حكم أخذ مصرف الأمان عمولة على سحب علاوة الأبناء بنسبة
مئوية عن طريق
مكتب الخدمات والتجار
ما نشهده اليوم من تحايل
مصرف الأمان على شرك مصرف ليبيا المركزي, وعلى الناس في مستحقاتهم (علاوة الأبناء),
التي تكيف على أنها إيداع من مصرف ليبيا المركزي إلى مصرف الأمان فأصبح مصرف
الأمان مدينا.
ووجه التحايل: أنهم كانوا
فيما سبق يأخذون العمولة -التي هي في مقابل إيصال الأموال- من الناس مباشرة مع
مخالفتهم لشرط مصرف ليبيا المركزي
والآن أصبحوا يأخذونها عن
طريق الوكالة التي يعطونها لمكاتب الخدمات أو ميزة نقل المال من حساب العميل الذي
هو صاحب العلاوة إلى التاجر!
وهذه العمولة التي يأخذونها
في مقابل: إيصال المبلغ إلى المستفيد الزائدة على الخدمات الفعلية, ليست من باب الربا؛
لأن المصرف مقترض لا مقرض إلا أنه بالنظر إلى الواقع نجد أن فيها استغلالا لضعف
المستفيد وحاجته إلى المال, وهو ينافي التيسير والرفق, فقد جاءت نصوص الشريعة
بالحث على الرفق بالناس, كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ
فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280].
وحرم الربا؛ لمنافاته الإحسان والإرفاق ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130]
واستغلال الناس وقت حاجتهم يتنافى مع مقصد الشارع من الرفق,
وفيه شبهة أكل أموال الناس بالباطل.
ونجد أيضا أنها منافية لقيود مصرف ليبيا المركزي,
وهي من أكل أموال الناس بالباطل؛ إذ يأخذها المصرف من غير عمل وجهد يقابلها مع
انتفاعه بالمال الذي في ذمته.
وأما ما يفعله مكاتب الخدمات والتجار من تحويل المال من حساب صاحب العلاوة إلى حساب
التاجر أو المكتب عن طريق رسائل الهاتف
وبمجرد دخوله في حسابه
يقوم مصرف الأمان بخصم العمولة من حساب التاجر التي تفوق الخدمات الفعلية
ثم يعطي التاجر المستفيد مبلغا
أقل من الذي أودعه, فهذه الصورة محرمة.
وتكييف العلاقة بين
الأطراف الثلاثة (صاحب العلاوة والتاجر والمصرف) أنها من قبيل حوالة الحق, فالعميل
الأول الذي هو صاحب العلاوة دائن, ومصرف الأمان مدين, فيقوم العميل الأول بنقل
الحق منه إلى التاجر, ويكون التاجر قد سدد دين المصرف وأصبح هو دائنا للمصرف.
وأما العلاقة بين العميل
الأول والتاجر فعلاقة قرض؛ لوقوع الضمان على التاجر, فوجب رد المثل من غير نقص إلا
بما تقتضيه الخدمات الفعلية للبنك, وما زاد فهو ظلم وهو من أكل أموال الناس
بالباطل.
وقد تكيف على أنها صرف؛
لأن التاجر يضمن المال بعد تحويله إلى حسابه, وليس هو مجرد ناقل, ومقصود صاحب
العلاوة مبادلة مال نقدي مقبوض حقيقة بمال مقبوض حكما.
وفي الصرف تجب المماثلة
والتقابض, وإلا كان ربا, ويعفى عن الخصم الذي يتم من المصرف بقدر الخدمات الفعلية.
وعليه فإن ما يخصمه التاجر
من المبلغ هو زائد على الخدمات الفعلية فيكون التعامل معه حراما.
ولا يصح تكييف العلاقة على
أنها وكالة -بأجر أو بغير أجر-؛ لكون التاجر يضمن المال بعد دخوله في حسابه, والوكيل
لا يضمن, ثم إن العقد يكون وكالة إذا قبض المحال له الحق من المدين باسم المحيل
الذي هو صاحب العلاوة لا أن يقبض الحق باسم التاجر.
وحتى نصحح هذه المعاملة يجب
أن يقبض التاجر أو المكتب الحق من المصرف باسم المحيل الذي هو صاحب العلاوة لا أن
يقبض الحق باسم التاجر.
فالتعامل مع المكاتب لا
يجوز اللهم إلا إذا وجدت مكاتب خدمات تقوم بتحويل بيانات المستفيد إلى المصرف ثم
يقوم المصرف بتحويل المال إلى المكتب ثم إلى المستفيد, فيتم سداد دين الذي على المصرف
عن طريق المكتب.
فالقول بالتحريم يصعب؛ لوجود
مصلحة ومفسدة, أما المصلحة فهي في التسهيل على الناس ورفع الحرج عنهم, وأما المفسدة
فهي في إعانة المصرف على هذا الاستغلال والمجاوزة.
والنظر المقاصدي يقتضي: أنه لا ينظر إلى عظم المفسدة
الذي تقتضي المنع إلا وينظر معها إلى ما يقابلها من حاجة الناس ومقصد الشارع من
رفع الحرج عنهم وعدم قصده إعناتهم.
ومادام أن باب البيوع مقصد
الشارع فيه التوسعة على الناس ورفع الحرج عنهم بما لا يتعارض مع مفسدة راجحة
فيجوز للناس أن يتعاملوا
مع مكاتب الخدمات؛ لرفع الحرج عنهم, وإن كنا لا ننصح التجار ابتداء بالتعامل مع
المصرف ولا إعانته.
ولا أظنها موجودة واقعا.
كتبه: أحمد محمد الصادق
النجار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق