثبت ست ترويحات, وإسماعيل أثبت سبع.
وأما عن جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة , فقد دل عليه عمل المسلمين الظاهر المستمر, وهو نوع من أنواع الإجماع.
ومن ذلك:
ما جاء عن عطاء أنه قال: «أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر» أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 163) بسند
وعن داود بن قيس، قال: «أدركت الناس بالمدينة في زمن عمر بن عبد العزيز، وأبان بن عثمان يصلون ستا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث» مصنف ابن أبي شيبة (2/ 163)
وداود: ثقة. وسنده صحيح.
وعن نافع بن عمر، قال: " كان ابن أبي مليكة يصلي بنا في رمضان عشرين ركعة، ويقرأ: بحمد الملائكة في ركعة "  مصنف ابن أبي شيبة (2/ 163)
وأيضا ما جاء في كتاب مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر لمحمد المروزي واختصره المقريزي (221): (( ...
 قال الأعمش: «كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث»
وقال عطاء: «أدركتهم يصلون في رمضان عشرين ركعة , والوتر ثلاث ركعات»
عبد الله بن قيس عن شتير: وكان من أصحاب عبد الله المعدودين أنه كان يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة ويوتر بثلاث "
محمد بن سيرين: إن معاذا أبا حليمة القارئ كان يصلي بالناس في رمضان إحدى وأربعين ركعة " ابن أبي ذئب , عن صالح مولى التوأمة قال: «أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس»
قال ابن أبي ذئب: فقلت: لا يسلمون بينهن؟ فقال: «بل يسلمون بين كل ثنتين ويوترون بواحدة إلا أنهم يصلون جميعا»
عمرو بن مهاجر: إن عمر بن عبد العزيز «كانت تقوم العامة بحضرته في رمضان بخمس عشرة تسليمة وهو في قبته لا ندري ما يصنع»
داود بن قيس قال: «أدركت المدينة في زمان أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز يصلون ستة وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث»
نافع: «لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعا وثلاثين ركعة ويوترون منها بثلاث»
ورقاء بن إياس: كان سعيد بن جبير يصلي بنا في رمضان من أول الشهر إلى عشرين ليلة ست ترويحات , فإذا دخل العشر زاد ترويحة ...
يونس رحمه الله: «أدركت مسجد الجامع قبل فتنة ابن الأشعث يصلي بهم عبد الرحمن بن أبي بكر وسعيد بن أبي الحسن , وعمران العبدي كانوا يصلون خمس تراويح , فإذا دخل العشر زادوا واحدة , ويقنتون في النصف الآخر , ويختمون القرآن مرتين»
عمران بن حدير رحمه الله: «كان أبو مجلز يصلي بهم أربع ترويحات ويقرأ بهم سبع القرآن في كل ليلة»
ذكوان الجرشي رحمه الله: «شهدت زرارة بن أوفى يصلي بالحي في رمضان ست ترويحات , فإذا كان في آخر الشهر صلى سبع ترويحات كل ليلة , وشهدته في آخر صلاته يصلي ست ركعات لا يقعد بينهن يقعد في السادسة»
ابن القاسم: سمعت مالكا رحمه الله يذكر أن جعفر بن سليمان أرسل إليه يسأله: أنتقص من قيام رمضان , فنهاه عن ذلك , فقيل له: قد كره ذلك , قال: نعم , وقد قام الناس هذا القيام قديما , قيل له: فكم القيام؟ فقال: تسع وثلاثون ركعة بالوتر "  ...))
والآثار كثيرة أورد جملة منها ابن أبي شيبة في مصنفه, وغيره.
وقال الترمذي في جامعه سنن الترمذي ت شاكر (3/ 161): ((  واختلف أهل العلم في قيام رمضان، فرأى بعضهم: أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم بالمدينة.
 وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر، وعلي، وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة، وهو قول الثوري، وابن المبارك، والشافعي "
وقال الشافعي: «وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة» وقال أحمد: «روي في هذا ألوان ولم يقض فيه بشيء»
وقال إسحاق: «بل نختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أبي بن كعب» واختار ابن المبارك، وأحمد، وإسحاق: الصلاة مع الإمام في شهر رمضان " واختار الشافعي: أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئا "
وقال البغوي: ((ورأى بعضهم أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم، وهو اختيار إسحاق.
وأما أكثر أهل العلم، فعلى عشرين ركعة يروى ذلك عن عمر، وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأصحاب الرأي، قال الشافعي: وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة )). شرح السنة للبغوي (4/ 123)
فهذه النقول تُثبت عمل المسلمين المستمر على جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة, ولا تُجمع الأمة على ضلالة.
بل لو فرضنا أنه عُمل بذلك في زمنٍ من الأزمنة من غير نكير لكان ذلك كافيا لبيان الجواز؛ لأن الله لا يُخل زمنا من قائل بالحق.
فهذا هو فهم السلف للنصوص, وقد حكى عليه ابن عبد البر وغيره الإجماع فقال في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (21/ 70): (( فلا خلاف بين المسلمين أن صلاة الليل ليس فيها حد محدود وأنها نافلة وفعل خير وعمل بر فمن شاء استقل ومن شاء استكثر ))
وقال في الاستذكار (2/ 102): (( وقد أجمع العلماء على أن لا حد ولا شيء مقدرا في صلاة الليل وأنها نافلة فمن شاء أطال فيها القيام وقلت ركعاته ومن شاء أكثر الركوع والسجود ))
فإن قيل: ما الجواب على حديث عائشة رضي الله عنها" ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة"
قيل: تخبر عن غالب قيامه صلى الله عليه وسلم, وليس فيه المنع من الزيادة.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: (( ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة..))
قال الباجي: (( ..تريد صلاته المعتادة الغالبة وإن كان ربما يزيد في بعض الأوقات على ذلك )) المنتقى شرح الموطإ (1/ 216)
وجاء في شرح النووي على مسلم (6/ 18): (( ...وأما الاختلاف في حديث عائشة فقيل هو منها وقيل من الرواة عنها فيحتمل أن إخبارها بأحد عشرة هو الأغلب وباقي رواياتها إخبار منها بما كان يقع نادرا في بعض الأوقات فأكثره خمس عشرة بركعتي الفجر وأقله سبع وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه بطول قراءة ))
بقي بيان جواز التعقيب في المسجد.
والتعقيب: رجوع الناس إلى المسجد بعد انصرافهم. انظر: مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر (ص: 245)
والمقصود منه في مذهب أحمد: (أن يتطوع بعد التراويح والوتر في جماعة) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/ 183)
والتعقيب جاء عن الحسن وقتادة أنهما كانا يكرهان التعقيب في رمضان. مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر (ص: 245)
وعن أنس قال: «لا بأس به إنما يرجعون إلى خير يرجونه، ويبرءون من شر يخافونه» مصنف ابن أبي شيبة (2/ 167)
وقال ابن قدامة: ((فأما التعقيب، وهو أن يصلي بعد التراويح نافلة أخرى جماعة، أو يصلي التراويح في جماعة أخرى. فعن أحمد: أنه لا بأس به؛ لأن أنس بن مالك قال: ما يرجعون إلا لخير يرجونه، أو لشر يحذرونه. وكان لا يرى به بأسا. ونقل محمد بن الحكم عنه الكراهة، إلا أنه قول قديم، والعمل على ما رواه الجماعة. وقال أبو بكر: الصلاة إلى نصف الليل، أو إلى آخره، لم تكره رواية واحدة، وإنما الخلاف فيما إذا رجعوا قبل النوم، والصحيح أنه لا يكره؛ لأنه خير وطاعة، فلم يكره، كما لو أخره إلى آخر الليل )). المغني لابن قدامة (2/ 125)
والراجح: جوازه؛ لما أخرجه أبو داود في سننه (2/ 67): (( عن قيس بن طلق، قال: زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان، وأمسى عندنا، وأفطر، ثم قام بنا الليلة، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده، فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا، فقال: أوتر بأصحابك، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا وتران في ليلة»
ولما ثبت عن أنس رضي الله عنه.

فقد أخرج ابن ابي شيبة في مصنفه(2/ 167) عن أنس لما سئل عن التعقيب في رمضان قال: «لا بأس به, إنما يرجعون إلى خير يرجونه، ويبرءون من شر يخافونه»
وهو داخل في استحباب الاجتهاد في العشر الأواخر, ومحقق لمقصد التعبد في ليلة القدر.
وجوازه جماعة؛ لأن الأصل جواز الجماعة في قيام رمضان.
فإن قيل: لِم لَم يتهجد النبي صبى الله عليه وسلم في المسجد؟
قيل: علة عدم تهجده في المسجد هي علة عدم صلاته التراويح في المسجد, وهي: خشية أن يفرض على الأمة.
فتبين لنا من مجموع ما ذكر مشروعية التهجد في العشر الأواخر من رمضان زيادة على التراويح بعد الانصراف منها.
فهذا تقريرٌ مختصر لهذه المسألة.
والله أعلم
كتبه:
أحمد محمد الصادق النجار

25-رمضان-1438هـ

الأحد، 18 يونيو 2017

فقه حديث: " إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة"


أولا: لفظه.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل، ثم كانت سادسة فلم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب نحو من شطر الليل، قلنا: يا رسول الله، لو نفلتنا قيام هذه الليلة، قال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة» أخرجه النسائي في سننه (3/ 83), وبوب عليه: باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف
وكذا أخرجه أبو داوود والترمذي وغيرهما
وجاء في سنن الدارمي(2/ 1115) بلفظ  فقال: «إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف من صلاته، حسب له قيام ليلته»
ثانيا: فقهه
1-سنية قيام الليل في رمضان جماعة.
2-فضل قيام الرجل مع الإمام في شهر رمضان.
3-إدراك فضيلة قيام ليلة متوقف على الصلاة مع الإمام حتى ينصرف, أي: يفرغ من صلاته.
4-انصراف الإمام يكون بإتمام الصلاة بالوتر, لا بتغيير الأئمة؛ لما جاء في سنن الدارمي(2/ 1115) بلفظ  فقال: «إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف من صلاته، حسب له قيام ليلته»
وقال أحمد رحمه الله: «يقوم مع الناس حتى يوتر معهم , ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام» مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر للمروزي (219)
فإذا كان الإمام لا يوتر إلا بعد التهجد فلابد من صلاة التراويح والتهجد معه؛ لإدراك الثواب المذكور في الحديث, وأما إذا كان يوتر في التراويح فإن الانصراف يكون بالوتر.
5-ذكر إمامٍ واحد في الحديث خرج مخرج الغالب وهو المعهود في زمن الخطاب فلا مفهوم له.
6-أن المراد بالصلاة التي ينصرف منه الإمام: قيام الليل في رمضان, لا صلاة الفرض؛ بدليل سبب الحديث وسياقه.
قال المناوي في فيض القدير (2/ 336): (( (إن الرجل إذا صلى مع الإمام) أي: اقتدى به واستمر (حتى ينصرف) من صلاته (كتب) وفي رواية حسب (له قيام ليلة) قال في الفردوس يعني التراويح اه.
ولم يطلع عليه ابن رسلان فبحثه حيث قال يشبه اختصاص هذا الفضل بقيام رمضان؛ لأنه ذكر الصلاة مع الإمام ثم أتى بحرف يدل على الغاية فدل على أن هذا الفضل إنما يأتي إذا اجتمعوا في صلوات يقتدى بالإمام فيها, وهذا لا يأتي في الفرائض المؤداة ))
7- رفق الإمام بالمصلين, وعدم التشديد عليهم.
8- عدم إحياء الليل كله بالصلاة ولو كان في العشر الأواخر من رمضان.
والله أعلم
كتبه
أحمد محمد الصادق النجار

24-رمضان-1438هـ

الجمعة، 16 يونيو 2017

(نقض الوتر؛ إدراكا لفضيلة الانصراف مع الإمام لمن يجمع بين التروايح والتهجد في المسجد)

(نقض الوتر لمن يجمع في صلاة الليل بين التراويح والتهجد)


الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

فإن من الأحكام التي يحتاج إليها المتهجد في ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان: نقض الوتر.

وصورته: أن المصلي بعد أن يوتر مع إمامه ويسلم يقوم بصلاة ركعة واحدة؛ ليصبح وتره الأول شفعا, ثم يصلي بما شاء ويوتر.

وهو جائز إذا كان لعارض وحقق مصلحة, كما في مسألة الجمع بين التراويح والتهجد مع صلاة المصلي التراويح مع الإمام والوتر معه؛ إدراكا لفضيلة قيام ليلة.

وتقرير ذلك:

 إن المأموم الذي يجمع بين التراويح والتهجد إذا صلى وراء إمام في المسجد؛  فإمامه لا يخلو من حالين:

الأولى: أن يوتر إذا صلى التراويح.

الثانية: ألا يوتر الإمام, فصلاة التراويح في مسجده بلا وتر, فهنا المأموم أيضا لن يوتر, وإنما سيوتر معه إمامه في التهجد, فيحصل له أجر إحياء الليل, ويكون قد أدرك فضيلة :" من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة".

وعليه فنريد من بعض المساجد أن يعملوا بالحال الثانية, فيكون المعروف عن المسجد أنه لا يوتر في التراويح وإنما يوتر في التهجد, فيدرك أربابه الأجر, وإعانة المسلمين على إحياء ليالي العشر الأواخر من رمضان.

 أما إذا كان الإمام يوتر فالمأموم بين أمرين:

الأول: أن يوتر معه؛ إدراكا لفضيلة:" من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة".

 فهنا المأموم الذي يريد أن يتهجد بين أن ينقض الوتر بأن يصلى بعد أن يسلم ركعة, أو لا ينقضه, فإن لم ينقضه وقع في مخالفة حديث: "لا وتران في ليلة"

الثاني: ألا يوتر المأموم مع إمامه.

 فهنا قد لا يدرك فضيلة :" من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة".

ونقض الوتر غير شفع الوتر الذي هو: إضافة ركعة مع عدم التسليم مع الإمام.

وقد دل على مشروعية نقض الوتر:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا)

فمن لم ينقض الوتر لم يجعل آخر صلاته بالليل وترا, ومن أعاد الوتر لزم وتران في ليلة.

وقد جاء عن جماعة من الصحابة, فقد قال ابن المنذر في الأوسط (5/ 196): (( (( فممن روي عنه أنه كان يشفع وتره عثمان بن عفان وسعد بن ابي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب.

 وممن روي عنه أنه فعل ذلك علي بن ابي طالب وعبد الله بن مسعود وابن عباس ))

وقال ابن رجب في حكاية من قال بجواز النقض في فتح الباري لابن رجب (9/ 170): (( إذا أوتر الإنسان من الليل، ثم أراد أن يصلي:

فقال كثير من الصحابة: يصلي ركعة واحدة فيصير بها وتره الماضي شفعاً، ثم يصلي ما أراد، ثم يوتر في آخر صلاته 0

وهؤلاء اخذوا بقوله: ((اجعلوا آخر صلاتكم وتراً)) ، ولهذا روى ابن عمر هذا الحديث، وهو كان ينقض وتره، فدل على أنه فهمه منه.

وروي عن أسامة بن زيد وغير واحد من الصحابة، حتى قال أحمد: وروي ذلك عن اثني عشر رجلاً من الصحابة.

وممن روي ذلك عنه، منهم: عمر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وابن عباس -في رواية -، وهو قول عمرو بن ميمون وابن سيرين وعورة ومكحول.

وأحمد -في رواية اختارها أبو بكر وغيره )).

كما أن النقض يحقق مصلحة راجحة, وهي: إدراك فضيلة من قام مع الإمام حتى ينصرف.

ولمعنى حديث "لا وتران في ليلة"؛ ذلك أن الوتر الثاني يكون ناقضا للوتر الأول, فلا يكون من صلى بوترين قد ختم صلاة الليل بوتر, وهذا يندفع بنقض الأول.

قال ابن رجب في فتح الباري (9/ 170): ((ومن تطوع بركعة في الليل، من غير نقض، ثم أوتر لم يبق لوتره فائدة؛ فإنه صار وتره شفعاً )).

وجواز النقض إنما يكون لعارض وحقق مصلحة؛ لما أخرجه أبو داود في سننه (2/ 67): (( عن قيس بن طلق، قال: زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان، وأمسى عندنا، وأفطر، ثم قام بنا الليلة، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده، فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا، فقال: أوتر بأصحابك، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا وتران في ليلة»

 

وأخيرا: إن مسألة نقض الوتر من المسائل الخلافية فقد قال الترمذي في الجامع (1/ 592) عن النقض: (( واختلف أهل العلم في الذي يوتر من أول الليل، ثم يقوم من آخره.

فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم: نقض الوتر، وقالوا: يضيف إليها ركعة ويصلي ما بدا له، ثم يوتر في آخر صلاته، لأنه لا وتران في ليلة.

وهو الذي ذهب إليه إسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا أوتر من أول الليل، ثم نام، ثم قام من آخر الليل، فإنه يصلي ما بدا له ولا ينقض وتره، ويدع وتره على ما كان.

وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وأحمد.

وهذا أصح، لأنه قد روي من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بعد الوتر.))

وقيل لأحمد: ولا ترى نقض الوتر؟ فقال " لا, ثم قال: وإن ذهب إليه ذاهب فأرجو، قد فعله جماعة. الشرح الكبير على متن المقنع (1/ 712)

وقال ابن عبد البر في إبطال النقض في الاستذكار (2/ 118): (( فإن قيل إن من شفع الوتر بركعة فلم يوتر في ركعة.

 قيل له: محال أن يشفع ركعة قد سلم منها ونام مصليها وتراخى الأمر فيها وقد كتبها الملك الحافظ وترا فكيف تعود شفعا هذا ما لا يصح في قياس ولا نظر ))


كتبه أحمد محمد الصادق النجار

ليلة 22- رمضان -1438هـ