الأحد، 27 أكتوبر 2019

مطلق الاستعانة بالكفار على المسلمين ليست كفرا أكبر


[مهلا يا شيخ محمد أبو عجيلة, فالحكم على الشيء فرع تصوره, ونهينا عن الكلام في النيات, وحمل كلام الناس على غير مرادهم وواقعهم]
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد, فإن الكلام عمن يؤخذ عنه العلم ومن لا يؤخذ يحتاج إلى علم وورع وتصور ما هم عليه بعد جمع كلامهم ووزنه بالميزان الشرعي وما عليه سلف الأمة, فكلما أخذ الإنسان من موروث السلف تأصيلا وتنزيلا سهل عليه الحكم على الآخرين بعد جمع كلامهم وفهمه وحمله على مرادهم لا على مراد الناظر, وهذا من العدل والإنصاف.
وقد وظف بعض الشباب مسائل تعتمد على تصور الواقع وتنزيل النصوص عليه للتشكيك في بعض العلماء ونزع هيبتهم من صدور الناس, وهذا من البغي والظلم الذي يرجع على صاحبه ويحور عليه.
وفي يوم السبت 28-صفر-1441 الموافق 27-10-2019 سمعت مقطعا للشيخ محمد أبو عجيلة في قناة التناصح مباشر في برنامج الإسلام والحياة قال فيه ما ملخصه: (الشيخ ابن باز والشيخ العثيمين والشيخ الألباني والشيخ الفوزان والشيخ ربيع
قلتم لنا هؤلاء الأئمة الكبار...فهم شيوخ وعلماء...السياسة الشرعية والفتاوى التي هي تتبع الحاكم وتؤثر على العرش وعلى الدولة وتغضب الأمريكان فإذا غضب الأمريكان غضب لغضبهم الحاكم فأفقدهم مشيختهم وزعامتهم ورئاستهم...
مسألة الاستعانة بالكافر, والمسألة واضحة, قلنا: هذه هل الغلبة والقيادة والراية للكافر أو المسلم؟ الراية راية الكفار والغلبة غلبتهم, فهذه من الصنف الأول – يعني التي هي ردة وكفر أكبر- ...الشيخ ابن باز نفسه يقول: أجمع العلماء على أن من استعان بالكافرين على المسلمين بأي وجه فهو مرتد.
في أغلب ظني أنه قاله قبل حرب الخليج...وبعدين جاءت الفتاوى
الخمسة هؤلاء أربعة في جهة وواحد في جهة, ... مشايح المملكة السعودية سواء بتصريحك أو سكوتهم؛ لأن منهم من يلعب بطريقة معينة: أيدوا المسألة وأجازوا للدولة أن تستعين بالأمريكان مع أن الراية للأمريكان والقيادة للأمريكان والانتهاء للمعركة للأمريكان ...وخالفهم الشيخ الألباني
تعالوا انشوفوا في هذه المسألة من هو على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة, ومن هو على الكتاب والسنة بأوامر العرش أو بفهم العرش...)
وقد تضمن كلامه خلطا عظيما, وعدم مطابقة للواقع, ودخولا في النيات, وإسقاطا للمشايخ, وتقويلا لهم ما لم يقولوه, مع تهكم لا ينبغي.
والرد عليه من وجوه:
الوجه الأول: يجب عدم الخلط بين مسألة الاستعانة وبين مسألة الإعانة والموالاة المطلقة للكفار, فلا يلزم من الاستعانة بالكافر على المسلم: إعانتهم على ظهور الكفر وأهله, والموالاة المطلقة.
فالكفر في معاونة الكفار على دينهم، واختيار ظهور الكفر وأهله على ظهور الإسلام, لا في مطلق الاستعانة بهم على المسلمين وإن لم يكن للمسلمين الغلبة.
الوجه الثاني: أن فقهاء الإسلام لما منعوا جواز الاستعانة بالكفار على المسلمين إذا لم يكن للمسلمين الغلبة لم يجعلوها من باب الكفر والإيمان, كما تصوره الشيخ محمد, وليته رجع إلى أهل التخصص في تصور مسألة لها مساس بالإيمان والكفر.
قال النّووي رحمه الله: "ولا يستعين في قتالهم بالكفّارِ، ولا بمَن يَرى قتلَهم مدبرين، لأنّ القصدَ كفُّهم وردُّهم إلى الطّاعة دون قتلِهم، وهؤلاء يقَصدون قتلَهم، فإنْ دعت الحاجةُ إلى الاستعانة بهم فإنْ كان يقدر على منعهم مِن اتّباع المدبرين جاز، وإنْ لم يقدرْ لم يجز
وقال القَرافي رحمه الله: "يمتاز قتالُ البغاةِ على قتال المشركين بأحدَ عشرَ وجهًا: أنْ يُقصدَ بالقتال ردعُهم القهري، ويُكفَّ عن مُدبرهم، ولا يُجهزَ على جريحِهم، ولا يُقتلَ أسراهم، ولا تُغنم أموالُهم ولا تُسبى ذراريهم، ولا يُستعان عليهم بمشركٍ"
وقال ابن حزم رحمه الله: "هذا عندنا -ما دام في أهل العَدْلِ مَنَعَةٌ- فإن أشرفوا على الهَلَكةِ، واضطُرّوا ولم تكن لهم حيلةٌ، فلا بأسَ بأنْ يلجؤوا إلى أهل الحرب، وأنْ يمتنعوا بأهل الذّمّة، ما أيقنوا أنهم في استنصارهم: لا يؤذون مسلمًا ولا ذمّيًا في دم أو مال أو حرمة ممّا لا يحلُّ". برهان ذلك: قولُ الله تعالى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} وهذا عمومٌ لكلِّ مَن اضطرّ إليه، إلا ما منع منه نصٌّ، أو إجماع.
الوجه الثالث: أن حجة من زعم أنه كفر في فهم دلالة النصوص, وتابعهم عليه الشيخ: الاستدلال بكلام ابن حزم, وفيه : (وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين، وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين، أو على أخذ أموالهم، أو سبيهم، فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع، فهو هالك في غاية الفسوق، ولا يكون بذلك كافرا، لأنه لم يأت شيئا أوجب به عليه كفرا: قرآن أو إجماع، وإن كان حكم الكفار جاريا عليه فهو بذلك كافر على ما ذكرنا، فإن كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر فما نراه بذلك كافرا - والله أعلم -)
وجوابه: في قول ابن حزم: ( وإن كان حكم الكفار جاريا عليه فهو بذلك كافر على ما ذكرنا) والشرط الذي ذكره, هو: (مختارا محاربا لمن يليه من المسلمين، فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها).
فليس كلام ابن حزم على إطلاقه, وإنما هو مقيد بمن استعان بهم مختارا ويريد حرب المسلمين.
فمناط الكفر في الاستعانة: قصد ظهور الكافرين على المسلمين؛ حبا لدينهم.
ولما سئل الشيخ الصادق عن موقف الشريعة من الاستعانة بالناتو؟
قال: (حكم الاستعانة في قتال الفريقين من المسلمين, حكم الاستعانة بغير المسلمين: الأصل فيها أنها غير جائزة؛ لقول الله [ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا]
لكن هذا الحكم في حالة الاختيار, هكذا أهل العلم أجمعين يقررون..
أما إذا اضطرت فئة الحق إلى ذلك بأن غالبهم أهل الباطل وأحاطوا بهم وكثروا عليهم وخافوا أن يستأصلوهم فإن لأحكام الضرورة أحكاما تخالف أحكام الاختيار )
فهل أفتى بكفر؟!!
وهل يُطبق على الشيخ ما طبقه الشيخ أبو عجيلة على الشيخين, أو القواعد لا تطرد؟!
وهل كانت الغلبة والقيادة للناتو أو لليبيبن؟!!
الوجه الخامس: يجب أن يعلم: في مسألة الاستعانة بالكفار في حرب الخليج ضد صدام كان الشيخ ابن باز يكفر صدام؛ لإلحاده عنده, فهي ليست من باب الاستعانة بالكافر على المسلم.
س: هل يجوز لعن حاكم العراق؟ لأن بعض الناس يقولون: إنه ما دام ينطق بالشهادتين نتوقف في لعنه، وهل يجزم بأنه كافر؟ وما رأي سماحتكم في رأي من يقول: بأنه كافر؟
هو كافر وإن قال: لا إله إلا الله، حتى ولو صلى وصام، ما دام لم يتبرأ من مبادئ البعثية الإلحادية ويعلن أنه تاب إلى الله منها وما تدعو إليه؛ ذلك أن البعثية كفر وضلال، فما لم يعلن هذا فهو كافر. مجموع فتاوى ومقالات ابن باز (6/155)
الوجه السادس: أن الشيخين جوزا الاستعانة؛ لأنها كانت حال ضرورة عندهم, وقيدوا جواز الاستعانة بقيود, وانطلقوا في ذلك من النصوص الشرعية لا من ضغط وموافقة هوى الحاكم, كما زعم الشيح محمد أبو عجيلة, وهذا من سوء الظن وعدم التصور.
س: يقول بعض الناس الذين يشككون في فتوى هيئة كبار العلماء بشأن الاستعانة بغير المسلمين في الدفاع عن بلاد المسلمين وقتال حاكم العراق: بعدم وجود الأدلة القوية التي تدعمها. فما تعليق سماحتكم على ذلك؟
قد بينا ذلك فيما سبق وفي مقالات عديدة، وبينا أن الرب جل وعلا أوضح في كتابه العظيم: أنه سبحانه أباح لعباده المؤمنين إذا اضطروا إلى ما حرم عليهم أن يفعلوه، كما قال تعالىوَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام: 119] ولما حرم الميتة والدم والخنزير والمنخنقة والموقوذة وغيرها قال في آخر الآيةفَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 3].
والمقصود أن الدولة في هذه الحالة قد اضطرت إلى أن تستعين ببعض الدول الكافرة على هذا الظالم الغاشم؛ لأن خطره كبير، ولأن له أعوانًا آخرين لو انتصر لظهروا وعظم شرهم، فلهذا رأت الحكومة السعودية وبقية دول الخليج أنه لا بد من دول قوية تقابل هذا العدو الملحد الظالم، وتعين على صده وكف شره وإزالة ظلمه.
وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية لما تأملوا هذا ونظروا فيه وعرفوا الحال بينوا أن هذا أمر سائغ، وأن الواجب استعمال ما يدفع الضرر، ولا يجوز التأخر في ذلك، بل يجب فورًا استعمال ما يدفع الضرر عن المسلمين ولو بالاستعانة بطائفة من المشركين فيما يتعلق بصد العدوان وإزالة الظلم، وهم جاءوا لذلك، وما جاءوا ليستحلوا البلاد، ولا ليأخذوها، بل جاءوا لصد العدوان وإزالة الظلم ثم يرجعون إلى بلادهم، وهم الآن يتحرون المواضع التي يستعين بها العدو، وما يتعمدون قتل الأبرياء ولا قتل المدنين، وإنما يريدون قتل الظالمين المعتدين وإفساد مخططهم والقضاء على سبل إمدادهم وقوتهم في الحرب. ولكن بعض المرجفين المغرضين يكذب على الناس، ويقول: إنهم حاصروا الحرمين، وإنهم فعلوا، وإنهم تركوا، كل هذا من ترويج الباطل والتشويش على الناس لحقد في قلوب بعض الناس، أو لجهل من بعضهم وعدم بصيرة، أو لأنه مستأجر من حاكم العراق ليشوش على الناس.
والناس أقسام: منهم من جهل الحقائق والتبست عليه الأمور، ومنهم من هو جاهل لا يعرف الأحكام الشرعية، ومنهم من هو مستأجر من الطغاة الظلمة ليشوش على الناس ويلبس عليهم الحق، والله المستعان. مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (6/147)
الوجه السابع: أن فتوى الاستعانة كانت لدفع الصائل, لا لدخول العراق, وإنما دخلوا العراق بقرار من مجلس الأمن, لا علاقة له بالفتوى.
الوجه الثامن: قول الشيخ أبو عجيلة :" الشيخ ابن باز نفسه يقول: أجمع العلماء على أن من استعان بالكافرين على المسلمين بأي وجه فهو مرتد.في أغلب ظني أنه قاله قبل حرب الخليج "
وجوابه: لا أدري من أين جاء به!!
فالشيخ ابن باز تكلم عن حكم الإعانة ومظاهرة الكفار لا عن حكم الاستعانة, قال الشيخ عبد العزيز بن باز: "أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقص الإسلام لقول الله عز وجل: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}" (فتاوى إسلامية، جمع محمد بن عبد العزيز المسند ج4 السؤال الخامس من الفتوى رقم 6901)
وقال: (وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة، فهو كافر مثلهم)
وهذا الإجماع لا يسلم به, قال الشافعي في الأم: (لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا أن يقتل أو يزني بعد إحصان أو يكفر كفرا بينا بعد إيمان ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين، فقلت للشافعي: أقلت هذا خير أم قياسا؟ قال قلته بما لا يسع مسلما علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب)
وفي الختام: نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.
كتبه: أحمد محمد الصادق النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق