بعضهم لم يستطع أن يتصور التفريق بين أفعال أفراد الطائفة الواحدة الموافقة للشرع واعتقادها المنحرف.........
ولا عجب ألا يتصور ذلك من ينطلق من زاوية نظر واحدة, ويبني أحكامه على ردة الفعل... لا التحقيق العلمي وبُعْد نظر أهل السنة والجماعة...
فلو فرضنا أن رجلا منحرفا يقول بخلق القرآن, قام بإنقاذ غريق,
فهنا يمدح الفعل؛ لكونه موافقا للشرع, ويثنى على فاعله من هذه الجهة، وليس مدحه؛ لأجل انحرافه, وإنما يبقى منحرفا يحذر منه
فاستطعنا أن نفرق بين انحرافه ومدح الفعل؛ لكن من جهتين...
ولو فرضنا أن مجموعة من الرجال اجتمعوا على فكرة منحرفة ولهم شق سياسي وشق عسكري, فقام الشق العسكري بإنقاذ الغرقى,
فذمنا لهم؛ لانحرافهم لا يعني ذمنا للفعل الموافق للشرع من الشق العسكري, بل نمدح الفعل ونثنى عليهم من هذه الجهة، كما أثنى العلماء على من فتح الأراضي وأدخل أهلها تحت دولة الإسلام وهو يعتقد معتقدات فاسدة....
فهنا استطعنا أن نفرق بين أفراد المجموعة لا من جهة أصل فكرهم وإنما من جهة ما اختص به بعض أفراد المجموعة من عمل صالح, فمدح فعلهم لأجل كونه صالحا ...فهو مدح مقيد... وليس الباعث على مدح الفعل جهة انحرافهم...وهذا كله على التسليم بوقوع العمل الصالح منهم
وقد تكون القيادة منحرفة لكن لا يلزم أن كل من شاركهم في الفعل على نفس اعتقاد القيادة...
ومن هنا نفهم أصل أهل السنة...
فأهل السنة لما تكلموا في الجها د مع ولي الأمر الفاجر, نجد أنهم يفرقون بين جهة انحرافه بالفسق سواء كان فسقا عمليا أو فسقا اعتقاديا, وبين جهة الجهاد معه ومع جنوده إذا كان الجهاد شرعيا توفرت فيه شروطه المعتبرة شرعا, فيمدح جها دهم ولو كانوا منحرفين........
فأهل السنة لم يمنعهم النظر إلى جهة انحرافه من إيجاب الجهاد معه؛ لكون الجها د مشروعا بقيده...ومدح الحاكم على جهاده لا يعني مدحه على فسقه...
طيب
إذا نُسب الحاكم إلى فرقة مبتدعة, كنسبة الواثق إلى المعتزلة أو الجهمية
فهنا نظر الأئمة إلى المسألة من جهات متعددة:
1-من جهة الفرقة: حذروا منها وبينوا ضلالها, ولم يمنعهم كون الحاكم منها من الكلام فيها والتحذير منها؛ تغليبا لجانب حفظ الدين
2-من جهة منصب الإمامة: لم يحرضوا على الحاكم المعتزلي ولا أنكروا عليه علنا حال غيبته بذكر اسمه, ولم ينزعوا يدا من طاعة في المعروف؛ تغليبا لجانب درء مفسدة الفتنة العامة
3-من جهة الفعل الموافق للشرع كالجهاد والحج: مدحوه عليه وأثنوا على جها ده وفتحه الأمصار وأمروا بالجهاد معه والحج؛ لأن في ذلك حفظا للدين وتحقيقا للمصالح الراجحة.
والغريب أن الخوارج لم ينظروا إلى المسألة إلا من جهة واحدة, فلم يفرقوا بين جهة فجور الحاكم وجهة الجهاد معه, وبالتالي لم يتصوروا كيف يمدح على فعله الموافق للشرع وكونه منحرفا بفجوره؟.
كما لم يتصورا الجمع بين إثبات أصل الولاية له وبين فجوره وفسقه...
كتب د. أحمد محمد الصادق النجار