الأحد، 14 ديسمبر 2025

حكم التماثيل الأثرية من منظور شرعي سلفي

 


[لننطلق ابتداء من المتفق عليه]


أولا: لا خلاف بين العلماء في تحريم صنع التماثيل المجسمة مكتملة الصورة مما له روح وله حقيقة موجودة إذا كان يدوم.. في غير لعب الأطفال

قال خليل المالكي: “التماثيل إن كان بغير حيوان كالشجر جاز، وإن كان بحيوان مما له ظل قائم فهو حرام بإجماع”

وقال الدردير: “يحرم تصوير حيوان عاقل أو غيره إذا كان كامل الأعضاء إذا كان يدوم إجماعًا، وكذا إن لم يدم على الراجح كتصويره من نحو قشر بطيخ”

وقال النووي رحمه الله: “وأجمعوا على منع ما كان له ظلٌّ، ووجوب تغييره، قال القاضي: إلا ما ورد في اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة في ذلك” 


ثانيا: اتفق العلماء على وجوب تحطيم التماثيل التي تعبد من دون الله سبحانه...أو التي تعظم بما يفضي إلى عبادتها...

قال عكرمة: «كانوا يكرهون ما نُصِبَ من التماثيل نصباً، ولا يرون بأسا بما وطئته الأقدام». وقال محمد بن سيرين: «كانوا لا يرون ما وُطِئَ وبُسِطَ من التصاوير مثل الذي نُصِبَ». 


ثالثا: ما كان من التماثيل مطموسًا أو مدفونًا لا يُنبَش ولا يُستخرج لأجل تحطيمه، إذ الأصل تركه ما دام لا يُفتن به. 


رابعا: ثبت في النصوص الشرعية تحطيم التماثيل وطمس الصور

فقد روى مسلم (969) عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك ‏على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ‏ولا قبراً مشرفا إلا سويته " .‏

إلا أن محل البحث هل تعم هذه النصوص كل تمثال حتى وإن لم يعبد من دون الله سبحانه، ويعظم أو هي مخصوصة بالتي تعبد من دون الله؟ 


والجواب أن من نظر إلى عموم الشريعة وقواعدها واستقرأ النظائر وجد أن الشريعة تضيق في باب الشرك وذرائعه، فتمنع كل ما يكون ذريعة إلى الشرك، ولهذا نهت عن اتخاذ القبور مساجد ونهت عن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر وأمرت بتسوية القبور. إلى غير ذلك

لذا فإن إبقاء التماثيل في المتاحف لأغراض علمية أو تاريخية ليس ضرورة تبيح المحظور. 


يبقى سؤال: لماذا ترك بعض الصحابة تحطيم التماثيل في بعض البلدان التي فتحوها مع تحطيمهم لها في بلدان أخرى؟ 


وجوابه عند من يحتج بالترك على منع البدع:

أولا: هذا الترك من بعض الصحابة يعارضه أصل شرعي كما أن الحكم العام الذي جاءت به النصوص ينافيه، وما كان هذا حاله لا يصح تعميمه على جميع الأحوال؛ وإنما هي وقائع أعيان لا يتعدى بها محالها... 


ثانيا: ترك الصحابة تحطيم بعض التماثيل في البلاد المفتوحة مرده إلى الاستطاعة؛ فما قدروا على إزالته أزالوه، وما لم يقدروا عليه تركوه، لأن التكليف منوط بالقدرة.

وقد منع بعض الخلفاء من تحطيم التماثيل في أزمانهم لعجز بيت المال عن تحمل نفقاتها. 


ثالثا: إن كثيرا من هذه التماثيل كانت مدفونة لما دخل الصحابة البلدان التي توجد فيها 

وما لم يكن منها مدفون فيحتمل أن تركهم له لوجود مانع منعهم من تحطيمه، ولا يُحتج بتركهم مع احتمال وجود مانع؛ إذ الأصل هو العمل بعموم النصوص الواردة في النهي عن إبقائها. 


وأما تعليل من علل بأن مناط إبقاء الصحابة لها هو أنها لا تعبد 

فمنقوض بتحطيم الصحابة ومن بعدهم لتماثيل لم تعبد؛ سدا لذريعة أن تعبد من دون الله. 


وأخيرا وضعها في متحف: نوع من أنواع تنصيبها الذي حذر منه السلف، وربما نوع من أنواع تعظيمها... 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار

الاثنين، 8 ديسمبر 2025

#توصيف_معركة_الأمة (معركة الأمة هي في إصلاح الداخل وتهيئة الأمة للوقوف أمام العدو الخارجي )

يكشف واقع المسلمين اليوم عن تفرّقٍ وتنازعٍ بين الفرق والطوائف والجماعات لاختلاف المعتقدات والمناهج، في الوقت الذي يوجّه فيه الاستعمار الحديث والهيمنة الغربية عداءهما إلى الإسلام وأمّته جمعاء دون تمييز. 


هذا الواقع دفع بعض الجماعات والأفراد إلى طرح خطابٍ تجميعيٍّ يدعو إلى استيعاب جميع مكوّنات الأمة من رافضة وجهمية وأباضية ومعتزلة وصوفية وإخوان ووو على ما يسمونه أصول الإسلام الكبرى، بعيدا عن خطاب الطائفة والتحذير من المخالف ... 


وهذا الطرح في ظاهره يبهج العقول ويحرّك العاطفة، إلا أنك إذا حللته وجدت أنه يدعو كل طائفة إلى السكوت عن الدعوة إلى مذهبها، وإذا أعطيت مجالا أوسع للطوائف فهو يسمح بدعوة كل فرقة إلى مذهبها إلا أنه يلغي أحكام التبديع والتفسبق ويلغي التمييز بين الفرقة الناجية وغيرها، إلى غير ذلك

فهذا الخطاب التجميعي لا يستقيم إلا بترك شيء من الدين...

وليس هو مقصورا على ترك العنف واستعمال الألفاظ الخارجة عن أدب العلم وأهله كما صوره بعضهم...!!! 


ومن مزالق هذا الخطاب أنه يصور أن الذي يُخرج الأمة من ضعفها هو تجميعها على ما سموه أصول الإسلام الكبرى مهما اختلفت الفرق والجماعات فيما دون تلك الأصول ولو خالفوا الكتاب المستبين والسنة المستفيضة والإجماع القطعي..!!!! 


بعد هذا التحليل نسأل: هل هذا الخطاب دعت إليه الشريعة؟ وهل يمكن تحققه في الواقع أو هو مجرد خيال؟ 


أولا: إنَّ الذي أمرنا بالاجتماع وإعداد العدة لإرهاب أعداء الله هو الذي أمرنا بالاجتماع على أصول أهل السنة ومنهجهم كما قال تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا» [آل عمران: 103]....وهو الذي حذرنا من البدعة وأهلها...وأمر بالولاء والبراء على السنة... واستعمال أحكام التبديع والتفسيق والتكفير إذا وجد موجبها الشرعي..

وهو الذي أمرنا عند ظهور البدع أن نبين حقيقة البدعة ونحذر الأمة منها ومن أهلها، ... ولا يمكن أن يقع تعارض حقيقي بين أوامر الله سبحانه، فضلا عن التناقض والاختلاف.. 


ثانيا: إن التحذير من أهل البدع بضوابط الشرع ليس صراعًا حزبيًا ولا تعصبًا طائفيًا، بل هو امتثال لأمر شرعي، يُراد منه صيانة الدين وحماية السنة. 


ثالثا: إقامة الواجب الشرعي لا تتحقق في الأصل إلا بمن سلمت أصوله وصح منهجه، ولهذا كان السلف أشدَّ ما يكونون حرصًا على تصحيح العقيدة والتحذير من أهل الانحراف وحضوا على هجرهم إذا اقتضت المصلحة الراجحة

إلا أنهم أجازوا التعاون في البر مع أهل البدع في الحالات العارضة التي لا يمكن تحقيق الواجب إلا بهذا التعاون، كما قال ابن تيمية: «فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب، كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرًا من العكس»

فهذه حال طارئة ومصلحة عارضة، ويغلط من يجعل العارض أصلا ثابتا، ويخاطب الناس به في جميع الأحوال ... 


رابعا: إن وجود الهيمنة الغربية والاستعمار الحديث ليس مسوّغًا شرعيًا مطلقًا لاجتماع الفرق والطوائف والجماعات على ما يسمونه “أصول الإسلام الكبرى” دون تصحيح الانحراف العقدي والتحذير من الخطأ وأهله..

فالإصلاح يبدأ من تحقيق التوحيد والاتباع؛ لأن فقدان النقاء العقدي هو الذي جعل الأمة مهيمنة عليها. 


وعليه

فـالمعركة الحقيقية مزدوجة:

داخلية: لتصحيح العقيدة والمنهج، وخارجية: لمواجهة الهيمنة والاستعمار.

ولا يمكن خوض الثانية بنجاح حقيقي قبل إصلاح الأولى. 


خامسا: أثبت الواقع أن هذا النوع من الخطاب هو خيال لا يمكن تحققه إلا في الحالات الطارئة والعارضة، وليس هو مما يريده الله شرعا، فانتفى فيه الوقوع والإرادة الشرعية... 


كتب د. أحمد محمد الصادق النجار