الأربعاء، 18 مايو 2022

[معضلة المناداة بالتعايش السلمي مع أصحاب الديانات ومناقضاتها للنظر المصلحي المقاصدي]

 

[معضلة المناداة بالتعايش السلمي مع أصحاب الديانات

ومناقضاتها للنظر المصلحي المقاصدي]

 

إن مسألة التعايش السلمي مع أصحاب الديانات على ضوء القيم المشتركة مع إثبات الخصوصية لكل دين: تقوم على إهمال مصلحة الدين الصحيح وحفظه, أو على أقل تقدير تأخيرها عن مصلحة النفس والعرض والمال؛ لأن أساس التعايش: مساواة الأديان, والتسامح فيها بمنع نقدها وبيان بطلانها.

وهذا الإهمال أو التأخير  يترتب عليه إلغاء أصل الولاء والبراء؛ لأن هذا الأصل يقوم على أن أعلى درجات المصالح ورتبها هو الدين, وينتج عنه إلغاء الجهاد في سبيل الله متى توفرت شروطه وانتفت موانعه.

وأما عدم إكراه غير المسلم على الدخول في الإسلام فهو لا ينافي الجهاد في سبيل الله؛ لأن في الجهاد في سبيل الله مصلحة عامة للبشرية كلها؛ لما تضمنته أحكام الإسلام من العدل والإحسان.

وأما هداية قلوب أفراد الناس فهذه لا يملكها إلا الله ولذا نهى عن إكراه آحاد الناس على الإيمان وليس هو في مقدور البشر, لكن ذاك لا ينافي بيان الحق ودحض الباطل, ومن أصر على دينه فله دينه ويرجع ضرره عليه دون غيره.

فحرية المعتقد أمر كوني وليس مطلبا شرعيا [ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا], وإنما الأمر الشرعي عدم إكراه الناس في الدخول في الإسلام, لكن هذا لا يعني المساواة بين الأديان وعدم إبطالها.

وفي المناداة بمطلق التعايش السلمي إذابة لما يقوم في نفوس أهل الإسلام من تعظيم الكفر واستبشاعه؛ لكونه مناقضا للتوحيد من كل وجه؛ مما نتج عنها الرضا بالسلم المطلق معهم والتطبيع, ويصبح ذلك غير مستنكر في النفوس والطباع.

ونتج عنه التساهل في الترحم على البعض الكفار ووصفهم بالشهادة, والصلاة عليهم...

ولما كان التعايش السلمي مع الديانات الأخرى قائما على تأخير ضروري الدين على غيره وجدنا من يخرج وينادي بأن ضروري الدين آخر الضرورات مراعاة, متغافلين عما قررته الشريعة في جزئياتها من تقديم ضروري الدين على غيره مما يساويه في الرتبة أو يعلو عليه, والشارع إنما أجرى أحكامه على ذلك, فإذا أخرنا ضروري الدين ترتب عليه إلغاء كثير من أحكام الشريعة.

وليس هذا فحسب بل وجدنا من يقدم الإنسانية على الدين.

ويجب التنبيه هنا: أنه لا منافاة بين الاعتزاز بدين الإسلام وإعمال أصل الولاء والبراء وبين عدم الاعتداء على أصحاب الديانات الأخرى؛ لأن دين الإسلام لم يضع الكفار كلهم في سلة واحدة, وإنما فرق بين المحارب والمعاهد والمستأمن وأعطى لكل واحد حكما, فرحمة الإسلام عامة تشمل المسلم والكافر, وكذا أمر بالعدل مع المسلم والكافر.

والإسلام يقيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم على العدل والإحسان, ومن مقتضى العدل: ظهور الإسلام على غيره؛ لأنه دين الله ولا يقبل الله دينا سواه, وحكمة الله وعدله يأبيان التسوية بين المختلفات, فمما ينافي العدل: المساواة بين الأديان.

فظهور الإسلام أمر محكم لا يصح التنازل عنه, وهو لا ينافي الإحسان مع من لم يعاد المسلمين, ولا ينافي الاستفادة من الكفار في الدنيا وحسن معاملتهم وإطعام جائعهم واللطف بهم وحفظ دمائهم وأعراضهم وأموالهم, ولا ينافي أيضا جدالهم بالتي هي أحسن.

فالتعايش مع أصحاب الأديان الأخرى يجب أن يقوم أولا على أساس الدين وظهور دين الإسلام, ولا يصح -بالنظر إلى كليلات الشريعة وجزئياتها-  أن يقام على الإنسانية والقيم الاجتماعية والأرض.

 

 

وفي الختام:

يجب عدم الخلط بين التعايش الذي يقوم على إظهار دين الإسلام والبراءة من الأديان الأخرى مع حسن معاملة من لم يقاتل المسلمين والعدل معه وعدم ظلمه والمصالحة معه والتعاون معه بما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين والاستفادة من علومهم الدنيوية

وبين التعايش الذي يقوم على مساواة الأديان وإلغاء الولاء والبراء, وتقديم الإنسانية والقيم والأرض على الدين.

وليس الحديث هنا عن فقه الأقليات.

 

وما أصلته هنا يستصحب أيضا في التعايش بين الفرق والطوائف المسلمة, فيجب أن يبنى هذا التعايش ابتداء على إظهار السنة التي يقابلها البدعة في الأصول متى ما قوي أهل السنة.

وهذا يقتضي بيانها والدفاع عنها وبيان ضلال ما يقابلها وانحراف أهلها؛ لأن حفظ الدين مقدم على حفظ غيره مما هو في رتبة واحدة من المسائل, ولا ينافي هذا التعاون فيما تقتضيه المصلحة الشرعية الراجحة وحسن المعاملة وعدم الظلم.

وينبه هنا أنه ينظر في واجب الوقت ما هو أرجح ونوع المصلحة ورتبتها, فليس كل ما راجحا بالمطلق يكون راجحا في كل وقت.

فعند وقوع اللبس والخلط في مسائل الدين يكون أعظم الجهاد بيانها ورفع اللبس عنها, وعندما يتم التلبيس على مسائل أصول الدين ولم يسع الوقت والجهد إلا لبيانها تكون هي واجب الوقت ولا يتكلم في بيان الفروع, وهكذا

إلا أن هناك خلطا بين ما تقتضيه العاطفة وما يريده الناس وبين ما تقتضيه الأصول الشرعية والنظر المقاصدي, فتجد من يحكم على من خالف العاطفة وما يريده الناس في بيئته بأنه يهتم بالفروع على حساب الأصول وبالعدو الداخلي على تغول العدو الخارجي, وهؤلاء  لا يملكون القدرة على الموازنة بين نوع المصالح ورتبها, ولهذا يخلطون...

بينما نجد أئمة السلف قد اعتنوا عند المعارضة وعدم الجمع بما هو أعظم مصلحة وأرجح, فكما ألفوا في بيان ضلال اليهود والنصارى ألفوا أيضا في الرد على الجهمية والقدرية والرافضة وغيرهم, بل من وجد من آحادهم من لم يعرف له رد على اليهود والنصارى وله ردود على الفرق الإسلامية.

 

كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار

أستاذ مساعد بكلية علوم الشريعة- المرقب ليبيا

16-شوال-1443

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق