الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

في عجل بيان ما تضمنه "مشارق الأنوار في كشف وتجاهل النجار لعبد المعطي الرحيلي" من تعدٍّ وجهل



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فقد اطلعت على مقال زعم صاحبه أنه يرد علي فيه, وقد طبَّل له المطبلون, وصفَّق له المصفقون, ونشروه في منتدياتهم, وعلى صفحاتهم وهم يحسبون أنهم أصابوا مني مقتلا, وطاروا به فرحا ؛ حتى لكأنهم طهَّروا بلدان المسلمين من الشرك والبدع.
فيا لله العجب!
لم أكن أحسب أن مقالي"صكوك تصحيح التوبة ليست من السلفية في شيء" أثَّر في هؤلاء هذا التأثير, وأصاب فيهم مقتلا عظيما.
ومن نظر في هذا الرد الذي ملأه سبا وطعنا وسوء أدب وجهل دله على مقدار صاحبه, ومبلغ علمه, وإن حاول محبوه أن يأتوا له بالتزكيات!!
ووقتي أنفس من أن أضيعه معه ومعهم, وإنما أحببت أن أبين سوء فهمه في مواطن من رده, فيُستدَل بالمذكور على غير المذكور, ويلحق المسكوت عنه الذي لم أنتقده بما انتقدته من منطوق كلامه.
وسأتجاوز عن أن أرد على كلامه في نيتي وقصدي؛ لأدع الله حكما بيني وبينهم عند لقائه.

صدَّر مقاله بعد الطعن والسب بـ أني ادعيت أن صنيع الشيخين ليس من السلفية في شيء .... ثم نقل كلامي:" فأصبح من يريد أن يتوب وتقبل منه أن يسلك طريقا معينا مبتدعا.
فخشيت أن تنسب هذه الطريقة إلى السلفية، وأنه منهج للسلف"

وهذا من سوء فهمه, وبتره لكلامي, فالذي أنكرته ولا زلت أنكره ما قلته في المقال"فالذي جرني للكتابة في هذا الموضوع الذي يُعَدّ من مسلمات السلفية وقعت عليه عيني وعين غيري من تصحيح توبة أبي الفضل الليبي من الشيخين عبيد الجابري وعبد الله البخاري بعد أن كتب تراجعات على أخطائه.
وتعلق القلوب بهذا التصحيح"
فإنكاري كان على صورة مركبة من: كتابة التوبة من أبي الفضل للشيخين, وتصحيح المشايخ لها, وتعلق القلوب بهذا التصحيح.
فكان كلامي على مجموع هذه الأمور, ولمجموع هذه الأمور جعلتها صكا, وذريعة إلى الشرك.
لكنه لا يفقه!!, فكيف يرد؟!
وما ذكرَه من تخريجٍ لصنيع المشايخ يدل على تجرئه على الشريعة,  فزعم أن صنيعهما من باب تحصيل المصالح وتعطيل المفاسد, وأنه معين على التوحيد.
فأقول: كيف صنيعهم بالطريقة المذكورة سابقا يُحصِّل المصالح ويُعطِّل المفاسد, وهو يجر إلى مفسدة أعظم؟ فما من مصلحة تذكرها إلا ومفسدة الشرك ترجح عليها.
وإذا كان عند تساوي المصلحة والمفسدة تُدرء المفسدة, فكيف إذا ترجحت المفسدة؟
وهل هذه الطريقة لم يعرف مصالحها إلا أنت؟
أين السلف من فِعلِ هذه الطريقة؟!
وإذا كانت مصلحتها راجحة فكيف لا يأتي الشرع بها؟!
ولا تخلط بين التوبة عند الشيخ من غير اشتراط وبين اشتراط ذلك وإلزام المخطئ, وتعلق القلوب بذلك.
واعلم أن هذه الطريقة لو كانت الغاية منها تحقيق عبودية التوبة -كما تزعم- لاكتُفِي بمجرد إعلان التوبة من غير إلزام بالحضور عند المشايخ وتوقيعهم على صحتها.
ولاكتفي بالدعوة إليها على شروطها المعتبرة شرعا من غير زيادة شرط - لفظي أو عرفي-
 أما أن يتوقف الأتباع إلى أن يكتب المشايخ تصحيحا ويوقعوا عليه فهذا هو المنكر.
وهذا يجر التائب إلى أن يتعلق قلبه بالمشايخ, وكذلك الأتباع, فأين سد ذرائع الشرك يا هذا؟
والنبي صلى الله عليه وسلم في أدنى من هذا الأمر سد ذرائع الشرك, فذاك الصحابي لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت, غضب وقال أجعلتني لله ندا؟
مع أن الصحابي لم يقصد المعنى.
والله سبحانه إنما أمر بالتوبة مطلقا, ولم يقيدها بالحضور عند المشايخ وتصحيحها.
 فاتق الله ولا تحرف.
وتقييد ما أطلق الله يوقع في البدع.
واشتراط البيان العلني لمن أخطأ علنا لا إشكال فيه, لكن الإشكال كل الإشكال في تقييده بصورة مخصوصة تُعلَّق عليها القلوب.
ولا يمكن جمع الكلمة بما يجر إلى الشرك والبدع, وإنما جمع الكلمة يكون بالحق وعلى الحق.

