السبت، 6 يوليو 2024

تحرير مسالة تبديع المعين مباشرة

 تبديع المعين مباشرة من غير إقامة الحجة

ضابطه أن يخالف في مصدر التلقي
بمعنى أن ينطلق في الاستدلال بغير الكتاب والسنة والإجماع
معتقدا قصور دلالتها عن إفادة القطع أو جعل دلالتها كفرية ...
وهذا لا يكون خطؤه إلا لتفريط منه وتقصير واتباع للهوى
ولهذا استحق التبديع مباشرة من غير اشتراط إقامة الحجة وإزالة الشبهة
قال السجزي: "...من قال في نفسه قولاً، وزعم أنه مقتضى عقله، وأن الحديث المخالف له؛ لا ينبغي أن يلتفت إليه لكونه من أخبار الآحاد، وهي لا توجب علماً، وعقله موجب للعلم؛ يستحق أن يسمى محدثاً مبتدعاً"اهـ (الرد على من أنكر الحرف والصوت ص100-101) ([37])
فجعل من خالف في مصدر التلقي مستحقا لأن يسمى مبتدعا.
وهذا المخالف لا يعذر بالجهل في استحقاق التبديع؛ لأن مخالفته (وفق تلك المنظومة الاستدلالية الكلامية) تلازم التفريط والتقصير ومتابعة الهوى
قال ابن تيمية: "الجاهل عليه أن يرجع، ولا يصر على جهله، ولا يخالف ما عليه علماء المسلمين؛ فإنه يكون بذلك مبتدعاً جاهلاً ضالاً"اهـ (مجموع الفتاوى 7/682) ([44])
وقال: "قد يكون كل من المتنازعين مبتدعاً، وكلاهما جاهل متأول"اهـ (مجموع الفتاوى 23/356)
ونعني بنوع التقصير والتفريط هنا هو النوع الذي يثبت به حكم التبديع، لا النوع الذي يكون موجبا لعدم المغفرة
وقد جعل ابن تيمية العدول عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم سببا لتبديع المعين مع كونه مجتهدا مغفورا له؛ لأن مناط تبديع المعين يختلف عن مناط المغفرة، ولأنه لا تلازم بين تبديعه وتأثيمه، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (13/ 361): "و فِي الْجُمْلَةِ مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِمْ إلَى مَايُخَالِفُ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُه".

وعندما نعبر بمخالقة مصدر التلقي نعني به المنظومة الاستدلالية الكلامية
في سياق كلامنا عن الفرق العقدية
فلا يتصور واقعا عدم التلازم بين الأخذ بالمنظومة الاستدلالية كاملة والتفريط في الواجب والتقصير فيه واتباع الهوى
الذي هو العلة الحقيقية لتبديعه
إلا أنه لما كان خفيا غير منضبط علق بمظنته وهو المخالفة في مصدر التلقي...

ولا تدخل في ذلك صورة من أخذ ببعض المنظومة الاستدلالية الكلامية تقليدا
فتكون المخالفة في مصدر التلقي جزئية؛ ظنا منه أنه وافق مقتضى نص شرعي أو إجماع
كمن ينطلق في تأويل بعض الصفات وتقديم العقل من قوله تعالى:[ليس كمثله شيء] ظنا منه أن هذا هو مقتضى النص، ولم يتسلسل الأمر عنده وفق المنظومة الكلامية.
فهذه الصورة يتصور أن يتخلف  عنها اتباع الهوى؛ لانه انطلق مما ظنه مقتضى النص الشرعي، ويتخلف عنها أيضا التفريط والتقصير؛ لانتفاء التمكن من معرفة الحق والوصول إليه.
ومتى تخلف التفريط والتقصير واتباع الهوى تخلف معه حكم التبديع مباشرة.
وهذا حال كثير من شراح الحديث والفقهاء والمفسرين فتراهم يأخذون شيئا من المنظومة الاستدلالية الكلامية ظنا منهم أن هذا هو مقتضى النص الشرعي أو هو الموافق للإجماع...
فهم لم يعملوا المنظومة الاستدلالية الكلامية كاملة ومتسلسلة في القول البدعي الكفري الذي وافقوا فيه الأشعرية مثلا
ولو كان مجرد الموافقة يكفي  في الحكم بالتبديع لما سلمت طائفة ممن اتفق أهل السنة على إمامتهم في السنة.

والخلاصة
من خالف في مصدر التلفي بُدع من غير إقامة الحجة؛ لخروجه عن المنظومة الاستدلالية الشرعية، ولا يعذر بالجهل في استحقاق التبديع؛ لأن مخالفته (وفق تلك المنظومة الاستدلالية الكلامية) تلازم التفريط والتقصير ومتابعة الهوى
فلا يشترط في تبديعه إقامة الحجة على أن الوحي هدى ولا يدل على الكفر ولا يقتضيه ... إلى آخره
وإقامتها تقتضي تكفيره لا تبديعه
وأما من لم يخرج عن المنظومة الشرعية إلا أنه وافق قولا للجهمية فهذا لابد من إقامة الحجة عليه.
كتبه د. أحمد محمد الصادق النجار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق