السبت، 30 مايو 2020

مسائل صيام الست من شوال






مسائل
صيام الست من شوال







د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب


مسائل صيام الست من شوال
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فالأصل في مشروعية صيام الست من شوال حديث أبي أيوب الذي رواه مسلم وغيره ولفظه " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر "
فاشتمل هذا الحديث على ترتيب الجزاء على شرط متبوع بقيد, فالجزاء: أجر صيام الدهر, والشرط: صوم كامل رمضان, والقيد أن يتبع رمضان صيام ست من شوال في الوقت.
وإطلاق صيام الست من شوال يفيد ترتب الأجر على صيامه متتابعا كان أو متفرقا؛ لكون شوال كله محلا للصيام.
وأما دلالة "ثم" في الحديث فإنها تفيد التراخي, فلا يلزم في ترتب الأجر أن يتلو صيام الست: الفطر, وإنما يحصل أيضا بتأخره عن أوائل أيام العيد, فالإتباع" ثم يتبعه" يحتمل أن يكون بفاصل ويحتمل أن يكون بلا فاصل, فدلالةـ "ثم" أفادت أنه يكون بفاصل؛ لأنها تفيد التراخي, وكذا جعل الحديث شوال كله محلا للصيام يدل على أنه ليس من شرط الإتباع أن يكون بلا فاصل.
وللحديث منطوق وهو: أن أجر صيام الدهر مرتب على صيام رمضان كله ثم إتباعه بصيام ست من شوال.
وله مفهوم وهو: عدم ترتب الجزاء على من لم يكمل صيام رمضان وإن صام ستا من شوال, وعدم ترتب الجزاء على من أكمل رمضان ولم يتبعه بصيام ست من شوال.
هذا ما يتعلق بظاهر الحديث وما يفهم منه, أما فقهه ففي مسائل:
المسألة الأولى: حكم صيام الست من شوال متصلة برمضان.
ذهب الجمهور إلى الاستحباب. [انظر: المجموع شرح المهذب (6/ 379) ]
قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أن صوم ستة أيام من شوال مستحب عند كثير من أهل العلم). المغني (4/ 438)
واحتجوا بالحديث الوارد في فضل صيامها, فترتيب الأجر عليها يدل على استحبابها وأنها عبادة.
وذهب المالكية إلى الكراهة إذا صامها متصلة برمضان متوالية مظهرا لها معتقدا سنية اتصالها وإلا فلا كراهة.
وصرح صاحب الذخيرة بأن مالكا استحب صيامها في غير شوال، ولم يأخذ مطرف وغيره بكراهة مالك وتعليله. انظر: التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (2/ 459)
واحتجوا على الكراهة:
1-سد الذريعة؛ خوفا من اعتقاد وجوبها.  [انظر: شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 243)]
وأجيب: أنه لا يخفى ذلك على أحد, ويلزم على ذلك كراهة صوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه, وهذا لا يقوله أحد. [انظر: المجموع شرح المهذب (6/ 379) ]
2-عدم عمل أهل المدينة, فما عليه عمل أهل المدينة مقدم على خبر الآحاد.
وأجيب:
أن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض فكونه لم ير لا يضر . [انظر: المجموع شرح المهذب (6/ 379) ]
تنبيه: اختلف المالكية في بيان سبب الكراهة:  فمنهم من قال: مخافة أن يلحق الجهلة برمضان غيره.
وقيل: لم يبلغه الحديث، أو لم يثبت عنده.
وقيل: وجد العمل على خلافه.
ويحتمل أن مالكا إنما كره وصل صومها بيوم الفطر، فلو صامها أثناء الشهر فلا كراهة . انظر: شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 301)
والأقرب هو القول باستحباب صيامها متصلة برمضان؛ لظاهر النص الوارد في فضلها, وأما ما خافه مالك فينتفي بالفصل بين صيام رمضان وصيام الست من شوال بعدم صوم يوم العيد, فيكون من حِكَم تحريم صوم يوم العيد: الفصل بين الصوم الواجب والصوم المستحب.
وتخصيص يوم العيد بالنهي يدل على جواز ما عداه, ورجحان الفعل على الترك دل عليه الفضل الوراد في صيام الست من شوال.
ثم إن النهي المبني على سد الذريعة لا يلتفت إليه إذا عارض مصلحة راجحة, فمصلحة الصيام أقوى من مفسدة صيامه, فكيف إذا انتفت المفسدة؟!
وإذا وجد من يخشى منه اعتقاد الفرضية أو من يجعل عيدا ثانيا بعد صيام الست, فيقال: تأخير صيامها عن أول الشهر أرجح؛ حتى لا يلحق برمضان ما ليس منه, ويكون هذا من قضايا الأعيان, وإلا فالأصل أنه لا فرق بين أول الشهر وآخره؛ لإطلاق الحديث, فكل شوال محل للصيام.
المسألة الثانية: هل تقييد الصيام بشوال يفيد عدم ترتب الأجر إذا وقع الصيام في غير شوال؟
ذهب المالكية إلى أن التقييد لا مفهوم له.
واحتجوا: أن له فائدة أخرى غير التخصيص وهي التخفيف, لا تخصيص حكمها بذلك الوقت.   [انظر: شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 243)]
بل المستحب عندهم صومها في غير شوال؛ خوفا من إلحاقها برمضان عند الجهال، وإنما عينه الشرع من شوال للخفة على المكلف لقربه من الصوم، وإلا فالمقصود حاصل في غيره، فيشرع التأخير جمعا بين المصلحتين.  [انظر: لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (4/ 76)]
وذهب الجمعهور إلى التقييد بشوال.
والأقرب هو التقييد بشوال؛ لأن الأصل في الأوصاف التقييد, ولأنها عبادة مؤقتة بزمن فإخراجها عن زمنها يجعلها غير مشروعة.
وهنا أمر معتبر عند بعض المختلفين في هذه المسألة وهو: هل أجر صيام الدهر من جهة أن الحسنة بعشر أمثالها, فلا يكون للتقييد بشوال اختصاص, أو فكأنما صام الدهر فرضاً، وهذا لا يكون في غير ما قيد به الشرع؟.
ويؤيد المعنى الثاني: حديث ثوبان رضي الله عنه عند أحمد عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال)) مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ((
وهذا ليس سببا تاما؛ لأن جماعة من العلماء ممن قيد الأجر بصيام شوال يرى أنه من باب الحسنة بعشر أمثالها.
المسألة الثالثة: من لم يتمكن صيام الست من شوال لعذر, هل إذا قضاها ينال نفس الأجر؟
اختلف العلماء:
فمنهم من جوز قضاءها؛ قياساعلى قضاء الفرائض وقضاء رمضان إذا كان لعذر؛ بجامع كونها عبادة مؤقتة فاتت لعذر, وبالتالي يحصل على نفس الأجر.
ومنهم من منع القضاء؛ لفوات محلها, ولم يقسها على قضاء رمضان؛ لأنها ليست بفرض.
والأقرب: جواز القضاء, فإذا جاز قضاء الفرض لعذر فالنفل من باب أولى, وقياسا على قضاء رمضام بجامع كونها عبادة مؤفتة فاتت لعذر.
المسألة الرابعة: هل يترتب الأجر الوارد على من عليه قضاء من رمضان فقدم صيام الست على القضاء؟
الذي يظهر أن أجر صيام الست مرتب على إكمال رمضان ومن بقي له شيء من رمضان لا يكون قد أتم صوم رمضان, وأيضا لم يحقق التبعية الواردة في الحديث؛ إذ إن صيام الست من شوال ورد مشروعيته على طريق التبيعية لرمضان في الوقت, فمن صامه قبل إكمال رمضان كان قد صامه في غير وقته.
ومن عليه قضاء كثير, فيبدأ بالقضاء ثم يصوم الست ولو تأخر عن شهر شوال, وله أجر من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال بإذن الله.
المسألة الخامسة: هل يصح ينوي الإنسان قضاء رمضان القضاء والست من شوال جميعًا؟
الذي يظهر أنه لا يصح؛ لأن صيام الست من شوال ورد على طريق التبعية لرمضان في الوقت, والقاعدة:" إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت؛ تداخلت أفعالهما، واكتفي فيهما بفعل واحد", وهنا ورد على طريقة التبعية, فلم يصح التداخل.




الاثنين، 11 مايو 2020

حكم إخراج زكاة الفطر نقدا


حكم
إخراج زكاة الفطر نقدا
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فالأصل في المخرَج من زكاة الفطر ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما قال: فَرَضَ النبي - صلى الله عليه وسلم - صَدَقَةَ الفِطْرِ -أو قال: رمضانَ- على الذكر والأنثى، والحُرِّ والمملوكِ: صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، قال: فعدلَ الناسُ به نصفَ صاعٍ من بُرٍّ على الصغيرِ والكبيرِ.
وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: كنا نُعطِيها في زَمانِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقطٍ، أو صاعًا من زبيبٍ.
فلما جاء معاويةُ وجاءت السَّمراءُ. قال: أُرى مُدًّا من هذا يعدِل مُدَّيْن.
قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزالُ أُخرجُه كما كنتُ أخرجُه.
وحكمة مشروعيته: طهرة للصائم، وطعمة للمساكين, وإغناء للفقراء عن السؤال يوم العيد.
والظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: (فرض ... صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ ): يحتمل أن المنصوص عليه مقصود بعينه لا يجوز العدول عنه, ويحتمل أن المنصوص عليه ليس مقصودا لذاته فيجوز العدول عنه.
فليس هذا الحديث من باب النص الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا, وإنما هو من باب الظاهر الذي يحتمل معنيين بالنظر إلى مراد المتكلم.
وهذه الوجوه من التأويلات تذكر لبيان ما يحتمله اللفظ من المعاني؛ ليخرج ظاهره عن النصوصية، لا على أنه يجزم بإرادة واحدة منها فهذا يحتاج إلى دليل.
وما من عالم في الجملة إلا ونظر إلى المعنى وخرج عن مقتضى اللفظ من وجه, كمن قدم إخراجها بيوم أو يومين, وكذا من جوز إخراج ما يقتات وإن لم يكن منصوصا عليه, أو نفى أن الاختيار في المنصوص عليه وإنما أرجعه إلى ما يقتات في البلد.
ونظيره: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بلى نصلي، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعنف واحدًا منهم.
فمع أن اللفظ ورد بصيغة الحصر إلا أن المقصود من اللفظ يحتمل بالنظر إلى مراد المتكلم, وهذا يخرجه عن كونه قطعي الدلالة.
والأقرب في حديث بني قريظة: من خرج عن مقتضى اللفظ ونظر إلى المعنى؛ فخصص العموم بالقياس, وصلى الصلاة في وقتها.
وفي مسألتنا – المخرج من الزكاة- اتفق الفقهاء على إجزاء إخراج المنصوص عليه من الأجناس, واختلفوا فيمن قدر على المنصوص عليه فأخرج غيره:
 فالصحيح عن مالك وأكثر أصحابه, وهو مذهب أحمد: أن المنصوص عليه مقصود, فلا يعدل عنه إلى غيره مع وجوده, ولا يجوز إخراج القيمة.
واحتجوا:
أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر أجناسا معدودة، فلم يجز العدول عنها، كما لو أخرج القيمة؛ وذلك لأن ذكر الأجناس بعد ذكره الفرض تفسير للمفروض، فما أضيف إلى المفسر يتعلق بالتفسير، فتكون هذه الأجناس مفروضة فيتعين الإخراج منها، ولأنه إذا أخرج غيرها عدل عن المنصوص عليه، فلم يجز.
والأصل اعتبار عين المنصوص عليه, فلو تبدل أو تغير اسمه لم يجزئ.
قالوا: والإغناء يحصل بالإخراج من المنصوص عليه.
وذهبت الحنفية وروي عن مالك وعن طائفة من أصحابه كما ذكر ذلك ابن عبد البر في الكافي في فقه أهل المدينة, وروي عن عمر بن عبد العزيز، والحسن وأبي إسحاق السبيعي ويحيى بن معين والثوري وغيرهم: أن وجوب المنصوص عليه من حيث إنه مال متقوم على الإطلاق لا من حيث إنه عين, فيجوز أن يعطي عن جميع ذلك القيمة دراهم، أو دنانير، أو فلوسا، أو عروضا، أو ما شاء.
ففي مصنف ابن أبي شيبة (2/398) في باب إعطاء الدراهم في زكاة الفطر
قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن هشام عن الحسن قال: (لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر)
وقال: حدثنا أبو أسامة ، عن ابن عون ، قال: سمعت كتاب عمر   بن عبد العزيز يقرأ إلى عدي بالبصرة (يؤخذ من أهل  الديوان من أعطياتهم، عن كل إنسان نصف درهم).
وقال: حدثنا وكيع، عن قرة، قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر ( نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته  نصف درهم )
وقال: حدثنا أبو أسامة، عن زهير، قال: سمعت أبا إسحاق، يقول: «أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام»
وأبو إسحاق السبيعي أدرك جماعة من الصحابة.
وقال يحيى بن معين في زكاة الفطر: ( لا بأس أن يعطي فضة) تاريخ ابن معين
وقال الثوري: ( لو أخرج قيمتها مما هو أنفع للفقير جاز؛ لأن المقصد منها إغناء الفقراء عن المسألة, وسد حاجتهم في هذا اليوم )
واحتجوا أيضا:
قياسا على جواز فعل الساعي إذا أخذ عن السن غيرها أو بدل العين منها.
وأن الواجب في الحقيقة إغناء الفقير، والإغناء يحصل بالقيمة بل أتم وأوفر؛ لأنها أقرب إلى دفع الحاجة.
وأن النص معلول بالإغناء, والأصل اعتبار مراد النص.
ولأن بعض الصحابة عدلوا عن المنصوص عليه مراعاة للمعنى والعلة؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير» قال عبد الله رضي الله عنه: «فجعل الناس عدله مدين من حنطة» أخرجه البخاري
ولوجود الحاجة للمال, وتحقق المشقة بعدمه, وهذا يقوي جواز إخراج القيمة؛ تيسيرا على المسلمين.
والأقرب: إخراج الزكاة طعاما؛ لأن الأصل في الكفارات: الطعام, وصدقة الفطر من جنس الكفارات, والمقصود من الإطعام: المواساة بجنس ما يحصل به الإفطار من رمضان؛ إذ إن سبب إيجابها: الفطر من رمضان, والفطر إنما يكون بالطعام, كما أنه مناسب ليوم العيد, فيوم العيد من خصائصه أنه يوم أكل وشرب, وهذا يناسب أن يكون الإخراج طعاما.
ومناسب للعلة المنصوصة وهي: طعمة للمساكين.
ولأن النظر إلى القيمة لم يعتبره الشارع؛ لتفاوت قيم الأصناف المذكورة, وإنما الذي اعتبره الشارع هو الصاع.
وأما إخراج زكاة الفطر قيمة فيجوز إذا وجدت الحاجة والمصلحة, كأن يكون عنده مال وليس عنده طعام, أو يطلبها المستحقون مالا, أو تكون المصلحة في بلد متحققة في دفع القيمة؛ لكونها أنفع.
وقد جاء في البيان والتحصيل: سئل -أي: مالك- عن الرجل لا يكون عنده قمح يوم الفطر، فيريد أن يدفع ثمنه إلى المساكين يشترونه لأنفسهم، ويرى أن ذلك أعجل؛ قال: لا يفعل ذلك، وليس كذلك قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ومن رواية عيسى قال ابن القاسم: ولو فعل لم أر به بأسا.
والمصلحة المعتبرة هي التي تحافظ على مقصود الشارع ومراده من زكاة الفطر.
وإعمال المصلحة هنا: ليس فيه معارضة للنص, وإنما هو أخذ بأحد احتمالات النص, فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرض صاعا من طعام, يحتمل أنه أوجب عين المنصوص عليه, ويحتمل أنه أوجب المنصوص عليه من جهة أنه مال متقوم يحصل به الإغناء, فتأتي المصلحة وترجح أحد الاحتمالين.
وليس هذا من باب مصادمة النص؛ لدخوله في معنى النص, ولكون المصلحة الشرعية دليلا.
وليست هي من المصلحة المتوهمة؛ لأن المصلحة المتوهمة هي التي تعارض قطعيات الشريعة.
والخلاصة أن جواز إخراج القيمة للمصلحة والحاجة؛ يدل عليه وجوه:
الوجه الأول: مراعاة العلة وهي: مواساة الفقير وإغناؤه في يوم العيد عن المسألة, وهذا الإغناء يحصل بكل ما هو متقوم.
الوجه الثاني: أن الحكم معقول المعنى, وليس تعبديا.
الوجه الثالث: دل على اعتبار المصلحة ما جاء عن طاووس، قال لما قدم معاذ اليمن، قال: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير، فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة.

ذكره البخاري بصيغة الجزم, قال ابن حجر في فتح الباري: (إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده وكأنه عضده عنده الأحاديث التي ذكرها في الباب)
قال الشافعي في الأم: (وطاوس عالم بأمر معاذ، وإن كان لم يلقه على كثرة من لقي ممن أدرك معاذا من أهل اليمن فيما علمت)

وقال البيهقي: (طاووس وإن لم يلق معاذا إلا أنه يماني وسيرة معاذ بينهم مشهودرة )البدر المنير
وقوله" وخير للمهاجرين بالمدينة" تأكيد للنظر في المعنى والعلة واعتبار المصلحة.
ومعاذ كان ينقلها إلى المدينة: إما في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فيكون هذا من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم,  وإما بعد موته في حضرة الصحابة فيكون اتفاقا منهم على جواز ذلك؛ للمصلحة.
وإذا جاز إعطاء القيمة في زكاة المال؛ مراعة للمعنى وهو أوجب فجوازها في زكاة الفطر أولى.
قال البخاري في صحيحه: ( باب العرض في الزكاة )
وقال في (2/ 116): ((وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: «ائتوني بعرض ثياب خميص - أو لبيس - في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة» وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تصدقن ولو من حليكن» فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها، ولم يخص الذهب والفضة من العروض"
وعن أنس رضي الله عنه حدثه: أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: «ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها، وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء» أخرجه البخاري
فأمره (صلى الله عليه وسلم) بإخراج بنت لبون، عن بنت مخاض، ويزيد المصدق عشرين درهما أو شاتين، وهذا على طريق القيمة.
 قال المازري وهو من المالكية: (وإخراج القيم بدل العين في الزكاة، ذلك أن القصد من الزكاة هو إزالة خلة الفقراء، وقد عيّن الشارع لمن وجبت عليه الزكاة ما يخرجه من شاة أو حقة أو ابن لبون أو تبيع فمن راعى المعنى قال بجواز إخراج القيمة لأنها تحقق قصد الشارع. ومن راعى لفظ النص قصر المخرج على ما جاء به النص).انظر: شرح التلقين،

تنبيه: الأدب في هذه المسألة الاجتهادية التي تتجاذبها الأدلة لمن رأى عدم إجزاء إخراج القيمة ألا يقطع بعدم إجزائها, كما  قال أبو داود قيل لأحمد وأنا أسمع: أعطي دراهم - يعني في صدقة الفطر - قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

خاتمة:
مما يعد  خطأ علميا القول بأن إخراج زكاة الفطر نقدا مصادم للنص؛ ذلك أن هناك فرقا بين العدول عن ظاهر النص الملفوظ وبين كون الشيء مصادما للنص, فهو عدول عن المنصوص لا النص
فلو كان الحديث لفظه: لا يجزئ إخراج الزكاة إلا طعاما، أو نحو ذلك مما يفيد الحصر،  لكان غير المحصور مصادما للنص.
بينما نجد أن الحديث الوارد في زكاة الفطر منطوقه: إخراج الطعام, وما عد الطعام إن لم يدخل في النص لفظا ولا معنى فإننا نطبق عليه قاعدة الترك:" ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي وزوال المانع حرام"
وأما إن دخل في معنى النص؛ لتوفر العلة فيه، فلا يصح أن يكون مصادما للنص وإنما يعد عدولا عن الملفوظ, ولا نعمل فيه قاعدة الترك.

الاعتكاف في البيت في ظل وباء ( #فايروس_كورونا )


الاعتكاف في البيت
في ظل
وباء ( #فايروس_كورونا )
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فإن الاعتكاف قربة شرعه الله في المساجد, ونهى عن الجماع المباح لأجله, قال تعالى: [ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد].
والاعتكاف مع كونه عبادة في نفسه إلا أنه لم يأت فيه فضل خاص, قال أبو داود في مسائله للإمام أحمد: (( قلت لأحمد: تعرف في فضل الاعتكاف شيئا؟ قال: لا، إلا شيئا ضعيفا )). مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني (ص: 137)
والمسنون منه ما كان في العشر الأواخر من رمضان, ويبدأ بـ (غروب شمس ليلة إحدى وعشرين ) وينتهي بـ (غروب شمس ليلة العيد).
وشرطه أن يكون في المسجد؛ لقوله تعالى: [وأنتم عاكفون في المساجد ].
واختلف العلماء في صفة المسجد:  فمنهم من قال: الاعتكاف مختص بالمساجد الثلاثة, ومنهم من قال: أن يكون مسجد جماعة, ومنهم من قال: في كل مسجد إلا إذا تخلل اعتكافه جمعة.
فقد روى النجاد عن علي رضي الله عنه؛ قال: «لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة».
وعن ابن عباس؛ قال: «لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة».
وعن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: «لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة».
والاعتكاف شرع مقيدا, فهو قربة خصت بالمساجد بالنص لقوله تعالى: [وأنتم عاكفون في المساجد ], والعبادات المقيدة إنما تفعل مقيدة لا مطلقة؛ لأن إطلاق المقيد يحتاج إلى دليل وإلا كان تشريعا.
هذا هو الأصل.
وفي نازلة وباء فايروس كورونا استجدت مسألة وهي حكم الاعتكاف في البيت في ظل إغلاق المساجد.
وقد بحث الفقهاء مسألة وهي: اعتكاف المرأة في مسجد بيتها, وهو الموضع الذي أعدته للصلاة, فذهب الأحناف إلى أن المرأة لا تعتكف إلا في مسجد بيتها؛ لأن صلاتها فيه أفضل, وخوفا عليها من الفساق. [انظر: المبسوط للسرخسي (3/ 119)]
ولأن له حكم المسجد في حقها في حق الصلاة لحاجتها إلى إحراز فضيلة الجماعة, فأعطي له حكم مسجد الجماعة في حقها. [بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 113)]
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة؛ لأن مسجد البيت ليس له حكم المسجد لا حقيقة ولا حكما؛ بدليل جواز البيع فيه, وجواز النوم فيه للجنب والحائض, وقد قيد الاعتكاف بالمسجد.
ولأن المقصود تعظيم البقعة فيختص ببقعة معظمه شرعا، وذلك لا يوجد في مساجد البيوت.
ولأن النساء كن يعتكفن في المساجد, ويضرب لهن فيه الخيم.

والسؤال هنا: هل نُخرِّج نازلتنا على قول الحنفية في اعتكاف المرأة في البيت؟
والذي يظهر : لا؛ لأمرين:
الأول: أن الحكم في المرأة عند الحنفية معلق بموضع أعدته للصلاة فكان مسجدا لها باعتبار إدراك الفضل في الصلاة, وهذا يخالفها فيه الرجل في الفرض.
ومع هذا لا يسلم للحنفية؛ لأن الحديث أثبت أفضلية للمرأة في خصوص الصلاة, ولم يعط ذلك الموضع أحكام المسجد؛ بدليل جواز مكث الحائض فيه .
ولو كان اعتكاف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في غير المسجد العام ممكناً؛ لاستغنين بذلك عن ضرب الأخبية في المسجد كما استغنين بالصلاة في بيوتهن عن الجماعة في المساجد, ولأمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك..[انظر: شرح العمدة (2/ 740)]
 الثاني: أن الاعتكاف شرع مقيدا بالمسجد والنهي عن المباشرة بالنص, فلا يكون مشروعا إلا في المسجد وأن يكون العاكف منهيا فيه عن المباشرة, فتخصيصه بالذكر يقتضي أن ما عداه بخلافه.
قال ابن تيمية في شرح العمدة (2/ 720): (وإذا لم يكن العاكف في غير المسجد منهيّاً عن المباشرة؛ علم أنه ليس باعتكاف شرعي؛ لأنا لا نعني بالاعتكاف الشرعي إلا ما تحرم معه المباشرة)
وعليه فمن اعتكف في غير المسجد خرج عن الاعتكاف الشرعي, ومادام أن محل الاعتكاف مغلق بسبب الوباء العام ودفع ضرره فإن الاعتكاف يسقط.
وقد عده ابن عباس الاعتكاف في البيت من البدع, فقد سئل عن امرأة جعلت عليها أن تعتكف في مسجد نفسها في بيتها؟ فقال: بدعة, وأبغض الأعمال إلى الله تعالى البدع, لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة». رواه حرب.
وما حُكم عليه بأنه بدعة فإنه لا يكون مشروعا, ولا فرق في ذلك بين ما دعت إليه الضرورة والحاجة أو لا.
ومما يدل أيضا على أنه يجب في المسجد حتى مع وجود العذر: ما جاء عن عائشة قالت: «اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض أزواجه, وكانت ترى الدم والسفرة والطست تحتها وهي تصلي». رواه البخاري
فمع كونها مستحاضة قد تُلوث المسجد لم يشرع لها الاعتكاف في البيت؛ مما يدل على أنه لا يكون إلا في المسجد.
وإذا نظرنا إلى حِكَم شرعية الاعتكاف في المساجد منعنا منه في غير المسجد, فمن الحِكَم: أن البقعة معظمة, فتتناسب مع ملازمة العبادة والتفرغ لها والابتعاد عن أمور الدنيا, وتسليم النفس إلى الله, وهذا لا يتحقق في البيوت.
إلا أن بقاء الرجل في المكان المعد للصلاة والاشتغال فيه بالعبادة وانتظار الصلاة بعد الصلاة مما يرجى له فيه الخير من غير أن يعتقد أنه اعتكاف وقربة؛ لما جاء في الموطأ وغيره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث اللهم اغفر له اللهم ارحمه)
فقوله في مصلاه أي: في الموضع الذي صلى فيه.
وسئل مالك عن رجل صلى جماعة ثم قعد بموضعه ينتظر صلاة أخرى أتراه في صلاة بمنزلة من كان في المسجد كما جاء في الحديث؟ قال: نعم إن شاء الله أرجو أن يكون كذلك ما لم يحدث فيبطل ذلك ولو استمر جالسا.[ شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 553)]

والخلاصة: لا يصح الاعتكاف في البيت؛ لأنه تغيير للصفة المشروعة بلا موجب شرعي يقتضي التغيير, وإذا سقطت هئية صلاة الجمعة في البيت للضرر مع وجوبها فسقوط الاعتكاف من باب أولى؛ لعدم وجوبه.
ولأن مصلحة الاعتكاف لا تتم إلا في المسجد؛ لعظم البقعة, وهذا غير متحقق في البيت.
ولأن الشارع لم يرخص الاعتكاف في البيت مع وجود العذر كما في المستحاضة, فدل ذلك على أنه لا يشرع إلا في المسجد, وأن العجز يسقطه.
فإن قيل: المسجد شرط في الاعتكاف ومصلحته مكملة لا أصلية, والشروط تسقط بالعجز, ولا تعود على أصلها بالبطلان.
قيل: إلغاء الشرط هنا يذهب الصفة المشروعة ويغيرها, فيجعل غير المشروع مشروعا بلا دليل, كما هو الحال في الجمعة, فالمسجد جزء أصيل في الحقيقة الشرعية،فتنتفي الماهية بانتفائه.
 ثم إن ذهابه لا يتحقق معه المقصود من الاعتكاف؛ إذ إن البقعة مقصودة, ولها أثر في تفرغ القلب وعدم انشغاله بالدنيا.
وليس الشرط هنا من جنس ما كان مكملا لحكمة المشروط وعاضدا لها كشرط الطهارة للصلاة؛ إذ إن عدم الطهارة لا يغير من هيئة الصلاة شيئا, وليس هي من جنش اشتراط العدالة في الإمام؛ لأن عدمه لا يغير من الصلاة والاقتداء بالإمام ومتابعته, وليس هي من جنس اشتراط الصيام في الاعتكاف عند من يشترطه.
فإن قيل: هل المكان مقصود بذاته.
قيل, نعم, مقصود بذاته, فالاعتكاف انقطاع إلى العبادة على وجه لائق بلزوم المسجد؛ بدليل عدم سقوطه مع العذر, فكما تقدم عن عائشة قالت: «اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض أزواجه, وكانت ترى الدم والسفرة والطست تحتها وهي تصلي». رواه البخاري
فمع كونها مستحاضة قد تُلوث المسجد لم يشرع لها الاعتكاف في البيت؛ مما يدل على أنه لا يكون إلا في المسجد.
والمسجد معظم شرعا ورتب الشارع عليه أحكاما تخصه, كما أنه اشترط في الاعتكاف عدم المباشرة؛ مما يدل على أن البقعة مقصودة, ولاشك أن لها تأثيرا في الاعتكاف.
وإنما جوز الأحناف للمرأة الاعتكاف في الموضع الذي أعدته للصلاة؛ لما تعتقده من تعظيم هذه البقعة, وهو أيضا وجه الرد عليهم في أن المرأة ليس لها أن تعكتف في بيتها.
ثم إن ما علق بمكان لا يعلق بغيره إلا بدليل, ولا دليل يوجب تغيير مكان الاعتكاف, ولا يصح قياسه بترك المبيت في منى لعذر, وتجاوز الميقات؛ لوجود الدليل, أو ليس المكان من حقيقته الشرعية.
فإن قيل: الضرورة موجبة للتغيير.
قيل: الضرورة تسقطه, ولا توجب تغييرا في صفته, فهو انقطاع بلزوم المسجد, فلزوم المسجد من حقيقته الشرعية, كما هو الحال في صلاة الجمعة.


الأحد، 10 مايو 2020

زكاة الفطر في ظل وباء ( #فايروس_كورونا )


زكاة الفطر
في ظل
وباء ( #فايروس_كورونا )
د. أحمد بن محمّد النّجار
كليّـة علوم الشّريعة / جامعة المرقب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد؛ فإن زكاة الفطر فرضها الله؛ رفقا بالفقراء وإغناء لهم عن السؤال في يوم العيد وطهرة للصائم, وتجب على كل مسلم حر عنده قوت يومه معها وقوت من يعوله, ويخرجها الرجل عمن تلزمه نفقته بسبب القرابة أو الزوجية أو الرق.
ووجوبها بغروب الشمس من ليلة الفطر, ويستحب أن تؤدى بعد الفجر من يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى, ولا يجوز إخراجها قبل يوم الفطر إلا بيوم أو يومين.
هذه بعض أحكامها في حال الاختيار, وأما في حال الضرورة للوباء فتتعلق به مسألتان:
الأولى: وقت أدائها.
الثانية: إذا تعذر تسليمها للفقير.
أما بالنسبة لآخر وقت أدائها مع تعطل صلاة العيد في المصلى, فنقول: يؤديها المزكي قبل صلاة العيد في الوقت المعتاد الذي هو في بداية اليوم؛ لأن من حِكم زكاة الفطر: إغناءهم عن السؤال في يوم العيد, ومن أخرها عن بداية اليوم ترتب عليه عدم إغنائه في جميع اليوم, فيكون الفقير مشغول البال في بداية اليوم, ولهذا جاء في حديث ابن عباس: «من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات»
واختلف الفقهاء في عدم إجزاء من أخرها فأداها يوم العيد بعد الصلاة في الوقت المعتاد, وكذا ذهب جمهورهم إلى عدم جواز تأخيرها عن يوم الفطر, إلا أنهم قالوا: لا تسقط وتبقى في ذمته دينا فهي من حق الفقراء.
ولا يسوغ تعجيلها؛ لأن في تعجيلها إذهابا لمقصودها وهو الإغناء يوم العيد, وإنما الذي يسوغ تعجيله هو زكاة المال؛ دفعا لحاجة الفقراء وسدا لخلتهم.
وأما المسألة الثانية وهي إذا تعذر عليه إيصالها للفقراء في وقتها, فنقول: يفصلها عن طعامه ويعدها للفقير ويبقيها عنده إلى أن يتمكن من إعطائها للفقير, ويكون معذورا؛ لأنه لا واجب مع العجز.
وللفقير أن يوكل شخصا ولو كان المزكي نفسه, فإذا وصلت إلى يد الوكيل فكأنها وصلت إلى يد الموكل.
وللمزكي أن يعطيها لمن يتولى توزيع الزكاة كجمعية وتكون نائبة عن الفقير والمزكي.