ثم مِن جهل هذا الراد أنه ألزمني بغلق باب الاستتابة
أقول: الاستتابة يا رجل لا تكون من كل أحد, وإنما تكون من الحاكم والقاضي؛ لما يختصا به من أحكام.
أفتنزل الشيخين منزلتهما؟!! وهل يترتب على تصحيح الشيخ حد؟!!
ثم الاستتابة قبولٌ لها باعتبار أحكام الدنيا, فليس فيها قطعٌ بالتصحيح, ولا تعلقُ القلوب بها.
ولا يلزم من قبول التوبة القطع بصحتها, وإنما ينظر إلى توفر شروطها الظاهرة فتقبل بناء على ذلك.
وأعطيك مثالا: لو أن منافقا أظهر الإسلام فإننا نقبل منه؛ لإتيانه بالأمور الظاهرة, ولا يلزم من هذا القبول أن يكون إسلامه صحيحا في نفس الأمر.
فمن أظهر التوبة, وتوفرت فيها شروطها الظاهرة قبلنا منه, ولا يلزم من ذلك أن تكون صحيحة في نفس الأمر.
وهذا لا أظن فقيها يخالفني.

ثم بدأ هذا الرد بجمع الأقوال التي ظنها حجة له وهي حجة عليه.
فسبحان الله يحسنون جمع الأقوال, لا فقه الأقوال!!
يا رجل ما تنقله متعلقٌ بالسلطان, والسلطان تتعلق به أحكامٌ لا تتعلق بالمشايخ, ويترتب على حكم السلطان إقامة الحد أو التعزير, فلا يصح القياس.
وما ذكرته من إعلان المخطئ لخطئه وكتابته, وشهادة الشهود هذا لا إشكال فيه, ولم يتوجه إليه نقدي, فلا تحمل الكلام ما لا يحتمله.
وأعجب ما في رده المنبئ على جرءته ما قام به من ليِّ عنق النص الذي جاء في توبة كعب, فذكر أن ثمة فرقا بين قبول الله لتوبة كعب وبين الحكم بصحة توبته, وقطع بأن كعبا صحت توبته قبل قبول الله توبته.
ولم يفرق بين توبة الله بمعنى: توفيق الله له للتوبة, وبين قبول الله لها.
 وكعب قد تاب الله عليه بالمعنيين.
وهذا الرجل يخلط بينهما.
ومن جرأته أنه قال:" وإلا فإن كعبا ومن معه قد صحت توبتهم من جهة توفر شروطها كلها, قبل قبول الله توبتهم, فلما نزل الوحي بقبول الله توبتهم كان دالا على صحة توبتهم وتوفر شروطها ومنها القلبية"
وهذا فيه جرءة عظيمة!!
فقد قطع في بداية كلامه بصحة توبته؛ لتوفر الشروط كلها ومنها القلبية, ثم جعل دليل ذلك نزول الوحي.
والكلام معك قبل نزول الوحي, فكيف تقطع بما في نفس الأمر قبل نزول الوحي؟!!
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع فكيف تأتي أنت وتقطع؟!!
ومن جرأته يريد أن يصور أن عدم القطع بالصحة قبل نزول الوحي من إساءة الظن بالصحابي الجليل كعب
وهذا ليس بلازم؛ لأننا مخاطبون بالظاهر, وأن نكل السرائر إلى الله
وكعب صدق في حديثه ولا يلزم منه القطع بصحة التوبة؛ لأنها متوقفة على أمر غيبي لا يعلمه إلا الله.
ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم أرجأ القطع إلى حكم الله.
ثم إنك أوَّلت الحديث بما يتماشى مع قولك ففسرت"حتى يقضي الله فيه" بأن يحكم فيه بحكم, بينما التأويل الصحيح حتى يقضي الله فيك بالتوبة.
قال القسطلاني: (( (وأرجأ) بالجيم والهمزة آخره أي أخّر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرنا) أيها الثلاثة (حتى قضى الله فيه) بالتوبة ))
وهو الذي دل عليه قوله تعالى: وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا
وهذه جرأة على كلام الله وكلام ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولما تكلمتُ في مقالي عن القطع بصحة التوبة كان المراد القطع بما في نفس الأمر, لا على ما يغلب على الظن.
ولهذا ذكرت تنبيها في آخر مقالي ردا على مقطع الشيخ عبد الله البخاري في تعقبه على من أنكر صنيع الشيخين مع أبي الفضل وهو: " توضيح مهم:
التوبة لما كانت شروطها منها ما هو ظاهر ومنه ما هو باطن, أشبهت الإيمان في عدم القطع.
نعم قد يقال: إن أريد بالتوبة شروطها الظاهرة فقط فيصح أن يقطع بها باعتبار الظاهر وتعلق الأحكام الدنيوية, كما يقطع بالإسلام؛ لأنه متعلق بالظاهر.
فهذا قريب.
لكن لما تعلقت قلوب أقوام بتصحيح التوبة كان المتعين في مخاطبة هؤلاء المنع؛ سدا للذريعة.
وسد الذريعة دليل شرعي.
وهذا التصحيح للتوبة إنما كان صكا وذريعة للشرك؛ لتعلق القلوب به.
ولم أقل: صك غفران.
وقد جعله هؤلاء شرطا عرفيا لقبول التوبة عند الناس.
وأنى لمن يصحح هذه الطريقة أن يأتي بسلف له في ذلك.
فينبغي التنبه لذلك.
وأما أنه من باب الإعانة والتشجيع لصاحب التوبة فربما يقال: نعم لو لم يترتب عليه تعلق القلوب, وجعلها شرطا في القبول
ولكن لما ترتب عليه ما ترتب فالواجب المنع, وسد الذريعة.
فسد وسائل الشرك واجب شرعا, وحماية جناب التوحيد متعين.
 "25-10-1436
لكن القوم يدلسون!!
والإخلاص في الصلاة والحج ونحوهما متعلق بالقبول, لا بالإجزاء وعدم المطالبة بالقضاء.
ولا عمل إلا بنية.
وأزيدك أمرا لعله ينبهك على جهلك, وبه يبطل قولك:"فالحكم بصحة توبة الرجل المسلم الذي يأتي بشروطها كالحكم بصحة إسلام الكافر الذي يأتي بشروطه, وكذل ذا وذاك حكم دنيوي ...)
ولهذا التأصيل الفاسد أنكرت التفريق في القطع بصحة التوبة بين التعيين والعموم.
وأقو لك: ما أحوجك لتعلم الفرق بين الظاهر والباطن, والعموم والتعيين.
هذا الأمر هو: إذا اجتمعت شروط التوبة في مذنب فإنه يقطع بقبول الله لها, لا أنه يحكم بمجرد صحتها, وحكي عليه الإجماع.
ولن تسلم من هذا إلا بالتفريق بين العموم والتعيين.
 فليتك تتعلم.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: (( وظاهر هذه النصوص تدل على أن من تاب إلى الله توبة نصوحا، واجتمعت شروط التوبة في حقه، فإنه يقطع بقبول الله توبته، كما يقطع بقبول إسلام الكافر إذا أسلم إسلاما صحيحا، وهذا قول الجمهور، وكلام ابن عبد البر يدل على أنه إجماع ))
وما ذكرتَه من نماذج: ففي مجملها القطع بصحة التوبة مقيدا بشرط, فإذا حصل الشرط حصل المشروط.
فمثلا: اللجنة أجابت بـ إذا كان الواقع ما ذُكِر فتوبته صحيحة
والذي ذُكر شروط قلبية.
أضف على ذلك: أني ذكرت في التوضيح أن الحكم بصحة التوبة بناء على الظاهر قريب, والكلام فيه سهل, لكن البحث كل البحث في التعلق بهذا التصحيح, أو القطع بما في نفس الأمر.
وصنيع الشيخين الذي تحاول جاهدا أن تثبت لهما فيه سلفا إلى الآن لم تأت بسلف واحد لهما, وإنما تحاول أن تجعل محل النزاع هل يحكم بصحة التوبة باعتبار الظاهر أو لا؟
والكلام الذي انتقدته في مقالي هي: الصورة المجتمعة, وقد راعيتُ في المقال صورة مخصوصة, وحالا معينة, والسياق يخصص العام.
لو كنت تفقه.
وقد بينتُ في التوضيح أني منعت القطع بالصحة مطلقا سدا لذريعة الشرك, وسد الذريعة دليل شرعي.
ثم ختمتَ ردك الذي لا يستحق أن يلتفت إليه أصلا بملحق: أبنت فيه عن سوء فهمك, وعدم تصورك.
فخلطت بين مسألتنا وهي: ذهاب أبي الفضل ببيان ذكر فيه أخطاءه للشيخين ثم كتبا عليه تصحيحا لتوبته, وعليه قبل الشباب التوبة.
وبين ما حصل من مناصحة أبي الحسن وكتابة ما دار في الجلسة, وما حصل فيه من تراجع.
وهذه المناصحة بناء على طلب المشايخ, لا أنه قصدهم ليتوب عندهم.
ألا ترى فرقا بين الصورتين أم أعماك التعصب؟!!
أضحكت عليك العقلاء.

وهذا سؤال وُجِّه للشيخ ربيع فسأنتظر ردك عليه.
سئل الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- :
هل إقامة جلسات التوبة لبعض من وقع في الأخطاء يعتبر من منهج السلف؟
الجواب :"الإنسان ينصح المخطيء سرا فيما بينه وبينه، والنصيحة ليس فيها إشاعة، فيقول له : اتق الله يا أخي وأنا أخوك وأرجو لك الخير ، ويذكره بالله
أما هذه الطريقة المذكورة فأظنها من طريقة أهل البدع، والله أعلم".أ.هـ (المجموع الرائق 197)

وأكتفي بهذا القدر فالوقت أنفس من أن أضيعه معك, ومع أمثالك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه
أحمد محمد الصادق النجار
الأربعاء

18-11-1436هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق